بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
أبو محمّد، الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد، الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت. يلقب بالعسكري، نسبة إلى عسكر. ويراد بها سرّ من رأى التي بناها المعتصم، وانتقل إليها بعسكره، حيث أشخص المتوكل أباه الإمام عليّا الهادي إليها وأقام بها عشرين سنة فنُسب هو وولده إليها.
ولد عام 232 هجرياً وتوفّي عام 260 هجرياً، ودفن في داره التي دفن فيها أبوه بسامراء.
وخلّف ابنه المنتظر لدولة الحق،الذي غاب واختفى عن الأنظار وهو في الخامسة من عمره، إلى حين يأذن الله له بالظهور، وذلك خوفاً وفراراً من سلطة الظلمة، التي اشتدت في طلبه، واجتهدت في البحث عنه أملاً في القبض عليه وقتله.
فقد كان العباسيون ينتظرون ولادة المهدي المنتظر بصفته الإمام الثاني عشر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فهو الذي يزيل دولة الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، كما جاء في الروايات. ولكنّه سبحانه حفظه من شرار أعدائه كما حفظ سائر أوليائه كإبراهيم الخليل وموسى الكليم.
وجرت غيبته(ع) على مرحلتين: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، والغيبة الأولى لم يَعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه كما جاء عن الامام الصادق(ع).
وغيبته(ع) كانت أمراً معلوماً لآبائه واحداً بعد آخر وراثة عن رسول الله(ص). وكل إمام كان يحدث شيعته بها ويطلعهم على أمرها بما هي جزء من العقيدة يجب الايمان بها.
أما أولئك الذين سيشهدون غيبته(ع) وتقع عليهم آثارها نفسياً وعملياً فالايمان بها وحده لن يشكل حصانة لهم تجعلهم بمأمن من مضاعفاتها التي قد تطال حتى نفس هذا الايمان. فهم قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالإمام (ع) ولو من وراء قضبان السجن أو من وراء حجاب. وكانوا يشعرون بحضوره ووجوده بين ظهرانيهم، ويحسّون بتفاعله معهم، يذود عنهم ويستجيب لحاجاتهم الفكرية والروحية منها والمادية.
وإذا كان الحال كذلك، فلا بد للإمام العسكري(ع) أن يبادر إلى إعداد أتباع أهل البيت(ع) وتهيئتهم لاستقبال الوضع الجديد بما يجنبهم تلك المخاطر. وقد تم له ذلك عبر الخطوتين التاليتين:
الخطوة الاولى، وتمثلت بطرح مسألة "الغيبة" عليهم، وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإيمان والدعاء للإمام (ع) ولتعجيل فرجه الشريف.
فكان يخاطب الناس ويوصي قواعده بالذات فمثلاً كان يقول: ".. لا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به رسول الله (ص) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً".
وفي الرواية ـ كتب أبو محمد الحسن(ع): "فتنة تظلكم فكونوا على أهبه".
وحدّث محمد بن عثمان العمري (قدس) يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (ع) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (ع): "إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" فقال (ع): «إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق»، فقيل له: يا بن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي. من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة».
وعن الحسن بن محمد بن صالح البزّاز، قال: سمعت الحسن بن علي العسكري (ع) يقول: «إنّ ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي يُجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلاّ من كتب الله عزّ وجلّ في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه».
إلى غيرها من الأحاديث والأدعية الكثيرة التي تضمّنت مثل هذه المعاني.
أما الخطوة الثانية، فتمثلت بممارسة الامام العسكري لحال الغيبة بنفسه والاحتجاب عن شيعته والاتصال بهم بواسطة المكاتبات والتوقيعات عبر الوكلاء الذين حرص الإمام(ع) أن يتوزعوا في كل مناطق وجود شيعته، والذين كانوا يتنكّرون في ثياب الباعة ويستخدمون التمويه للاتصال بالإمام (ع). حتى إن ابنه الإمام المهدي(ع) كان يخفيه عن الناس إلا للخواص ويحدثهم عنه وعن دوره في المستقبل وغيبته عن الأنظار.
كل ذلك تعويداً لهم على عدم الارتباط المباشر بالإمام ليألفوا الوضع الجديد ولا يشكّل صدمة نفسية لهم. فضلاً عن أن الظروف الخاصة بالإمام العسكري (ع) كانت تفرض عليه تقليل الارتباط بهم حفظاً له ولهم من الانكشاف أمام أعين الرقباء الذين زرعتهم السلطة هنا وهناك لمراقبة تحركاته ونشاطاته.
وهذا الأسلوب اتبعه الأئمة فيما سبق لعسر الاتصال بالناس، بينما الإمام العسكري استعمله لتكريس فكرة الغيبة وتعميق الاتصال بالإمام عن طريق وكلائه، فقد كان يختفي عن الأنظار ويحول الأمور إلى الوكلاء من استلام الحقوق وتوزيعها، إلى الإجابة عن أسئلتهم وإشكالاتهم بإصدار البيانات والتوقيعات بشكل مكتوب إلى حدٍّ يغطي الحاجات والمراجعات التي كانت تصل إلى الإمام (ع) بشكل مكتوب. وأكثر الروايات عن الإمام العسكري (ع) هي مكاتباته مع الرواة والشيعة الذين كانوا يرتبطون به من خلال هذه المكاتبات. فكانوا بذلك حلقة وصل قوية ومناسبة تحولت إلى عامل اطمئنان نفسي لأتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه.
اللهم صل على محمد وآل محمد
أبو محمّد، الحسن بن علي الهادي بن محمّد الجواد، الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت. يلقب بالعسكري، نسبة إلى عسكر. ويراد بها سرّ من رأى التي بناها المعتصم، وانتقل إليها بعسكره، حيث أشخص المتوكل أباه الإمام عليّا الهادي إليها وأقام بها عشرين سنة فنُسب هو وولده إليها.
ولد عام 232 هجرياً وتوفّي عام 260 هجرياً، ودفن في داره التي دفن فيها أبوه بسامراء.
وخلّف ابنه المنتظر لدولة الحق،الذي غاب واختفى عن الأنظار وهو في الخامسة من عمره، إلى حين يأذن الله له بالظهور، وذلك خوفاً وفراراً من سلطة الظلمة، التي اشتدت في طلبه، واجتهدت في البحث عنه أملاً في القبض عليه وقتله.
فقد كان العباسيون ينتظرون ولادة المهدي المنتظر بصفته الإمام الثاني عشر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فهو الذي يزيل دولة الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، كما جاء في الروايات. ولكنّه سبحانه حفظه من شرار أعدائه كما حفظ سائر أوليائه كإبراهيم الخليل وموسى الكليم.
وجرت غيبته(ع) على مرحلتين: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، والغيبة الأولى لم يَعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه كما جاء عن الامام الصادق(ع).
وغيبته(ع) كانت أمراً معلوماً لآبائه واحداً بعد آخر وراثة عن رسول الله(ص). وكل إمام كان يحدث شيعته بها ويطلعهم على أمرها بما هي جزء من العقيدة يجب الايمان بها.
أما أولئك الذين سيشهدون غيبته(ع) وتقع عليهم آثارها نفسياً وعملياً فالايمان بها وحده لن يشكل حصانة لهم تجعلهم بمأمن من مضاعفاتها التي قد تطال حتى نفس هذا الايمان. فهم قد اعتادوا على الارتباط المباشر بالإمام (ع) ولو من وراء قضبان السجن أو من وراء حجاب. وكانوا يشعرون بحضوره ووجوده بين ظهرانيهم، ويحسّون بتفاعله معهم، يذود عنهم ويستجيب لحاجاتهم الفكرية والروحية منها والمادية.
وإذا كان الحال كذلك، فلا بد للإمام العسكري(ع) أن يبادر إلى إعداد أتباع أهل البيت(ع) وتهيئتهم لاستقبال الوضع الجديد بما يجنبهم تلك المخاطر. وقد تم له ذلك عبر الخطوتين التاليتين:
الخطوة الاولى، وتمثلت بطرح مسألة "الغيبة" عليهم، وما ينبغي لهم من الصبر والانتظار للفرج والثبات على الإيمان والدعاء للإمام (ع) ولتعجيل فرجه الشريف.
فكان يخاطب الناس ويوصي قواعده بالذات فمثلاً كان يقول: ".. لا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به رسول الله (ص) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً".
وفي الرواية ـ كتب أبو محمد الحسن(ع): "فتنة تظلكم فكونوا على أهبه".
وحدّث محمد بن عثمان العمري (قدس) يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (ع) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (ع): "إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" فقال (ع): «إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق»، فقيل له: يا بن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي. من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة».
وعن الحسن بن محمد بن صالح البزّاز، قال: سمعت الحسن بن علي العسكري (ع) يقول: «إنّ ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي يُجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتى تقسو القلوب لطول الأمد فلا يثبت على القول به إلاّ من كتب الله عزّ وجلّ في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه».
إلى غيرها من الأحاديث والأدعية الكثيرة التي تضمّنت مثل هذه المعاني.
أما الخطوة الثانية، فتمثلت بممارسة الامام العسكري لحال الغيبة بنفسه والاحتجاب عن شيعته والاتصال بهم بواسطة المكاتبات والتوقيعات عبر الوكلاء الذين حرص الإمام(ع) أن يتوزعوا في كل مناطق وجود شيعته، والذين كانوا يتنكّرون في ثياب الباعة ويستخدمون التمويه للاتصال بالإمام (ع). حتى إن ابنه الإمام المهدي(ع) كان يخفيه عن الناس إلا للخواص ويحدثهم عنه وعن دوره في المستقبل وغيبته عن الأنظار.
كل ذلك تعويداً لهم على عدم الارتباط المباشر بالإمام ليألفوا الوضع الجديد ولا يشكّل صدمة نفسية لهم. فضلاً عن أن الظروف الخاصة بالإمام العسكري (ع) كانت تفرض عليه تقليل الارتباط بهم حفظاً له ولهم من الانكشاف أمام أعين الرقباء الذين زرعتهم السلطة هنا وهناك لمراقبة تحركاته ونشاطاته.
وهذا الأسلوب اتبعه الأئمة فيما سبق لعسر الاتصال بالناس، بينما الإمام العسكري استعمله لتكريس فكرة الغيبة وتعميق الاتصال بالإمام عن طريق وكلائه، فقد كان يختفي عن الأنظار ويحول الأمور إلى الوكلاء من استلام الحقوق وتوزيعها، إلى الإجابة عن أسئلتهم وإشكالاتهم بإصدار البيانات والتوقيعات بشكل مكتوب إلى حدٍّ يغطي الحاجات والمراجعات التي كانت تصل إلى الإمام (ع) بشكل مكتوب. وأكثر الروايات عن الإمام العسكري (ع) هي مكاتباته مع الرواة والشيعة الذين كانوا يرتبطون به من خلال هذه المكاتبات. فكانوا بذلك حلقة وصل قوية ومناسبة تحولت إلى عامل اطمئنان نفسي لأتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه.
تعليق