التعبير والتأويل
يعتبر موضوع تأويل الرؤيا من المواضيع التي ارتبط ذكرها ببعض انبياء الله تعالى وخصوصا" النبيان -يوسف ودانيال- عليهما السلام، فالقرآن يتحدث بشكل صريح عن ارتباط دعوة نبي الله يوسف(ع) بمسألة تاويل الاحلام ضمن آيات سورة يوسف، ومن الجدير بالذكر ان هنالك لفظين لغويين ارتبطا بقصة الرؤيا التي رآها الملك في عهد يوسف الصديق، واللفظين هما (التعبير والتأويل) حيث يقول الله عز وجل(وقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ )[يوسف : 43]، لا بد ان الفت النظر الى اهمية اللجوء الى علم اللغة كمستهل لمحاولة التفريق بين المعنيين في كتب اللغة ، حيث يذكر ابن منظور في معجم لسان العرب:تحت مادة "ع ب ر", وجدناه يقول: "عَبَرَ الرُؤيا يَعْبُرُها عَبْر وعِبارةً وعبَّرها: فسَّرها وأَخبر بما يؤول إِليه أَمرُها. وفي التنزيل العزيز: إِن كنتم للرؤُيا تَعْبُرون؛ أَي إِن كنتم تعْبُرون الرؤيا فعدّاها باللام، كما قال: قُلْ عسى أَن يكون رَدِفَ لكم؛ أَي رَدِفَكم،والعابر: الذي ينظر في الكتاب فيَعْبُره أَي يَعْتَبِرُ بعضه ببعض حتى يقع فهمُه عليه، ولذلك قيل: عبَر الرؤْيا واعتَبَر فلان كذا، وقيل: أُخذ هذا كله من العِبْرِ، وهو جانبُ النهر، وعِبْرُ الوادي وعبره ........ وعَبَرْت النهرَ والطريق أَعْبُره عَبْراً وعُبوراً إِذا قطعته من هذا العِبْر إِلى ذلك العِبر، فقيل لعابر الرؤيا: عابر لأَنه يتأَمل ناحيَتي الرؤيا فيتفكر في أَطرافها،ويتدبَّر كل شيء منها ويمضي بفكره فيها من أَول ما رأَى النائم إِلى آخر ما رأَى.
بينما يتحدث ابن منظور عن التأويل لغويا" حين يقول:"الأَوْلُ: الرجوع. آل الشيءُ يَؤُول أَولاً ومآلاً: رَجَع. وأَوَّل إِليه الشيءَ: رَجَعَه. وأُلْتُ عن الشيء: ارتددت.
اذن نستخلص من ذلك الكلام ان ثمة فرق بين المعنيين شاسعا" من الناحية اللغوية ، واذا ما رجعنا الى الحوار الذي تم بين نبي الله يوسف(ع) والملك اخناتون في داخل مسلسل يوسف الصديق نجد ان الكاتب تعمد الوقوف مليا" على هذه المسألة بالغة الاهمية في المناظرة المزعومة بين يوسف وكهنة معبد آمون وبحضور جمع غفير من وجهاء واهالي مصر، فحين وجه اخناتون السؤال الى النبي يوسف(ع) امام الجمع عن الفرق بين التعبير والتاويل اجابه النبي بقولهاصل التعبير مبني على الحدس والظن اما التأويل فهو متجذر في الحقيقة الملكوتية)..وهنا اريد ان الفت نظر القاريء الكريم الى الرسالة العظيمة التي يحمله حوار المسلسل بين طياته في هذه اللقطة بالذات، فبغض النظر عن سلوك كهنة معبد آمون المنافي للتعاليم الدينية وتصرفاتهم البعيدة كل البعد عن ما هو ديني، من قبيل سرقهم اموال شعب مصر بأسم القرابين واستئثار السلطة الدينية واتخاذ الجميلات من مصر كمحظيات للمعبد بأسم زوجات آمون لارضاء نزواتهم الدنيئةو..و..غيرها من فعال منافية للاخلاق الانسانية ، نجد ان الخداع الاكبر والتضليل الاعظم يتمثل باتخاذهم لأسلوب ((الظن والحدس)) في تعبير الرؤى للناس ، فأستطاعوا لعقود من الزمن تدليس الحقائق بأستخدام السحر والشعوذة، فسحرة مصر ومعبريها الموصوفون_كما عبر عنها الخماهو كبير الكهنة_ يفتون الناس في الرؤى وغيرها بهذا الاسلوب القائم على الاستنتاجات العقلية والاستحسانات الشخصية والناس بدورهم لم يشكوا يوما" بقدرة الكهنة كونهم هم الخلفاء الشرعيين لآلهة مصر المتعددة.
ان اللفتة الذكية لكاتب الحوار داخل المسلسل جعلتني اتسآءل عن ردة فعل المسلمين الشيعة والسنة على حد سواء تجاه هذا الحوار الهادف ، فبعد ان شاهدنا الامبراطورية الهزيلة والمملكة الوضيعة التي لا تستند على اساس متين لكهنة معبد آمون الا يحق لنا ان نسال عن وضع الامبراطورية الحالية لكهنة القرن الواحد والعشرين !!، الا يقوم كهنة معابدنا الاسلامية في الحوزات العلمية ومدارس الشريعة بالاسلوب المنحرف ذاته في استنباط الاحكام الشرعية؟ ..الم يكن المسلمين لقرون خلت ضحية لفتاوى الحدس والظن للذين جلسوا على كرسي الرسول(ص)؟؟..انها اسئلة اوجهها الى كل من عمي بصره عن ادراك الحقائق الجلية والى كل من شاهد وسمع الحوار بين يوسف والملك في تلك المناظرة العظيمة غافلا" عن ما حاول الكاتب ايصاله لذوي العقول الرشيدة والفكر النير، حقا" ان الفرق بين التعبير والتاويل هو كالفرق بين السماء والارض فشتان بين من كان يتكلم بكلام اهل الارض ومن يتكلم بكلام اهل السماء، واخيرا" اقول لاخوتي المؤمنين المنتظرين لطلعة القائم(عج) البهية: ما هي ردة فعلكم اذا ما تجددت المناظرة في يوم من الايام على رؤوس الاشهاد و ظهرت ضحالة مستوى رجال الدين اليوم الذين نعطيهم مقام خلفاء الانبياء(ع)؟؟..لو ان اصحاب القبور مع الاحياء منهم اجتمعوا فلن يتمكنوا بان ياتوكم بتأويل واحد لأنهم بالحدس والظن يقولون ، واما المرسل من عند الله الاحد فلن يقول شيئا" من عنده لان كلامه متجذر في الملكوت.
تعليق