إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ولادة الإمام علي "عليه السلام " والبيت العتيق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ولادة الإمام علي "عليه السلام " والبيت العتيق



    ولادة الإمام علي "عليه السلام " والبيت العتيق

    من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار ، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه ، حتى موضع مولده ، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل ، محل الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر. هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة. وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة . قبل البعثة بعشر سنين . حوالي عام 600 م (23 قبل الهجرة) ، وقيل : ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل .


    ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين ، قد وُلِد الألوف من البشر ، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار ، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.كانت مثاراً للدهشة الأبدية ، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادة لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم ؟! ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام!!تلك ولادة أكرمه الله بها ، فشاركته أمُّه الكريمة في فخرها..إنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد لمَّا ضربها الطلق ، جاءت متعلِّقة بأستار الكعبة الشريفة ، من شدة المخاض ، مستجيرة بالله وَجِلةً ، خشية أن يراها أحد من الذين اعتادوا الاجتماع في أُمسياتهم في أروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحية وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهِنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول : يا ربِّ ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بنى هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني الا ما يسرت عليَّ ولادتي .
    قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى ، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).وقال عبدا لباقي العمري في عينيته الشهيرة :
    أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا ببطن مكة عند البيت إذ وُضعا وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة ـ

    شرح عينية عبدا لباقي العمري ما نصه : وفي كون الأمير كرّم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة... ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه ، بل لم تتفق الكلمة عليه ، وأحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين ، سبحان من يصنع الأشياء ، وهو أحكم الحاكمين .

    صفته (علية السلام):نشأ (عليه السلام) مكين البنيان ، شاباً وكهلاً ، حافظاً لتكوينه المكين حتى ناهز الستين من عمره الشريف ، كان قوي البنية ، ممتلئ الجسم ، كثير الشعر ، ربعة في الرجال لا هو بالطويل ولا بالقصير ، عريض المنكبين ، له مشاش كمشاش السبع الضاري ، يغلظ من أعضائه ما استغلظ من أعضاء الأسد ويدقُّ منها ما استدقَّ.هذا وتدلُّ أخباره كما تدلُّ صفاته على قوَّة جسدية ، فربَّما رفع فارساً بيده فجلد به الأرض غير جاهد ، وما صارع أحداً الا وصرعه..يتكافأ في مشيته على نحو ما يقارب مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي جعله أُسوته وقدوته منذ أن نشأ وحتَّى مات.وذكر بعضهم أنَّه كان آدمَ ـ أي أسمر ـ شديد الأدمة ، عظيم العينين غليظ الساعدين أقرب إلى القصر من الطول ، عريض اللحية..ولم يصفه أحد بالخضاب ، سوى سواد بن حنظله ، قال ابن سعد: والصحيح أنَّه لم يخضب ، وروي أنَّه كان يصفِّر لحيته بالحنَّاء ثُمَّ ترك.

    أسماؤه وألقابه: كثيرة أسماؤه وألقابه (عليه السلام) ومختلف في بعضها بين العلماء ، فقال مجاهد : إنَّ أُمُّه سمَّته عليَّاً عند ولادته.وقال عطاء : إنَّما سمَّته أُمُّه حيدرة ، بدليل قوله يوم خيبر : أنا الذي سمَّتني أمِّي حيدرة ، فلمَّا علا على كتفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكسَّر الأصنام سُمِّي عليَّاً من العلو والرفعة والشرف.وليس هذا بالمعتمد ، فقد عُرف باسم « عليٍّ « منذ الصغر.وعن ابن عبَّاس : ( كانت أُمُّه إذا دخلت على هُبل لتسجد له وهي حامل به على بطنها فيتقوَّس فيمنعها من السجود فسُمِّي عليَّاً ) . ولايصحُّ؛ لأنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد كانت تتعبَّد على ملَّة إبراهيم الخليل ،وقال سبط ابن الجوزي : وقول مجاهد أظهر؛ لأنَّه ثبت المستفيض بهِ ، ولا يمنعها من تسميته عليَّاً أن تسمِّيه حيدرة ، لأنَّ حيدرة اسم من أسامي الأسد لغلظ عنقه وذراعه ، وكذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فيكون عليٌّ اسمه الأصلي ، وحيدرة وصفاً له .وعنه أيضاً : وقد سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذا القرنين ذكر ذلك بإسناده المتَّصل إلى سلمة بن الطفيل ، عن عليٍّ (عليه السلام) ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنَّ لك في الجنَّة قصراً ، وإنَّك ذو قرنيها . قال : وهذا حديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب جمع فيه فضائل أمير المؤمنين ، ورواه النسائي مسنداً .
    وقد عُرف (عليه السلام) بألقاب كثيرة ، جاء كثير منها في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها : يعسوب المؤمنين وأصل اليعسوب هو ملك النحل ، ومنه قيل للسيِّد : يعسوب ، والمؤمنون يتشبَّهون بالنحل؛ لأنَّ النحل تأكل طيباً.ويلقَّب أيضاً : الولي ، والوصي ، والتقي ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وشبيه هارون ، وصاحب اللواء ، وخاصف النعل ، وكاشف الكرب ، وأبو الريحانتين ، وبيضة البلد ، وغيرها كثير. وكنَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي تراب لمَّا رآه ساجداً معفِّراً وجهه في التراب ، فكان ذلك من أحبِّ ألقابه إليه.
    وجاء في سبب تسميته ـ كما نقله ابن إسحاق عن عمَّار بن ياسر ـ أنَّه قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، فلمَّا نزلها رسول الله وأقام بها ، رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم ، فقال لي عليٌّ (عليه السلام) : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن نأتي هؤلاء القوم لننظر كيف يعملون! قلت : إن شئت ، فجئناهم ونظرنا إلى عملهم ساعة ثُمَّ غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعليٌّ واضطجعنا في صور من النخل على التراب اللين ونمنا ، والله ما أيقظنا الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحرِّكنا برجله ، وقد تترَّبنا من تلك البقعة التي نمنا فيها ، ففي ذلك اليوم قال الرسول لعليٍّ (عليه السلام) : ما لك يا أبا تراب !. رواه أيضاً ابن جرير الطبري في تاريخه ، ثُمَّ ذكر سبباً آخر في هذه التسمية ، خلاصته أنَّه قيل لسهل بن سعد الساعدي : إنَّ بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك لتسبَّ عليَّ بن أبي طالب على المنبر ، وتقول له : يا أبا تراب ، قال : والله ما سمَّاه بذلك الا رسول الله. قلت : وكيف ذاك ؟ قال : دخل عليٌّ (عليه السلام) على فاطمة الزهراء ، ثُمَّ خرج من الدار ، وذهب إلى المسجد واضطجع في فيئه ، ثُمَّ دخل رسول الله على فاطمة وسألها عن عليٍّ عليه السلام ، فقالت له : هو ذاك مضطجع في المسجد ، فجاءه رسول الله فوجده وقد سقط رداؤه عن ظهره؛ فقال له : اجلس أبا تراب فوا لله ما سمَّاه بذلك إلا رسول الله ، وكان أحبَّ أسمائه إليه. وأخرجه أحمد بن حنبل من وجه آخر ، قال : حدَّثنا ابن نمير ، عن عبدا لملك الكندي ، عن أبي حازم ، قال : جاء رجل إلى سهل بن سعد؛ فقال : هذا فلان يذكر علي بن أبي طالب عند المنبر ، فقال : ما يقول ؟ قال : يقول : أبو تراب ، ويلعن أبا تراب ، فغضب سهل وقال : والله ما كنَّاه به الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان اسم أحبَّ إليه منه. وقال الزهري : والذي سبَّ عليَّاً في تلك الحالة مروان بن الحكم؛ لأنَّه كان أميراً في المدينة من قبل معاوية ، وذكر ذلك الحاكم أبو عبدا لله النيسابوري أيضاً .ولقَّبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً بأمير المؤمنين ، حتَّى قال فيه : سلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين. ومن ألقابه أيضاً : المرتضى ، ونفس الرسول ، وأخوه ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، وأمير البررة ، وقاتل الفجرة ، وقسيم النار ، وصاحب اللواء ، وسيِّد العرب ، وكشَّاف الكرب ، والصدِّيق الأكبر ، والهادي ، والفاروق ، والداعي ، والشاهد ، وباب المدينة ـ أي مدينة العلم ـ وغرَّة المهاجرين ، والكرَّار غير الفرَّار ، والفقَّار ، وبيضة البلد. واجتمعت في عليِّ بن أبي طالب خلاصة الصفات التي اشتهرت بها أُسرته الهاشمية من النبل والشجاعة..
    وممَّا قاله القائلون عن شجاعته : إنَّه ما عُرف عن بطل في العالم الا كان مغلوباً حيناً ، وغالباً حيناً ، الا عليٌّ (عليه السلام) فهو الغالب أبداً ودائماً ، ومن هنا كان العرب يفخرون بأنَّ قريبهم قُتل بسيف عليٍّ ، ويجعلون من هذا دليلاً على أنَّ صاحبهم بارز عليَّاً ، وهو الموت الذي لابدَّ منه.وعُرف أيضاً بالمروءة والعلم والذكاء ، وقد كان يقول : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب. وهو أعلم أصحاب رسول الله قاطبة بلا منازع ، وفي هذا أحاديث كثيرة تشهد له ، ووقائع كثيرة تصدّقه.(منقول)
يعمل...
X