إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المرجعية التدوينية عند اهل البيت (ع) الحلقة الاولى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المرجعية التدوينية عند اهل البيت (ع) الحلقة الاولى

    ربما كان السبيل الانسب لفهم حقيقة اللوائح الموجودة عند اهل البيت (عليهم السلام ) كالجفروالجامعة ومصحف فاطمة وكيفية تدوين المعلومات فيها ، هو النظر اليها من جهة كونها موضوعة على هيئة اشارات ورموز لا يعلم احد سوى الامام ( ع) ما تدل عليه من معنى اي هي بشكل كلمات مجملة غاية لا يعرف احد كيفية تفصيلها الا الامام ( ع) . ولاثبات صحة هذاالنظر نناقش الموضوع في مبحثين :
    المبحث الاول : الاستيعاب اذ لو لم تكن المعلومات مسطورة بهيئة أشارات ومجملات لما امكن ان تسعها قراطيس الدنيا كلها فضلاً عن بضعة كتب او مدونات ، وعليه ففي سبيل استغراق كافة العلوم بمسائلها وتفصيلاتها الدقيقة ، سواء ما يحتاجه الناس عامة او ما يخص معرفته بطائفة منهم ، لابد من اللجوء الى هذه الطريقة ، روي عن ابي جعفر( ) قال ( ان رسول الله (ص) علم علياً الف حرف ، كل حرف يفتح الف حرف ، والالف حرف كل حرف منها يفتح الف حرف )) الصدوق ، الخصال ص648 .
    المبحث الثاني : السرية ، اذ من الممكن عملياً ان تقع تلك اللوائح بأيدي غير امينة فتعمل على اذاعة ما لا ينبغي اذاعته من الاسرار ، فكان الانسب هو اللجوء الى تلك الطريقة في التدوين .روي عن هشام بن سالم قال : قلت لابي عبد الله ( ) : (( عند العامة من احاديث رسول الله (ص) شيء يصح ؟ فقال : نعم ان رسول الله ( ) أنال الناس ، وأنال وأنال . وعندنا معاقل العلم ، وفصل ما بين الناس )) الشيخ المفيد الاختصاص ص209 .
    وفي رواية اخرى عن محمد بن مسلم قال : قال ابو عبد الله ( ) ( ان رسول الله (ص) قد انال وانال وانال - يشير كذا وكذا - وعندنا اهل البيت اصول العلم وعٌراه وضياءه واواخيه )) الشيخ المفيد الاختصاص ص209.
    ان الخبرين المذكورين يثبتان بما لا يدع مجالاً لريبة مرتاب ، أن علوم آل محمد مخزونة عندهم على شكل أصول قابلة للتفريغ ، ومجملات صالحة للتفصيل ، واسارات قابلة للتأويل .
    وربما كانت حصة اخبار المستقبل من تلك الاصول والاشارات اكثر من غيره ، لانها في الظاهر موجهه الى المخاطب الحاضر عند الامام ( )، بينما لا يمكن ان تفهم الا بعد مرور اجيال ، وافاد السيد محمدالصدر ( رضوان الله عليه ) بهذا الخصوص في تاريخ الغيبة ، واما في روايات التنبؤ بالمستقبل فأنها تصدر في الاعم الاغلب عن قائلها النبي ( ) او غيره ، رمزية غير واضحة المعنى ، بحيث يحتاج فهمها الى تدقيق )) السيد محمد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ص205 . وقال في مكان اخر من كتابه : (( اذن ، فالاغماض عند عرض الحوادث ، يعتبر مشاركة فعلية من قبل النبي ( ) والامام ( ) في انجاح المخطط الالهي لايجاد شرائط الظهور )) السيد محمد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ص211.
    ولابد لنا من ذكر الغرض من تواجد هذه اللوائح عند ال محمد (عليهم السلام) ، وبالرغم من انهم قادرون على الاستغناء عنها من جهة اتصالهم بالغيب واطلاعهم المباشر على ما يكون ، وتلقيهم الفيض الذي لا ينقطع ، فالسائل يسأل : ما فائدة تلك المدونات العلمية المحفوظة عند اهل البيت (ع) مع حضور العلم اللدني الذي يفاض عليهم ؟ ولاجل حل هذه المسألة أود أن انبه الى امر هام يتعلق بتفوق أمير المؤمنين ( ) في حله للاشكالات على سائر الائمة ( صلوات الله عليهم جميعاً ) ، مشيراً الى خطأ ورد في بعض الكتب لتفسير معنى هذا التفوق . لقد روي عن أبي جعفر ( ) ، قوله : (( ان علياً (عليه السلام ) كان اذاورد عليه امر لم يجيء فيه كتاب ، ولم تجيء به سنة ، رجم فيه فاصاب ، ثم قال ( للراوي ) : يا عبد الرحيم ، وتلك من المعضلات )) الشيخ المفيد ، الاختصاص ص308 .
    نقل الشيخ المفيد ( رضوان الله عليه ) هذه الرواية في كتابه الاختصاص ، ولكنه - على ما يبدو - أقحم على الحديث ، بعد قول الباقر ( ): رجم فيه ، عبارة ( يعني ساهم ) ، يشرح بها كلمة : ( رجم ) ، ولعل هذا الاقحام كان من قبل الراوي لهذا الحديث ، ومهما يكن ، فقدجانب الصواب : لان (ساهم) لا تدل على الرجم الا بالالتزام ، فالرجم في اللغة :هو التكلم بنحو الظن او بما لا يعلم ، وهذا هو المشهور أيضاً في استعمالها . بينما ( ساهم ) تاتي لغة بمعنى : قارع أو اعضل الامر : اي أشتد واستغلق ، وأمر معضل : لا يهتدى لوجهه . ثم انه من غير الراجح ان يكون الامام - وهو في مقام الاعراب والتبيين - قاصداً للمعنى المجازي او الالتزامي ، فذلك بعيداً عن المتبادر . بقي اذن ، أن نحاول فهم المقصود وفق المعنى المطابقي او الحقيقي . أي أن مراد الامام ( ) بقوله : ( رجم فيه ) هو انه تكلم فيه بنحو لا يُعلم له مثيل ، واذا كان كذلك فهو مستغلق على الفهم ، اي انه من المعضلات .
    والمطلب الذي نريد بحثه الان ، هو : ما هي الثمرة من احتفاظ اهل البيت ( ) بتلك اللوائح والاصول التي اطلقنا عليها (( المرجعية التدوينية )) ( تجوزاً ) رغم أنهم في الواقع مستغنون عنها في مقام التعليم للأخرين ؟ اقول : ان رجوع ال محمد ( ) الى تلك المرجعية في الاخبار ببعض الحوادث او توضيح بعض الغوامض ان لم يكن بهدف التحصيل لامر غير حاصل عندهم من العلم ، فلا بد ان يكون لغاية اخرى ، وانني أرجح - في هذا الصدد - أن تكون تلك الغاية ذات طبيعة توريثية . وبعبارة اخرى فأنني اعتقد ان تلك اللوائح تجري مجرى الموروث الخاص . وهذا الاعتقاد او الترجيح منشأه امران :
    الامر الاول : أن المواريث الخاصة التي تنتقل بين الانبياء والاوصياء لها سمة قدسية ، وهي لا تدور الا بين الرجال المستحقين لخلافة الله تعالى ، وان لم تكن تربطهم ( فيما بينهم ) علاقة نسبية مباشرة ، فالاستحقاق لارث خاصة الله لا يمكن ان ينتقل الا خاصة الله ( ).
    وتنقسم هذه المواريث الخاصة الى طبقتين :
    الطبقة الاولى : المخلفات والامتعة الشخصية للانبياء والاوصياء ، مثل : قميص ادم ، عصى موسى ، حجر موسى ، خاتم سليمان ، تابوت بني اسرائيل ، وكذا عمامة رسول الله( ) وسيفه ، وخاتمه ورايته ودرعه ....الخ .
    والطبقة الثانية من المواريث : هي الاصول العلمة والكتب المقدسة ، مثا : صحف ادم ، وصحف ابراهيم ، وتوراة موسى ، وانجيل عيسى ، وزبور داود ، والقران الكريم ، ومصحف فاطمة ، والجفر ، والجامعة .... الخ .
    الامر الثاني : ان تلك المواريث الخاصة قد تنفع في مقام دعم الموقف الشرعي للنبي او للوصي - وللأخير خاصة ، كما سوف يتضح - بأعتبار حجة لله تعالى على عباده . اي ان تلك الاشياء ( سواء كانت من الطبقة الاولى او من الطبقة الثانية ) يمكن ان تكون صالحة لاثبات دعوى الحجية للنبي او للوصي . غير ان الاحتجاج بها يتم في مستويين :
    المستوى الاول : الاحتجاج الخاص زماناً والعام أفراداً . ويحصل ذلك في اطار الطبقة الاولى من الموروث الخاص ، اي المخلفات والامتعة ، فأنه يفتقر الى تقارب زمان النبي ووصيه صاحب الدعوى ، وكذلك الوصي ومن يليه . اذ ان الاحتجاج من قبل النبي او الوصي على الناس بتلك المخلفات انما يجوز فيما اذا عاصر الناس كلا من صاحب الحجة وصاحب دعوى الحجية ، سواء كانا نبييين او نبي ووصي او وصيين . فأنه من المفترض ان تكون تلك المخلفات والامتعة الشخصية مشهودة من قبل الناس او معروفة عندهم ، ولا مانع من ابدائها كونها مما يشترك في حيازة مثلها كافة الناس ، وان اختلفت عنها بمميزات خاصة وعلامات فارقة ، وفي نطاق هذه المميزات والعلامات يجوز الاحتجاج ، اذ يمكن لاهل الخبرة الاطلاع عليها واعلام الناس بكون تلك الامتعة عائدة - في الواقع - لصاحب الحجة نبياً كان او وصياً ، وعلى ذلك فانها تكون من اثباتات الدعوى لمن يليهما .
    ومن اجل ان تتضح هذه المسألة جيداً ، ننقل هذه الرواية التي رواها سعيد السمان ، قال : (( كنت عند ابي عبد الله ( ) اذ دخل عليه رجلان من الزيدية ، فقالا له : افيكم امام مفترض الطاعة ؟ قال : فقال : لا . قال : فقالا له : قد اخبرنا عنك الثقات انك تفني وتُقر وتقول به ، ونسميهم لك : فلان وفلان ،وهم اصحاب ورع وتشمير ، وهم ممن لا يكذب . فغضب ابو عبد الله ( )، فقال : ما امرتهم بهذا . فلما رأينا الغضب في وجهه خرجنا فقال لي : أتعرف هذين ؟قلت : نعم ، هما من اهل سوقنا ، وهما من الزيدية ، وهما يزعمان ان سيف رسول الله ( )عند عبد الله بن الحسن. فقال : كذبا لعنهما الله .والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ، ولا بواحدة من عينيه . ولا رآه أبوه ، اللهم الا ان يكون رآه عند علي بن الحسين . فأن كانا صادقين فما علامة في مقبضة ؟ وما اثر في موضع مضربه ؟ وان عندي لسيف رسول الله ( )، وان عندي لراية رسول الله ( ) ودرعه ، ولامته ، ومغفره ، فأن كانا صادقين ، فما علامة في درع رسول الله ( ) ؟ )) الكليني ، الكافي ( الاصول ) ، ج1 / ص81-81 .
    المستوى الثاني : الاحتجاج العام زماناً والخاص أفراداً . ويحصل ذلك في اطار الطبقة الثانية من الموروث الخاص ، أي الاصول العلمية والكتب المقدسة . وهذا لا يفتقر الى تقارب صاحب الحجة وصاحب الدعوى ، اذ ان الاحتجاج من قبل النبي او الوصي على الناس بتلك الاصولوالكتب لا يشترط فيه زمان دون اخر ، ولكنه يتطلب نخبة من الناس تتميز بالعلم والبصيرة ، ممن لا يعاند الحق ، وأحياناً في مقام اقامة الحجة على العاقل المنكر او المعاند.
    اذا تبين ذلك ، تقول : أن درجة نضج الوعي عند الامم تترقى تدريجياً مع تقدم الزمان ، وهذا امر مسلم بع عند الجميع ، وذلك لان تنامي الوع تابع لتطور العلوم ، والعلوم في تطور مستمر ، وعليه ، فأن الناس الذين كان يكفي في مقام الاحتجاج عليهم ابداء شيء من مخلفات الانبياء والاوصياء ، قد لا ينفع معهم في عصر غزو الفضاء وعلوم الحاسوب ، نفس ذلك الاسلوب من الاحتجاج ، الا انه بالرغم من كل ذلك لا يجوز ان نتوقع ان المهدي ( ) سوف لا يسعى لاقامة الدليل على كونه حجة الله تبارك وتعالى ، ولا نعتقدان الدليل سوف يكون خارجاً عن مورد العلم خاصة ، بمعنى ا المحاجة ، ان حدثت ، فسوف لن تخرج عن اطار قضايا العلم، اذ هو السمة السائدة في عصره ، كما ثبت ذلك في كثير من الروايات ، وسنذكرطائفة منها بعد قليل . وهنا يأتي دور الطبقة الثانية من الموروث الخاص ، ولا سيما المرجعية التدوينية للأئمة (ع) -كما اسلفنا - ليسوا بحاجة الى التحصيل . واذا علمنا ، من ناحية ثانية ، ان تلك المرجعية ، والتي هي جزء من الموروث الخاص ، لم تستعمل حتى الان في مقام الاحتجاج من قبل ائمة اهل البيت (ع) ، جاز لنا ان نستنتج لنها ربما كانت مذخورة لصاحب الامر ( عجل الله تعالى فرجه ) ما بهدف التعجيز ، واما بهدف الاحتجاج ، اي المحاجة مع علماء عصره
    من خاصة قومه
    (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
يعمل...
X