الموقع المبارك
في مدينة النجف الأشرف آثار ذات امتداد تاريخيّ وعقائديّ عميقين، فَمِن مثوى آدم عليه السّلام إلى مثوى نوحٍ عليه السّلام، ثم إلى مثوى أمير المؤمنين عليه السّلام. وفي هذه المدينة يشخص أثرٌ لمعزّ الأولياء الإمام المهديّ بن الحسن العسكريّ عليهما السّلام، إذ في الجانب الغربيّ منها وفي قلب وادي السلام، اختار طاووسُ أهل الجنّة موضعاً له، فزاد المحلَّ شرفاً إلى شرفه، وقد عُرِف ذلك الموضع المبارك باسم: مقام الإمام صاحب الزمان عليه السّلام. يبعد عن حرم أمير المؤمنين عليه السّلام بنحو 700 متر، وقُبّته ظاهرة للعيان لا سيّما للشاخص إليه من أوّل وادي السلام من جهة ( شارع الشيخ الطوسي ).
وصف المقام
مدخله صحن ذو ساحةٍ رحبة، تنتهي ببيتين فيهما مقامان: الأوّل ـ للإمام المهديّ عليه السّلام، والثاني ـ للإمام الصادق عليه السّلام. وأمّا تفاصيل عمارة المقام فكالتالي:
أ. باب خارجيّة: حديديّة كبيرة تقع على جهة المقام.
ب. المدخل: مرتفع إلى صحن المقام بثلاث درجات، وطوله نحو 7 أمتار.
ج. الصحن: ذو ساحة رحبة، على جهتها الشماليّة ألواح لقبورٍ كتبت عليها أسماء أصحابها وتآريخ وفياتهم، ذُكر أنها انضمّت إلى الصحن بعد توسعته. أمّا من الجهة الغربيّة للصحن فهناك ساحة مسقّفة مرتفعة قليلاً، يستريح فيها الزائرون، تتخلّلها أعمدة، وقد فُرِشت بالحصران والفُرُش. وعلى يسار الداخل للمقام شجرة سِدر، أمّا على يمينه فحجرة مرتفعة، فيها بئر عميقة لا تخلو من الماء يتدلّى بها دَلْو، فيتبرّك الزائرون هنالك بماء تلك البئر، كما تُرمى رُقاع الحوائج فيه من قِبل الزائرين المتوسّلين. وكان الماء قد جرى في المقام في قصّة حكاها الشيخ المجلسيّ رحمه الله. وفي الحجرة ألواح كُتب عليها بعض الأدعية المتعلّقة بالإمام المهديّ صلوات الله عليه، وبجوار هذه الحجرة حجرةٌ أخرى دُفن فيها مرحومون، وعلى جانبها الأيمن باب للصعود إلى سطح المقام.
د. بيت مقام الإمام المهديّ سلام الله عليه: يقع في الجهة الشرقيّة لصحن المقام، تستقبل الزائرَ عدّةُ أدعيةٍ وزيارات مخطوطة على الجدار الخارجيّ للباب الحديديّة، وقد زُيّن المقام بالقاشانيّ الأزرق. أمّا المحراب فيقع على يسار الداخل، وهو مزيّنٌ أيضاً وقد كُتِب في وسطه: يا صاحب الزمان، وتاريخه يعود إلى سنة 1352 هـ، تعلوه قبّة شامخة بلونٍ أزرق فاتح عليها آثار القِدَم، كُتِب عليها من جوانبها سورة الانفطار، ثمّ تاريخ تشييدها واسم مشيّدها والساعي في ذلك، وذلك بخطّ الثلث الذي يصعب قراءته أحياناً في بعض كلماته التي خُطّت.
هـ. مقام الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: له بابان من مقام الإمام المهديّ عليه السّلام، وهو ملاصق له يُدخَل إليه من جهة القبلة من خلف المقام السابق، لكنّ ساحته أكبر منه، ومحرابه يقع على جهة اليسار، مُزيَّن بالقاشاني الأزرق، وعليه لوحة كُتب عليها: مقام الإمام جعفر الصادق عليه السّلام.
تاريخ عمارة المقام
تحتل الصور الشريفة للمقامات المقدّسة للنبيّ والأئمّة عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، موضعاً مهمّاً في قلوب المؤمنين، ولذلك تعاهدوها بالزيارة والإعمار، فلم تُنسَ ولم تندثر، فبَقِيت عريقةً شامخة مرفوعة الذِّكر على مدى قرون التاريخ، ثابتةً آثارها في كتب التاريخ وقصائد الشعراء فضلاً عن البناء المبارك الذي حوى الزخارف والخطوط الشريفة على الجدران، وتآريخ تشييد هذه المقامات واسم مُشيّديها ومُعمّريها.
وكانت البذرة الأولى لمقام المهديّ عليه السّلام قد وضعتها اليد المباركة للإمام الصادق عليه السّلام، إذ جاء إلى الحِيرة سنة 136 هـ باستدعاءٍ من سلطان وقته أبي العبّاس السفّاح، فسكن سنتين أو أكثر قريباً من قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، وقد شَهِد أبو حنيفة بذلك حين قال: لولا السنتان، لَهلَك النعمان. وكان الإمام الصادق عليه السّلام يتردّد على قبر جدّه المرتضى ويصلّي قريباً من مشهده الشريف ركعتين في موضع منبر القائم عليه السّلام، وقد أشار إليه مُخبِراً أحدَ أصحابه الذي رافقه في إحدى زياراته المباركة، وهو أبانُ بن تَغلِب. فيكون منشأ هذا المقام بين سنتَي 136 ـ 141 هـ لأنّ أبان تُوفي سنة 141 هـ، والإمام الصادق عليه السّلام استُشهِد سنة 148 هـ.
• ثمّ غاب الكثير من الأخبار حتّى القرن الحادي عشر الهجريّ:
ـ في سنة 1026 هـ: دُفن السيّد مبارك المشعشعيّ بجوار مقام الإمام المهديّ (عج)، وهذا يؤكّد أن عمارة المقام كانت مشهودة ومعروفة.
ـ قبل سنة 1078 هـ: ذُكر أنّ عمارة المقام كانت تحتوي على: صحنٍ فيه شجرة وموضعٌ للماء ـ كأن يكون بئراً ـ وفي داخل المقام محراب.
ذكر ذلك الشيخ المجلسي في كتابه « بحار الأنوار » ضمن حكاية الرجل الكاشاني أنّه ذهب إلى مقام القائم صلوات الله عليه، وغسل قميصه في الحوض وطرحه على شجرةٍ كانت هناك، وبعد دخوله الصحن صلّى عند المحراب ركعات.
• أمّا عمارته في القرن الثاني عشر الهجريّ:
ـ فقبل سنة 1155 هـ كتب السيّد نصر الله الحائريّ ( ت 1168 هـ ) شعراً على المقام، نُقِل بعد ذلك من ديوانه المخطوط، وكان عند تلميذه السيّد حسين النقويّ.
ـ وفي سنة 1200 هـ: وُجِد حجرٌ منقوشٌ عليه زيارة الإمام الحجّة المهديّ عليه السّلام مؤرّخة في آخرها بهذه العبارة: حرّرة الآثم الجاني قاسم بن المرحوم أحمد الفحّام الحسينيّ، في 9 شعبان سنة 1200 هـ. ( ماضي النجف وحاضرها، جعفر محبوبة 95:1 ).
رأى الشيخ جعفر محبوبة ( ت 1377 هـ ) هذا الحجر، وهو إلى الآن محفوظ في إحدى غرف المقام، ولعوامل الزمن بقيت منه هذه العبارة: السلام عليك يا حُجّة الله في أرضه ـ وهي زيارة الإمام المهديّ عليه السّلام يوم الجمعة.
• ثمّ تأتي عمارة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم أعلى الله مقامه ( 1155 ـ 1212 هـ ): وهي عمارة فخمة ـ كما ذكرها المؤرّخون ـ أقام فيها السيّد على المقام قبّةً من الجص والحجارة، كانت قائمةً حتى سنة 1308 هـ.
• ثمّ إنّ الراجة محمود آباد ( أحد ملوك مقاطعةٍ في الهند ) ـ خلال زيارته لحرم أمير المؤمنين عليه السّلام، وبمساعٍ من السادن السيّد علي كمّونة ـ شيّد قبّة مزيّنةً بحجر القاشي الأزرق، ما زالت قائمةً إلى يومنا هذا، وقد ثُبّت عليها تاريخها.
• وفي سنة 1352 هـ زُيِّن محراب مقام الإمام المهديّ عليه السّلام بالقاشي الأزرق، وكتب عليه تاريخ تزيينه. كان ذلك في القرن الرابع عشر الهجري.
• أمّا في القرن الخامس عشر الهجريّ الذي نحن فيه، فلم تلق عمارة هذا المقام ـ كغيرها من المشاهد المقدّسة ـ أهميّةً ملحوظة؛ للظروف الصعبة التي واجهت المدن الدينيّة في العراق، فبقيت دون إعمار أو تجديد إلاّ ما بذل متولّي خِدمة المقام من مساعٍ متكتّمة ومنحصرة في: تزويد المقام بالكهرباء في بعض جهاته، وتغيير باب المقام الرئيسيّة، وبناء مظلّة لباب بيت المقام تقي من حرارة الشمس، وإعمار بئر المقام، وبناء مرافق صحيّة جديدة وتجديد بعضها.
زيارة المقام الشريف
لم تَخلُ جميع المشاهد المنسوبة إلى العترة الطاهرة من الأمور التعبّدية لله تبارك وتعالى، مقرونةً بآداب الزيارة. وقد دأبت الشيعة على تعظيمها وإتيانها، والعمل بالمأثور فيها، وكان من ذلك صلاة ركعتين صلاّهما الإمام الصادق عليه السّلام في هذا المقام الطاهر، فَعُدّ من الأماكن الشريفة.
كتب المحدّث الميرزا النوريّ: ليس خفيّاً أنّ من جملة الأماكن المختصّة بمقام الإمام المهديّ عليه السّلام: وادي السلام، ومسجد السهلة، والحلّة، ومسجد جمكران في قم، وغيرها. والظاهر أنّه تشرّف في تلك المواضع بعضُ مَن رآه « أرواحنا فداه »، أو ظهرت هناك معجزة؛ ولهذا دخلت في الأماكن الشريفة المباركة، فإنّ هناك محلَّ أُنس وهبوطَ ملائكة، وتلك أحدُ الأسباب المُقرّبة لإجابة الدعاء وقبول العبادة. وقد جاء في بعض الأخبار أنّ الله تعالى يُحبّ أن يُعبد في أماكن، مثل: المساجد، ومشاهدِ الأئمّة عليهم السّلام، ومقابرِ أولاد الأئمّة، ومقابر الصالحين والأبرار، وهي من الألطاف الغَيبيّة الإلهيّة للعباد الضالّين والمضطرّين، والمرضى والمستدينين، والمظلومين والخائفين والمحتاجين، ونظائرِهم من أصحاب الهموم وموزَّعي القلوب ومشتَّتي الظاهر ومختلّي الحواسّ.. وبالطبع كلَّما سعى ( الزائر ) أن يكون أكثرَ أدباً ( في زيارته )، فسيرى خيراً أكثر. ويُحتمَل أن يكون جميع تلك المواضع داخلةً في جملة « بيوت الله التي أَذِن أن تُرفعَ ويُذكر فيها اسمه ». ( النجم الثاقب للميرزا النوري 139:2 ).
• الزيارة الصادقيّة: سُئل الإمام الرضا عليه السّلام عن إتيان أبي الحسن موسى الكاظم عليه السّلام ( أي زيارة قبره الزاكي ) فقال: « صَلُّوا في المساجد حوله، ويجزي في المواضع كلِّها ».
أي: يجزي في زيارة كلٍّ من الأئمّة، أو في مطلق المزارات الشريفة المقدّسة، كمراقد الأنبياء وسائر الأوصياء عليهم السّلام ـ كما هو الظاهر ـ أن تقول: « السَّلامُ عَلى أولياءِ اللهِ وأصفيائهِ، السَّلامُ عَلى أُمناءِ اللهِ وأحبّائهِ، السَّلامُ عَلى أنصارِ اللهِ وخلفائهِ.. ». ( مَن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 608:2 ).
نَزيلُكَ حيثُ ما آتَّجَهت رِكابي وضَيفُك حيثُ كنتُ مِن البلادِ
ذكَرَ هذا البيتَ السيّدُ ابن طاووس ( رضوان الله عليه ) بعد إتيانه بزيارة الإمام المهديّ عليه السّلام يومَ الجمعة، حيث قال في آخرها: وأنا أتمثّل بعد هذه الزيارة وأقول بالإشارة: نزيلُك حيثُ ما آتَّجَهت...
فيما قدّم لتلك الزيارة الشريفة قوله: أقول متمثّلاً وأُشير إليهم صلوات الله عليهم:
مُحبُّكُمُ وإن قُبِضَت حياتـي وزائرُكم وإن عُقِرت ركابي
(جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع للسيّد ابن طاووس 41 ـ 42 ).
• قال الشيخ المجلسيّ: إعلم أنّه يستحبّ زيارته ( الإمام المهديّ ) صلوات الله عليه في كلّ مكانٍ وزمان، وفي السرداب المقدَّس، وعند قبور أجداده الطاهرين صلَواتُ الله عليهم أجمعين أفضل.. ( بحار الأنوار لشيخ المجلسيّ 119:102 ).
في مدينة النجف الأشرف آثار ذات امتداد تاريخيّ وعقائديّ عميقين، فَمِن مثوى آدم عليه السّلام إلى مثوى نوحٍ عليه السّلام، ثم إلى مثوى أمير المؤمنين عليه السّلام. وفي هذه المدينة يشخص أثرٌ لمعزّ الأولياء الإمام المهديّ بن الحسن العسكريّ عليهما السّلام، إذ في الجانب الغربيّ منها وفي قلب وادي السلام، اختار طاووسُ أهل الجنّة موضعاً له، فزاد المحلَّ شرفاً إلى شرفه، وقد عُرِف ذلك الموضع المبارك باسم: مقام الإمام صاحب الزمان عليه السّلام. يبعد عن حرم أمير المؤمنين عليه السّلام بنحو 700 متر، وقُبّته ظاهرة للعيان لا سيّما للشاخص إليه من أوّل وادي السلام من جهة ( شارع الشيخ الطوسي ).
وصف المقام
مدخله صحن ذو ساحةٍ رحبة، تنتهي ببيتين فيهما مقامان: الأوّل ـ للإمام المهديّ عليه السّلام، والثاني ـ للإمام الصادق عليه السّلام. وأمّا تفاصيل عمارة المقام فكالتالي:
أ. باب خارجيّة: حديديّة كبيرة تقع على جهة المقام.
ب. المدخل: مرتفع إلى صحن المقام بثلاث درجات، وطوله نحو 7 أمتار.
ج. الصحن: ذو ساحة رحبة، على جهتها الشماليّة ألواح لقبورٍ كتبت عليها أسماء أصحابها وتآريخ وفياتهم، ذُكر أنها انضمّت إلى الصحن بعد توسعته. أمّا من الجهة الغربيّة للصحن فهناك ساحة مسقّفة مرتفعة قليلاً، يستريح فيها الزائرون، تتخلّلها أعمدة، وقد فُرِشت بالحصران والفُرُش. وعلى يسار الداخل للمقام شجرة سِدر، أمّا على يمينه فحجرة مرتفعة، فيها بئر عميقة لا تخلو من الماء يتدلّى بها دَلْو، فيتبرّك الزائرون هنالك بماء تلك البئر، كما تُرمى رُقاع الحوائج فيه من قِبل الزائرين المتوسّلين. وكان الماء قد جرى في المقام في قصّة حكاها الشيخ المجلسيّ رحمه الله. وفي الحجرة ألواح كُتب عليها بعض الأدعية المتعلّقة بالإمام المهديّ صلوات الله عليه، وبجوار هذه الحجرة حجرةٌ أخرى دُفن فيها مرحومون، وعلى جانبها الأيمن باب للصعود إلى سطح المقام.
د. بيت مقام الإمام المهديّ سلام الله عليه: يقع في الجهة الشرقيّة لصحن المقام، تستقبل الزائرَ عدّةُ أدعيةٍ وزيارات مخطوطة على الجدار الخارجيّ للباب الحديديّة، وقد زُيّن المقام بالقاشانيّ الأزرق. أمّا المحراب فيقع على يسار الداخل، وهو مزيّنٌ أيضاً وقد كُتِب في وسطه: يا صاحب الزمان، وتاريخه يعود إلى سنة 1352 هـ، تعلوه قبّة شامخة بلونٍ أزرق فاتح عليها آثار القِدَم، كُتِب عليها من جوانبها سورة الانفطار، ثمّ تاريخ تشييدها واسم مشيّدها والساعي في ذلك، وذلك بخطّ الثلث الذي يصعب قراءته أحياناً في بعض كلماته التي خُطّت.
هـ. مقام الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: له بابان من مقام الإمام المهديّ عليه السّلام، وهو ملاصق له يُدخَل إليه من جهة القبلة من خلف المقام السابق، لكنّ ساحته أكبر منه، ومحرابه يقع على جهة اليسار، مُزيَّن بالقاشاني الأزرق، وعليه لوحة كُتب عليها: مقام الإمام جعفر الصادق عليه السّلام.
تاريخ عمارة المقام
تحتل الصور الشريفة للمقامات المقدّسة للنبيّ والأئمّة عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، موضعاً مهمّاً في قلوب المؤمنين، ولذلك تعاهدوها بالزيارة والإعمار، فلم تُنسَ ولم تندثر، فبَقِيت عريقةً شامخة مرفوعة الذِّكر على مدى قرون التاريخ، ثابتةً آثارها في كتب التاريخ وقصائد الشعراء فضلاً عن البناء المبارك الذي حوى الزخارف والخطوط الشريفة على الجدران، وتآريخ تشييد هذه المقامات واسم مُشيّديها ومُعمّريها.
وكانت البذرة الأولى لمقام المهديّ عليه السّلام قد وضعتها اليد المباركة للإمام الصادق عليه السّلام، إذ جاء إلى الحِيرة سنة 136 هـ باستدعاءٍ من سلطان وقته أبي العبّاس السفّاح، فسكن سنتين أو أكثر قريباً من قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، وقد شَهِد أبو حنيفة بذلك حين قال: لولا السنتان، لَهلَك النعمان. وكان الإمام الصادق عليه السّلام يتردّد على قبر جدّه المرتضى ويصلّي قريباً من مشهده الشريف ركعتين في موضع منبر القائم عليه السّلام، وقد أشار إليه مُخبِراً أحدَ أصحابه الذي رافقه في إحدى زياراته المباركة، وهو أبانُ بن تَغلِب. فيكون منشأ هذا المقام بين سنتَي 136 ـ 141 هـ لأنّ أبان تُوفي سنة 141 هـ، والإمام الصادق عليه السّلام استُشهِد سنة 148 هـ.
• ثمّ غاب الكثير من الأخبار حتّى القرن الحادي عشر الهجريّ:
ـ في سنة 1026 هـ: دُفن السيّد مبارك المشعشعيّ بجوار مقام الإمام المهديّ (عج)، وهذا يؤكّد أن عمارة المقام كانت مشهودة ومعروفة.
ـ قبل سنة 1078 هـ: ذُكر أنّ عمارة المقام كانت تحتوي على: صحنٍ فيه شجرة وموضعٌ للماء ـ كأن يكون بئراً ـ وفي داخل المقام محراب.
ذكر ذلك الشيخ المجلسي في كتابه « بحار الأنوار » ضمن حكاية الرجل الكاشاني أنّه ذهب إلى مقام القائم صلوات الله عليه، وغسل قميصه في الحوض وطرحه على شجرةٍ كانت هناك، وبعد دخوله الصحن صلّى عند المحراب ركعات.
• أمّا عمارته في القرن الثاني عشر الهجريّ:
ـ فقبل سنة 1155 هـ كتب السيّد نصر الله الحائريّ ( ت 1168 هـ ) شعراً على المقام، نُقِل بعد ذلك من ديوانه المخطوط، وكان عند تلميذه السيّد حسين النقويّ.
ـ وفي سنة 1200 هـ: وُجِد حجرٌ منقوشٌ عليه زيارة الإمام الحجّة المهديّ عليه السّلام مؤرّخة في آخرها بهذه العبارة: حرّرة الآثم الجاني قاسم بن المرحوم أحمد الفحّام الحسينيّ، في 9 شعبان سنة 1200 هـ. ( ماضي النجف وحاضرها، جعفر محبوبة 95:1 ).
رأى الشيخ جعفر محبوبة ( ت 1377 هـ ) هذا الحجر، وهو إلى الآن محفوظ في إحدى غرف المقام، ولعوامل الزمن بقيت منه هذه العبارة: السلام عليك يا حُجّة الله في أرضه ـ وهي زيارة الإمام المهديّ عليه السّلام يوم الجمعة.
• ثمّ تأتي عمارة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم أعلى الله مقامه ( 1155 ـ 1212 هـ ): وهي عمارة فخمة ـ كما ذكرها المؤرّخون ـ أقام فيها السيّد على المقام قبّةً من الجص والحجارة، كانت قائمةً حتى سنة 1308 هـ.
• ثمّ إنّ الراجة محمود آباد ( أحد ملوك مقاطعةٍ في الهند ) ـ خلال زيارته لحرم أمير المؤمنين عليه السّلام، وبمساعٍ من السادن السيّد علي كمّونة ـ شيّد قبّة مزيّنةً بحجر القاشي الأزرق، ما زالت قائمةً إلى يومنا هذا، وقد ثُبّت عليها تاريخها.
• وفي سنة 1352 هـ زُيِّن محراب مقام الإمام المهديّ عليه السّلام بالقاشي الأزرق، وكتب عليه تاريخ تزيينه. كان ذلك في القرن الرابع عشر الهجري.
• أمّا في القرن الخامس عشر الهجريّ الذي نحن فيه، فلم تلق عمارة هذا المقام ـ كغيرها من المشاهد المقدّسة ـ أهميّةً ملحوظة؛ للظروف الصعبة التي واجهت المدن الدينيّة في العراق، فبقيت دون إعمار أو تجديد إلاّ ما بذل متولّي خِدمة المقام من مساعٍ متكتّمة ومنحصرة في: تزويد المقام بالكهرباء في بعض جهاته، وتغيير باب المقام الرئيسيّة، وبناء مظلّة لباب بيت المقام تقي من حرارة الشمس، وإعمار بئر المقام، وبناء مرافق صحيّة جديدة وتجديد بعضها.
زيارة المقام الشريف
لم تَخلُ جميع المشاهد المنسوبة إلى العترة الطاهرة من الأمور التعبّدية لله تبارك وتعالى، مقرونةً بآداب الزيارة. وقد دأبت الشيعة على تعظيمها وإتيانها، والعمل بالمأثور فيها، وكان من ذلك صلاة ركعتين صلاّهما الإمام الصادق عليه السّلام في هذا المقام الطاهر، فَعُدّ من الأماكن الشريفة.
كتب المحدّث الميرزا النوريّ: ليس خفيّاً أنّ من جملة الأماكن المختصّة بمقام الإمام المهديّ عليه السّلام: وادي السلام، ومسجد السهلة، والحلّة، ومسجد جمكران في قم، وغيرها. والظاهر أنّه تشرّف في تلك المواضع بعضُ مَن رآه « أرواحنا فداه »، أو ظهرت هناك معجزة؛ ولهذا دخلت في الأماكن الشريفة المباركة، فإنّ هناك محلَّ أُنس وهبوطَ ملائكة، وتلك أحدُ الأسباب المُقرّبة لإجابة الدعاء وقبول العبادة. وقد جاء في بعض الأخبار أنّ الله تعالى يُحبّ أن يُعبد في أماكن، مثل: المساجد، ومشاهدِ الأئمّة عليهم السّلام، ومقابرِ أولاد الأئمّة، ومقابر الصالحين والأبرار، وهي من الألطاف الغَيبيّة الإلهيّة للعباد الضالّين والمضطرّين، والمرضى والمستدينين، والمظلومين والخائفين والمحتاجين، ونظائرِهم من أصحاب الهموم وموزَّعي القلوب ومشتَّتي الظاهر ومختلّي الحواسّ.. وبالطبع كلَّما سعى ( الزائر ) أن يكون أكثرَ أدباً ( في زيارته )، فسيرى خيراً أكثر. ويُحتمَل أن يكون جميع تلك المواضع داخلةً في جملة « بيوت الله التي أَذِن أن تُرفعَ ويُذكر فيها اسمه ». ( النجم الثاقب للميرزا النوري 139:2 ).
• الزيارة الصادقيّة: سُئل الإمام الرضا عليه السّلام عن إتيان أبي الحسن موسى الكاظم عليه السّلام ( أي زيارة قبره الزاكي ) فقال: « صَلُّوا في المساجد حوله، ويجزي في المواضع كلِّها ».
أي: يجزي في زيارة كلٍّ من الأئمّة، أو في مطلق المزارات الشريفة المقدّسة، كمراقد الأنبياء وسائر الأوصياء عليهم السّلام ـ كما هو الظاهر ـ أن تقول: « السَّلامُ عَلى أولياءِ اللهِ وأصفيائهِ، السَّلامُ عَلى أُمناءِ اللهِ وأحبّائهِ، السَّلامُ عَلى أنصارِ اللهِ وخلفائهِ.. ». ( مَن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 608:2 ).
نَزيلُكَ حيثُ ما آتَّجَهت رِكابي وضَيفُك حيثُ كنتُ مِن البلادِ
ذكَرَ هذا البيتَ السيّدُ ابن طاووس ( رضوان الله عليه ) بعد إتيانه بزيارة الإمام المهديّ عليه السّلام يومَ الجمعة، حيث قال في آخرها: وأنا أتمثّل بعد هذه الزيارة وأقول بالإشارة: نزيلُك حيثُ ما آتَّجَهت...
فيما قدّم لتلك الزيارة الشريفة قوله: أقول متمثّلاً وأُشير إليهم صلوات الله عليهم:
مُحبُّكُمُ وإن قُبِضَت حياتـي وزائرُكم وإن عُقِرت ركابي
(جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع للسيّد ابن طاووس 41 ـ 42 ).
• قال الشيخ المجلسيّ: إعلم أنّه يستحبّ زيارته ( الإمام المهديّ ) صلوات الله عليه في كلّ مكانٍ وزمان، وفي السرداب المقدَّس، وعند قبور أجداده الطاهرين صلَواتُ الله عليهم أجمعين أفضل.. ( بحار الأنوار لشيخ المجلسيّ 119:102 ).
تعليق