ربما كان السبيل الانسب لفهم حقيقة اللوائح الموجودة عند اهل البيت (عليهم السلام ) كالجفروالجامعة ومصحف فاطمة وكيفية تدوين المعلومات فيها ، هو النظر اليها من جهة كونها موضوعة على هيئة اشارات ورموز لا يعلم احد سوى الامام ( ع) ما تدل عليه من معنى اي هي بشكل كلمات مجملة غاية لا يعرف احد كيفية تفصيلها الا الامام ( ع) . ولاثبات صحة هذاالنظر نناقش الموضوع في مبحثين :
المبحث الاول : الاستيعاب اذ لو لم تكن المعلومات مسطورة بهيئة أشارات ومجملات لما امكن ان تسعها قراطيس الدنيا كلها فضلاً عن بضعة كتب او مدونات ، وعليه ففي سبيل استغراق كافة العلوم بمسائلها وتفصيلاتها الدقيقة ، سواء ما يحتاجه الناس عامة او ما يخص معرفته بطائفة منهم ، لابد من اللجوء الى هذه الطريقة ، روي عن ابي جعفر( ) قال ( ان رسول الله (ص) علم علياً الف حرف ، كل حرف يفتح الف حرف ، والالف حرف كل حرف منها يفتح الف حرف )) الصدوق ، الخصال ص648 .
المبحث الثاني : السرية ، اذ من الممكن عملياً ان تقع تلك اللوائح بأيدي غير امينة فتعمل على اذاعة ما لا ينبغي اذاعته من الاسرار ، فكان الانسب هو اللجوء الى تلك الطريقة في التدوين .روي عن هشام بن سالم قال : قلت لابي عبد الله ( ) : (( عند العامة من احاديث رسول الله (ص) شيء يصح ؟ فقال : نعم ان رسول الله ( ) أنال الناس ، وأنال وأنال . وعندنا معاقل العلم ، وفصل ما بين الناس )) الشيخ المفيد الاختصاص ص209 .
وفي رواية اخرى عن محمد بن مسلم قال : قال ابو عبد الله ( ) ( ان رسول الله (ص) قد انال وانال وانال - يشير كذا وكذا - وعندنا اهل البيت اصول العلم وعٌراه وضياءه واواخيه )) الشيخ المفيد الاختصاص ص209.
ان الخبرين المذكورين يثبتان بما لا يدع مجالاً لريبة مرتاب ، أن علوم آل محمد مخزونة عندهم على شكل أصول قابلة للتفريغ ، ومجملات صالحة للتفصيل ، واسارات قابلة للتأويل .
وربما كانت حصة اخبار المستقبل من تلك الاصول والاشارات اكثر من غيره ، لانها في الظاهر موجهه الى المخاطب الحاضر عند الامام ( )، بينما لا يمكن ان تفهم الا بعد مرور اجيال ، وافاد السيد محمدالصدر ( رضوان الله عليه ) بهذا الخصوص في تاريخ الغيبة ، واما في روايات التنبؤ بالمستقبل فأنها تصدر في الاعم الاغلب عن قائلها النبي ( ) او غيره ، رمزية غير واضحة المعنى ، بحيث يحتاج فهمها الى تدقيق )) السيد محمد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ص205 . وقال في مكان اخر من كتابه : (( اذن ، فالاغماض عند عرض الحوادث ، يعتبر مشاركة فعلية من قبل النبي ( ) والامام ( ) في انجاح المخطط الالهي لايجاد شرائط الظهور )) السيد محمد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ص211.
ولابد لنا من ذكر الغرض من تواجد هذه اللوائح عند ال محمد (عليهم السلام) ، وبالرغم من انهم قادرون على الاستغناء عنها من جهة اتصالهم بالغيب واطلاعهم المباشر على ما يكون ، وتلقيهم الفيض الذي لا ينقطع ، فالسائل يسأل : ما فائدة تلك المدونات العلمية المحفوظة عند اهل البيت (ع) مع حضور العلم اللدني الذي يفاض عليهم ؟ ولاجل حل هذه المسألة أود أن انبه الى امر هام يتعلق بتفوق أمير المؤمنين ( ) في حله للاشكالات على سائر الائمة ( صلوات الله عليهم جميعاً ) ، مشيراً الى خطأ ورد في بعض الكتب لتفسير معنى هذا التفوق . لقد روي عن أبي جعفر ( ) ، قوله : (( ان علياً (عليه السلام ) كان اذاورد عليه امر لم يجيء فيه كتاب ، ولم تجيء به سنة ، رجم فيه فاصاب ، ثم قال ( للراوي ) : يا عبد الرحيم ، وتلك من المعضلات )) الشيخ المفيد ، الاختصاص ص308 .
نقل الشيخ المفيد ( رضوان الله عليه ) هذه الرواية في كتابه الاختصاص ، ولكنه - على ما يبدو - أقحم على الحديث ، بعد قول الباقر ( ): رجم فيه ، عبارة ( يعني ساهم ) ، يشرح بها كلمة : ( رجم ) ، ولعل هذا الاقحام كان من قبل الراوي لهذا الحديث ، ومهما يكن ، فقدجانب الصواب : لان (ساهم) لا تدل على الرجم الا بالالتزام ، فالرجم في اللغة :هو التكلم بنحو الظن او بما لا يعلم ، وهذا هو المشهور أيضاً في استعمالها . بينما ( ساهم ) تاتي لغة بمعنى : قارع أو اعضل الامر : اي أشتد واستغلق ، وأمر معضل : لا يهتدى لوجهه . ثم انه من غير الراجح ان يكون الامام - وهو في مقام الاعراب والتبيين - قاصداً للمعنى المجازي او الالتزامي ، فذلك بعيداً عن المتبادر . بقي اذن ، أن نحاول فهم المقصود وفق المعنى المطابقي او الحقيقي . أي أن مراد الامام ( ) بقوله : ( رجم فيه ) هو انه تكلم فيه بنحو لا يُعلم له مثيل ، واذا كان كذلك فهو مستغلق على الفهم ، اي انه من المعضلات .
والمطلب الذي نريد بحثه الان ، هو : ما هي الثمرة من احتفاظ اهل البيت ( ) بتلك اللوائح والاصول التي اطلقنا عليها (( المرجعية التدوينية )) ( تجوزاً ) رغم أنهم في الواقع مستغنون عنها في مقام التعليم للأخرين ؟ اقول : ان رجوع ال محمد ( ) الى تلك المرجعية في الاخبار ببعض الحوادث او توضيح بعض الغوامض ان لم يكن بهدف التحصيل لامر غير حاصل عندهم من العلم ، فلا بد ان يكون لغاية اخرى ، وانني أرجح - في هذا الصدد - أن تكون تلك الغاية ذات طبيعة توريثية . وبعبارة اخرى فأنني اعتقد ان تلك اللوائح تجري مجرى الموروث الخاص . وهذا الاعتقاد او الترجيح منشأه امران :
الامر الاول : أن المواريث الخاصة التي تنتقل بين الانبياء والاوصياء لها سمة قدسية ، وهي لا تدور الا بين الرجال المستحقين لخلافة الله تعالى ، وان لم تكن تربطهم ( فيما بينهم ) علاقة نسبية مباشرة ، فالاستحقاق لارث خاصة الله لا يمكن ان ينتقل الا خاصة الله ( ).
وتنقسم هذه المواريث الخاصة الى طبقتين :
الطبقة الاولى : المخلفات والامتعة الشخصية للانبياء والاوصياء ، مثل : قميص ادم ، عصى موسى ، حجر موسى ، خاتم سليمان ، تابوت بني اسرائيل ، وكذا عمامة رسول الله( ) وسيفه ، وخاتمه ورايته ودرعه ....الخ .
والطبقة الثانية من المواريث : هي الاصول العلمة والكتب المقدسة ، مثا : صحف ادم ، وصحف ابراهيم ، وتوراة موسى ، وانجيل عيسى ، وزبور داود ، والقران الكريم ، ومصحف فاطمة ، والجفر ، والجامعة .... الخ .
الامر الثاني : ان تلك المواريث الخاصة قد تنفع في مقام دعم الموقف الشرعي للنبي او للوصي - وللأخير خاصة ، كما سوف يتضح - بأعتبار حجة لله تعالى على عباده . اي ان تلك الاشياء ( سواء كانت من الطبقة الاولى او من الطبقة الثانية ) يمكن ان تكون صالحة لاثبات دعوى الحجية للنبي او للوصي . غير ان الاحتجاج بها يتم في مستويين :
المستوى الاول : الاحتجاج الخاص زماناً والعام أفراداً . ويحصل ذلك في اطار الطبقة الاولى من الموروث الخاص ، اي المخلفات والامتعة ، فأنه يفتقر الى تقارب زمان النبي ووصيه صاحب الدعوى ، وكذلك الوصي ومن يليه . اذ ان الاحتجاج من قبل النبي او الوصي على الناس بتلك المخلفات انما يجوز فيما اذا عاصر الناس كلا من صاحب الحجة وصاحب دعوى الحجية ، سواء كانا نبييين او نبي ووصي او وصيين . فأنه من المفترض ان تكون تلك المخلفات والامتعة الشخصية مشهودة من قبل الناس او معروفة عندهم ، ولا مانع من ابدائها كونها مما يشترك في حيازة مثلها كافة الناس ، وان اختلفت عنها بمميزات خاصة وعلامات فارقة ، وفي نطاق هذه المميزات والعلامات يجوز الاحتجاج ، اذ يمكن لاهل الخبرة الاطلاع عليها واعلام الناس بكون تلك الامتعة عائدة - في الواقع - لصاحب الحجة نبياً كان او وصياً ، وعلى ذلك فانها تكون من اثباتات الدعوى لمن يليهما .
ومن اجل ان تتضح هذه المسألة جيداً ، ننقل هذه الرواية التي رواها سعيد السمان ، قال : (( كنت عند ابي عبد الله ( ) اذ دخل عليه رجلان من الزيدية ، فقالا له : افيكم امام مفترض الطاعة ؟ قال : فقال : لا . قال : فقالا له : قد اخبرنا عنك الثقات انك تفني وتُقر وتقول به ، ونسميهم لك : فلان وفلان ،وهم اصحاب ورع وتشمير ، وهم ممن لا يكذب . فغضب ابو عبد الله ( )، فقال : ما امرتهم بهذا . فلما رأينا الغضب في وجهه خرجنا فقال لي : أتعرف هذين ؟قلت : نعم ، هما من اهل سوقنا ، وهما من الزيدية ، وهما يزعمان ان سيف رسول الله ( )عند عبد الله بن الحسن. فقال : كذبا لعنهما الله .والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ، ولا بواحدة من عينيه . ولا رآه أبوه ، اللهم الا ان يكون رآه عند علي بن الحسين . فأن كانا صادقين فما علامة في مقبضة ؟ وما اثر في موضع مضربه ؟ وان عندي لسيف رسول الله ( )، وان عندي لراية رسول الله ( ) ودرعه ، ولامته ، ومغفره ، فأن كانا صادقين ، فما علامة في درع رسول الله ( ) ؟ )) الكليني ، الكافي ( الاصول ) ، ج1 / ص81-81 .
المستوى الثاني : الاحتجاج العام زماناً والخاص أفراداً . ويحصل ذلك في اطار الطبقة الثانية من الموروث الخاص ، أي الاصول العلمية والكتب المقدسة . وهذا لا يفتقر الى تقارب صاحب الحجة وصاحب الدعوى ، اذ ان الاحتجاج من قبل النبي او الوصي على الناس بتلك الاصولوالكتب لا يشترط فيه زمان دون اخر ، ولكنه يتطلب نخبة من الناس تتميز بالعلم والبصيرة ، ممن لا يعاند الحق ، وأحياناً في مقام اقامة الحجة على العاقل المنكر او المعاند.
اذا تبين ذلك ، تقول : أن درجة نضج الوعي عند الامم تترقى تدريجياً مع تقدم الزمان ، وهذا امر مسلم بع عند الجميع ، وذلك لان تنامي الوع تابع لتطور العلوم ، والعلوم في تطور مستمر ، وعليه ، فأن الناس الذين كان يكفي في مقام الاحتجاج عليهم ابداء شيء من مخلفات الانبياء والاوصياء ، قد لا ينفع معهم في عصر غزو الفضاء وعلوم الحاسوب ، نفس ذلك الاسلوب من الاحتجاج ، الا انه بالرغم من كل ذلك لا يجوز ان نتوقع ان المهدي ( ) سوف لا يسعى لاقامة الدليل على كونه حجة الله تبارك وتعالى ، ولا نعتقدان الدليل سوف يكون خارجاً عن مورد العلم خاصة ، بمعنى ا المحاجة ، ان حدثت ، فسوف لن تخرج عن اطار قضايا العلم، اذ هو السمة السائدة في عصره ، كما ثبت ذلك في كثير من الروايات ، وسنذكرطائفة منها بعد قليل . وهنا يأتي دور الطبقة الثانية من الموروث الخاص ، ولا سيما المرجعية التدوينية للأئمة (ع) -كما اسلفنا - ليسوا بحاجة الى التحصيل . واذا علمنا ، من ناحية ثانية ، ان تلك المرجعية ، والتي هي جزء من الموروث الخاص ، لم تستعمل حتى الان في مقام الاحتجاج من قبل ائمة اهل البيت (ع) ، جاز لنا ان نستنتج لنها ربما كانت مذخورة لصاحب الامر ( عجل الله تعالى فرجه ) ما بهدف التعجيز ، واما بهدف الاحتجاج ، اي المحاجة مع علماء عصره من خاصة قومه
المبحث الاول : الاستيعاب اذ لو لم تكن المعلومات مسطورة بهيئة أشارات ومجملات لما امكن ان تسعها قراطيس الدنيا كلها فضلاً عن بضعة كتب او مدونات ، وعليه ففي سبيل استغراق كافة العلوم بمسائلها وتفصيلاتها الدقيقة ، سواء ما يحتاجه الناس عامة او ما يخص معرفته بطائفة منهم ، لابد من اللجوء الى هذه الطريقة ، روي عن ابي جعفر( ) قال ( ان رسول الله (ص) علم علياً الف حرف ، كل حرف يفتح الف حرف ، والالف حرف كل حرف منها يفتح الف حرف )) الصدوق ، الخصال ص648 .
المبحث الثاني : السرية ، اذ من الممكن عملياً ان تقع تلك اللوائح بأيدي غير امينة فتعمل على اذاعة ما لا ينبغي اذاعته من الاسرار ، فكان الانسب هو اللجوء الى تلك الطريقة في التدوين .روي عن هشام بن سالم قال : قلت لابي عبد الله ( ) : (( عند العامة من احاديث رسول الله (ص) شيء يصح ؟ فقال : نعم ان رسول الله ( ) أنال الناس ، وأنال وأنال . وعندنا معاقل العلم ، وفصل ما بين الناس )) الشيخ المفيد الاختصاص ص209 .
وفي رواية اخرى عن محمد بن مسلم قال : قال ابو عبد الله ( ) ( ان رسول الله (ص) قد انال وانال وانال - يشير كذا وكذا - وعندنا اهل البيت اصول العلم وعٌراه وضياءه واواخيه )) الشيخ المفيد الاختصاص ص209.
ان الخبرين المذكورين يثبتان بما لا يدع مجالاً لريبة مرتاب ، أن علوم آل محمد مخزونة عندهم على شكل أصول قابلة للتفريغ ، ومجملات صالحة للتفصيل ، واسارات قابلة للتأويل .
وربما كانت حصة اخبار المستقبل من تلك الاصول والاشارات اكثر من غيره ، لانها في الظاهر موجهه الى المخاطب الحاضر عند الامام ( )، بينما لا يمكن ان تفهم الا بعد مرور اجيال ، وافاد السيد محمدالصدر ( رضوان الله عليه ) بهذا الخصوص في تاريخ الغيبة ، واما في روايات التنبؤ بالمستقبل فأنها تصدر في الاعم الاغلب عن قائلها النبي ( ) او غيره ، رمزية غير واضحة المعنى ، بحيث يحتاج فهمها الى تدقيق )) السيد محمد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ص205 . وقال في مكان اخر من كتابه : (( اذن ، فالاغماض عند عرض الحوادث ، يعتبر مشاركة فعلية من قبل النبي ( ) والامام ( ) في انجاح المخطط الالهي لايجاد شرائط الظهور )) السيد محمد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ص211.
ولابد لنا من ذكر الغرض من تواجد هذه اللوائح عند ال محمد (عليهم السلام) ، وبالرغم من انهم قادرون على الاستغناء عنها من جهة اتصالهم بالغيب واطلاعهم المباشر على ما يكون ، وتلقيهم الفيض الذي لا ينقطع ، فالسائل يسأل : ما فائدة تلك المدونات العلمية المحفوظة عند اهل البيت (ع) مع حضور العلم اللدني الذي يفاض عليهم ؟ ولاجل حل هذه المسألة أود أن انبه الى امر هام يتعلق بتفوق أمير المؤمنين ( ) في حله للاشكالات على سائر الائمة ( صلوات الله عليهم جميعاً ) ، مشيراً الى خطأ ورد في بعض الكتب لتفسير معنى هذا التفوق . لقد روي عن أبي جعفر ( ) ، قوله : (( ان علياً (عليه السلام ) كان اذاورد عليه امر لم يجيء فيه كتاب ، ولم تجيء به سنة ، رجم فيه فاصاب ، ثم قال ( للراوي ) : يا عبد الرحيم ، وتلك من المعضلات )) الشيخ المفيد ، الاختصاص ص308 .
نقل الشيخ المفيد ( رضوان الله عليه ) هذه الرواية في كتابه الاختصاص ، ولكنه - على ما يبدو - أقحم على الحديث ، بعد قول الباقر ( ): رجم فيه ، عبارة ( يعني ساهم ) ، يشرح بها كلمة : ( رجم ) ، ولعل هذا الاقحام كان من قبل الراوي لهذا الحديث ، ومهما يكن ، فقدجانب الصواب : لان (ساهم) لا تدل على الرجم الا بالالتزام ، فالرجم في اللغة :هو التكلم بنحو الظن او بما لا يعلم ، وهذا هو المشهور أيضاً في استعمالها . بينما ( ساهم ) تاتي لغة بمعنى : قارع أو اعضل الامر : اي أشتد واستغلق ، وأمر معضل : لا يهتدى لوجهه . ثم انه من غير الراجح ان يكون الامام - وهو في مقام الاعراب والتبيين - قاصداً للمعنى المجازي او الالتزامي ، فذلك بعيداً عن المتبادر . بقي اذن ، أن نحاول فهم المقصود وفق المعنى المطابقي او الحقيقي . أي أن مراد الامام ( ) بقوله : ( رجم فيه ) هو انه تكلم فيه بنحو لا يُعلم له مثيل ، واذا كان كذلك فهو مستغلق على الفهم ، اي انه من المعضلات .
والمطلب الذي نريد بحثه الان ، هو : ما هي الثمرة من احتفاظ اهل البيت ( ) بتلك اللوائح والاصول التي اطلقنا عليها (( المرجعية التدوينية )) ( تجوزاً ) رغم أنهم في الواقع مستغنون عنها في مقام التعليم للأخرين ؟ اقول : ان رجوع ال محمد ( ) الى تلك المرجعية في الاخبار ببعض الحوادث او توضيح بعض الغوامض ان لم يكن بهدف التحصيل لامر غير حاصل عندهم من العلم ، فلا بد ان يكون لغاية اخرى ، وانني أرجح - في هذا الصدد - أن تكون تلك الغاية ذات طبيعة توريثية . وبعبارة اخرى فأنني اعتقد ان تلك اللوائح تجري مجرى الموروث الخاص . وهذا الاعتقاد او الترجيح منشأه امران :
الامر الاول : أن المواريث الخاصة التي تنتقل بين الانبياء والاوصياء لها سمة قدسية ، وهي لا تدور الا بين الرجال المستحقين لخلافة الله تعالى ، وان لم تكن تربطهم ( فيما بينهم ) علاقة نسبية مباشرة ، فالاستحقاق لارث خاصة الله لا يمكن ان ينتقل الا خاصة الله ( ).
وتنقسم هذه المواريث الخاصة الى طبقتين :
الطبقة الاولى : المخلفات والامتعة الشخصية للانبياء والاوصياء ، مثل : قميص ادم ، عصى موسى ، حجر موسى ، خاتم سليمان ، تابوت بني اسرائيل ، وكذا عمامة رسول الله( ) وسيفه ، وخاتمه ورايته ودرعه ....الخ .
والطبقة الثانية من المواريث : هي الاصول العلمة والكتب المقدسة ، مثا : صحف ادم ، وصحف ابراهيم ، وتوراة موسى ، وانجيل عيسى ، وزبور داود ، والقران الكريم ، ومصحف فاطمة ، والجفر ، والجامعة .... الخ .
الامر الثاني : ان تلك المواريث الخاصة قد تنفع في مقام دعم الموقف الشرعي للنبي او للوصي - وللأخير خاصة ، كما سوف يتضح - بأعتبار حجة لله تعالى على عباده . اي ان تلك الاشياء ( سواء كانت من الطبقة الاولى او من الطبقة الثانية ) يمكن ان تكون صالحة لاثبات دعوى الحجية للنبي او للوصي . غير ان الاحتجاج بها يتم في مستويين :
المستوى الاول : الاحتجاج الخاص زماناً والعام أفراداً . ويحصل ذلك في اطار الطبقة الاولى من الموروث الخاص ، اي المخلفات والامتعة ، فأنه يفتقر الى تقارب زمان النبي ووصيه صاحب الدعوى ، وكذلك الوصي ومن يليه . اذ ان الاحتجاج من قبل النبي او الوصي على الناس بتلك المخلفات انما يجوز فيما اذا عاصر الناس كلا من صاحب الحجة وصاحب دعوى الحجية ، سواء كانا نبييين او نبي ووصي او وصيين . فأنه من المفترض ان تكون تلك المخلفات والامتعة الشخصية مشهودة من قبل الناس او معروفة عندهم ، ولا مانع من ابدائها كونها مما يشترك في حيازة مثلها كافة الناس ، وان اختلفت عنها بمميزات خاصة وعلامات فارقة ، وفي نطاق هذه المميزات والعلامات يجوز الاحتجاج ، اذ يمكن لاهل الخبرة الاطلاع عليها واعلام الناس بكون تلك الامتعة عائدة - في الواقع - لصاحب الحجة نبياً كان او وصياً ، وعلى ذلك فانها تكون من اثباتات الدعوى لمن يليهما .
ومن اجل ان تتضح هذه المسألة جيداً ، ننقل هذه الرواية التي رواها سعيد السمان ، قال : (( كنت عند ابي عبد الله ( ) اذ دخل عليه رجلان من الزيدية ، فقالا له : افيكم امام مفترض الطاعة ؟ قال : فقال : لا . قال : فقالا له : قد اخبرنا عنك الثقات انك تفني وتُقر وتقول به ، ونسميهم لك : فلان وفلان ،وهم اصحاب ورع وتشمير ، وهم ممن لا يكذب . فغضب ابو عبد الله ( )، فقال : ما امرتهم بهذا . فلما رأينا الغضب في وجهه خرجنا فقال لي : أتعرف هذين ؟قلت : نعم ، هما من اهل سوقنا ، وهما من الزيدية ، وهما يزعمان ان سيف رسول الله ( )عند عبد الله بن الحسن. فقال : كذبا لعنهما الله .والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ، ولا بواحدة من عينيه . ولا رآه أبوه ، اللهم الا ان يكون رآه عند علي بن الحسين . فأن كانا صادقين فما علامة في مقبضة ؟ وما اثر في موضع مضربه ؟ وان عندي لسيف رسول الله ( )، وان عندي لراية رسول الله ( ) ودرعه ، ولامته ، ومغفره ، فأن كانا صادقين ، فما علامة في درع رسول الله ( ) ؟ )) الكليني ، الكافي ( الاصول ) ، ج1 / ص81-81 .
المستوى الثاني : الاحتجاج العام زماناً والخاص أفراداً . ويحصل ذلك في اطار الطبقة الثانية من الموروث الخاص ، أي الاصول العلمية والكتب المقدسة . وهذا لا يفتقر الى تقارب صاحب الحجة وصاحب الدعوى ، اذ ان الاحتجاج من قبل النبي او الوصي على الناس بتلك الاصولوالكتب لا يشترط فيه زمان دون اخر ، ولكنه يتطلب نخبة من الناس تتميز بالعلم والبصيرة ، ممن لا يعاند الحق ، وأحياناً في مقام اقامة الحجة على العاقل المنكر او المعاند.
اذا تبين ذلك ، تقول : أن درجة نضج الوعي عند الامم تترقى تدريجياً مع تقدم الزمان ، وهذا امر مسلم بع عند الجميع ، وذلك لان تنامي الوع تابع لتطور العلوم ، والعلوم في تطور مستمر ، وعليه ، فأن الناس الذين كان يكفي في مقام الاحتجاج عليهم ابداء شيء من مخلفات الانبياء والاوصياء ، قد لا ينفع معهم في عصر غزو الفضاء وعلوم الحاسوب ، نفس ذلك الاسلوب من الاحتجاج ، الا انه بالرغم من كل ذلك لا يجوز ان نتوقع ان المهدي ( ) سوف لا يسعى لاقامة الدليل على كونه حجة الله تبارك وتعالى ، ولا نعتقدان الدليل سوف يكون خارجاً عن مورد العلم خاصة ، بمعنى ا المحاجة ، ان حدثت ، فسوف لن تخرج عن اطار قضايا العلم، اذ هو السمة السائدة في عصره ، كما ثبت ذلك في كثير من الروايات ، وسنذكرطائفة منها بعد قليل . وهنا يأتي دور الطبقة الثانية من الموروث الخاص ، ولا سيما المرجعية التدوينية للأئمة (ع) -كما اسلفنا - ليسوا بحاجة الى التحصيل . واذا علمنا ، من ناحية ثانية ، ان تلك المرجعية ، والتي هي جزء من الموروث الخاص ، لم تستعمل حتى الان في مقام الاحتجاج من قبل ائمة اهل البيت (ع) ، جاز لنا ان نستنتج لنها ربما كانت مذخورة لصاحب الامر ( عجل الله تعالى فرجه ) ما بهدف التعجيز ، واما بهدف الاحتجاج ، اي المحاجة مع علماء عصره من خاصة قومه