[COLOR="Blue"][SIZE="6"][شبهات حول الإمام المهدي
إذا كانت هناك ثمة أُمور لم تعالج في فصول البحث المتقدمة ولها اتصال مباشر بمسألة الاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام ، فإنها لتعدو محاولات التشكيك التي لازالت تتردد على لسان بعض المتطفلين على تراث الإسلام الخالد ، وقد تعجب لو قلت لق : أنهم ليعرفون من علوم الحديث الشريف ومصطلحه شيئاً ؛ ولهذا وقعوا في حباله الشبهات وتذرعوا بحجج واهية هي أوهى من بيت العنكبوت، كما سيتضح ذلك من دراستها ومناقشتها في هذا الفصل وعلى النحو الآتي :
التذرع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي
ومن الذرائع الواهية التي تمسكوا بتا في هذا المقام هو ان البخاري ومسلماً لم يرويا حديثاً في الاِمام المهدي عليه السلام (1).
وقبل مناقشة حجتهم تلك نود التأكيد على أُمور.
الاَول : في الصحيح المنقول عن البخاري انه قال عن كتابه الصحيح: أخرجت هذا الكتاب عن مائة الف حديث صحيح ـ وفي لفظ آخر : عن مائتي ألف حديث صحيح ـ وما تركته من الصحيح أكثر، فالبخاري اذن لم يحكم بضعف كل حديث لم يروه، بل ما حكم عليه بالصحة يزيد على مجموع ما أخرجه عشرات المرات.
____________
(1) انظر : الاِمام الصادق | أبو زهرة : 238 ـ 239، المهدي والمهدوية | أحمد أمين : 41.
الثاني : انه لايعرف عن عالم من أهل السنة قط قد قال بضعف ما لم يروه الشيخان، بل سيرتهم تدل على العكس تماماً. فقد استدركوا على الصحيحين الكثير من الاحاديث الصحيحة ووضعوا لاَجل ذلك الكتب.
الثالث : من مراجعة تعريفهم للحديث الصحيح لاتجده مشروطاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك الحال في تعريفهم للخبر المتواتر، ومن هنا يعلم انه ليس من شرط صحة الخبر أو تواتره ان يكون راويه البخاري أو مسلماً أو كلاهما، بل وحتى لو اتفق البخاري ومسلم على عدم رواية خبر متواتر، فلا يقدح ذلك الاتفاق بتواتره عند أهل السنة، وخير ما يمثل هذا هو حديث العشرة المبشرة بالجنة كما هو معلوم عند أهل السنة الذين ذهبوا إلى تواتره ولم يروه البخاري ولا مسلم قط.
الرابع : إن من تذرع في انكار ظهور الاِمام المهدي عليه السلام بخلو الصحيحين من الاَحاديث الواردة بهذا الشأن، لا علم له بواقع الصحيحين كما سنوضحه في جواب هذا الاحتجاج، فنقول :
لايخفى على أحد، ان الاحاديث الواردة في الاِمام المهدي قد تعرضت لبيان مختلف الاَُمور كبيان اسمه الشريف ، وبعض أوصافه، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه بين الرعية وغير ذلك من الاَُمور الكثيرة الاَُخرى، ولاشك أنه ليس من الواجب التنصيص على لفظ (المهدي) في كل حديث من هذه الاحاديث، لبداهة معرفة المراد من دون حاجة إلى التشخيص. فمثلاً لو ورد حديث يبين صفة من صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان عليه السلام مع التصريح بلفظ (المهدي)، ثم ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلاً لا بعنوان المهدي وانما بعنوان (رجل) مثلاً فهل يشك عاقل في أن الرجل المقصود هو
المهدي ؟ وإلاّ فكيف يعرف الاجمال في بعض الاَحاديث ؟ وهل هناك طريقة عند علماء المسلمين شرقاً وغرباً غير رد المجمل إلى المفصل سواء كان المجمل والمفصل في كتاب واحد أو كان كل منهما في كتاب.
واذا ما عدنا إلى الصحيحين سنجد ان البخاري ومسلماً قد رويا عشرات الاحاديث المجملة في المهدي عليه السلام ، وقد أرجع علماء أهل السنة تلك الاحاديث إلى الاِمام المهدي لوجود ما يرفع ذلك الاجمال في الاحاديث الصحيحة المخرجة في بقية كتب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات.
بل ونجد أيضاً ما يكاد يكون صريحاً جداً بالإمام المهدي في صحيحي البخاري ومسلم، وقبل ان نبين هذه الحقيقة نودُّ ان نقول بأنّ حديث : «المهدي حق ، وهو من ولد فاطمة» قد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحة ، وعند الرجوع إلى طبعات صحيح مسلم المتيسرة لا تجد لهذا الحديث أثراً!!
أما من صرّح بوجود الحديث في صحيح مسلم وأخرجه عنه فهم :
1 ـ ابن حجر الهيتمي (ت|974 هـ) في الصواعق المحرقة ، الباب الحادي عشر، الفصل الاَول : ص 163.
2 ـ المتقي الهندي الحنفي (ت|975 هـ) في كنز العمال: ج 14 ص264 حديث 38662.
3 ـ الشيخ محمد علي الصبان (ت|1206 هـ) في اسعاف الراغبين: ص145.
4 ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت|1303 هـ) في مشارق الانوار : ص112 وعلى أية حال فإنّ قسماً من أحاديث الصحيحين لا يمكن تفسيره إلاّ بالإمام المهدي عليه السلام .
ولم يكن هذا اجتهاداً منّا في فهم أحاديث الصحيحين، وانما هو ما اتفق عليه خمسة من شارحي صحيح البخاري كما سنوضحه في محله.
أحاديث الصحيحين المفسرة في المهدي :
1 ـ أحاديث خروج الدجال في الصحيحين :
اقتصر البخاري في صحيحه على رواية خروج الدجال وفتنته(1)بينما وردت في صحيح مسلم عشرات الاحاديث في خروج الدجال ، وسيرته، وأوصافه، وعبثه ، وفساده ، وجنده ، ونهايته(2).
وقد صرح النووي في شرح صحيح مسلم بأنّ هذه الاحاديث الواردة «في قصة الدجال ، حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وانه شخص بعينه ابتلى الله به عباده ـ إلى أن قال ـ : هذا مذهب أهل السنة، وجميع المحدثين ، والفقهاء ، والنُّظار»(3).
أما علاقة هذه الاحاديث بظهور المهدي عليه السلام فتظهر من شهادة اعلام أهل السنة بتواتر أحاديث المهدي وظهوره في آخر الزمان وخروج عيسى عليه السلام معه فيساعده على قتل الدجال، وقد مرّت اقوالهم في اثبات تواتر تلك الاَحاديث.
2 ـ أحاديث نزول عيسى عليه السلام في الصحيحين :
أخرج البخاري ومسلم كلٌ بسنده عن أبي هريرة انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 205 كتاب الانبياء ، باب ما ذكر عن بني اسرائيل و9 : 75 كتاب الفتن باب ذكر الدجال .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 23 و 58 ـ 78 كتاب الفتن واشراط الساعة.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 58.
منكم؟»(1).
وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله قال : «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [يقول] : لا تزال طائفة من أُمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام ، فيقول أميرهم تعال صلِّ لنا فيقول : لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الاَُمّة»(2).
وإلى هنا يتضح ان امام المسلمين الذي سيكون موجوداً عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام كما في الصحيحين انما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل على الحق إلى يوم القيامة كما في صحيح مسلم، بحيث يأبى عيسى من إمامة تلك الطائفة وأميرها في الصلاة تعظيماً واجلالاً وتكرمة لهم وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.
واذا ما عدنا إلى كتب الصحاح الاَُخرى والمسانيد وغيرها نجد الروايات الكثيرة جداً التي تصرح بأنّ هذا الاِمام ـ أمير الطائفة التي تقاتل على الحق إلى يوم القيامة ـ هو الاِمام المهدي عليه السلام لاسواه.
منها : ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين : «المهدي من هذه الأُمة وهو الذي يؤم عيسى بن مريم»(3).
ومنها : ما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «... يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم صلِّ بالناس، فيقول عيسى : انما اقيمت الصلاة لق ، فيصلي خلف رجل من
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 205 باب ماذكر عن بني اسرائيل، وصحيح مسلم 1 : 136 | 244 باب نزول عيسى بن مريم عليه السلام، وقد وردت أحاديث اخرى بهذا المعنى في كل من البابين المذكورين.
(2) صحيح مسلم 1 : 137 | 247 باب نزول عيسى عليه السلام.
(3) المصنَّف | ابن أبي شيبة 15 : 198 | 19495 .
ولدي»(1).
وبعد فلا حاجة للاطالة في ايراد الاحاديث الاَُخرى الكثيرة المبينة بأنّ المراد بالإمام في حديث الصحيحين هو الاِمام المهدي عليه السلام (2).
وقد جمع معظم هذه الاحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في اخبار المهدي) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوى ، أخرجها من كتاب الاربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم كالاحاديث التي ذكرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي : «وهو أحد الاَئمة الحفاظ ، وأحد شيوخ البخاري»(3).
أقول : ومن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنهم متفقون على تفسير لفظة (الإمام) الواردة في حديث البخاري بالاِمام المهدي .
فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي اثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال : «وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة ، مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الاقوال : إن الارض لاتخلو من قائم لله بحجة»(4).
كما فسره في ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي ، مصرحاً باقتداء عيسى بالإمام المهدي عليهما السلام في الصلاة(5).
كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري(6)، وأما في
____________
(1) الحاوي للفتاوى | السيوطي 2 : 81.
(2) راجع سنن الترمذي 5 : 152 | 2869 ، مسند أحمد 3 : 130 ، الحاوي للفتاوى 2 : 78 ، فيض القدير للمناوي 6 : 17 .
(3) الحاوي للفتاوى 2 : 80.
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 383 ـ 385.
(5) ارشاد الساري 5 : 419 .
(6) عمدة القاري بشرح صحيح البخاري 16 : 39 ـ 40 من المجلد الثامن.
فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال :
«فهذا صريح في أن مصداق الاِمام في الاحاديث، هو الاِمام المهدي ـ إلى أن قال : ـ وبأيّ حديث بعده يؤمنون ؟»(1).
وأما في حاشية البدر الساري إلى فيض الباري فقد اطال في شرح الحديث المذكور مبيناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه، وقد جمع من تلك الاحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله على التصريح بأن المراد بالإمام هو الاِمام المهدي عليه السلام قال : «وقد بين هذا المعنى حديث ابن ماجة مفصلاً، واسناده قوي»(2).
3 ـ أحاديث من يحثي المال في صحيح مسلم :
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أُمتي خليفة يحثي المال حثياً، لايعدّه عداً»(3).
وقد رواه من طرق أُخرى عن جابر ، وأبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4)، وصفة إحثاء المال (مبالغة في الكثرة) ليس لها موصوف قط غير الاِمام المهدي عليه السلام في كتب أهل السنة ورواياتهم.
منها : ما أخرجه الترمذي وحسنه بسنده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «إنَّ في أُمتي المهدي ـ إلى ان قال ـ :
____________
(1) فيض الباري على صحيح البخاري 4 : 44 ـ 47 .
(2) حاشية البدر الساري إلى فيض الباري 4 : 44 ـ 47.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 38 .
(4) صحيح مسلم 18 : 39.
فيجيء اليه الرجل فيقول : يا مهدي اعطني اعطني فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله»(1).
وهذا هو المروي أيضاً عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أيضاً ومن عشرات الطرق(2).
4 ـ أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم :
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيد الله بن القبطية انه قال : «دخل الحارث بن أبي ربيعة ، وعبدالله بن صفوان ، وانا معهما على أُم سلمة أُم المؤمنين ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ـ وكان ذلك في أيام ابن الزبير ـ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعوذ عائذ في البيت ، فيبعث اليه بعث ، فاذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم»(3).
وقد يظن بعض الجهلاء ان هذا الحديث من وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبدالله بن الزبير مع الامويين التي انتهت بقتله . ولكن الواقع ليس كذلك اذ روي الحديث من طرق شتى عن ابن عباس ، وابن مسعود، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وجد عمرو بن شعيب ، وأُم سلمة ، وصفية، وعائشه، وحفصة، ونفيرة امرأة القعقاع وغيرهم من كبار الصحابة، مع تصحيح الحاكم لبعض طرقه على شرط الشيخين(4).
____________
إذا كانت هناك ثمة أُمور لم تعالج في فصول البحث المتقدمة ولها اتصال مباشر بمسألة الاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام ، فإنها لتعدو محاولات التشكيك التي لازالت تتردد على لسان بعض المتطفلين على تراث الإسلام الخالد ، وقد تعجب لو قلت لق : أنهم ليعرفون من علوم الحديث الشريف ومصطلحه شيئاً ؛ ولهذا وقعوا في حباله الشبهات وتذرعوا بحجج واهية هي أوهى من بيت العنكبوت، كما سيتضح ذلك من دراستها ومناقشتها في هذا الفصل وعلى النحو الآتي :
التذرع بخلو الصحيحين من أحاديث المهدي
ومن الذرائع الواهية التي تمسكوا بتا في هذا المقام هو ان البخاري ومسلماً لم يرويا حديثاً في الاِمام المهدي عليه السلام (1).
وقبل مناقشة حجتهم تلك نود التأكيد على أُمور.
الاَول : في الصحيح المنقول عن البخاري انه قال عن كتابه الصحيح: أخرجت هذا الكتاب عن مائة الف حديث صحيح ـ وفي لفظ آخر : عن مائتي ألف حديث صحيح ـ وما تركته من الصحيح أكثر، فالبخاري اذن لم يحكم بضعف كل حديث لم يروه، بل ما حكم عليه بالصحة يزيد على مجموع ما أخرجه عشرات المرات.
____________
(1) انظر : الاِمام الصادق | أبو زهرة : 238 ـ 239، المهدي والمهدوية | أحمد أمين : 41.
الثاني : انه لايعرف عن عالم من أهل السنة قط قد قال بضعف ما لم يروه الشيخان، بل سيرتهم تدل على العكس تماماً. فقد استدركوا على الصحيحين الكثير من الاحاديث الصحيحة ووضعوا لاَجل ذلك الكتب.
الثالث : من مراجعة تعريفهم للحديث الصحيح لاتجده مشروطاً بروايته في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك الحال في تعريفهم للخبر المتواتر، ومن هنا يعلم انه ليس من شرط صحة الخبر أو تواتره ان يكون راويه البخاري أو مسلماً أو كلاهما، بل وحتى لو اتفق البخاري ومسلم على عدم رواية خبر متواتر، فلا يقدح ذلك الاتفاق بتواتره عند أهل السنة، وخير ما يمثل هذا هو حديث العشرة المبشرة بالجنة كما هو معلوم عند أهل السنة الذين ذهبوا إلى تواتره ولم يروه البخاري ولا مسلم قط.
الرابع : إن من تذرع في انكار ظهور الاِمام المهدي عليه السلام بخلو الصحيحين من الاَحاديث الواردة بهذا الشأن، لا علم له بواقع الصحيحين كما سنوضحه في جواب هذا الاحتجاج، فنقول :
لايخفى على أحد، ان الاحاديث الواردة في الاِمام المهدي قد تعرضت لبيان مختلف الاَُمور كبيان اسمه الشريف ، وبعض أوصافه، وعلامات ظهوره، وطريقة حكمه بين الرعية وغير ذلك من الاَُمور الكثيرة الاَُخرى، ولاشك أنه ليس من الواجب التنصيص على لفظ (المهدي) في كل حديث من هذه الاحاديث، لبداهة معرفة المراد من دون حاجة إلى التشخيص. فمثلاً لو ورد حديث يبين صفة من صفات المهدي الموعود به في آخر الزمان عليه السلام مع التصريح بلفظ (المهدي)، ثم ذكر الموصوف بهذه الصفة في البخاري مثلاً لا بعنوان المهدي وانما بعنوان (رجل) مثلاً فهل يشك عاقل في أن الرجل المقصود هو
المهدي ؟ وإلاّ فكيف يعرف الاجمال في بعض الاَحاديث ؟ وهل هناك طريقة عند علماء المسلمين شرقاً وغرباً غير رد المجمل إلى المفصل سواء كان المجمل والمفصل في كتاب واحد أو كان كل منهما في كتاب.
واذا ما عدنا إلى الصحيحين سنجد ان البخاري ومسلماً قد رويا عشرات الاحاديث المجملة في المهدي عليه السلام ، وقد أرجع علماء أهل السنة تلك الاحاديث إلى الاِمام المهدي لوجود ما يرفع ذلك الاجمال في الاحاديث الصحيحة المخرجة في بقية كتب الصحاح أو المسانيد أو المستدركات.
بل ونجد أيضاً ما يكاد يكون صريحاً جداً بالإمام المهدي في صحيحي البخاري ومسلم، وقبل ان نبين هذه الحقيقة نودُّ ان نقول بأنّ حديث : «المهدي حق ، وهو من ولد فاطمة» قد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة الموثوق بنقلهم عن صحيح مسلم صراحة ، وعند الرجوع إلى طبعات صحيح مسلم المتيسرة لا تجد لهذا الحديث أثراً!!
أما من صرّح بوجود الحديث في صحيح مسلم وأخرجه عنه فهم :
1 ـ ابن حجر الهيتمي (ت|974 هـ) في الصواعق المحرقة ، الباب الحادي عشر، الفصل الاَول : ص 163.
2 ـ المتقي الهندي الحنفي (ت|975 هـ) في كنز العمال: ج 14 ص264 حديث 38662.
3 ـ الشيخ محمد علي الصبان (ت|1206 هـ) في اسعاف الراغبين: ص145.
4 ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي (ت|1303 هـ) في مشارق الانوار : ص112 وعلى أية حال فإنّ قسماً من أحاديث الصحيحين لا يمكن تفسيره إلاّ بالإمام المهدي عليه السلام .
ولم يكن هذا اجتهاداً منّا في فهم أحاديث الصحيحين، وانما هو ما اتفق عليه خمسة من شارحي صحيح البخاري كما سنوضحه في محله.
أحاديث الصحيحين المفسرة في المهدي :
1 ـ أحاديث خروج الدجال في الصحيحين :
اقتصر البخاري في صحيحه على رواية خروج الدجال وفتنته(1)بينما وردت في صحيح مسلم عشرات الاحاديث في خروج الدجال ، وسيرته، وأوصافه، وعبثه ، وفساده ، وجنده ، ونهايته(2).
وقد صرح النووي في شرح صحيح مسلم بأنّ هذه الاحاديث الواردة «في قصة الدجال ، حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وانه شخص بعينه ابتلى الله به عباده ـ إلى أن قال ـ : هذا مذهب أهل السنة، وجميع المحدثين ، والفقهاء ، والنُّظار»(3).
أما علاقة هذه الاحاديث بظهور المهدي عليه السلام فتظهر من شهادة اعلام أهل السنة بتواتر أحاديث المهدي وظهوره في آخر الزمان وخروج عيسى عليه السلام معه فيساعده على قتل الدجال، وقد مرّت اقوالهم في اثبات تواتر تلك الاَحاديث.
2 ـ أحاديث نزول عيسى عليه السلام في الصحيحين :
أخرج البخاري ومسلم كلٌ بسنده عن أبي هريرة انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 205 كتاب الانبياء ، باب ما ذكر عن بني اسرائيل و9 : 75 كتاب الفتن باب ذكر الدجال .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 23 و 58 ـ 78 كتاب الفتن واشراط الساعة.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 58.
منكم؟»(1).
وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله قال : «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [يقول] : لا تزال طائفة من أُمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى بن مريم عليه السلام ، فيقول أميرهم تعال صلِّ لنا فيقول : لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الاَُمّة»(2).
وإلى هنا يتضح ان امام المسلمين الذي سيكون موجوداً عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام كما في الصحيحين انما هو أمير الطائفة التي لا تزال تقاتل على الحق إلى يوم القيامة كما في صحيح مسلم، بحيث يأبى عيسى من إمامة تلك الطائفة وأميرها في الصلاة تعظيماً واجلالاً وتكرمة لهم وهذا هو صريح حديث مسلم من غير تأويل.
واذا ما عدنا إلى كتب الصحاح الاَُخرى والمسانيد وغيرها نجد الروايات الكثيرة جداً التي تصرح بأنّ هذا الاِمام ـ أمير الطائفة التي تقاتل على الحق إلى يوم القيامة ـ هو الاِمام المهدي عليه السلام لاسواه.
منها : ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين : «المهدي من هذه الأُمة وهو الذي يؤم عيسى بن مريم»(3).
ومنها : ما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «... يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدم صلِّ بالناس، فيقول عيسى : انما اقيمت الصلاة لق ، فيصلي خلف رجل من
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 205 باب ماذكر عن بني اسرائيل، وصحيح مسلم 1 : 136 | 244 باب نزول عيسى بن مريم عليه السلام، وقد وردت أحاديث اخرى بهذا المعنى في كل من البابين المذكورين.
(2) صحيح مسلم 1 : 137 | 247 باب نزول عيسى عليه السلام.
(3) المصنَّف | ابن أبي شيبة 15 : 198 | 19495 .
ولدي»(1).
وبعد فلا حاجة للاطالة في ايراد الاحاديث الاَُخرى الكثيرة المبينة بأنّ المراد بالإمام في حديث الصحيحين هو الاِمام المهدي عليه السلام (2).
وقد جمع معظم هذه الاحاديث السيوطي في رسالته (العرف الوردي في اخبار المهدي) المطبوعة في كتابه الحاوي للفتاوى ، أخرجها من كتاب الاربعين للحافظ أبي نعيم وزاد عليها ما فات منها على أبي نعيم كالاحاديث التي ذكرها نعيم بن حماد الذي قال عنه السيوطي : «وهو أحد الاَئمة الحفاظ ، وأحد شيوخ البخاري»(3).
أقول : ومن راجع شروح صحيح البخاري يعلم بأنهم متفقون على تفسير لفظة (الإمام) الواردة في حديث البخاري بالاِمام المهدي .
فقد جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري التصريح بتواتر أحاديث المهدي اثناء شرحه لحديث البخاري المتقدم حتى قال : «وفي صلاة عيسى عليه السلام خلف رجل من هذه الاَُمّة ، مع كونه في آخر الزمان ، وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الاقوال : إن الارض لاتخلو من قائم لله بحجة»(4).
كما فسره في ارشاد الساري بشرح صحيح البخاري بالمهدي ، مصرحاً باقتداء عيسى بالإمام المهدي عليهما السلام في الصلاة(5).
كما نجد هذا في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري(6)، وأما في
____________
(1) الحاوي للفتاوى | السيوطي 2 : 81.
(2) راجع سنن الترمذي 5 : 152 | 2869 ، مسند أحمد 3 : 130 ، الحاوي للفتاوى 2 : 78 ، فيض القدير للمناوي 6 : 17 .
(3) الحاوي للفتاوى 2 : 80.
(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6 : 383 ـ 385.
(5) ارشاد الساري 5 : 419 .
(6) عمدة القاري بشرح صحيح البخاري 16 : 39 ـ 40 من المجلد الثامن.
فيض الباري فقد أورد عن ابن ماجة القزويني حديثاً مفسراً لحديث البخاري ثم قال :
«فهذا صريح في أن مصداق الاِمام في الاحاديث، هو الاِمام المهدي ـ إلى أن قال : ـ وبأيّ حديث بعده يؤمنون ؟»(1).
وأما في حاشية البدر الساري إلى فيض الباري فقد اطال في شرح الحديث المذكور مبيناً ضرورة رجوع شارح الأحاديث إلى أحاديث الصحابة الآخرين في كتب الحديث ذات الصلة بالحديث الذي يراد شرحه، وقد جمع من تلك الاحاديث المبينة لحديث البخاري ما حمله على التصريح بأن المراد بالإمام هو الاِمام المهدي عليه السلام قال : «وقد بين هذا المعنى حديث ابن ماجة مفصلاً، واسناده قوي»(2).
3 ـ أحاديث من يحثي المال في صحيح مسلم :
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبدالله انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أُمتي خليفة يحثي المال حثياً، لايعدّه عداً»(3).
وقد رواه من طرق أُخرى عن جابر ، وأبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4)، وصفة إحثاء المال (مبالغة في الكثرة) ليس لها موصوف قط غير الاِمام المهدي عليه السلام في كتب أهل السنة ورواياتهم.
منها : ما أخرجه الترمذي وحسنه بسنده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «إنَّ في أُمتي المهدي ـ إلى ان قال ـ :
____________
(1) فيض الباري على صحيح البخاري 4 : 44 ـ 47 .
(2) حاشية البدر الساري إلى فيض الباري 4 : 44 ـ 47.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 18 : 38 .
(4) صحيح مسلم 18 : 39.
فيجيء اليه الرجل فيقول : يا مهدي اعطني اعطني فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله»(1).
وهذا هو المروي أيضاً عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أيضاً ومن عشرات الطرق(2).
4 ـ أحاديث خسف البيداء في صحيح مسلم :
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبيد الله بن القبطية انه قال : «دخل الحارث بن أبي ربيعة ، وعبدالله بن صفوان ، وانا معهما على أُم سلمة أُم المؤمنين ، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به ـ وكان ذلك في أيام ابن الزبير ـ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعوذ عائذ في البيت ، فيبعث اليه بعث ، فاذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم»(3).
وقد يظن بعض الجهلاء ان هذا الحديث من وضع الزبيريين أبّان ما كان من أزمة عبدالله بن الزبير مع الامويين التي انتهت بقتله . ولكن الواقع ليس كذلك اذ روي الحديث من طرق شتى عن ابن عباس ، وابن مسعود، وحذيفة ، وأبي هريرة ، وجد عمرو بن شعيب ، وأُم سلمة ، وصفية، وعائشه، وحفصة، ونفيرة امرأة القعقاع وغيرهم من كبار الصحابة، مع تصحيح الحاكم لبعض طرقه على شرط الشيخين(4).
____________
تعليق