إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نظرية الظوء عند الإمام الصادق (ع)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نظرية الظوء عند الإمام الصادق (ع)

    من إبداعات الامام جعفر الصادق(ع) نظرييته الخاصة بالضوء . فمن رأيه ان الضوء المنعكس من الاجسام على صفحة العين البشرية ، اما الاجسام الاخرى فلا ينعكس الا جزء صغير من الضوء ، ولهذا تتعذر رؤيتها بالوضوح الكافي .
    اما اذا استعنا بجهاز او آلةٍ لتقريب الضوء الى العين ، كالجهاز الكهروضوئي مثلاً فعندئذ يمكننا مشاهدة الجسم البعيد بنفس حجمه الحقيقي وبضوح تام بمعنى ان الجسم الذي يبعد عنا بثلاثة الاف ذراع نراه وكانه يبعد عنا بستين ذراع فنكون بذلك قد قربناه اكثر من خمسين مرة .
    ونتيجة للاتصال الذي تحقق بين اوربا والشرق في اثناء الحرب الصليبية انتقلت هذه النظرية من الشرق الى اوربا ودرست في المعاهد العلمية والجامعات الاوربية وكان من جملة المهتمين بها (ريجر بيكون) الاستاذ في جامعة اكسفورد وجاءت نظرية بيكون في الضوء مطابقة لنظرية الامام الصادق(ع) فلو استعنا بما يقرب ضوء الاجسام البعيدة الى عيوننا لامكننا مشاهدتها وقد قرب الينا خمسين مرة عن بعدها الحقيقي . وبفضل هذه النظرية اخترع (ليبرش) المجهر في عام 1608 واستعان غاليلو بهذا المجهر في اختراع المرقب الفلكي في عام 1610 وفي ليلة السابع من يناير سنة 1610 م بدأ غاليلو يرصد النجوم مستعينا بمرقبه ولا يستبعد بسبب قرب الفاصل الزمني بين الاختراعين ( وهو سنتان ) ان تكون الفكرة تبلورت عند هذين العالمين في وقت واحد وان كان غاليلو استفاد من مجهر العالم ليبرش وحاول قدر المستطاع علاج ما فيه من قصور مع ما كان متاحا في ذلك الوقت من امكانيات تقنية محدودة . وكان غاليلو من خريجي جامعة بادوا الشهيرة في مملكة باتاويوم التي سميت فيما بعد بونيتي والتي تسمى عاصمتها اليوم فينيسيا او البندقية . وبعد تخرجه اصبح استاذ في نفس الجامعة وعندما شرع يرصد النجوم في اول ليلة حيره منها ان يرى القمر شبيها بالارض من حيث ان سطحه تغطيه سلاسل من الجبال والوديان فتحقق من ان الكون لا ينحصر في الكرة الارضية وان القمر بدوره عالم من عوالم دنيانا الكثيرة . ولولا فرضية الضوء التي اتى بها الامام الصادق لما تمكن ليبرش وغاليلو من صنع المجهر الفلكي لرصد انعكاس ضوء الشمس على الكواكب الاخرى وبالتالي تاكيد نظرية كوبرنيكوس وكبلر القائلة ان الكرة الارضية تدور حول الشمس وكواكب اخرى . وكان للمجهر الفلكي الذي صنعه غاليلو صدى بعيد في الاوساط العلمية المختلفة في البندقية ، حتى ان رئيس الجمهورية (دوج) وعددا من نواب مجلس الاعياس استبد بهم الشوق لرؤية الاجرام السماوية من خلال هذا المرقب .
    فاضطر الى نقله من مدينة بادوا الجامعية الى العاصمة ( البندقية) ، واقامه على برج من ابراج الكنيسة لكي يتسنى لأعضاء مجلس الاعيان التطلع الى السماء في الليل ورؤية النجوم والكواكب. ولما سئل غاليلو عن سر رؤية سطح القمر وما عليه بوضوح ، ردد نظرية الامام الصادق (ع) ، وان هذه نتيجة لأنعكاس الضوء من سطح القمر ووصوله الى العين . وقال ان هذا المرقب يجمع اشعة الضوء المنعكسة من سطح القمر ويقربها الى العين ، فتراه قريبا منها . وبمشاهدة غاليلو لكواكب عطارد والزهرة والمشتري في احوالها المختلفة من الهلال الى المحاق ، تثبت نظرية كوبر نيكوس وكبلر .
    ومن الحقائق العلمية المؤسفة ان الشخصية الفذة للفيلسوف الاغريقي ارسطو القائل ان الارض ثابته ولا تتحرك وان الشمس والنجوم تدور من حولها ، والشخصية العلمية الرصينة للعالم بطليموس الذي جاء بعد ارسطو بخمسة قرون واكد نظريته هذه ، قد حالتا دون تقدم علم علم الفلك قرابة الف وثمانمائة عام ، اي من القرن الثالث قبل الميلاد الى القرن الخامس عشر الميلادي . ولا احدينكر فضل ارسطو على العلم ، ولاهمية مؤلفاته في المنطق كلاورغانون وفي العلوم كالحس المحسوس التي تعد من التراث الانساني الخالد ، ولكن نظريته الفلكية عطلت تطور العلوم الفلكية طوال ثمانية عشر قرناً ، ولولا ذلك ، لما كان من المستبعد ان يتقدم بعصر النهضة فينطلق من القرن السابع الميلادي او قبل ذلك .
    وبدأ عصر النهضة بالنظرية التي طلع بها العالم البولوني كوبر نيكوس القائلة بان الارض تدور حول الشمس ، وجاء بعده العالم الالماني كبلر ليدعم هذه النظرية ويميط اللثام عن قوانين حركة السيارات حول الشمس ، ومنها الارض ثم جاء جاء غاليلو من بعدهما ، فبث روحاً جديدة في هذه الحركة العلمية واعطاها دفعة قوية باثبات حركة السيارات حول الشمس بالرؤية والعيان . ولولا هؤلاء الثلاثة ، ومما تمخضت عنه جهودهم وبحوثهم العلمية ، ولما ظهر فيلسوف مثل ديكارت بمنهاجه الخاص في التحقيق فهو الذي ارسى للبحوث العلمية اساساً منهجياً سديداً في عصر النهضة والتجديد ، ولعله لولا هؤلاء الفلاسفة الثلاثة العظام لعاش ديكارت في نفس الظلمات التي عاش فيها قوم كثيرون قبل ظهور هؤلاء في متطاول القرن .
    وعندما صوب غاليلو منظاره الفلكي الى قبة السماء في عام 1610م ، كان ديكارت ما زال في الرابعة عشر من عمره ، ولولا العالم الذي اتى به كوبر نيكوس وكبلر وغاليلو ، لما استطاع ديكارت التخلص من مخلفات التفكير السائد في المجتمع ، وارساء قواعد البحث والتحقيق المنهجي في عصر النهضة .
    ومعروف ان العلوم سلسلة متصلة الحلقات ، وان كل علم انما يعين في كشف علم اخر ، ولا ريب في ان جهل الانسان بحقيقة كون الارض والسيارات الاخرى تدور حول الشمس ، قد قعد به عن البحث والتحقيق ، وقص جناحيه حتى لا يحلق في افاق العالم الرحيب ، وكان المسؤول الاول عن هذا القعود هو الرأي العلمي الخاطيء الذي قال به المعلم الاول (ارسطو) والذي ساعد على تعزيزه ما كان يتمتع به من نفوذ علمي،كما سبق القول فلم يجرؤ احد على معارضة رأي استاذ يعد في عصره استاذ الاساتذه .
    وجاء العالم الجغرافي المصري بطليموس بعد ارسطو بخمسة قرون فأكد نظريته الخاصة بدوران الشمس والكواكب حول الارض وبان الارض نفسها ثابته لا تتحرك . ومن العوامل الهامة ايضاً من ترسيخ نظرية ارسطو واستمرارها موقف الكنائس المسيحية التي اعتقدت تأكيد لهذه النظرية ان الارض هي قاعدة العالم ومركزها الثابت ، وانه لولا ذلك لما ظهر فيها ابن الله المسيح ومن هذه النظرية اعتبرت هذه النظرية عقيدة ضرورة لكل مسيحي وحتى ندرك اهمية الصنيع الذي قام به العلماء العظام كوبر نيكوس وكبلر وغاليلو ، نستشهد في هذا المقام بما قاله العالم الفيزيائي البريطاني ( ادنجتون) المتوفي عام 1944م من ان نظرية ارسطو بشأن ثبات الارض ودوران الشمس والسيارات من حولها ، وهي النظرية التي ايدها بطليموس من بعده، كانت كالكابوس الجاثم على الحركة العلمية ليخنقها ، ولو لم يرفع هذا الكابوس عن الحركة العلمية ، لما حدث التقدم العلمي الذي شهدته البشرية في عصرها الاخير .
    فاذا انتقلنا الى الشرق ، وجدنا العالم الهندي تشاندرا تشاترشي يقول لولا اهتداء الانسان الى ان الارض تدور حول نفسها وحول الشمس ولولا كشفه لهذه الحركة لبقي سادراص في جهله ولما استطاع التوصل الى ما اهتدى اليه في العصر الحديث . وقد اقام هؤلاء العلماء العظام الثلاثة البراهين امام العالم على ان اراء ارسطو وغيره من الفلاسفة ليست كلها اراء سليمه تتأبى على الطعن او المعارضة ، وان الكنائس المسيحية التي استندت الى نظرية ارسطو لتعزيز رأيها بشأن ثبات الارض كانت مخطئة بدورها.
    وظلت الكنائس المسيحية طوال الفترة تستند الى نظرية ارسطو الفلكية في دعم رأيها بشأن ثبات الارض ،دون ان تحاول تمحيصها او نقدها ، حتى جاء الكردينال نيقولا دوكوزا في عام 1460م فتصدى لهذا الرأي بالمعارضة الجريئة ، فقد كان العرف المتبع في ذلك الوقت هو منع صغار رجال الدين من دخول مكتبة الفاتيكان الغنية بالكتب والمراجع ، في حين ان القساوسة من ذوي الرتب الدينية الرفيعة كان حقهم التردد على المكتبة والانتفاع بما فيها من ذخائر .
    ويعزى الفضل الى مكتبة الفاتيكان في نقل القسم الاعظم من معارف الامم الاغريقية والرومانية وثقافاتها الى الامم الاوربية والامريكية . صحيح انه كان في اوربا مراكز ومكتبات علمية اخرى ، ولكن هذه المراكز لم يكن لها اثر ايجابي في حفظ تراث الاغريق والرومان ونقله الى الاوربيين لانها لم تحض بما حضيت به مكتبة الفاتيكان من اسباب الرعاية والوقاية من اثار الحروب والدمار التي حلت باوربا ولا عجب والجيوش والامم المتطاحنة هي جيوش وامم مسيحية ممن تحاذر الحاقاي اذى بالفاتيكان الذي يضم المقر البابوي ، او بمكتية الفاتيكان ، تقديسا منها لبابا روما ، وهكذا نجت مكتبة الفاتيكان من اثار الحروب يضاف الى ذلك ان هذه المكتبة كانت على الدوام مسندة الى عدد من القساوسة والعلماء المسيحيين ، يشرفون عليها ويحرصون على ذخائرها ويصونونها من ايدي العبث والتلف . بل ان الجامعة الاوربية القديمة كجامعات بادوا في ايطاليا واكسفورد في انجلترا والسوربون في فرنسا لم يكن لها ما لمكتبة الفاتيكان من دور في حفظ التراث العلمي والادبي لليونان والرومان ونقله لأنها جميعا اسست في الالف الثانية بعد الميلاد واستفادت بعد تاسيسها من مكتبات الفاتيكان وغيرها من المراكز الدينية التي حرصت على صيانة الكتب. اما ملوك اربا وامراؤها واشرافها فكانوا في غالبيتهم من الاميين الذين لا يعرفون القراءة اوالكتابة فكيف بعامة الناس . ولم تعن بحفظ الكتب وصيانتها في اوربا الا المراكز الدينية الهامة ، ولولا سعيها الى صيانة المؤلفات المدونة باللغات اليونانية واللاتينية والسريانية ، لما انتهى تراث اليونان والرومان الى الامم الاوربية اليوم .
    كانت مكتبة الفاتيكان كما سلف القول اغنى المكتبات بمقتنياتها من كتب اليونان واللاتين القديمة ولكن الانتفاع بذخائرها كان مقتصراً على ذوي الرتب المطرانية او الكردينالية من رجال الدين تتألف منهم المجموعة المشرفة على الكنائس ، فكان من حق هؤلاء فقط دخول مكتبة الفاتيكان وتناول ما فيها من كتب قديمة اما اليوم .
    فقد تغير الوضع وصار مسموحاً لجميع رجال الدين بالتردد على المكتبة والانتفاع بكتبها بغض النظر عن رتبهم . وهكذا نرى ان المساواة في البحث العلمي كانت منعدمة حتى ان الكنائس الكاثوليكية ، وان النظام الطبقي الديني كان يحاول دون الانتفاع بالمكتبة بالنسبة لصغار رجال الدين ،اذ كان قادة الكنيسة واساقفتها يرفضون ان يجلسوا جنباً الى جنب مع صغار القساوسة في قاعات المكتبة للاطلاع على نفس الكتب والمراجع .
    اما اغلاعارة الخارجية للكتب من مكتبة الفاتيكان ،فكانت محظورة مما ساعد على حفظ هذه الكتب من الضياع ومازال هذا التقليد مستمرا الى يومنا هذا فالكتب لا تعار وانما يجوز تصويرها . وكما سبق القول فقد اتيحت للكردينال نيقولا دو كوازا فرصة دخول مكتبة الفاتيكان وتناول ما فيها من كتب يضاف الى انه كان يجيد اللغة اليونانية ،فاستطاعبذلك الوقوف على كتب فلاسفة الاغريق ومنهم ارسطارخوس الذي كانت له نظريةبشأن حركة الارض ودورانها .
    ولما عاد من الفاتيكان الى مسقط راسه في المانيا كتب رسالة علمية حول الحركة الوضعية والانتقالية للارض ، ولكن هذه الرساله ظلت مخطوطة لانعدام وسائل الطباعة وقتذاك ،ولكن استنسخت منها نسخ لفائدة المهمتين بهذا الموضوع كان ذلك في عام 1460م اي قبل ميلاد كوبرنيكوس بثلاثة عشرعاماً ولكن نظرية دوران الارض حول الشمس اشتهرت باسم العالم الرياضي والمنجم البولوني كوبر نيكوس وليس باسم نيقولادوكوزا لان الثاني كان من رجال لدين المجهولين في الاوساط العلمية ولانه نقل نظريته عن فلاسفة اليونان . فاما كوبرنيكوس فكان من رجال العلم كما انه اثبت نظريه بشأن دوران الارض حول نفسها وحول الشمس بالمناهج العلمية مما اثار اهتمام الاوساط العلمية بكشوفه .

    يتبع

  • #2

    وقد ظلت رسالة نيقولاس دوكوزا غير معروفة اولاً لانها كتبت خارج دائرة الفاتيكان وثانيا لانه ردد اراء فلاسفة اليونان دون تجريب عملي او تحليل علمي فلم يأخذها الناس مأخذ الجد لا سيما وهي التعارض مع رأي الفاتيكان بشأن ثبات الارض وهوالرأي الذي اصبح قضية بديهية مسلمة لدى الكنائس والمسيحيين . وها هو ذا ابو الرياضيات الحكيم اليوناني فيثاغورث يقول في مقدمة علم الهندسة ( القضايا البديهية لا يحتاج اثباتها الى دليل ) وقد اشتهر هذا المبدأ فيما بعد .
    ودلل على ذلك بقوله ان العشرة اكثر من خمسة ، وهي قضية بديهية لا تحتاج الى برهان او دليل ، وان الخمسين رطلاً اثقل من الاربعين ، وهذه بدورها من البديهيات التي لا تحتاج الى برهان ، وحركة الشمس والاجرام السماوية لا تحتاج الى دليل لان الانسان منذ خلق وهو يرى بعينية ان الشمس والنجوم تتحرك وتدور. فموضع الشمس عصراً يختلف عن موضعها صباحاً . كذلك كان ثبات الارض وانعدام الحركة فيها من القضايا البديهية الاخرى لان الانسان لم ير حركة الارض بام العينين وان العمائر والمباني التي يشيدها بالغاً ما بلغ ارتفاعها او حجمها باقية في مكانها الى ان تزول بسبب عوامل التعرية من مطر وشمس ورياح وان الجبال والتلال راسخة في مكانها على مدى العمر والدهر . فلو قيل اذن ان الارض تدور ، وان لها حركتين احدهما حول نفسها والاخرى حول الشمس ، لاعتبر هذا القول من قبيل الخرافات والاساطير ، ولآتهم قائله بأنه يهزل او بأن به مساَ من جنون.
    وقد قلنا إن نظرية الضوء للامام جعفرالصادق(ع) قد فتحت الطريق امام الباحثين حتى انتهت بهم الى صنع المنظار الفلكي ورصد الاجرام السماوية ، وقادتهم إلى انطلاقة عصر النهضة والتجديد. ولولا أن الصنعة لم تكن في عصر الامام الصادق(ع) قد بلغت مرحلة تمكن الامام (ع) من صنع منظاراو مرقب فلكي لرصد الاجرام السماوية وتسجيل حركة السيارات ، لكان قد نجح بفكره النافذ في تحقيق ما انتهى اليه العظماء الثلاثة، ولكن هذا لايقلل من أهمية نظرية الضوء التي طلع بها الامام قبل إثني عشر قرناَ من هذا التأريخ. وإذا كان نيوتن قد اكتشف قانون الجاذبية عندما سقطت تفاحة من شجرة على راسه فهل يعاب عليه انه لم يقذف تفاحة لتدور حول الارض كما هو شأن الاقمار الصناعية في عصرنا هذا ؟ بالطبع لا .
    وقد بات معروفاً للناس جميعاً ان الاقمار الصناعية التي تطوف حول الارض ، او التي اطلقت صوب القمر والمريخ وتخضع جميعاً لقانون الجاذبية الذي كشفه نيوتن ، فان كان نيوتن نفسه لم يوفق الى الاستفاده من كشفه العلمي بالكيفية التي تاتيفي عصرنا هذا. فلذلك لا يقلل من اهمية قانون الجاذبية ولا من فضل نيوتن في تحقيق هذا الكشف العلمي . ولن يجترئ احد فيقول ان عجز نيوتن عن اطلاق قمر صناعي الى الفضاء دليل على ان كشفه العلمي كان بلا قيمة ، فمثل هذا القول يرتد الى صدر صاحبه ويؤكد فساد تفكيره وقلة فهمه .
    وهناك نقطة بالغة الاهمية في نظرية الامام الصادق(ع) بشأن الضوء ، هي تأكيده ،بان الضوء ينعكس من الاجسام الى العين ، وهو قول يناقض التفكير الذي كان سائداً في ذلك العصر وكان مؤاده ان الضوء ينعكس من العين على الاجسام المرئية . والامام الصادق (ع) وهو اول عالم في تاريخ الاسلام كله يناقض هذا الرأي السائد .فقد قال ان الضوء لا ينعكس من العين على الاجسام بل الذي يحدث فعلاً هو نقيض ذلك ،اي ان الضوء ينعكس من الاجسام ويصل العين .
    دليل ذلك اننا لا نرى في الظلمة شيئاً ، ولو ان العين كانت تعكس الضوء على الاجسام لشاهدنا الاجسام نهاراً وليله . وللامام الصادق(ع) نظرية اخرى عن الضوء وحركته وسرعته لا تقل اهمية عن نظريته الخاصة بالضوء وانعكاساته . فمما قاله ان الضوء ينعكس من الاجسام الى العين بسرعة (كلمح البصر ) اي ان الامام الصادق(ع) عرف ان للضوء حركة كلمح البصر ولو اسعفته الوسائل التقنية الحديثة لاستطاع ان يقيس هذه السرعة بدقة شديدة . فهو اذن قد اكتشف نظرية الضوء ، وقال ان للضوء حركة وان هذه الحركة سريعة جداً ، افلا يدل هذا كله على انه كان سابقا على عصور علمي كثيرة ؟ وقد روي عن الامام الصادق (ع) قوله في بعض دروسه ان الضوء القوي الساطع يستطيع تحريك الاجسام الثقيلة ، وان النور الذي ظهر لموسى على جبل الطور لو كانت مشيئة الله ، لحرك الجبل . ومن مؤدى هذه الرواية ان الامام الصادق(ع) تنبأ باساس نظرية ( اشعة الليزر ) وفي رأينا ان اراء الامام في الضوء وحركته وانعكاس اشعته من الاجسام الى العين اهم من نظرية( اشعة الليزر) لان هذه النظرية قد عرفت مقدماتها قبل الصادق (ع) وفي الازمنة القديمة وعند مختلف الاقوام والشعوب .
    ففي مصر القديمة مثلاً ،كان الناس يعتقدون ان الضوء ينفذ من الاجسام ويحركها ولا تحول دونه حتى الجبال ، وان الضوء الضعيف لا ينفذ في كل شيء ولا يجاوز الاجسام الصلبة او الجبال ، في حين ان الضوء القوي يفعل هذا ان شاء ! ! .ويبدو ان امثال هذه النظريةكان شائعا عند اقوام كثيرة قبل ظهور الاديان السماوية ، وكانت هذه الاقوام تعتقد ان القدرة التي يتمتع بها الضوء من فعل السحرة . وليست لدينا معلومات دقيقة عن مبدأ هذه الفكرة وتاريخها ، ولكننا لو تركنا جانبا موضوع الطاقة الكامنة في الضوء فان الذي قاله الامام الصادق(ع) عن الضوء وحركته يتفق تماماً مع ما اثبته البحث العلمي المعاصر.
    وغاية ما في الامر ان العلم الحديث قاس سرعة الضوء وهي ثلاثمائة الف كيلو متر في الثانية الواحدة ولكن هذا المقياس لا يجدي في قياس المسافات الفلكية الشاسعة في الدراسات الفضائية . قلنا ان العلوم والمعارف في مدرسة جعفر الصادق (ع) قد ارسيت قواعدها على اربع دعائم اوردنا ذكرها ولكن اهم خصائص هذه المدرسة والتي ساعدت على انتشار وذيوع علومها تاكيدها على الابتعاد عن كل تزمت وتعصب وضيق صدر وافق ، ذلك ان الامام لالصادق (ع) لم يعط اتباعه ذريعةً واحدةً لتكفير منم يخالفهم في الرأي، او اعتبارهم منشقين او مارقين ، ولو حدث هذا لقضي دون ريب على كيان الشيعة الفكري والثقافي .
    وكان الصادق(ع) عند حديثه عن جده رسول الاسلام(ص) او ابائه يتحدث عنهم باعتبارهم بشراً سوياً فلا وضع احداً منهم في مقام الله ولا عدهم فوق البشر او وسطاء يشفعون للناس عند الله ولو فاه بشيء من هذا ، لاحدث انشقاقاً واسعاً بين الشيعة كما هو الحال عند المسيحيين .
    ومع ان الصادق (ع) لم يفه مرةً واحدةً بما يجعل لجده رسول الله (ص) وابائه الائمة (ع) طبيعة تختلف عن طبيعة البشر او تسمو باجسامهم على الطبيعة البشرية ، ومع انه لم يغال في ايراد صفاتهم المعنوية ، كل ذلك لم يحل دون ظهور فرق دينية وصوفيةبين الشيعة منذ القرن الثالث الهجري ، وكل واحدة منها تتعصب لرأيها وتناويء غيرها من الفرق وكأنها تنتمي الى مذهب مستقل . ولئن كان العرفان دعامة من الدعائم الاربع التي تقونم عليها المعارف الجعفرية فان عرفان الصادق (ع) كان يلتزم حدود الاعتدال ، يتوخى معرفة الدين على الوجه الصحيح والمذهب النقي كذلك وتبصير الناس بحدودهم ومهامهم .
    ولكن الصادق (ع) لم يكن يريد للعرفان ان يصبح مذهباً شائعاً مستقلاً عن الدين ، ومع ذلك اخذت المذاهب والفرق الشيعية تتكاثر وتتشعب منذ القرن الثالث للهجرة ، وغالى بعضها غلواً شديداً حتى قال بوحدة الوجود ، اي وحدة الخالق والمخلوق ، وهو ما يعتبر شركاً وكفراً في عقيدة الشيعة .والذي يعنينا من هذه النظرية ،ان حرية البحث والكتابة كانت منهجاً مرعياً من اتباع الامام الصادق(ع) ولم يتعرض احد لايذاء او عقوبة لانه ابدى رأياً خالف به اياً من الاراء والنظريات التي كانت سائدة في هذه المدرسة ، سواء اكانت دينية ام علمية او فلسفية . لقد كان تلامذة الصادق(ع) يطرحون عليه الاسئلة ، وينتقدون هذا الرأي او ذاك ، ويعارضون ما يساق في المدرسة من حجج ، وكان يتقبل ذلك منهم برحابة صدر وبشاشة وجه ، وفي كتب الحديث والسيرة سجل واف لما جرى بين الامام الصادق (ع) وناقديه ومعارضيه من محاجات ومناقشات ومحاضرات. وقد توسعت الفرق الكلامية والصوفية في الحديث عن الخالق ووحدة الوجود ، وكان من رأي بعض هذه الفرق ان المخلوق لا يختلف عن خالقه في القدرات المقدرة - طبعاً بالقدرة لا بالفعل- بينما رأى بعضها الاخر بان للرسول (ص) والائمة مراتب تعلوا على مراتب المخلوق وان كلنت دون مرتبة الخالق طبعاً .
    بل ان فرقاً اخرى من الصوفية وضعت المرشد والقطب في مرتبة عالية ، تتحد احياناً مع وجود الخالق او تكون مماثلة لهذا الوجود وللقدرة الالهية . وكانت هؤلاء الاقطاب وترفع من مقدارهم فوق مراتب الائمة والانبياء . وتراعي سلوكهم وعقائدهم دون ان تصرح به ، اما استحياء من القول بان مقام قطبهم اعلى من مقام النبي (ص) ، واما خوفاً من ان يرموا بتهمة التكفير . وعقيدة هذه الفرق الصوفية شبيهة بعقائد المصريين القدامى في اوزيريس وايزيس، ومعروف ان قدامى المصريين كانوا يؤمنون بتعدد الالهة مع تفضيل الاله آمون باعتباره سيد الالهة ، ولئن كان ايزيس - وهي الهة الموت- في مرتبة دون مرتبة آمون لان ايزيس كانت قادرة على انزال الموت حتى بآمون وهو سيد الالهة .

    تعليق

    يعمل...
    X