توفي رسول الله صلى الله عليه واله يوم توفي فلم يوضع في حفرته ، حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف ، واشتغل علي عليه السلام برسول الله صلى الله عليه واله حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته ، ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلى الله عليه واله . فقال عمر لابي بكر : يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته فابعث إليه فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له : قنفذ ،
فقال له : يا قنفذ انطلق إلى علي فقل له : أجب خليفة رسول الله ، فبعثا مرارا وأبي علي عليه السلام أن يأتيهم ، فوثب عمر غضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذا فأمرها أن يحملا حطبا ونارا ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة صلوات الله عليهما وفاطمة قاعدة خلف الباب ، قد عصبت رأسها ، ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه واله . فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى : يا ابن أبي طالب افتح الباب ! فقالت : فاطمة : يا عمر مالنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه ، قال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم ، فقالت : يا عمر أما تتقي الله عزوجل تدخل على بيتي وتهجم على داري فأبي أن ينصرف ، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت يا أبتاه يارسول الله فرفع اليسف وهو في غمدة فوجا به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه . فوثب علي بن أبيطالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته ، وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه واله وما أوصاه به من الصبر والطاعة فقال : والذي كرم محمدا بالنبوة يا ابن صهاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي ، فأرسل عمر يستغيث . فأقبل الناس حتى دخلوا الدار فكاثروه وألقوا في عنقه حبلا فحالت بينهم وبينه فاطمة عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله فألجأها إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضعلها من جنبها فألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت - صلى الله عليها - من ذلك شهيدة . وساق الحديث الطويل في الداهية العظمى والمصيبة الكبرى إلى أن قال ابن عباس : ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبابكر قبض فدكا فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت : يا أبابكر تريد أن تأخذ مني أرضا جعلها لي رسول الله صلى الله عليه واله فدعا أبوبكر بدواة ليتكت به لها ، فدخل عمر فقال : يا خليفة رسول الله لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي فقالت فاطمة عليها السلام : علي وام أيمن يشهدان بذلك ، فقال عمر ، لا تقبل شهادة امرأة أعجمية لا تفصح ، وأما علي فيجر النار إلى قرصته . فرجعت فاطمة مغتاظة فمرضت ، وكان علي يصلي في المسجد الصلوات الخمس -بحار الانوار مجلد: 39 من ص 198 سطر 19 الى ص 206 سطر 18 فلما صلى قال له أبوبكر وعمر : كيف بنت رسول الله إلى أن ثقلت فسألا عنها وقالا قد كان بيننا وبينها ما قدعلمت فان رأيت أن تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا ، قال : ذاك إليكما . فقاما فجلسا بالباب ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها : أيتها الحرة فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك فما تريدين ؟ قالت : البيت بيتك ، و الحرة زوجتك ، افعل ما تشاء ! فقال : سدي قناعك فسدت قناعها وحولت وجهها إلى الحائط ، فدخلا وسلما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك فقالت : ما دع إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالاساءة ورجونا أن تعفي عنا فقالت : إن كنتما صادقين فأخبر اني عما أسألكما عنه ، فاني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فان صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما قالا : سلي عما بدالك . قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه واله يقول : " فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني " ؟ قالا : نعم فرفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله صلى الله عليه واله واخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما قال : فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل والثبور ، وجزع جزعا شديدا فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة ؟ . قال : فبقيت فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها صلى الله عليه واله وسلم أربعين ليلة فلما اشتد بها الامر دعت علياعليهما السلام وقالت : ياابن عم ما أراني إلا لما بي وأنا اوصيك أن تتزوج بأمامة بنت اختي زينب تكون لولدي مثلي ، واتخذ لي نعشا فاني رأيت الملائكة يصفونه لي ، وأن لايشهد أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة علي . قال ابن عباس : فقبضت فاطمة عليها السلام من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه واله فأقبل أبوبكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله ، فلما كان الليل دعا علي عليه السلام العباس والفضل والمقداد وسلمان وأباذر وعمارا فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها . فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام فقال المقداد : قد دفنا فاطمة البارحة ، فالتفت عمر إلى أبى بكر فقال : لم أقل لك إنهم سيفعلون قال العباس : إنها أوصت أن لا تصليا عليها فقال عمر : لا تتركون يابني هاشم حسدكم القديم لنا أبدا إن هذه الغضائن التي في صدوركم لن تذهب ، والله لقد هممت آن أنبشها فاصلي عليها ، فقال علي عليه السلام : والله لورمت ذاك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك ، لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك : فانكسر عمر وسكت وعلم أن عليا عليها السلام إذا حلف صدق . ثم قال علي عليه السلام : يا عمر ألست الذي هم بك رسول الله صلى الله عليه واله وأرسل إلي فجئت متقلدا سيفي ثم أقبلت نحوك لاقتلك فأنزل الله عز وجل " فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا "
حدثنا علي بن أحمد قال : حدثنا أبوالعباس أحمد بن محمد بن يحيى عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبدالله قالا : أتى رجل أباعبدالله عليه السلام فقال له : يرحكمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة وقنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال : فتغير لون أبي عبدالله عليه السلام من ذلك واستوى جالسا ثم قال : إنه جاء شقي من الاشقياء إلى فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله فقال لها : أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل فقالت : حقاما تقول : فقال : حقا ما أقول - ثلاث مرات - فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهادا . وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الاجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله . قال : فاشتد غم فاطمة عليها السلام من ذلك ، وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الايمن والحسين على عاتقها الايسر وأخذت بيد ام الكثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي عليه السلام فدخل في حجرته فلم ير فاطمة عليها السلام فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ، ولم يعلم القصة ماهي فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد فصلى فيه ماشاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكا عليه . فلما رأى النبي صلى الله عليه واله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد ، فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله أنها لا يهنئها النوم ، وليس لها قرار قال لها : قومي يابنية فقامت فحمل النبي صلى الله عليه واله الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد ام الكثوم فانتهى إلى علي عليه السلام وهو نائم فوضع النبي رجله على رجل علي فغمزه وقال : قم ياأبا تراب ، فكم ساكن أزعجة ، ادع لي أباكبر من داره وعمر من مجلسه وطلحة . فخرج علي عليه السلام فاستخر جهما من منزلهما ، واجتموا عندرسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني [ ومن آذاني فقد آذي الله ] ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى ؟ قال : فقال علي : بلى يا رسول الله قال : فقال : فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال علي : والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي فقال النبي صلى الله عليه واله : صدقت وصدقت . ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتيى رئى ثغرها فقال أحدهما لصاحبه : إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة قال : ثم أخذ النبي صلى الله عليه واله بيد علي عليه السلام فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي صلى الله عليه واله الحسن وحمل الحسين على عليه السلام وحملت فاطمة عليها السلام ام الكلثوم وأدخلهم النبي صلى الله عليه واله بيتهم ووضع عليهم قطيفة ، واستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل . فلما مرضت فاطمة عليها السلام مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين و استأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما فلما رأى ذلك أبوبكر أعطى الله عهدا لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة عليها السلام ويتراضاها ..
تعليق