بعد عاصفة تصريحاته وتداعياتها.. إيلاف حاورته بهدوء:
ياسر الحبيب: هذه قصة خروجي من السجن.. والمستقبل للتشيع
الأحد 28 نوفمبر
[IMG]http://www.myelaph.com/elaph***/Resources/images/Politics/2010/11/week4/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%A8.jpg[/IMG]
أثار رجل الدين ياسر الحبيب جدلاَ واسعاً بسبب تصريحاته التى اعتبرت إساءة لرموز دينية. وفي حوار له مع "إيلاف" قال الحبيب إن فقدانه لجنسيته الكويتية يعد "ثمناً لقول كلمة الحق" وأكد أنّه سيستمر في نهج التصحيح للكثير من الأخطاء حتى على صعيد الفكر الشيعي.
--------------------------------------------------------------------------------
ياسر الحبيب رجل الدين الشيعي الذي أثار أزمة سياسية ودينية في الكويت قبل أكثر من شهرين، عبر إساءاته لرموز دينية عند المسلمين السنة، يؤكد في حوار مع "إيلاف" بعد أن هدأت عاصفة التصريحات والتصريحات المضادة أن فقدانه لجنسيته الكويتية يعد ثمنا لقول كلمة الحق، وأنه كان يمكن أن يكمل حياته عبر مسارات أخرى بعيداً عن مسار "إحتمال العذاب والآلام والتضحيات" الذي إختاره في سبيل التبليغ الدعوي، وأنه بلا جنسية الآن، وسيستمر في نهج التصحيح للكثير من الأخطاء حتى على صعيد الفكر الشيعي، شارحا قصة خروجه الغامض من السجن في الكويت بعد نحو شهرين من صدور أحكام قضائية تصل لأكثر من عقدين، ومباهلته مع رجل الدين السني محمد الكوس، وتعريفه لمآل المباهلة.. وتاليا نص الحوار كاملا.
أين ولدت وكيف نشأت؟
• وُلدت في الكويت، ونشأت كما نشأ غيري، إلا أني كنت منذ الصغر مولعاً بالمطالعة، ربما هذا الذي ميّز نشأتي عن نشأة غيري.
أين درست وكيف بدأت حياتك العملية؟
• درست في المدارس الحكومية، ثم في جامعة الكويت - كلية العلوم السياسية، ثم اتجهت إلى الدراسات الحوزوية.
ولاحقا بدأت حياتي العملية في المجال الإعلامي والسياسي منذ الصغر حيث عملت محررا صحافيا في جريدة الوطن الكويتية منذ سنة 1991 ولم يكن عمري يتجاوز حينها إثنتا عشرة سنة، ثم انتقلت إلى جريدة صوت الكويت حتى أوقفت الحكومة إصدارها سنة 1994، فانتقلت إلى الطليعة، فالرأي العام، فالقبس، فصوت الخليج. ثم أسست (هيئة خدام المهدي عليه السلام) وأصدرت مجلة المنبر ومجلة ثائر وغيرها، فاستقللتُ بمشروعي الخاص.
متى بدأ مشوارك مع الفكر الديني؟
• لم يغب الفكر الديني عني منذ نعومة أظفاري، إنما ازددت فيه عمقاً بعدما بدأت مطالعاتي العلمية، ودراساتي الحوزوية الخاصة سنة 1996.
كيف تمردت على الفكر الشيعي القائم، حيث لوحظ إستقلال خطك الشيعي؟
• أعتبر ذلك نعمة من الله تعالى أنعم بها عليّ، أني وجدت الوضع الشيعي العام – بركونه إلى الدعة - يتصادم مع روح الثورة التي بعثها نبينا وأئمتنا الأطهار (صلوات الله عليهم) في نفوس شيعتهم وأتباعهم.
الشيعي يتمرد دوماً على الواقع ما دام هذا الواقع مخالفاً لتعاليم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم. الشيعي لا يهنأ له بال إلا أن يغيّر الأجواء من حوله لتكون متوافقة مع منهج السماء. لهذا تمردت.
متى بدأت رحلتك مع التشدد الديني والتعصب؟
• أعتبر نفسي متشدداً مع رموز الظلم والجور والإرهاب والنفاق، كما أني متعصب جداً لآل محمد عليهم الصلاة والسلام. غير أن تشددي وتعصبي لا ينتقل إلى الجوارح بحال من الأحوال، فإني أفرّق مثلاً بين (الجدل الكلامي) وبين (العمل على الشارع) ولا أربط هذا بذاك، حتى لا تسيل دماءٌ أو تُزهق نفوس. لهذا – مثلاً – لا آمر بأن يُقتل المخالف، أو تُصادر حريته في التعبير عن معتقده، أو أن يُعامل كمواطن من الدرجة الثانية، كلا أبداً.. لتبقى القسوة على عقيدته حيث نعتبرها عقيدة باطلة، دون أن نقسو عليه كإنسان، فله الحق في الحياة، وله ما لنا وعليه ما علينا ضمن الأطر والعقود المدنية. رحلتي مع هذا النوع من "التشدد الرؤوف والتعصب الرحيم" بدأت مع بداية مطالعاتي ودراساتي الدينية.
هناك من يتهمك حتى في أوساط الطائفة الشيعية بالتطرف والتشدد؟
• سبق البيان. ولنا أن نتهم هؤلاء بالانهزام والخنوع والذل.
لماذا سجنت في الكويت؟
• لأني تطاولت وحكمت على بعض الشخصيات الدينية أنهم في النار ضمن محاضرات أسبوعية كنت ألقيها في ديوان خدام المهدي (عليه السلام) وكنت أناقش فيها مسائل عقائدية وتاريخية وفكرية حساسة.
كيف غادرت السجن؟
• بعد اعتقالنا وإيداعنا السجن في السادس من شوال 1424 (30 نوفمبر 2003) لم تمرّ إلا أيام قلائل حتى اتضحت الصورة بالنسبة لنا، وهي أن خروجا سريعا من السجن لا يلوح في الأفق رغم أن الحكم القضائي لم يصدر بعد، ذلك لأن نار التحريض علينا من قبل الجماعات المناوئة لم تهدأ حتى صيّرت قضيتنا قضية سياسية عامة على مستوى البلد، وأصبحت القضية محلّ توافق سياسي بين معظم الكتل السياسية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، التي تقاطرت عليها الوفود المطالبة بإيقاع أقصى العقوبة علينا.
وكان طبيعيا والحال هذه؛ أن تتعقد القضية أكثر فأكثر، وأن تتجه إلى التأزم لا إلى الانفراج. وبدلا من أن يكون مضي الأيام كفيلا بتخفيف التوتر وتهدئة الساحة لتأخذ الأمور مجراها الطبيعي قضائيا؛ وجدنا أن الجماعات المناوئة كانت تسعِّر النار أكثر، فتصدر البيانات تلو البيانات، والتصريحات تلو التصريحات، وتجتمع برئيس الحكومة وقتذاك غير مرّة، وتعقد المهرجانات الخطابية التصعيدية، وتثير القضية تحت قبة البرلمان، وعلى منابر المساجد، وتعدّ مشروع قانون لتشديد العقوبة على من يمسّ ما يسمى بالصحابة، وتشكّل تكتلا جديدا تحت مسمى الدفاع عن ثوابت الأمة، وتطبع ملصقات للسيارات وتنصب لافتات في الشوارع لترويج عبارة "أنا أحب الصحابة" كردّ علينا.. وهكذا حملت علينا حملة ضخمة متكاملة، الهدف منها كما كنا ندركه، هو أن لا تمرّ هذه القضية مرور الكرام، وأن نكون نحن "عبرة" لغيرنا ممن قد يتشجع ليخترق مجددا دائرة المحظور الديني والتاريخي، ولو من الزاوية المذهبية.
وماذا حصل بعد ذلك؟
• كنا قد فقدنا أدنى قناعة بانغلاق ملف القضية سريعا، وأعددنا النفس لتقبّل واقع الحبس لمدة طويلة، وتأكد لنا ذلك مع تحويلنا من سجن المباحث الجنائية المخصص للموقوفين، إلى السجن المركزي المخصص للمحكومين عادة.
أضف إلى ذلك أن المسؤولين عن وضعنا والمؤثرين فيه سلطويا، كانوا أيضا متحاملين علينا بشدّة بفعل انتماءاتهم الدينية والسياسية، إذ أن مجلس الأمة فواقع كعادته في الصراخ والاستصراخ ولا يمكن أن يكون إلى جانبنا بحال. وبهذا اجتمعت علينا كل التعقيدات. وحتى السلطة الرابعة الإعلامية، فقد اتخذت هي الأخرى قرارا هو الأول من نوعه، إذ أعلنت أنها لن تنشر كل ما له علاقة بموضوعنا، وجاء هذا القرار بعدما نشرت عشرات التصريحات والبيانات والمقالات ضدنا، ولم تتح في المقابل فرصة نشر الردود لمن أحبّ الدفاع عنا وتوضيح الحقائق، فأتى ذلك أيضا علينا وتسبّب في اختلال الصورة لدى رجل الشارع العادي، إذ قرأ للمهاجمين، ولم يقرأ للمدافعين، وكان الأجدر بالصحافة أن تكون على الحياد والتزام المهنية، لكنها لم تفعل وآثرت الانحياز، ثم إنها بنفسها كسرت قرارها! فكانت تنشر بالتتابع تطوّرات قضيتنا، وبعض التعليقات عليها من هذا وذاك. وهكذا اجتمع الكل علينا، وما دام قد اجتمع الكل فيكون طبيعيا أن نقضي في الحبس مدة طويلة، إذ لا يقتنع هؤلاء بأن نقضي فيه شهرا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، إنهم يريدون توجيه ضربة مؤلمة لنا.
هل صدر ضدكم قرارا قضائيا في هذه المرحلة؟
• نعم، لكن لم يعجبهم أن يحكم قاضي المحكمة الابتدائية بأقصى عقوبة في قانون المطبوعات، وهي الحكم سنة مع غرامة ألف دينار، فضغطوا باتجاه تحويل القضية من جنحة إلى جناية، ثم تصييرها قضية أمن دولة، لتكون العقوبة أشد، وهكذا صدر علينا حكم بالسجن عشر سنوات، والذي انضم إليه حكم آخر بالسجن خمس سنوات، ثم حكم ثالث صدر أخيرا بالسجن عشر سنوات، فأصبح المجموع خمسا وعشرين سنة، أي ربع قرن، وهو أول حكم من نوعه في تاريخ الكويت في قضية من قضايا الرأي.
هذا المسار التصعيدي كان واضحا منذ البداية ومنذ الأيام الأولى كما أسلفنا، فكان لا بد لنا من أن نوطن النفس على تحمّل قضاء فترة طويلة نكون فيها محرومين من الحرية. إلا أن الأمل بالله تعالى، والثقة بتأييد المولى صاحب العصر والزمان (أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) كانا سببا لعدم اليأس أو القنوط. فانشغلنا في أيام السجن المريرة بالدعاء الذي هو سلاح المؤمن، واجتهدنا بالتوسل بمن أمر الله أن نتوسل إليه بهم، وهم نبينا الأكرم وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والحق أننا رغم ما كنا نعاني منه في السجن، إلا أن العبادة كانت سلوتنا، وقد قضينا في السجن أروع لحظات الانقطاع إلى الله جل وعلا في حياتنا كلها، إذ لم يتأتَّ لنا الوصول إلى هذه الدرجة من التوجه الروحي من ذي قبل، كما لم يتأتَّ لنا مثله حتى الآن، إلا مرّتين أو ثلاث في العتبات المقدسة.
إذن كيف خرجت من السجن بعد الأحكام المتعددة؟
• على أية حال فقد خاطبنا ونحن في السجن مولانا قمر بني هاشم أبا الفضل العباس (صلوات الله وسلامه عليه) ورجوناه أن يتكرّم علينا بالشفاعة عند الله تعالى وعند أخيه الحسين سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) حتى يمنّ الله تعالى علينا بالعودة إلى الحرية والخلاص من السجن، معاهدينه على استكمال مسيرة الدفاع عن حق آل محمد (صلوات الله عليهم) بكل ما نملكه من طاقات. ثم نذرنا نذرا شرعيا وهو أن لو نجونا؛ لنرفعنَّ الأذان شخصيا في حرم سيدنا العباس (عليه السلام) في كربلاء المقدسة.
وقبل أيام قلائل من مناسبة اليوم الوطني لسنة 2004، وتحديدا قبل ثلاثة أيام منه؛ كنا قد استيقظنا كالعادة لأداء صلاة الصبح، وكانت عادتنا أن ننشغل عقبها حتى ما بعد شروق الشمس بالدعاء والزيارة، فكما ورد في وصايا أهل البيت (عليهم السلام) فإن فترة ما بين الطلوعين – طلوع الفجر وطلوع الشمس – تكون من أفضل فترات استجابة الدعاء، ثم إننا بعد ذلك نأخذ قسطا من الراحة والعودة إلى النوم لساعة أو ساعتيْن إذ لا نكون قد أخذنا ما فيه الكفاية بسبب سهرنا ليلا.
واتفق في ذلك الصباح؛ أن رأينا في ما يرى النائم وكأننا في ساحة كبيرة يقف في أقصاها مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، فهرعت إليه وأنا أهتف به: "يا علي يا ولي الله.. يا علي يا ولي الله" قاصدا عرض مشكلتي وحاجتي، وهي التحرر من السجن.
كنت أتقدّم إليه (صلوات الله عليه) بخطى سريعة وأنا أرى شخصه الشريف لكنني لم أستطع تمييز ملامح وجهه الشريف بسبب شدة توهج النور المنبعث منه، وما إن وصلت قريبا منه حتى تفاجأت باختفائه ولست أدري كيف! إلا أنه ظهرت لي في الحال القبة الذهبية لمولانا أبي الفضل العباس (صلوات الله عليه) ووجدت نفسي فجأة أمام باب قبلة الحرم العباسي في كربلاء المقدسة! فشعرت وكأن أمر قضاء حاجتي قد أحيل من لدن أمير المؤمنين إلى ابنه العباس عليهما السلام، فممددت يدي باتجاه القبة الشريفة وصرخت قائلا: "يا أبا الفضل العباس.. وحقك أخرجني من السجن"!
ماذا حدث لاحقا؟
• يشهد الله عليَّ؛ أنني حينما أتممت هذه العبارة وجدت شخصا يوقظني من منامي وهو يقول لي: "قم، استيقظ، إنهم قد طلبوك في قسم التصنيف". فاستيقظت متفائلا بالخير، وذهبت إلى هذا القسم في السجن، وهو المتخصص بتصنيف القضايا وتنفيذها، وكان صدى العبارة التي خاطبت بها المولى العباس (عليه السلام) ما زال يرنّ في أذني، وما إن وصلت إلى ذلك القسم حتى وجدت رجل أمن قادم من الخارج وبيده كشف فيه أسماء مكتوبة بخط اليد، فقال لي: "أنت ياسر الحبيب"؟ فأجبته بنعم، فأردف قائلا: "أبشرك! ستخرج بعد ثلاثة أيام بمناسبة العفو الأميري بالعيد الوطني"! قلت له: "حقا ما تقول"؟ فقال: "نعم.. كل ما عليك هو أن تدفع غرامة الألف دينار المنصوص عليها في حكمك".
كان الأمر بالنسبة لي أشبه بالخيال إلى درجة أنني شككت في كوني يقظا! فعدت إلى زنزانتي وعيناي تدمعان وقلت في نفسي: "فعلها العباس ورب الكعبة"! ثم فرشت سجادتي ووقفت لأصلي صلاة الشكر على هذه النعمة.
يتبع ..
ياسر الحبيب: هذه قصة خروجي من السجن.. والمستقبل للتشيع
الأحد 28 نوفمبر
[IMG]http://www.myelaph.com/elaph***/Resources/images/Politics/2010/11/week4/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%A8.jpg[/IMG]
أثار رجل الدين ياسر الحبيب جدلاَ واسعاً بسبب تصريحاته التى اعتبرت إساءة لرموز دينية. وفي حوار له مع "إيلاف" قال الحبيب إن فقدانه لجنسيته الكويتية يعد "ثمناً لقول كلمة الحق" وأكد أنّه سيستمر في نهج التصحيح للكثير من الأخطاء حتى على صعيد الفكر الشيعي.
--------------------------------------------------------------------------------
ياسر الحبيب رجل الدين الشيعي الذي أثار أزمة سياسية ودينية في الكويت قبل أكثر من شهرين، عبر إساءاته لرموز دينية عند المسلمين السنة، يؤكد في حوار مع "إيلاف" بعد أن هدأت عاصفة التصريحات والتصريحات المضادة أن فقدانه لجنسيته الكويتية يعد ثمنا لقول كلمة الحق، وأنه كان يمكن أن يكمل حياته عبر مسارات أخرى بعيداً عن مسار "إحتمال العذاب والآلام والتضحيات" الذي إختاره في سبيل التبليغ الدعوي، وأنه بلا جنسية الآن، وسيستمر في نهج التصحيح للكثير من الأخطاء حتى على صعيد الفكر الشيعي، شارحا قصة خروجه الغامض من السجن في الكويت بعد نحو شهرين من صدور أحكام قضائية تصل لأكثر من عقدين، ومباهلته مع رجل الدين السني محمد الكوس، وتعريفه لمآل المباهلة.. وتاليا نص الحوار كاملا.
أين ولدت وكيف نشأت؟
• وُلدت في الكويت، ونشأت كما نشأ غيري، إلا أني كنت منذ الصغر مولعاً بالمطالعة، ربما هذا الذي ميّز نشأتي عن نشأة غيري.
أين درست وكيف بدأت حياتك العملية؟
• درست في المدارس الحكومية، ثم في جامعة الكويت - كلية العلوم السياسية، ثم اتجهت إلى الدراسات الحوزوية.
ولاحقا بدأت حياتي العملية في المجال الإعلامي والسياسي منذ الصغر حيث عملت محررا صحافيا في جريدة الوطن الكويتية منذ سنة 1991 ولم يكن عمري يتجاوز حينها إثنتا عشرة سنة، ثم انتقلت إلى جريدة صوت الكويت حتى أوقفت الحكومة إصدارها سنة 1994، فانتقلت إلى الطليعة، فالرأي العام، فالقبس، فصوت الخليج. ثم أسست (هيئة خدام المهدي عليه السلام) وأصدرت مجلة المنبر ومجلة ثائر وغيرها، فاستقللتُ بمشروعي الخاص.
متى بدأ مشوارك مع الفكر الديني؟
• لم يغب الفكر الديني عني منذ نعومة أظفاري، إنما ازددت فيه عمقاً بعدما بدأت مطالعاتي العلمية، ودراساتي الحوزوية الخاصة سنة 1996.
كيف تمردت على الفكر الشيعي القائم، حيث لوحظ إستقلال خطك الشيعي؟
• أعتبر ذلك نعمة من الله تعالى أنعم بها عليّ، أني وجدت الوضع الشيعي العام – بركونه إلى الدعة - يتصادم مع روح الثورة التي بعثها نبينا وأئمتنا الأطهار (صلوات الله عليهم) في نفوس شيعتهم وأتباعهم.
الشيعي يتمرد دوماً على الواقع ما دام هذا الواقع مخالفاً لتعاليم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم. الشيعي لا يهنأ له بال إلا أن يغيّر الأجواء من حوله لتكون متوافقة مع منهج السماء. لهذا تمردت.
متى بدأت رحلتك مع التشدد الديني والتعصب؟
• أعتبر نفسي متشدداً مع رموز الظلم والجور والإرهاب والنفاق، كما أني متعصب جداً لآل محمد عليهم الصلاة والسلام. غير أن تشددي وتعصبي لا ينتقل إلى الجوارح بحال من الأحوال، فإني أفرّق مثلاً بين (الجدل الكلامي) وبين (العمل على الشارع) ولا أربط هذا بذاك، حتى لا تسيل دماءٌ أو تُزهق نفوس. لهذا – مثلاً – لا آمر بأن يُقتل المخالف، أو تُصادر حريته في التعبير عن معتقده، أو أن يُعامل كمواطن من الدرجة الثانية، كلا أبداً.. لتبقى القسوة على عقيدته حيث نعتبرها عقيدة باطلة، دون أن نقسو عليه كإنسان، فله الحق في الحياة، وله ما لنا وعليه ما علينا ضمن الأطر والعقود المدنية. رحلتي مع هذا النوع من "التشدد الرؤوف والتعصب الرحيم" بدأت مع بداية مطالعاتي ودراساتي الدينية.
هناك من يتهمك حتى في أوساط الطائفة الشيعية بالتطرف والتشدد؟
• سبق البيان. ولنا أن نتهم هؤلاء بالانهزام والخنوع والذل.
لماذا سجنت في الكويت؟
• لأني تطاولت وحكمت على بعض الشخصيات الدينية أنهم في النار ضمن محاضرات أسبوعية كنت ألقيها في ديوان خدام المهدي (عليه السلام) وكنت أناقش فيها مسائل عقائدية وتاريخية وفكرية حساسة.
كيف غادرت السجن؟
• بعد اعتقالنا وإيداعنا السجن في السادس من شوال 1424 (30 نوفمبر 2003) لم تمرّ إلا أيام قلائل حتى اتضحت الصورة بالنسبة لنا، وهي أن خروجا سريعا من السجن لا يلوح في الأفق رغم أن الحكم القضائي لم يصدر بعد، ذلك لأن نار التحريض علينا من قبل الجماعات المناوئة لم تهدأ حتى صيّرت قضيتنا قضية سياسية عامة على مستوى البلد، وأصبحت القضية محلّ توافق سياسي بين معظم الكتل السياسية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، التي تقاطرت عليها الوفود المطالبة بإيقاع أقصى العقوبة علينا.
وكان طبيعيا والحال هذه؛ أن تتعقد القضية أكثر فأكثر، وأن تتجه إلى التأزم لا إلى الانفراج. وبدلا من أن يكون مضي الأيام كفيلا بتخفيف التوتر وتهدئة الساحة لتأخذ الأمور مجراها الطبيعي قضائيا؛ وجدنا أن الجماعات المناوئة كانت تسعِّر النار أكثر، فتصدر البيانات تلو البيانات، والتصريحات تلو التصريحات، وتجتمع برئيس الحكومة وقتذاك غير مرّة، وتعقد المهرجانات الخطابية التصعيدية، وتثير القضية تحت قبة البرلمان، وعلى منابر المساجد، وتعدّ مشروع قانون لتشديد العقوبة على من يمسّ ما يسمى بالصحابة، وتشكّل تكتلا جديدا تحت مسمى الدفاع عن ثوابت الأمة، وتطبع ملصقات للسيارات وتنصب لافتات في الشوارع لترويج عبارة "أنا أحب الصحابة" كردّ علينا.. وهكذا حملت علينا حملة ضخمة متكاملة، الهدف منها كما كنا ندركه، هو أن لا تمرّ هذه القضية مرور الكرام، وأن نكون نحن "عبرة" لغيرنا ممن قد يتشجع ليخترق مجددا دائرة المحظور الديني والتاريخي، ولو من الزاوية المذهبية.
وماذا حصل بعد ذلك؟
• كنا قد فقدنا أدنى قناعة بانغلاق ملف القضية سريعا، وأعددنا النفس لتقبّل واقع الحبس لمدة طويلة، وتأكد لنا ذلك مع تحويلنا من سجن المباحث الجنائية المخصص للموقوفين، إلى السجن المركزي المخصص للمحكومين عادة.
أضف إلى ذلك أن المسؤولين عن وضعنا والمؤثرين فيه سلطويا، كانوا أيضا متحاملين علينا بشدّة بفعل انتماءاتهم الدينية والسياسية، إذ أن مجلس الأمة فواقع كعادته في الصراخ والاستصراخ ولا يمكن أن يكون إلى جانبنا بحال. وبهذا اجتمعت علينا كل التعقيدات. وحتى السلطة الرابعة الإعلامية، فقد اتخذت هي الأخرى قرارا هو الأول من نوعه، إذ أعلنت أنها لن تنشر كل ما له علاقة بموضوعنا، وجاء هذا القرار بعدما نشرت عشرات التصريحات والبيانات والمقالات ضدنا، ولم تتح في المقابل فرصة نشر الردود لمن أحبّ الدفاع عنا وتوضيح الحقائق، فأتى ذلك أيضا علينا وتسبّب في اختلال الصورة لدى رجل الشارع العادي، إذ قرأ للمهاجمين، ولم يقرأ للمدافعين، وكان الأجدر بالصحافة أن تكون على الحياد والتزام المهنية، لكنها لم تفعل وآثرت الانحياز، ثم إنها بنفسها كسرت قرارها! فكانت تنشر بالتتابع تطوّرات قضيتنا، وبعض التعليقات عليها من هذا وذاك. وهكذا اجتمع الكل علينا، وما دام قد اجتمع الكل فيكون طبيعيا أن نقضي في الحبس مدة طويلة، إذ لا يقتنع هؤلاء بأن نقضي فيه شهرا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، إنهم يريدون توجيه ضربة مؤلمة لنا.
هل صدر ضدكم قرارا قضائيا في هذه المرحلة؟
• نعم، لكن لم يعجبهم أن يحكم قاضي المحكمة الابتدائية بأقصى عقوبة في قانون المطبوعات، وهي الحكم سنة مع غرامة ألف دينار، فضغطوا باتجاه تحويل القضية من جنحة إلى جناية، ثم تصييرها قضية أمن دولة، لتكون العقوبة أشد، وهكذا صدر علينا حكم بالسجن عشر سنوات، والذي انضم إليه حكم آخر بالسجن خمس سنوات، ثم حكم ثالث صدر أخيرا بالسجن عشر سنوات، فأصبح المجموع خمسا وعشرين سنة، أي ربع قرن، وهو أول حكم من نوعه في تاريخ الكويت في قضية من قضايا الرأي.
هذا المسار التصعيدي كان واضحا منذ البداية ومنذ الأيام الأولى كما أسلفنا، فكان لا بد لنا من أن نوطن النفس على تحمّل قضاء فترة طويلة نكون فيها محرومين من الحرية. إلا أن الأمل بالله تعالى، والثقة بتأييد المولى صاحب العصر والزمان (أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) كانا سببا لعدم اليأس أو القنوط. فانشغلنا في أيام السجن المريرة بالدعاء الذي هو سلاح المؤمن، واجتهدنا بالتوسل بمن أمر الله أن نتوسل إليه بهم، وهم نبينا الأكرم وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والحق أننا رغم ما كنا نعاني منه في السجن، إلا أن العبادة كانت سلوتنا، وقد قضينا في السجن أروع لحظات الانقطاع إلى الله جل وعلا في حياتنا كلها، إذ لم يتأتَّ لنا الوصول إلى هذه الدرجة من التوجه الروحي من ذي قبل، كما لم يتأتَّ لنا مثله حتى الآن، إلا مرّتين أو ثلاث في العتبات المقدسة.
إذن كيف خرجت من السجن بعد الأحكام المتعددة؟
• على أية حال فقد خاطبنا ونحن في السجن مولانا قمر بني هاشم أبا الفضل العباس (صلوات الله وسلامه عليه) ورجوناه أن يتكرّم علينا بالشفاعة عند الله تعالى وعند أخيه الحسين سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) حتى يمنّ الله تعالى علينا بالعودة إلى الحرية والخلاص من السجن، معاهدينه على استكمال مسيرة الدفاع عن حق آل محمد (صلوات الله عليهم) بكل ما نملكه من طاقات. ثم نذرنا نذرا شرعيا وهو أن لو نجونا؛ لنرفعنَّ الأذان شخصيا في حرم سيدنا العباس (عليه السلام) في كربلاء المقدسة.
وقبل أيام قلائل من مناسبة اليوم الوطني لسنة 2004، وتحديدا قبل ثلاثة أيام منه؛ كنا قد استيقظنا كالعادة لأداء صلاة الصبح، وكانت عادتنا أن ننشغل عقبها حتى ما بعد شروق الشمس بالدعاء والزيارة، فكما ورد في وصايا أهل البيت (عليهم السلام) فإن فترة ما بين الطلوعين – طلوع الفجر وطلوع الشمس – تكون من أفضل فترات استجابة الدعاء، ثم إننا بعد ذلك نأخذ قسطا من الراحة والعودة إلى النوم لساعة أو ساعتيْن إذ لا نكون قد أخذنا ما فيه الكفاية بسبب سهرنا ليلا.
واتفق في ذلك الصباح؛ أن رأينا في ما يرى النائم وكأننا في ساحة كبيرة يقف في أقصاها مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، فهرعت إليه وأنا أهتف به: "يا علي يا ولي الله.. يا علي يا ولي الله" قاصدا عرض مشكلتي وحاجتي، وهي التحرر من السجن.
كنت أتقدّم إليه (صلوات الله عليه) بخطى سريعة وأنا أرى شخصه الشريف لكنني لم أستطع تمييز ملامح وجهه الشريف بسبب شدة توهج النور المنبعث منه، وما إن وصلت قريبا منه حتى تفاجأت باختفائه ولست أدري كيف! إلا أنه ظهرت لي في الحال القبة الذهبية لمولانا أبي الفضل العباس (صلوات الله عليه) ووجدت نفسي فجأة أمام باب قبلة الحرم العباسي في كربلاء المقدسة! فشعرت وكأن أمر قضاء حاجتي قد أحيل من لدن أمير المؤمنين إلى ابنه العباس عليهما السلام، فممددت يدي باتجاه القبة الشريفة وصرخت قائلا: "يا أبا الفضل العباس.. وحقك أخرجني من السجن"!
ماذا حدث لاحقا؟
• يشهد الله عليَّ؛ أنني حينما أتممت هذه العبارة وجدت شخصا يوقظني من منامي وهو يقول لي: "قم، استيقظ، إنهم قد طلبوك في قسم التصنيف". فاستيقظت متفائلا بالخير، وذهبت إلى هذا القسم في السجن، وهو المتخصص بتصنيف القضايا وتنفيذها، وكان صدى العبارة التي خاطبت بها المولى العباس (عليه السلام) ما زال يرنّ في أذني، وما إن وصلت إلى ذلك القسم حتى وجدت رجل أمن قادم من الخارج وبيده كشف فيه أسماء مكتوبة بخط اليد، فقال لي: "أنت ياسر الحبيب"؟ فأجبته بنعم، فأردف قائلا: "أبشرك! ستخرج بعد ثلاثة أيام بمناسبة العفو الأميري بالعيد الوطني"! قلت له: "حقا ما تقول"؟ فقال: "نعم.. كل ما عليك هو أن تدفع غرامة الألف دينار المنصوص عليها في حكمك".
كان الأمر بالنسبة لي أشبه بالخيال إلى درجة أنني شككت في كوني يقظا! فعدت إلى زنزانتي وعيناي تدمعان وقلت في نفسي: "فعلها العباس ورب الكعبة"! ثم فرشت سجادتي ووقفت لأصلي صلاة الشكر على هذه النعمة.
يتبع ..
تعليق