قانون الظن
خلق الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض ويعمرها بالإيمان ويثقلها بلا اله إلا الله ولم يخلقه كي يعاني ويعيش في أحزانه وهمومه ومآسيه التي قد تتحول إلى يأس وقنوط ليس لنفسه فقط بل جميع من يحيطون به من أحبة وأصدقاء وأعزاء فهو من صنع هذا بنفسه وقرر سلوك هذا الطريق الموحش المليء بالأشواك واليأس المؤدي إلى الإحباط والغضب والكره والحقد والبغضاء لدرجة قد تصل به إلى أن تبتلع حياته كلها وهذا بسبب إصغائه إلى نداء الشيطان يقول الله سبحانه وتعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) وخاصة في لحظات اليأس والإحباط ويظن بالله الظنون؛ فيشعر بالتعاسة والاحباط فقد جاء في عهد أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) الذي كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر : " ... فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ ... نهج البلاغة : 430 ، طبعة صبحي الصالح قال تعالى: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
بينما المطلوب من الانسان ان يكون ممن سمع نداء الله عز وعلا (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) ويقول سبحانه وتعالى في حديث قدسي عن مولانا الامام علي بن موسى الرضا (ع) قال أحسن الظن بالله فإن اللَّه تعالى يقول- أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا الكافي ج2 حديث 1970
ان طريقة تفكير الانسان تنعكس على تصرفاته وافعاله ومعتقداته فمن لا يثق بالله فالهموم تثقل كاهليه ومن كان يحسن الظن بالله فهو متفائل سعيد
أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا
فمن يظن بربه الخير فلا يصدر منه إلا الخير :عن العالم أبي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام )أنه قال: والله ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله عز وجل، ورجائه منه، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب
المؤمنين، وأيم الله لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء الظن بالله وتقصيره من رجائه لله، وسوء خلقه، ومن اغتيابه للمؤمنين، والله لا يحسن عبد مؤمن ظنا بالله إلا كان الله عند ظنه به، لان الله عز وجل كريم يستحيي أن يخلف ظن
عبده ورجاءه، فأحسنوا الظن بالله، وارغبوا إليه وقد قال الله عز وجل: " الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء " بحار الأنوار ج 67 ص389
وفي ما يلي مجموعة من الروايات الشريفة تبين اهمية هذه الخصلة الايمانية لتطمئن النفس ويهدأ القلب بها نتبعها بجملة من الموارد التي يحسن ان لا يغفل فيها الانسان عن حسن ظن بالله كما نذكر بعض الاثار المترتبة.
في عيون الاخبار عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : قال لي : احسن الظن بالله فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : انا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا
في تنبيه الخاطر : عن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) : (( إن حسن الظن بالله من حسن العبادة )).
في لب اللباب للقطب الراوندي
:عنه ( صلى الله عليه وآله )، أنه قال : (( يقول الله : أنا عند
ظن عبدي بي ، فليظن ما شاء
كتاب المؤمن للحسين بن سعيد الأهوازي : عن مالك الجهني ، قال : دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وقد
حدثت نفسي بأشياء ، فقال لي : يا مالك ، احسن الظن بالله ، ولاتظن أنك مفرط
في أمرك ))
للامدي الغرر : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنه قال ( حسن ظن العبد بالله سبحانه ، على قدر رجائه له ، حسن توكل
العبد على الله على قدر ثقته
وقال ( عليه السلام ) : (( حسن الظن ، من أفضل السجايا وأجزل العطيا ))
وقال ( عليه السلام ) : (( حسن الظن ، أن تخلص العمل ، وترجو من الله أن يعفو عن الزلل ))
من كلام مولانا الصادق (عليه السلام) قال " حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا من ذلك "
قول أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: " العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه "
وقال الصادق عليه السلام: «آخر عبد يؤمر به الى النار، يلتفت، فيقول اللّه عز وجل: اعجلوه فاذا أتي به قال له: يا عبدي لِمَ التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول اللّه عز وجل: عبدي وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك. فيقول اللّه: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيراً قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة. ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما ظن عبد باللّه خيراً، الا كان اللّه عند ظنه به، ولا ظن به سوءاً إلا كان اللّه عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل: «وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين» (فصلت: 23)
ومن كتب اهل السنة
، روى مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي "،
و روي أن آخر عبد يؤمر به إلى النار يلتفت فيقول يا رب لم يكن هذا ظني بك فيقول ما كان ظنك بي قال كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي و تسكنني جنتك فيقول الله جل و عز يا ملائكتي و عزتي و جلالي و جودي و كرمي و ارتفاعي في علوي ما ظن بي عبدي خيرا ساعة قط و لو ظن بي ساعة خيرا ما روعته بالنار أجيزوا له كذبه و أدخلوه الجنة
معنى حسن الظن
حُسن الظن بالله عَزَّ و جَلَّ هو عمل قلبي له عظيم الأثر والمنزلة في الدين والدنيا وهو اعتماد الإنسان المؤمن على ربِّه في أموره كلها ، و يقينه الكامل و اطمئنانه بما عند الله ، و عدم الاتكال على ما يقوم به من أعمال . فالله تعالى عند ظنّ عبده به، أي أنّه يعامله على حسب ظنّه به، ويفعل به ما يتوقّعه منه من خير أو شرّ. فيجب على العبد ان يحسن الظنّ بالله، فإن الله لا يخيّب أمله ولا يضيّع عمله. ويجب ان يظل العبد متعلّقاً بحسن الظنّ بربّه، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه كان يقول : ( حُسْنُ الظَّنّ باللهِ أن لا ترجوَ إلاّ اللهَ ولا تخَافَ إلاّ ذْنبَكَ ) الكافي ج2 حديث 1608
من موارد حسن الظن بالله
1- عند الدعاء فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» {وإذَا سألَك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيبُ دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} البقرة .186 فلُربّما منع أبواب السّماء أنْ تُفتَح لـ دعوتك ذنبٌ عصيت الله به ومَع ذلك لا تحزن فلُطف الله وإحسـانه أعظم مما يُخيّل وتتصوّر فهذه الدّعوات التي لم تستجب لنا سـنراها يوم القيامة حسناتٍ نتمنّى في حينها أنّها لم تُستجب لنا اية دعوة
2- ان لا تتهم الله سبحانه بالظلم فما تعتقده شرا وسوء لك قد يكون فيه الخير الكثير والفرج في المستقبل يروى ان عاصفة شديدة هبت على سفينة فى عرض البحر فأغرقتها.. ونجا بعض الركاب..منهم رجل أخذت الأمواج تتلاعب به حتى ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة و مهجورة.ما كاد الرجل يفيق من إغمائه و يلتقط أنفاسه، حتى سقط على ركبتيه وطلب من لله المعونة والمساعدة و سأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم.مرت عدة أيام كان الرجل يقتات خلالها من ثمار الشجر و ما يصطاده ، و يشرب من جدول مياه قريب و ينام فى كوخ صغير بناه من أعواد الشجر ليحتمى فيه من برد الليل و حر النهار.و ذات يوم، أخذ الرجل يتجول حول كوخه قليلا ريثما ينضج طعامه الموضوع على بعض أعواد الخشب المتقدة. و لكنه عندما عاد، فوجئ بأن النار التهمت كل ما حولها.فأخذ يصرخ:" لماذا يا رب؟حتى الكوخ احترق، لم يعد يتبقى لى شئ فى هذه الدنيا و أنا غريب فى هذا المكان، والآن أيضاً يحترق الكوخ الذى أنام فيه..لماذا يا رب كل هذه المصائب تأتى علىّ و نام الرجل من الحزن و هو جائع، و لكن فى الصباح كانت هناك مفاجأة فى انتظاره..إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة و تنزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه.أما الرجل فعندما صعد على سطح السفينة أخذ يسألهم كيف وجدوا مكانه: فأجابوه" لقد رأينا دخاناً، فعرفنا إن شخصاً ما يطلب الإنقاذ فسبحان من علِم بحاله ورآى مكانه..سبحانه مدبر الأمور كلها من حيث لا ندري ولا نعلم.. إذا ساءت ظروفك فلا تخف..فقط ثِق بأنَّ الله له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به..واذا احترق كوخك.. اعلم أن الله يسعى لانقاذك.. فلا نحزن إذا منع الله عنا شيئا نحبه.فلو علمنا كيف يدبر الله أمورنا لذابت قلوبنا من محبته
3- الخوف من الله:عن الإمام علي عليه السلام : ( إن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله ، وأنه يحسن ظنكم به ، فاجمعوا بينهما فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه ، وإن أحسن الناس ظناً بالله أشدهم خوفاً لله ) نهج البلاغة من عهد له عليه السّلام إلى محمد بن أبى بكر رضى اللّه عنه حين قلّده مصر قال الصادق عليه السلام: الخوف رقيب القلب، والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله عارفا، كان من الله خائفا وإليه راجيا، وهما جناحا الايمان، يطير العبد المحقق بهما إلى رضوان الله، وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله ووعيده والخوف طالع عدل الله ناهي وعيده، والرجاء داعي فضل الله، وهو يحيي القلب والخوف يميت النفس.مصباح الشريعة 58 و 59.
4- عند نزول البلاء وضيق الحال فإنَّ الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تبوك لم يُكشف عنهم ما بهم من كرب وضيق إلا بعدما أحسنوا الظن بربهم، قال تعالى: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/ 117-118
5- عند لقاء الله ،عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا يموتنّ أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل ؛ فإن حسن الظن بالله عز وجل ثمن الجنة ) وعن الإمام علي عليه السلام : ( من حسن ظنه بالله فاز بالجنة ، من حسن ظنه بالدنيا تمكنت منه المحنة) ميزان الحكمة 11582 . 11583
6- عند ضيق العيش و غلبة الدَّين فلا تبدأ بطرق ابواب الناس وسؤالهم بل توجه الى الله سبحانه وتعالى واحسن الظن به فكم من فرج جاء من بعد عسر ، روي أن إمرأه جاءت الى داوود عليه السلام قالت: يا نبي الله ....اربك ظالم أم عادل فقال داود: ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور ، ثم قال لها ما قصتك قالت: أنا أرملة عندي ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدي فلما كان أمس شدّدت غزلي في خرقة حمراء و أردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه و أبلّغ به أطفالي فإذا أنا بطائر قد انقض عليّ و أخذ الخرقة و الغزل و ذهب، و بقيت حزينة لاأملك شيئاً أبلّغ به أطفالي. فبينما المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود فأذن له بالدخول وإذا بعشرة من التجار كل واحد بيده : مائة دينار فقالوا يا نبي الله أعطها لمستحقها.
فقال لهم داود عليه السلام: ما كان سبب حملكم هذا المال قالوا يا نبي الله كنا في مركب فهاجت علينا الريح و أشرفنا على الغرق فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء و فيها غزل فسدّدنا به عيب المركب فهانت علينا الريح و انسد العيب و نذرنا لله أن يتصدّق كل واحد منا بمائة دينار و هذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت، فالتفت داود- عليه السلام- إلى المرأة وقال لها:ـ رب يتجر لكِ في البر والبحر و تجعلينه ظالمًا و أعطاها الألف دينار و قال: أنفقيها على أطفالك.
من الاثار المترتبة على حسن الظن بالله
1- نفس حسن الظن عبادة فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( حسن الظن بالله من عبادة الله ) ميزان الحكمة 11584 .
2- يورث الاطمئنان والراحة النفسية فلا قلق ولا خوف لان الله لايظلم مثقال ذرة ابدا
روي أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام: فلانة بنت فلانة معك في الجنة في درجتك، فسار إليها فسألها عن عملها فخبرته فوجده مثل أعمال سائر الناس، فسألها عن نيتها فقالت: ما كنت في حالة فنقلني منها إلى غيرها إلا كنت بالحالة التي نقلني إليها أسر مني بالحال التي كنت فيها، فقال: حسن ظنك بالله
3- يزيد في الايمان ومن زاد ايمانه ازداد عملا يحسن اليقين بالله ومن حسن يقينه حسن عمله
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : (( حسن الظن ، أن تخلص العمل ، وترجو من الله أن يعفو عن الزلل ))
4- يجعل خاتمة المؤمن حسنة لان من كان مطمئنا حسن اليقين عاملا بأوامر الله سبحانه وتعالى مجتنبا لمعاصيه لابد ان تكون خاتمته حسنة ,عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول اللَّه ص قال اللَّه تعالى لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم و أفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلى في جواري- و لكن برحمتي فليثقوا و فضلي فليرجوا و إلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم و مني يبلغهم رضواني و مغفرتي تلبسهم عفوي فإني أنا اللَّه الرحمن الرحيم و بذلك تسميت
مما تقدم نخلص الى أهمية هذا الموضوع (حسن الظن بالله) بل وضرورته ومدى تأثير هذا المفهوم في حياة الإنسان نفسه وربطه بالله في الدنيا والآخرة ، والى خطورة خلو هذا المفهوم من الذهن والقلب والا كنا مصداق الاية الكريمة " الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء " جعلنا الله واياكم ممن يحسن ظنه بالله سبحانه وتعالى
خلق الإنسان ليكون خليفة الله في الأرض ويعمرها بالإيمان ويثقلها بلا اله إلا الله ولم يخلقه كي يعاني ويعيش في أحزانه وهمومه ومآسيه التي قد تتحول إلى يأس وقنوط ليس لنفسه فقط بل جميع من يحيطون به من أحبة وأصدقاء وأعزاء فهو من صنع هذا بنفسه وقرر سلوك هذا الطريق الموحش المليء بالأشواك واليأس المؤدي إلى الإحباط والغضب والكره والحقد والبغضاء لدرجة قد تصل به إلى أن تبتلع حياته كلها وهذا بسبب إصغائه إلى نداء الشيطان يقول الله سبحانه وتعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) وخاصة في لحظات اليأس والإحباط ويظن بالله الظنون؛ فيشعر بالتعاسة والاحباط فقد جاء في عهد أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) الذي كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر : " ... فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الْجُبْنَ وَ الْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ ... نهج البلاغة : 430 ، طبعة صبحي الصالح قال تعالى: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
بينما المطلوب من الانسان ان يكون ممن سمع نداء الله عز وعلا (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) ويقول سبحانه وتعالى في حديث قدسي عن مولانا الامام علي بن موسى الرضا (ع) قال أحسن الظن بالله فإن اللَّه تعالى يقول- أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا الكافي ج2 حديث 1970
ان طريقة تفكير الانسان تنعكس على تصرفاته وافعاله ومعتقداته فمن لا يثق بالله فالهموم تثقل كاهليه ومن كان يحسن الظن بالله فهو متفائل سعيد
أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا
فمن يظن بربه الخير فلا يصدر منه إلا الخير :عن العالم أبي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام )أنه قال: والله ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله عز وجل، ورجائه منه، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب
المؤمنين، وأيم الله لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء الظن بالله وتقصيره من رجائه لله، وسوء خلقه، ومن اغتيابه للمؤمنين، والله لا يحسن عبد مؤمن ظنا بالله إلا كان الله عند ظنه به، لان الله عز وجل كريم يستحيي أن يخلف ظن
عبده ورجاءه، فأحسنوا الظن بالله، وارغبوا إليه وقد قال الله عز وجل: " الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء " بحار الأنوار ج 67 ص389
وفي ما يلي مجموعة من الروايات الشريفة تبين اهمية هذه الخصلة الايمانية لتطمئن النفس ويهدأ القلب بها نتبعها بجملة من الموارد التي يحسن ان لا يغفل فيها الانسان عن حسن ظن بالله كما نذكر بعض الاثار المترتبة.
في عيون الاخبار عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : قال لي : احسن الظن بالله فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : انا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا
في تنبيه الخاطر : عن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) : (( إن حسن الظن بالله من حسن العبادة )).
في لب اللباب للقطب الراوندي
:عنه ( صلى الله عليه وآله )، أنه قال : (( يقول الله : أنا عند
ظن عبدي بي ، فليظن ما شاء
كتاب المؤمن للحسين بن سعيد الأهوازي : عن مالك الجهني ، قال : دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وقد
حدثت نفسي بأشياء ، فقال لي : يا مالك ، احسن الظن بالله ، ولاتظن أنك مفرط
في أمرك ))
للامدي الغرر : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنه قال ( حسن ظن العبد بالله سبحانه ، على قدر رجائه له ، حسن توكل
العبد على الله على قدر ثقته
وقال ( عليه السلام ) : (( حسن الظن ، من أفضل السجايا وأجزل العطيا ))
وقال ( عليه السلام ) : (( حسن الظن ، أن تخلص العمل ، وترجو من الله أن يعفو عن الزلل ))
من كلام مولانا الصادق (عليه السلام) قال " حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا من ذلك "
قول أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: " العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه "
وقال الصادق عليه السلام: «آخر عبد يؤمر به الى النار، يلتفت، فيقول اللّه عز وجل: اعجلوه فاذا أتي به قال له: يا عبدي لِمَ التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول اللّه عز وجل: عبدي وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك. فيقول اللّه: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيراً قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة. ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما ظن عبد باللّه خيراً، الا كان اللّه عند ظنه به، ولا ظن به سوءاً إلا كان اللّه عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل: «وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين» (فصلت: 23)
ومن كتب اهل السنة
، روى مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي "،
و روي أن آخر عبد يؤمر به إلى النار يلتفت فيقول يا رب لم يكن هذا ظني بك فيقول ما كان ظنك بي قال كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي و تسكنني جنتك فيقول الله جل و عز يا ملائكتي و عزتي و جلالي و جودي و كرمي و ارتفاعي في علوي ما ظن بي عبدي خيرا ساعة قط و لو ظن بي ساعة خيرا ما روعته بالنار أجيزوا له كذبه و أدخلوه الجنة
معنى حسن الظن
حُسن الظن بالله عَزَّ و جَلَّ هو عمل قلبي له عظيم الأثر والمنزلة في الدين والدنيا وهو اعتماد الإنسان المؤمن على ربِّه في أموره كلها ، و يقينه الكامل و اطمئنانه بما عند الله ، و عدم الاتكال على ما يقوم به من أعمال . فالله تعالى عند ظنّ عبده به، أي أنّه يعامله على حسب ظنّه به، ويفعل به ما يتوقّعه منه من خير أو شرّ. فيجب على العبد ان يحسن الظنّ بالله، فإن الله لا يخيّب أمله ولا يضيّع عمله. ويجب ان يظل العبد متعلّقاً بحسن الظنّ بربّه، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه كان يقول : ( حُسْنُ الظَّنّ باللهِ أن لا ترجوَ إلاّ اللهَ ولا تخَافَ إلاّ ذْنبَكَ ) الكافي ج2 حديث 1608
من موارد حسن الظن بالله
1- عند الدعاء فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» {وإذَا سألَك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيبُ دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} البقرة .186 فلُربّما منع أبواب السّماء أنْ تُفتَح لـ دعوتك ذنبٌ عصيت الله به ومَع ذلك لا تحزن فلُطف الله وإحسـانه أعظم مما يُخيّل وتتصوّر فهذه الدّعوات التي لم تستجب لنا سـنراها يوم القيامة حسناتٍ نتمنّى في حينها أنّها لم تُستجب لنا اية دعوة
2- ان لا تتهم الله سبحانه بالظلم فما تعتقده شرا وسوء لك قد يكون فيه الخير الكثير والفرج في المستقبل يروى ان عاصفة شديدة هبت على سفينة فى عرض البحر فأغرقتها.. ونجا بعض الركاب..منهم رجل أخذت الأمواج تتلاعب به حتى ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة و مهجورة.ما كاد الرجل يفيق من إغمائه و يلتقط أنفاسه، حتى سقط على ركبتيه وطلب من لله المعونة والمساعدة و سأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم.مرت عدة أيام كان الرجل يقتات خلالها من ثمار الشجر و ما يصطاده ، و يشرب من جدول مياه قريب و ينام فى كوخ صغير بناه من أعواد الشجر ليحتمى فيه من برد الليل و حر النهار.و ذات يوم، أخذ الرجل يتجول حول كوخه قليلا ريثما ينضج طعامه الموضوع على بعض أعواد الخشب المتقدة. و لكنه عندما عاد، فوجئ بأن النار التهمت كل ما حولها.فأخذ يصرخ:" لماذا يا رب؟حتى الكوخ احترق، لم يعد يتبقى لى شئ فى هذه الدنيا و أنا غريب فى هذا المكان، والآن أيضاً يحترق الكوخ الذى أنام فيه..لماذا يا رب كل هذه المصائب تأتى علىّ و نام الرجل من الحزن و هو جائع، و لكن فى الصباح كانت هناك مفاجأة فى انتظاره..إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة و تنزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه.أما الرجل فعندما صعد على سطح السفينة أخذ يسألهم كيف وجدوا مكانه: فأجابوه" لقد رأينا دخاناً، فعرفنا إن شخصاً ما يطلب الإنقاذ فسبحان من علِم بحاله ورآى مكانه..سبحانه مدبر الأمور كلها من حيث لا ندري ولا نعلم.. إذا ساءت ظروفك فلا تخف..فقط ثِق بأنَّ الله له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به..واذا احترق كوخك.. اعلم أن الله يسعى لانقاذك.. فلا نحزن إذا منع الله عنا شيئا نحبه.فلو علمنا كيف يدبر الله أمورنا لذابت قلوبنا من محبته
3- الخوف من الله:عن الإمام علي عليه السلام : ( إن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله ، وأنه يحسن ظنكم به ، فاجمعوا بينهما فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه ، وإن أحسن الناس ظناً بالله أشدهم خوفاً لله ) نهج البلاغة من عهد له عليه السّلام إلى محمد بن أبى بكر رضى اللّه عنه حين قلّده مصر قال الصادق عليه السلام: الخوف رقيب القلب، والرجاء شفيع النفس ومن كان بالله عارفا، كان من الله خائفا وإليه راجيا، وهما جناحا الايمان، يطير العبد المحقق بهما إلى رضوان الله، وعينا عقله يبصر بهما إلى وعد الله ووعيده والخوف طالع عدل الله ناهي وعيده، والرجاء داعي فضل الله، وهو يحيي القلب والخوف يميت النفس.مصباح الشريعة 58 و 59.
4- عند نزول البلاء وضيق الحال فإنَّ الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تبوك لم يُكشف عنهم ما بهم من كرب وضيق إلا بعدما أحسنوا الظن بربهم، قال تعالى: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/ 117-118
5- عند لقاء الله ،عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا يموتنّ أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل ؛ فإن حسن الظن بالله عز وجل ثمن الجنة ) وعن الإمام علي عليه السلام : ( من حسن ظنه بالله فاز بالجنة ، من حسن ظنه بالدنيا تمكنت منه المحنة) ميزان الحكمة 11582 . 11583
6- عند ضيق العيش و غلبة الدَّين فلا تبدأ بطرق ابواب الناس وسؤالهم بل توجه الى الله سبحانه وتعالى واحسن الظن به فكم من فرج جاء من بعد عسر ، روي أن إمرأه جاءت الى داوود عليه السلام قالت: يا نبي الله ....اربك ظالم أم عادل فقال داود: ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور ، ثم قال لها ما قصتك قالت: أنا أرملة عندي ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدي فلما كان أمس شدّدت غزلي في خرقة حمراء و أردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه و أبلّغ به أطفالي فإذا أنا بطائر قد انقض عليّ و أخذ الخرقة و الغزل و ذهب، و بقيت حزينة لاأملك شيئاً أبلّغ به أطفالي. فبينما المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود فأذن له بالدخول وإذا بعشرة من التجار كل واحد بيده : مائة دينار فقالوا يا نبي الله أعطها لمستحقها.
فقال لهم داود عليه السلام: ما كان سبب حملكم هذا المال قالوا يا نبي الله كنا في مركب فهاجت علينا الريح و أشرفنا على الغرق فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء و فيها غزل فسدّدنا به عيب المركب فهانت علينا الريح و انسد العيب و نذرنا لله أن يتصدّق كل واحد منا بمائة دينار و هذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت، فالتفت داود- عليه السلام- إلى المرأة وقال لها:ـ رب يتجر لكِ في البر والبحر و تجعلينه ظالمًا و أعطاها الألف دينار و قال: أنفقيها على أطفالك.
من الاثار المترتبة على حسن الظن بالله
1- نفس حسن الظن عبادة فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( حسن الظن بالله من عبادة الله ) ميزان الحكمة 11584 .
2- يورث الاطمئنان والراحة النفسية فلا قلق ولا خوف لان الله لايظلم مثقال ذرة ابدا
روي أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام: فلانة بنت فلانة معك في الجنة في درجتك، فسار إليها فسألها عن عملها فخبرته فوجده مثل أعمال سائر الناس، فسألها عن نيتها فقالت: ما كنت في حالة فنقلني منها إلى غيرها إلا كنت بالحالة التي نقلني إليها أسر مني بالحال التي كنت فيها، فقال: حسن ظنك بالله
3- يزيد في الايمان ومن زاد ايمانه ازداد عملا يحسن اليقين بالله ومن حسن يقينه حسن عمله
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : (( حسن الظن ، أن تخلص العمل ، وترجو من الله أن يعفو عن الزلل ))
4- يجعل خاتمة المؤمن حسنة لان من كان مطمئنا حسن اليقين عاملا بأوامر الله سبحانه وتعالى مجتنبا لمعاصيه لابد ان تكون خاتمته حسنة ,عن أبي جعفر (ع) قال قال رسول اللَّه ص قال اللَّه تعالى لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم و أفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلى في جواري- و لكن برحمتي فليثقوا و فضلي فليرجوا و إلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم و مني يبلغهم رضواني و مغفرتي تلبسهم عفوي فإني أنا اللَّه الرحمن الرحيم و بذلك تسميت
مما تقدم نخلص الى أهمية هذا الموضوع (حسن الظن بالله) بل وضرورته ومدى تأثير هذا المفهوم في حياة الإنسان نفسه وربطه بالله في الدنيا والآخرة ، والى خطورة خلو هذا المفهوم من الذهن والقلب والا كنا مصداق الاية الكريمة " الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء " جعلنا الله واياكم ممن يحسن ظنه بالله سبحانه وتعالى
تعليق