خيط محمد (ص) ودمار أمية
عن جابر بن عبد الله قال : افضيت الخلافة الى بني امية فسفكوا فيها الدم الحرام , ولعنوا امير المؤمنين الف شهر على منابرهم واغتالوا شيعته في كل البلدان واستاصلوا شأفتهم , حتى فشا ذلك في الشيعة وضاق بهم , فاشتكوا الى الامام زين العابدين وقالوا : يابن رسول الله حلّؤنا عن البلدان بالقتل الذريع , وقد اعلنوا بلعن امير المؤمنين في البلدان وفي مسجد رسول الله وعلى منبره ولا ينكر عليهم منكر ولا يعيرهم معير فان انكر واحد منا لعنوه وقالوا : هذا ترابيّ , ورفع الى سلطانهم وكتب اليه ان هذا ترابيّ او ذكر ابا تراب بخير فضرب وحبس وقتل , فلما سمع زين العابدين ذلك نظر الى السماء وقال : " سبحانك ما اعظم شانك انك امهلت عبادك حتى ظنوا انك اهملتهم وهذا كله بعينك اذ لا يغلب قضاؤك ولا يرد محتوم امرك فهو كيف شئت وانى شئت لما انت اعلم به منا , ثم دعا بابنه محمد الباقر , فقال يا ابا محمد , فقال لبيك , فقال : اذا كان غدا فاغد الى مسجد رسول الله وحط الخيط الذي نزل به جبرائيل على رسول الله وحركه تحريكا لينا ولا تحركه تحريكا شديدا فيهلكوا جميعا .
قال جابر : فبقيت متعجبا من قوله لا ادري ما اقول , فلما كان من الغد جئته وكان قد طال علي ليلي حرصا لانظر ما يكون من امر الخيط , فبينما انا بالباب اذ خرج الباقر فسلمت عليه فرد علي السلام وقال لي : ما غدا بك يا جابر عنا ولم تكن تاتنا في هذا الوقت ؟فقلت : لقول الامام بالامس خذ الخيط الذي اتى به جبرائيل وسر به الى مسجد رسول الله ....., فقال الباقر : والله لولا الوقت المعلوم والاجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت بهذا الخلق المنكوس في طرفة عين لا بل في لحظة , ولكنا عباد مكرمون لا نسبقه بالقول ونحن بامره عاملون .
قال جابر : فقلت : يا سيدي ومولاي لم تفعل هذا بهم ؟ قال : ما حضرت بالامس والشيعة تشكوا الى والدي ما يلقون من هؤلاء الانذال ؟ فقلت : يا سيدي ومولاي نعم , فقال : انه امرني ان ارعبهم لعلهم ينتهون , وكنت احب ان تهلك طائفة منهم ليطهر الله البلاد ويريح العباد منهم .قال جابر : فقلت : سيدي كيف ترعبهم وهم اكثر من ان يحصى , فقال الباقر : امض بنا الى مسجد رسول الله لاريك قدرة الله تعالى التي خصنا الله بها ومنّ بها علينا من دون الناس , فقال جابر : فمضيت معه الى المسجد فصلى ركعتين ثم وضع خده في التراب وتكلم بكلام ثم رفع راسه واخرج من كمّه خيطا دقيقا فاحت منه رائحة المسك , فكان في المنظر ادق من سم الخياط ثم قال لي : يا جابر خذ اليك طرف الخيط وامض رويدا , فمضيت , فقال : قف يا جابر , فوقفت ثم حرك الخيط تحريكا خفيفا ما ظننت انه حركه من لينه ثم قال : ناولني طرف الخيط , فناولته اياه وقلت ما فعلت يا سيدي ؟ فقال : ويحك اخرج وانظر ما حال الناس .
قال جابر (رض) : فخرجت من المسجد فاذا الناس في صيحة واحدة والصيحة من كل جانب , فاذا المدينة قد زلزلت زلزلة شديدة واخذتهم الرجفة والهدمة , وقد خرجت اكثر دور المدينة وهلك منها خلق كثير تزيد على الف رجل وامراة دون الولدان والناس في صياح وبكاء وعويل وهم يقولون : انا لله وانا اليه راجعون , خربت دار فلان وهلك اهلها ورايت الناس فزعين الى مسجد رسول الله وهم يقولون : هذه هدمة عظيمة وبعضهم يقول : قد كانت زلزلة والآخر يقول : كيف لا نخسف وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر فينا الفسق والفجور وظلم آل محمد .
قال جابر : فبقيت متحيرا انظر الى الناس حيارى يبكون , فابكاني بكاؤهم وهم لا يدرون من اين اتوا , فانصرفت الى الباقر وقد حف به الناس في مسجد رسول الله وهم يقولون : يابن رسول الله الا ترى الى ما نزل بنا ؟ فادع الله تعالى لنا , فقال : افزعوا الى الصلاة والدعاء والصدقة , ثم اخذ بيدي وسار بي , فقال : ما حال الناس فقلت : لا تسال يابن رسول الله , خربت الدور والمساكن وهلك الناس , ورايتهم بحال رحمتهم فيه , فقال : لا رحمهم الله تعالى اما انه قد بقيت عليك بقية ولولا ذلك لم ترحم اعداؤنا واعداء اوليائنا ثم قال : سحقا سحقا وبعدا بعدا للقوم الظالمين , والله لولا مخالفة والدي لزدت في التحريك واهلكتهم عن آخرهم وجعلت اعلاها اسفلها , فكان لا يبقى فيها دار ولا جدار فما انزلنا واوليائنا من اعدائنا هذه المنزلة غيرهم , ولكن امرني مولاي ان احركه تحريكا ساكنا ثم صعد المنارة فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة وتهدمت دور , ثم تلا الباقر : " ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي الا الكفور " وتلا ايضا " فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها " وايضا " فخر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " .
قال جابر : فخرجت العواتق من خدورهن في الزلزلة الثانية يبكين ويتضرعن مكشفات لا يلتفت اليهن احد , فلما نظر الباقر الى تحير العواتق رق لهن فوضع الخيط بكمه فسكنت الزلزلة , ثم نزل عن المنارة والناس لا يرونه واخذ بيدي حتى خرجنا من المسجد فمررنا بحداد اجتمع الناس عند حانوته والحداد يقول : اما سمعتم الهمهمة في الهدم؟ فقال بعضهم : بل كانت همهمة كثيرة , قال جابر : فنظر اليّ الباقر وتبسم وقال : يا جابر هذا لما طغوا وبغوا , فقلت : يابن رسول الله ما هذا الخيط الذي فيه العجب , فقال : بقية ما ترك آل موسى وآل عمران تحمله الملائكة ونزل به جبرائيل , ويحك يا جابر انا من الله بمنزلة رفيعة فلولا نحن لم يخلق الله سماء ولا ارضا ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا انسا ولا جنا , ويحك يا جابر لا يقاس بنا احد يا جابر بنا والله انقذكم , وبنا والله انعشكم , وبنا والله هداكم , ونحن والله دللناكم على ربكم فقفوا عند نهينا وامرنا ولا تردوا علينا ما وردناه عليكم منا , فما فهمتموه فاحمدوا الله عليه , وما جهلتموه فردوه الينا وقولوا : ائمتنا اعلم بما قالوا .
قال جابر : ثم استقبله امير المدينة القيم بها من بني امية وقد نكب ونكبت حريمه حوله وهو ينادي معاشر الناس احضروا ابن رسول الله وتقربوا به الى الله وتضرعوا اليه واظهروا التوبة والانابة لعل الله يصرف عنكم العذاب , قال جابر : فلما بصر الامير بمحمد الباقر سارع نحوه وقال : يابن رسول الله اما ترى ما نزل بامة محمد وقد هلكوا وفنوا ؟ ثم قال له : اين ابوك حتى نساله ان يخرج الى المسجد فنتقرب به الى الله تعالى فيرجع عن امة محمد البلاء ؟ فقال الباقر : يفعل ان شاء الله تعالى , ولكن اصلحوا ما فسد منكم وعليكم بالتوبة والتورع عما انتم عليه فانه لا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون .
قال جابر : فاتينا زين العابدين باجمعنا وهو يصلي فانتظرناه حتى انتقل من الصلاة فاقبل علينا ثم قال لابنه سرا : يا محمد كدت تهلك الناس جميعا , فقال جابر للاما زين العابدين : والله يا سيدي ما شعرت بتحريكه حين حركه , فقال : لو شعرت بتحريكه ما بقي نافخ نار , فما خبر الناس ؟ فاخبرناه , فقال : ذلك مما استحلوا منا محارم الله تعالى وانتهكوا من حرمتنا , فقلت : يابن رسول الله ان سلطانهم بالباب قد سالنا ان نسالك ان تحضر المسجد حتى تحضر الناس اليك فيدعون الله ويتضرعون اليه ويسالونه الاقالة , فتبسم ثم قال : " اولم تك تاتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال " ( غافر 50 ) قلت : يا سيدي ومولاي العجب انهم لا يدرون من اين اتوا , فقال : اجل وتلا " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون " ( الاعراف 51 ) , هي والله آياتنا يا جابر , وهذه والله احداها وهي مما وصف الله تعالى في كتابه " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون " ( الانبياء 18 ) .
ثم قال : يا جابر ما ظنك بقوم اماتوا سنتنا وضيعوا عهدنا ووالوا اعدائنا وانتهكوا حرمتنا وظلموا حقنا وغصبوا ارثنا واعانوا الظالمين علينا واحيوا سنتهم وساروا بسيرة الفاسقين الكافرين في فساد الدين واطفاء نور الحق؟ قال جابر : فقلت : الحمد لله الذي من علينا بمعرفتكم وعرفني فضلكم والهمني طاعتكم ووفقني لموالاة اوليائكم ومعاداة اعدائكم .(منقول)
تعليق