مسؤولياتنا في عصر الغيبة الكبرى
نحن الآن نعيش في عصر الغيبة الكبرى غيبة إمامنا المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
الإمام المنتظر (عليه السلام) له غيبتان:
الغيبة الصغرى...
بدأت بولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) عام 255هـ بسفير الإمام الرابع علي بن محمد السمري عام 328هـ أو 329هـ.
فمدتها: 74 سنة...
الغيبة الكبرى...
بدأت الغيبة الكبرى بوفاة الإمام السفير الرابع عام 328هـ -239هـ، ولا زالت هذه الغيبة مستمرة حتى الآن، إلى أن يأذن الله تعالى، فيظهر الإمام المنتظر (عليه السلام) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً...
ما هي مسؤولياتنا في عصر الغيبة الكبرى؟
هذا السؤال هام وخطير... فمن خلال الإجابة عنه، يتحدد مستوى العامل الواعي مع قضية الإمام المنتظر (عليه السلام) أو التعامل اللاواعي مع القضية..
وأحاول هنا أن أحدد تلك المسؤوليات، بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة هذا الحديث، وأجوائه.
وأضع أمامكم –أعزائي- لمحات سريعة لهذه المسؤوليات، خطوطاً عامة لهذه الوظائف والواجبات...
المسؤولية الأولى: تعميق الإيمان بالإمام المنتظر (عليه السلام)..
يجب أن نعمق إيماننا بالإمام المنتظر (عليه السلام)، وبقضية الإمام المنتظر... هذا هو المنطق الأول لمسؤولياتنا في عصر الغيبة... هذا هو المنطلق الأول لمسؤولياتنا في عصر الغيبة... أن نرسخ هذا الاعتقاد وهذا الإيمان ترسيخاً عميقاً يصمد أمام حالات الاهتزاز، والشك، والضعف، ويصمد أمام تحديات المضادة بكل صيغها وأشكالها وألوانها.
وما نعني بهذا الاعتقاد والإيمان؟
أن نؤمن ونعتقد بالإمام المنتظر (عليه السلام) إماماً معصوماً..
أن نؤمن ونعتقد به إماماً حياً غائباً...
أن نؤمن ونعتقد به قائداً فعلياً لمسيرتنا...
أن نؤمن ونعتقد به مصلحاً تنتظره البشرية كلها ويترقبه العالم بأجمعه، لإزالة الواقع الفاسد وإنهاء الانحراف البشري في الأرض، وإقامة حكم الله في كل مكان.
هذا اللون من الإيمان والاعتقاد يجب أن نعمقه في داخلنا، في وعينا، وفهمنا.
ففي هذه المرحلة يجب أن نعيش عمقاً في إيماننا بالإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)... وهذا ما تؤكده الأحاديث الكثيرة الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وعن أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام).
وأضع أمامكم بعضاً من هذه الأحاديث...
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
(من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته، فمات، فقد مات ميتة جاهلية).
كمال الدين الباب 39 رقم الحديث 12.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما..
قال... قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(إن علياً إمام أمتي من بعدي، ومن ولده القائم (عليه السلام)، المنتظر الذي إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملأت جوراً وظلماً. وال ي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته، لأعز من الكبريت الأحمر.. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله لولدك القائم غيبة؟
قال (صلى الله عليه وآله): أي وربي ليمحصن الذين آمنوا، ويمحق الكافرين.. يا جابر إن هذا الأمر من الله، و سر من سر الله مطوي من عباد الله، فإياك والشك فيه، فإن الشك في أمر الله عز وجل كفر).
ينابيع المودة: ص494.
عن كتاب فرائد السمطين بسنده عن الشيخ أبي إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الكلابادي البخاري بسنده عنه جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد..).
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:
(يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن ينادي بهم الباري جل جلاله فيقول:
عبيدي وإمائي، آمنتم بسري، وصدقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب مني، فأنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل، وعنكم أعفوا، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، لولاكم لأنزلت عليهم عذابي).
- كمال الدين الباب 32 رقم الحديث: 15.
5- عن عمرو بن ثابت قال: قال علي بن الحسين سيد العابدين (عليه السلام):
(من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا، أعطاه الله عز وجل أجر ألف شهيد).
- كمال الدين الباب 31 رقم الحديث: 7.
6- عن أبي بصير قال: قال الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام):
(طوبى لمن بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية...).
- كمال الدين الباب 33 رقم الحديث 55.
هذه نماذج من الأحاديث الصادرة عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وعن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) تؤكد على ضرورة والثبات في عصر الغيبة، في مواجهة التحديات، والإرهاصات، والفتن... والضلالات.
المسؤولية الثانية: الدفاع عن قضية الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)..
الإيمان بقضية الإمام المنتظر (عليه السلام)، يفرض علينا أن ندافع عنها، أن نحافظ على ديمومتها وبقائها، واستمراريتها، وامتدادها... أن نصد عنها كل محاولات المصادرة والإنهاء والتشويش..
القضية – كما قلت لكم في حديث سابق- تواجه تحديات وإشكالات عقائدية وفكرية وثقافية واجتماعية، وسياسية...
فنحن – المنتمين إلى خط الإمام المنتظر والمؤمنين بقضية- يجب علينا أن نتصدى لكل تلك المحاولات، والإشكالات،والتحديات التي تستهدف هذه القضية الإسلامية الأصيلة في جذورها، وفي شكلها، وفي مضمونها...
يجب علينا، في هذه المرحلة التي تمر بها مسيرتنا، ومسيرة القضية، أن نتحمل مسؤولية الدفاع عن الفكرة، والحفاظ على مسارها السليم، ومحتوياتها الأصيلة، ومضامينها الكبيرة، وذلك من خلال:
الكتابة..
المحاضرة..
الخطابة..
الحوار..
من خلال المسجد.. المنبر الحسيني..
المدرسة... المكتبة ... الخ.
ومن خلال كل المواقع التي نملك الحركة من خلالها...
وهذا يفرض أن نتزود بثقافة كافية ومركزة، وواسعة، وحول قضية الإمام المنتظر (عليه السلام)، حتى نستطيع أن نمارس دورنا في التصدي والدفاع والمواجهة...
أما إذا لم نتوافر على مستوى جيد من ثقافة القضية، وأصبحنا نعيش الفراغ الفكري والخواء من المفاهيم، والضمور في الرؤية، والضحالة في المعلومات، فلن نكون بمستوى الاستعداد والتأهيل لتحمل هذه المسؤولية الرسالية..
ربما يتوهم البعض، إننا حينما نؤكد على الدعوة إلى خط أهل البيت (عليهم السلام) أو إلى قضية الإمام المنتظر(عليه السلام)، إنما نساهم في تجذير الفرقة والخلافات المذهبية...
ليس الأمر كذلك... الأمة كلما انفتحت أكثر على خط أهل البيت (عليهم السلام)، وكلما حاولت أن تستوعب مدرسة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، بشكل أعمق..
كان ذلك أقوى لتوثيق عرى الوحدة بين المسلمين.
إننا نأمل من كل المسلمين أن يطلعوا على تاريخ الأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام)، وأن ينفتحوا على آفاق مدرستهم التي تمثل مدرسة الإسلام الأصيلة ففي ذلك إثراء للمسيرة، وتصحيح لكثير من أوضاع المسلمين، وانتشال للساحة من الكثير من المفارقات والمتاهات، واسترفاد مباشر من منابع الرسالة النقية الخالية من كل الشوائب.
المسؤولية الثالثة: الالتحام النفسي بالإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف):
لا يكفي الإيمان الفكري والعقائدي بقضية الإمام المنتظر (عليه السلام)، بل يجب أن نعيش التحاماً نفسياً وارتباطاً قلبياً، وتفاعلاً روحياً مع الإمام المنتظر (عليه السلام).
وماذا نعني بهذا الالتحام النفسي...؟
أن يكون الإمام المنتظر حاضراً دائماً في قلوبنا، في مشاعرنا، في وجداننا، في أعماقنا، في أحاديثنا، في لقاءاتنا، في محافلنا..
الدعاء للإمام المنتظر (عليه السلام)، والذكر الدائم له، يمثل بعداً هاماً من أبعاد هذا الالتحام..
وهذا اللون من الارتباط والالتحام والتفاعل يشكل جزءاً كبيراً من مسؤولياتنا في عصر الغيبة...
ومن الوسائل لتعميق هذا الارتباط النفسي..
والالتحام الروحي بالإمام المنتظر (عليه السلام)، المواظبة على قراءة بعض الأدعية التي ورد التأكيد عليها من قبل أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام)...
ومن أمثلة تلك الأدعية...
(دعاء الندبة):
المؤكد على قراءته في عصر الغيبة، وخاصة أيام الجُمع... فالاستمرار والمواظبة على قراءة هذا الدعاء، يشد المؤمنين، ويربطهم فكرياً ونفسياً وروحياً ووجدانياً بالإمام المنتظر (عليه السلام).
ومن الأدعية التي ورد التأكيد عليها كذلك،
(دعاء العهد):
الذي يستحب قراءته بعد صلاة الفجر في كل صباح.. فقد وردت الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً كان من أنصار القائم (عليه السلام)، فإن مات بعثه الله من قبره ويعطى بكل كلمة ألف حسنة وتمحى عنه ألف سيئة...
الثمرات الكبيرة لهذا الارتباط:
الارتباط النفسي بالإمام المنتظر (عليه السلام) له دلالاته الكبيرة، ومعطياته الهامة، وثمراته الواضحة..
أحاول هنا أن أشير إلى بعض تلكم الدلالات والمعطيات والثمرات...
الثمرة الأولى:
هذا اللون من المعايشة النفسية والروحية والوجدانية والفكرية مع الإماء المنتظر (عليه السلام) يخلق الأمل في داخل الإنسان المؤمن، وهو يعيش زحمة المحن والفتن والتحديات والاختناقات.. ففي هذه الزحمة القاسية وفي هذه الأجواء المتوترة، الضاغطة، الخانقة، يتعرض الإنسان للإحباطات النفسية وتضمر في داخله نبضات الأمل...
من هنا يكون للارتباط النفسي والوجداني بالإمام المنتظر (عليه السلام) دور كبير في إنعاش روح التصدي لحالات الإحباط واليأس في مشاعرنا..
فما دمنا نعيش إحساساً، وشعوراً، بوجود القيادة الصالحة المعصومة التي ترعى المسيرة، وتتحسس آلامها، وتعيش تشوقاتها، وترقب كل خطواتها، وتشهد صراعاتها مع أعدائها...
وما دمنا نعيش إحساساً وشعوراً بحتمية انتصار الإيمان وقوى الخير في الأرض..
فلا يمكن أن نصاب بحالات اليأس وحالات الإحباط، وحالات الضمور والذوبان والانكماش..
تعليق