الامام المهدي بين عقيدتي السنة والشيعة
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلام الله عدد ذرات الرمل وقطر المطر على بقية الله في أرضه وحجته على خلقه المهدي المنتظر (عج) في الحقيقة ان الكلام عن اي جانب من جوانب الحركة المهدوية هو حديث متشعب طويل وأنا لنا ادراك سر من اسرار الله سبحانه وتعالى، وقد ورد في زيارة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) (السلام على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها السر المستودع فيها)..
ارتئيت طرح قضية مهمة متعلق بهذا الموضوع وهي الاحاديث الواردة في حق الامام المهدي (ع) عند الشيعة والسنة ، في وقت تحتاج فيه الامة الاسلامة - بل العالم بأسرة - الى القائد المنقذ المخلص ليجمع شتاتها في احلك الظروف التي تواجهها من هجمة الاستكبار العالمي.
ان الاعتقاد بوجود الامام المهدي (عج) هو من ضروريات مذهب الامامية الاثنى عشرية بالاشتراك مع الشيعة الزيدية والاسماعيلية فضلاً عن السنة. واعتقادنا في الامام المهدي (عج) انه الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت (ع)، مولده في سامراء سنة 255هـ وهو من نسل الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)..
وان هذه العقيدة لم تأت من فراغ، او انها جاءت نتيجة الاضطهاد السياسي للشيعة وعلى مر العصور، وكأنها محاولة منهم للتعويض عن هذا الابعاد السياسي من الساحة بأنتظار هذا المنقذ كما حاول البعض تصويره. وهو أمر مرفوض من اساسه مردود على أهله لأن البعد السياسي والتصدي للامامة ظاهريا فرضته الظروف. وعليه ارتأى ائمة اهل البيت (عليهم السلام) وابتداءاً بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) التغاضي عن ذلك حفاظاً على بيضة الاسلام هذا من جانب، والجانب الاخر ان الادلة على أمامة الامام المهدي (ع) ثبتتها جملة من الادلة المتمثلة بالايات والاحاديث النبوية الشريفة فضلاً عن احاديث الائمة المعصومين (عليهم السلام).
أذن الشيعة لم يأتِ ايمانهم بالامام المهدي (عج) من فراغ قط .. أما بالنسبة للقرآن الكريم فأن هنالك جملة من الاحاديث صرحت بوجوده (عج) وانه يخرج في آخر الزمان ليقيم دولة العدل الالهي وينشر الدين الاسلامي الحنيف على كل ارجاء الكرة الارضية. وخير مثال على ذلك هو قوله تعالى (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ومن المعلوم ان الدين الاسلامي لم يظهر على الدين كله لحد الآن، ومازالت الديانات السماوية اليهودية والمسيحية وغيرها من الديانات متواجدة واتباعها الظاهريون هم من يسيطرون على مقاليد الامور. ويستضعفون المسلمين ويسمونهم سوء العذاب. وعليه ظهور الدين الاسلامي لا يكون الا في حالة ظهور الامام المهدي (عج).
أما الاحاديث النبوية الشريفة والروايات الواردة عن ائمة اهل البيت (عليهم السلام) فهي كثيرة جداً ومتواترة وتنقسم مابين احاديث وروايات تسلط الضوء حول مولده صفاته (ع)، وحتمية ظهوره، وما بين احاديث وروايات مبينة لحركة ظهوره المقدس وعلامته والاحداث المرافقة له.
فقد قال الرسول الاكرم محمد (ص) ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة، يقاتل على سنتي كما قاتلت انا على الوحي). وروى عن الامام علي بن ابي طالب (ع) ذكره في نهج البلاغة في هذا السياق.
كما ذكر عن الرسول الاكرم محمد (ص) احاديثاً عن حتمية ظهوره منها قوله (ص):- (لولم يبقَ من الدنيا الا يوم واحد، لا طال الله ذلك اليوم حتى يظهر الامام المهدي).. وقال الامام الصادق (ع) ((وكذلك القائم (عج) تمتد ايام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الايمان من الكدر).
أما عن حركة ظهوره المقدس فقد قال أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن ابي طالب (ع).. ((فأنظروا أهل بيت نبيكم، فأن لبدوا فالبدوا، وأن استنصروكم فأنصروهم فليفرجن الله بغتةً برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الاماء، لا يعطيهم الا السيف، هرجا هرجا موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر، حتى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا).
كما ذكره الامام محمد الباقر (ع) واصفا جانبا من حركة ظهوره المقدس وكيفيتها قائلاً: ((القائم منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الارض وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الارض خراب الا عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم - ع- فيصلي خلفه))..
فضلاً عن ذلك صرحت الروايات الشريفة الواردة من طرق أهل البيت (عليهم السلام) بذكر ماله من مقام رفيع عند الله سبحانه وتعالى واشتياق اباءه (عليهم السلام) له ولظهوره. منها قول الرسول محمد (ص) ((نحن ولد عبد المطلب سادة اهل الجنة، انا وحمزة وعلي والحسن والحسين والمهدي))..
كما روى عن الامام الصادق (ع) انه لو ادرك ظهور الامام المهدي (عج) لتمنى انه يخدمه بنفسه. هذا مع العلم ان الامام الصادق (ع) امام معصوم وهو من سلسلة اجداده العظام صلوت الله وسلامه عليهم اجمعين.. وما هو الا دليل على عظم مكانة الامام المهدي ومنزلته الرفيعة..
واذا تركنا الروايات والاحاديث الشريفة بشأنه (ع) وعن طريق ابائه (عليهم السلام)، وانتقلنا الى الجانب التاريخي لنجد ان الائمة (عليهم السلام) كانوا يذكرون الامام المهدي (عج)، وفي اشد الحالات والمصائب مثال ذلك قول الامام زين العابدين علي أبن الحسين (ع) في خطبته في الشام وقوله اكرمنا بست وفضلنا بسبع: ((منا النبي المختار ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومن سيدة النساء ومنا سبطاً هذه الأمة ومنا مهديها)) وكأنه (ع) فضلا عن تبيانه فضل أهل البيت ومكانتهم، اراد ان يركز في أذهان الناس وعلى مر العصور هذا الترابط الوشيج بين ثورة الامام الحسين (ع) وبين الامام المهدي (عج) وحركة ظهوره، وانه لابد أن يظهر ليأخذ بثار الامام الحسين (ع) ليس لانه جده او انه يرتبط فيه بالدم واللحم، بل لاجل الانتماء والترابط الديني والعقيدي بين الحركتين. من حيث ان الامام الحسين (ع) قام من اجل اعلاء كلمة الدين والحق ضد الجور والظلم وهي المبادئ ذاتها التي ينشدها ويطبقها الامام المهدي (ع). كما اننا نجد ان هذه العقيدة بظهوره (ع) والاخذ بثآر الامام الحسين (ع) طفحت على لسان عقيلة الطالبين زينب ابنة علي أبن طالب (عليهم السلام) بقولها ((ولا يخاف فوت الثآر)) اذن الثآر لابد ان يدرك، وان حركة الامام الحسين (ع) رسخت عقيدة الامام المهدي وحتمية ظهوره (ع).
اما أهل السنة فانهم يعتقدون بالامام المهدي (ع) وحتمية ظهوره وكثر من علماء السنة من تطرق لهذا الموضوع قديماً وحديثاً. على سبيل المثال لا الحصر الحافظ نعيم بن حماد المروزي صاحب كتاب الفتن والملاحم وهو اقدم مؤلف لاهل السنة تطرق لقضية الامام المهدي (عج) والذي عاصر المؤلف الشيعي الفضل بن شاذان صاحب كتاب الغيبة وهو من اقدم المؤلفات الواردة في غيبته سلام الله عليه. وهناك غير واحد من علماء السنة ممن عقد في كتبه فصلا ذكر فيه الامام المهدي (عج) والاحاديث الواردة فيه مثل ابن كثير وابن حجر العسقلاني وابن قيم الجوزية والسيوطي وابن ابي الحديد المعتزلي وابن خلدون وغيرهم.
ان الروايات الواردة عن طريق أهل السنة في حق الامام المهدي (عج) كثيرة تصل الى حد التواتر، بل ونجد روايات تطابق او تكاد تطابق نصاً مضموناً الروايات الواردة عند الشيعة. بل الاكثر من ذلك ان بعض علماء وفقهاء أهل السنة كأحمد بن حنبل وغيره ذهبوا الى تكفير من ينكر الامام المهدي ولا يعترف بحتمية ظهوره. وساقوا جملة من الايات والاحاديث الشريفة في هذا المعنى منها ما ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة في تفسير قوله تعالى ((وانه لعلم للساعة)) عن مقاتل بن سليمان قوله ان هذه الاية نزلت في الامام المهدي (عج).
اما الاحاديث الروايات الواردة في حتمية ظهوره والتي ساقها علماء السنة فهي كثيرة ايضاً منها ما ذكره ابن حماد في الفتن والملاحم ((تأوي اليه أمته كما تأوي النحلة الى يعسوبها، يملأ الارض عدلا كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل امرهم الاول).
وتطابقت بعض روايات أهل السنة مع ما ورد من احاديث الشيعة حول حتمية وعلامات الظهور ومقدمتها كحديثي الرايات السود المقبلة من خراسان، ورواية خروجه (ع) أخر الزمان.
من ذلك اخرج أبن ماجة في سننه عن عبد الله بن مسعود عن الرسول محمد (ص)قال: ((حتى يأتي قوم من أهل المشرق ومعهم رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يدفعونها الى رجل من اهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)).
اخرج احمد بن حنبل في مسنده رواية عن الرسول محمد (ص) ((اذا رأيتم الرايات السود قد اقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فأن فيها خليفة الله المهدي)). كما ذكر علماء السنة روايات عن سيادة العدل والقسط في أيامه، ورحمته بالمساكين من ذلك قول ابن حماد الذي يذكر فيه حديثاً للرسول محمد (ص) ((يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض، لاتدع السماء من قطرها شيئاً الا صبته، ولا الارض من نباتها الا اخرجته، حتى يتمنى الاحياء الاموات)). وقوله (ص) ((علامة المهدي: ان يكون شديداً على العمال جواداً بالمال، رحيما بالمساكين)).
.
يتبع
تعليق