"السامح" يعني اللين والتساهل، وهوعنوان واسع يشمل العفو والصفح وغضّ الطرف وعدم التشدُّد والتعنُّف مع الناس، وهوأمر نحتاجه اليوم على أكثر من صعيد، سواء كان على صعيد الحياة الفردية أو الحياةالعائلية، أو الإجتماعية والسياسية وحتى الدينية.
إذا لا تعم روح التسامح المجتمع حتى يكون ثقافة وسلوك ومنهج، فإنّ العالم سيبقى يعيش الحرب مع نفسه، وكلّما خمدت فتنة اشتعلت أخرى، وهكذا يفقد الإنسان الأمن مع الآخرين، لأنّه في الواقع لايعيش السلام في نفسه ومجتمعه.
كيف نكون متسامحين، مع الأهل والأولاد، مع أبناء مجتمعنا ممّن يتبع ديننا أو لا يتبع، من طائفتنا أو من غيرها، من بلدنا أو من غيره؟
إنّ التسامح قبل أن يكون حالة نفسية وسلوكاً إجتماعياً، يجب أن يُبنى على قاعدة فكرية، ليكون التسامح مبدأ لا يتزحزح، والتساهل مع الآخرين منهج والتزام ثابت.
إذا كُنّا نعتقد بأنّت جميع أهل الأرض، من غير ملّتنا، كفرة ومرتدين وضالّين، وأنّ من حقّنا أن نقاتلهم ونحاربهم ونصادر أموالهم ونستحلّ دماءهم وأعراضهم.. إذا كانت تلك عقيدة فلا ينفع معها خُلُق ولا مجاملة، لأن مَن يريد قتلك لا تنفعك ابتسامته ولا دماثة أخلاقه، إن كانت لديه أخلاق.
إنّ التعصُّب ليس دين،بل هو جاهلية، ولذلك ذمّ الله تعالى مشركي قريش لأنّهم كانوا يقولون:
(إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون) (الزخرف/ 22).
أمّا منطق الإسلام،فكان: (لا إكراه في الدين) (البقرة/ 256)،
شعاراً لا يقبل تحريف ولا تأويل.. شعار يحترم خيار الإنسان الذي أكرمه الله تعالى وجعل له عقلاً ومنطقاً وإختياراً وإرادةً.
إنّ الإنسان موجود معقّد، وتعود الكثير من تصرفاته إلى نشأته وطفولته الأولى (دون الخامسة)، في الوقت الذي لم يكن عاقلاً ولا مريداً، وبالتالي يمكن إرجاع الكثير من التصرفات الإجتماعية إلى عوامل كامنة وغير مرئية، غُرِست في نفس الإنسان منذ صغره، فهو يخجل أو يكتئب أو يشعر بالقلق والإضطرابات بوضع إنعكاسي وشرطي، لأنّه هكذا رأى أبويه أو هكذا عاملاه وعلّماه.. فلا نلوم الناس كثيراً لسلوك لا يعجبنا أو موقف لا نرضاه.
وللبيئة الإجتماعية أثرها، كما إنّ للإعلام أثره، وبالتالي فإنّ الواحد منّا لو كان مولوداً في مجتمع آخر، فربّما كان يحمل نفس أفكار ذلك المجتمع ويدين بدينهم..
ألم يقل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم):
"كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"؟.
والحال هكذا مع أتباع المذاهب والفرق الدينية، فلكل ظروفه وكل يرى رأيه، وليس بالضرورة أنّه على باطل، أو أنّه مقصِّر،لأنّ الإنسان عادة يختار لنفسه ما يراه صالحاً لها.
ثقافة التسامح مطلوبة لكي يعيش الناس في أمن وسلام وتعاون وانسجام، وهي مفيدة لتقريب الأفكار وتكامل الحضارات.
ولكنها قبل كل شيء، مطلوبة لكي يعيش الإنسان حالة السلام مع نفسه ومع الآخرين، فلا يستيقظ ولا ينام وهو يعتقد أنّ الناس من حوله أعداء، وهو في حرب معهم ليل نهار، وبذلك يفقد أمنه واستقراره، ويجلب لنفسه العناء والشقاء.
لنعد إلى المأثور أيضاً عن علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ يقول:
"اقبل أعذار الناس تستمتع بإخائهم وألقهم بالبشر تمت أضغانهم".
وأيضاً يقول عليه السلام: "أعقل الناس أعذرهم للناس".
والناس كانوا ومازالوا مختلفين، نصَّ على ذلك القرآن الكريم (البقرة/ 213)، وهم ليسوا في إتباع الحق سواء، كما إنّهم ليسوا في العلم به سواء، فمنهم قاصرون معذورون، ومنهم مقصرون، وليس لنا أو علينا حسابهم إنّما الحساب بيد ربّ العالمين، الذي يعلم السرّوما أخفى،
وهو القائل جلَّ وعلا لنبيّه الكريم (صلى الله عليه وسلم):
(إلى الله مرجعكم جميعاً فينبِّئكم بما كنتم فيه تختلفون) (المائدة/ 48).
وهو القائل: (إنّ إلينا إيابهم * ثمّ إنّ علينا حسابهم) (الغاشية/ 25-26).
كما قال تعالى: (فلا تُزكُّوا أنفسكمهو أعلم بمن اتّقى) (النجم/ 32).
إنّ الناظر إلى تاريخ العالم وطبيعة الخلق وأوضاع المخلوقين، يعذر الناس جميعاً ويرجع أمر حسابهم إلى الله تعالى.. فلعلّ هذا "الضالّ" بنظرنا أفضل منّا عند الله، لحسنات لا نراها ويراها الله وحده، ولخصال سيِّئة فينا يعلمها الله دون غيره.
لنقرأ معاً مقطعاً مهمّاً من كتاب للإمام علي كتبه إلى مالك الأشتر عندما ولاّه مصر، يقول فيه:
"... ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدِّين أو نظير لك في الخَلق،يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويُؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم منعفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه..."(1).
ويقول في موضع آخر: "إقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً"(2).
الهوامش:
1 و2- نهج البلاغة، من كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
منقول
إذا لا تعم روح التسامح المجتمع حتى يكون ثقافة وسلوك ومنهج، فإنّ العالم سيبقى يعيش الحرب مع نفسه، وكلّما خمدت فتنة اشتعلت أخرى، وهكذا يفقد الإنسان الأمن مع الآخرين، لأنّه في الواقع لايعيش السلام في نفسه ومجتمعه.
كيف نكون متسامحين، مع الأهل والأولاد، مع أبناء مجتمعنا ممّن يتبع ديننا أو لا يتبع، من طائفتنا أو من غيرها، من بلدنا أو من غيره؟
إنّ التسامح قبل أن يكون حالة نفسية وسلوكاً إجتماعياً، يجب أن يُبنى على قاعدة فكرية، ليكون التسامح مبدأ لا يتزحزح، والتساهل مع الآخرين منهج والتزام ثابت.
إذا كُنّا نعتقد بأنّت جميع أهل الأرض، من غير ملّتنا، كفرة ومرتدين وضالّين، وأنّ من حقّنا أن نقاتلهم ونحاربهم ونصادر أموالهم ونستحلّ دماءهم وأعراضهم.. إذا كانت تلك عقيدة فلا ينفع معها خُلُق ولا مجاملة، لأن مَن يريد قتلك لا تنفعك ابتسامته ولا دماثة أخلاقه، إن كانت لديه أخلاق.
إنّ التعصُّب ليس دين،بل هو جاهلية، ولذلك ذمّ الله تعالى مشركي قريش لأنّهم كانوا يقولون:
(إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون) (الزخرف/ 22).
أمّا منطق الإسلام،فكان: (لا إكراه في الدين) (البقرة/ 256)،
شعاراً لا يقبل تحريف ولا تأويل.. شعار يحترم خيار الإنسان الذي أكرمه الله تعالى وجعل له عقلاً ومنطقاً وإختياراً وإرادةً.
إنّ الإنسان موجود معقّد، وتعود الكثير من تصرفاته إلى نشأته وطفولته الأولى (دون الخامسة)، في الوقت الذي لم يكن عاقلاً ولا مريداً، وبالتالي يمكن إرجاع الكثير من التصرفات الإجتماعية إلى عوامل كامنة وغير مرئية، غُرِست في نفس الإنسان منذ صغره، فهو يخجل أو يكتئب أو يشعر بالقلق والإضطرابات بوضع إنعكاسي وشرطي، لأنّه هكذا رأى أبويه أو هكذا عاملاه وعلّماه.. فلا نلوم الناس كثيراً لسلوك لا يعجبنا أو موقف لا نرضاه.
وللبيئة الإجتماعية أثرها، كما إنّ للإعلام أثره، وبالتالي فإنّ الواحد منّا لو كان مولوداً في مجتمع آخر، فربّما كان يحمل نفس أفكار ذلك المجتمع ويدين بدينهم..
ألم يقل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم):
"كل مولود يولد على الفطرة،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"؟.
والحال هكذا مع أتباع المذاهب والفرق الدينية، فلكل ظروفه وكل يرى رأيه، وليس بالضرورة أنّه على باطل، أو أنّه مقصِّر،لأنّ الإنسان عادة يختار لنفسه ما يراه صالحاً لها.
ثقافة التسامح مطلوبة لكي يعيش الناس في أمن وسلام وتعاون وانسجام، وهي مفيدة لتقريب الأفكار وتكامل الحضارات.
ولكنها قبل كل شيء، مطلوبة لكي يعيش الإنسان حالة السلام مع نفسه ومع الآخرين، فلا يستيقظ ولا ينام وهو يعتقد أنّ الناس من حوله أعداء، وهو في حرب معهم ليل نهار، وبذلك يفقد أمنه واستقراره، ويجلب لنفسه العناء والشقاء.
لنعد إلى المأثور أيضاً عن علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ يقول:
"اقبل أعذار الناس تستمتع بإخائهم وألقهم بالبشر تمت أضغانهم".
وأيضاً يقول عليه السلام: "أعقل الناس أعذرهم للناس".
والناس كانوا ومازالوا مختلفين، نصَّ على ذلك القرآن الكريم (البقرة/ 213)، وهم ليسوا في إتباع الحق سواء، كما إنّهم ليسوا في العلم به سواء، فمنهم قاصرون معذورون، ومنهم مقصرون، وليس لنا أو علينا حسابهم إنّما الحساب بيد ربّ العالمين، الذي يعلم السرّوما أخفى،
وهو القائل جلَّ وعلا لنبيّه الكريم (صلى الله عليه وسلم):
(إلى الله مرجعكم جميعاً فينبِّئكم بما كنتم فيه تختلفون) (المائدة/ 48).
وهو القائل: (إنّ إلينا إيابهم * ثمّ إنّ علينا حسابهم) (الغاشية/ 25-26).
كما قال تعالى: (فلا تُزكُّوا أنفسكمهو أعلم بمن اتّقى) (النجم/ 32).
إنّ الناظر إلى تاريخ العالم وطبيعة الخلق وأوضاع المخلوقين، يعذر الناس جميعاً ويرجع أمر حسابهم إلى الله تعالى.. فلعلّ هذا "الضالّ" بنظرنا أفضل منّا عند الله، لحسنات لا نراها ويراها الله وحده، ولخصال سيِّئة فينا يعلمها الله دون غيره.
لنقرأ معاً مقطعاً مهمّاً من كتاب للإمام علي كتبه إلى مالك الأشتر عندما ولاّه مصر، يقول فيه:
"... ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدِّين أو نظير لك في الخَلق،يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويُؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم منعفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه..."(1).
ويقول في موضع آخر: "إقبل عذر أخيك، وإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً"(2).
الهوامش:
1 و2- نهج البلاغة، من كلام الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
منقول
تعليق