مواجهه الامام على عليه السلام لطوائف من الجن وانهزامهم امامه
ومن ذلكَ (ماتَظاهَربهِ الخبرُمن بعثةِ)(1) رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ له إلى وادي الجنِّ ، وقد أخبرَه جَبْرئيْلُ عليهِ السّلامُ بأَنّ طوائفَ منهم قدِ اجتمعوا لِكَيْدِه ، فأغنى عن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وكفى الله المؤمنينَ به كيدهم، ودفعهم عن المسلمين بقوّته الّتي بان بها من جماعتهم.
فروى محّمدُ بنُ أبيِ السرَّيّ التّميميّ ، عن أحمد بن الفَرجِ ، عنِ الحسنِ بنِ موسى النَهديِّ ، عن أبيهِ ، عن وَبَرَة بن الحارثِ ، عنِ ابنِ عبّاسٍ رحمةُ اللّهِ عليهِ قالَ : لمّا خرجَ النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ إِلى بني المُصْطَلِقِ جَنَّبَ عنِ الطّريقِ ، وأدركَه الليلُ فنزلَ بقرب وادٍ وَعْرٍ ، فلمّا كانَ في آخرِ الليلِ هبطَ عليه جْبرئيْلُ عليهِ السّلامُ يُخبرهُ أن طَائفةً من كفار
_________
=
[12] والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، ويقال انه البارد أيضاً.
[14] وابن فاطمة:هوأميرالمؤمنين عليه السلام.انتهى كلامه رفع الله مقامه، نقله العلامة المجلسي في البحار41: 264 - 266.
انظر مصادر حديث الراهب في :
وقعة صفيم ت : 144 ، امالي الصدوق : 150 ، خصائص الأئمة : 51 ، شرح النهج لابن ابي الحديد 3 : 204 .
وفي المطبوعة زيادة : «وزاد فيها ابن ميمون قوله :
وَأبَانَ رَاهِبهَا سرَيرةَ مُعْجِزٍ * فيْهَا وآمَنَ بالوَصي المُنتجب
وَمَضَ شَهِيْدَاً صَادِقَاَ فيْ نَصْرِه * أَكْرمْ بهِ من رَاهِب مُتَرتهبَ
رجُلاً كِلا طَرَفَيْهِ منْ سَام وَمَا * حَامٌ لَهَُ بأَب وَلاًَ بأبي أبِ
منْ لا يَفِرّ وَلاَ يرَى فيْ مَعْرَكٍ * إِلأَ وَصَارِمُهَُ الْخَضِيبَ المَضرْب»
(1) في «ش» : ما تظاهرت به الاَخبار من بعثه رسول الله صلى الله عليهِ والهِ .
الجنِّ قدِ استبطنوا الواديَ يريدونَ كيدَه وإيقاعَ الشّرِّ بأصحابه عندَ سلوكِهم إِيّاه ، فدعا أميرَ المؤمنينَ علي بنَ أبي طالبٍ عليهِ السّلامُ وقالَ له : «اذهبْ إِلى هذا الوادي ، فسيَعرِضُ لكَ من أعداءِ اللّهِ الجنَ مَنْ يُريدُك ، فادفعْه بالقوّة الّتي أعطاكَ اللهُ عزّ وجلّ ، وتَحصَّنْ منه بأسماءِ اللهِ الّتي خَصَّكَ بعلمِها» وأنفذَ معَه مائةَ رجلٍ من أخلاطِ النّاسِ ، وقالَ لهم : «كونوا معَه وامتثِلوا أمرَه» .
فتوجّهَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ إِلى الوادي ، فلمّا قاربَ شَفِيرَه أمرَ المائةَ الّذينَ صَحِبوه أن يَقِفوا بقرب الشّفيرِ، ولا يُحدِثوا شيئاً حتّى يَأذنَ لهم . ثمّ تقدّمَ فوقفَ على شفيرِ اَلوادي ، وتعوّذَ باللهِ من أعدائه ، وسمّى الله عزّوجلّ وأومأ إِلى القوم الّذينَ تَبِعوه أن يَقرُبوا منه فقَربوا، فكانَ بينَهم وبينَه فُرجةٌ مسافتُها غًلْوةٌ (1)، ثمّ رَامَ الهبوطَ إِلى الوادي فاعترضتْه (2) ريحٌ عاصفٌ كادَ أن يَقَعَ القومُ على وجوهِهم لشدّتِها ، ولم تَثبُتْ أقدامُهم على الأرضِ من هَوْلِ ما لَحِقَهم . فصاحَ أميرُ المؤمنينَ : «أنا عليُّ بنُ أبي طالبِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ، وصيُّ رسولِ الله وابنُ عمِّه؛ اثبُتُوا إِنْ شِئتم» فظهَرَ للقوم أشخاص على صورةِ الزُّطِّ (3) ُتخيّل في أيديهم شُعَلُ النّارِ، قدِ اطمأنوا بجَنَبَاتِ الوادي ، فتوغّلَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ بطنَ الوادي وهو يتلو القرآنَ ويُومِئ بسيفِه يميناً وشِمالاً، فما لَبِثَتِ الأشخاصُ حتّى صارتْ كالدُّخَانِ الأسودِ، وكبّرَ
_________
(1) الغلوة: المسافة التي يبلغها السهم عند رميه «مجمل اللغة - غلو- 3: 683» .
(2) في « م» وهامش « ش» : فاعترضت.
(3) الزط : جيل من الناس ، الواحد زطي . « الصحاح - زطط - 3 : 1129» وفي هامش «ش» : الزط : قوم من الزنج .
أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ ثمّ صَعِدَ من حيثُ انهبطَ ، فقامَ معَ القومِ الّذينَ اتبعوه حتّى أسفرَ الموضِعُ عمّا اعتراه .
فقالَ له أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ : ما لقيتَ يا أبا الحسنِ ؟ فلقدْ كِدْنا أنْ نَهلِكَ خوفاً وِاشفاقنا(1) عليك أكثر ممّا لَحِقَنا . فقالَ لهم عليهِ السّلام : «إِنّه لمّا تَراءى لي العدوُّ جَهَرْتُ فيهم بأسماءِ اللّهِ عزّ وجلّ فتضاءلوا، وعلمتُ ماحلَّ بهم منَ الجزع فتوغّلْتُ الواديَ غيرَ خائفٍ منهم ، ولو بَقُوا على هيئاتِهم لأتيتُ على آخرهم (2)، وقد كفى اللّهُ كيدَهم وكفى المسلمينَ شرَّهم ، وسيَسبِقُني بقيّتهُم إِلى النّبيِّ عليهِ وآلهِ السّلامُ فيُؤمِنونَ بهِ» .
وانصرفَ أميرُ المؤمنينَ بمن تبعَه إِلى رسولِ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ فأخبرَه الخبرَ، فسُرِّيَ عنه ودعا له بخيرٍ ، وقالَ له : «قد سبقَكَ - يا عليّ - إليّ من أخافَه الله بكَ ، فأسلمَ وقَبِلتُ إِسلامَه» ثمّ ارتحلَ بجماعةِ المسلمينَ حتّى قطعوا الواديَ آمِنينَ غيرَ خائفينَ (3).
وهذا الحديثُ قد روتْه العامّةُ كما روتْه الخاصّةُ، ولم يتناكروا شيئاً منه .
والمُعتزِلةُ لميلِها إلى مذهبِ البَراهِمة(4) تَدفَعُه ، ولبُعدِها
____________
(1) في «ش» وهامش «م» : واشفقنا .
(2) في «ش» : انفسهم .
(3) ذكره القوشجي مختصراً في شرح تجريد العقائد : 370، ونقله العلامة المجلسي في البحار 39 : 175 / 18 .
(4) وجه الشبه أن البراهمة - وهي فرقة من كفرة الهند - تقدس العقل وترى انه يغني عن النبوة، والمعتزلة - وهي من فرق المسلمين - تقدس العقل وتؤول ما خالفه من الامور
عن (1)معرفةِ الأخبارِ تُنكرُه ، وهي سالكةٌ في ذلكَ ِطريق الزنادقة فيما طعنتْ به في القرآنِ ، وما تَضمنَه منَ أخبارِ الجنِّ وإيِمانِهم باللهِ ورسوله عليهِ وآلهِ السّلامُ ، وما قصَّ اللّهُ تعالى من نبإِهم في القرانِ في سورةِ الجنِّ وقولهم إِنَا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَبَاً * يَهْدِيْ إِلَى الرًّشْدِ فَآمَنَا بِهِ )(2) إلى آخرِ ما تَضمّنَه الخبرُ عنهم في هذه السُورةِ
المصدر
الارشــاد
في معرفة حجج الله على العباد
الجزء الاول
الشيخ المفيد
تعليق