خطبة غدير خم كاملة
________________________________________
عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال قد حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له « يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغهما قومك : فريضة الحج ، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبدا فإن الله يأمرك أن تبلغ قومك الحج تحج ويحج معك كل من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلمهم من حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرايع » .
فنادى مناد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الناس ألا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره ، فخرج رسول الله عليه آله وسلم وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى سبعين ألفا الذين أخذ عليهم ببيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعو العجل سنة بسنة ومثلا بمثل واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة .
فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عن الله تعالى فقال : يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك إنه قد دنا أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلمها إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليه السلام فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية ولي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني واتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع ولي وطاعته وذلك أني لا أترك أرضي بلا قيم ليكون حجة لي على خلقي فاليوم أكملت لكم دينكم الآية بولاية ولي ومولى كلمؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيّي ومقرون طاعته مع طاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بطاعتي من اطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني جعلته علما بيني وبين خلقي من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة ومن لقيني بعدواته دخل النار فأقم يا محمد عليا صلوات الله عليهما علما وخذ عليهم البيعة وجدد عليهم عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإني قابضك إلي ومستقدمك علي .
فخشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية لما عرف من عدواتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي عليه السلام من البغضة(1) وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله جل اسمه فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف (2) فأتاه جبرئيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليّاً صلوات الله عليه للناس ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله الذي أراد حتى أتى كراع الغميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرئيل عليه السلام وأمره بالذي أتاه به من قبل الله ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله الذي أراد فقال يا جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والإنتهار (3) والعصمة من الناس فقال يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ويقول لك " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي صلوات الله وسلامه عليه وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وكان أوايلهم قربت من الجحفة (4) فأمره بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا عليه السلام للناس ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي عليه السلام وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر فتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير وأمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل وفي الموضع سلمات (5) فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقم (6)ما تحتهن وينصب له أحجار كهيئة المنبر
____________
(1) البغض بالضم ضد الحب والبغضة بالكسر والبغضاء شدته .
(2) الخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمى مسجد الخيف بمنى لانه بني في خيف الجبل والأصل مسجد خيف منى فخفف بالحذف .
(3) نهره وانتهره أي زبره وزجره .
(4) الجحفة بضم الجيم هي مكان بين مكة والمدينة محاذية لذى اخليفة من الجانب الشامي قريب من رابغ بين بدر وخليص .
(5) السلمة كفرحة الحجارة ج ككتاب .
(6) قم البيت قما من باب قتل كنسه . قوله تعالى فحشرناهم فلم نغادر منهم احدا أي لم نبق منهم أحدا ومنه سمى الغدير لانه ماء يغادره السيول أي تخلفه فعيل بمعنى مفعول أو فعيل بمعنى فاعل لانه يغدر بأهله أي ينقطع عند شدة الحاجة إليه ومنع الدعاء اللهم من نعمك وهي اجل من ان تغادر أي تنقطع وغدير خم موضع بالجحفة شديد الوباء قال الأصمعي لم يولد بغدير خم أحد فعاش الى أن يحتلم الا أن ينجو منه ويوم الغدير هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو اليوم الذي نصب رسول الله ( صلى الله عليه آله وسلم ) عليا عليه السلام خليفة بحضرة الجمع الكثير من الناس حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه قال الغزالي ليشرف على الناس فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المقام كان لا يزالون فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال صلى الله عليه وآله وسلم .
يتبع
تعليق