إنّ فكرة المخلِّص هي فكرة آمنت بها كل الرسالات من النصرانية و الاسلام، هي فكرة العمل و الانتظار لذاك المخلّص، و من الحكمة لنا أن نكون من المنتظرين بالمعنى الايجابي للانتظار لا الانتظار السلبي، أن نعمل و نسعى لنكون من الممهدين للمهدي (ع) في القول و العمل و بناء الانسان و خلق المجتمع الذي يكون عضداً له عند خروجه و مساعداً له في تحقيق أهدافه المرسومة من الله سبحانه و تعالى، ألا و هي نشر العدل في الأرض ليكون بذلك حجةً على الذين عاشوا في الأرض فساداً أثناء حكمهم.
ولادته
كان فيها حكمة، فهو ابن الإمام الحسن العسكري و أمه هي نرجس ابنة يشوعا بن قيصر ملك الروم و أمها من ولد الحواريين تنسب إلى وصيّ المسيح (ع) شمعون، كانت ولادته في الخامس عشر من شعبان لعام 255 هـ.
إذن والدته هي من اُم تتصل بالمسيح عيسى ابن مريم (ع) و من أهل الكتاب كانت هي حسب الظاهر هي الزوجة الثانية حسب الروايات للامام العسكري (ع) و في ذلك وقفه عند اختيارها من الله لتكون اُمّاً للمهدي (ع).
غيبته
هي نقطة ثانية يجتمع فيها عليه السّلام مع السيد المسيح (ع) إلاّ انه كانت للمهدي (ع) غيبتان.
الصغرى، و مدّتها تسعة و ستون سنة.
الكبرى، بدأت سنة 329 هـ حتى اليوم.
أما المسيح (ع) بدأت غيبته عندما رفعه الله إليه عند محاولة صلبه لقتله و هي ممتدة حتى اليوم إلى أن يأذن الله له بالظهور، ففي ذلك وجه شبه أيضاً و غيبة السيد المسيح بنص قرآني ردّ على جميع المشككين بامكانية بقاء الانسان حياً لفترة زمنية طويلة كما المهدي (ع).
الظهور
هي النقطة الثالثة التي نستخلصها من هذين العلمين عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله (ص): «إن خلفائي و أوصيائي و حجج الله على الخلق بعدي الإثنا عشر أولهم أخي و آخرهم ولدي، قيل يا رسول الله من أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب. قيل فمن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملؤها قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً، و الذي بعثني بالحق بشيراً و نذيراً لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه و تشرق الأرض بنور ربّها و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب».
حديث واضح عدا عن الظهور المسلّم به عند المسلمين و النصارى للمهدي و للمسيح عليهما السّلام إلاّ ان الظهور في آن واحد هو ما يستوقفنا. يظهران معاً و يدعوان لله وحدة معاً، و يصليان معاً، ففي ذلك عبرة مهمة لكل من أتبعهما، اذن الدعوة إلى إله واحد و العبودية إلى ربّ واحد و العمل في سبيل تحقيق ذلك تحت راية الإمام المهدي كما في الحديث دون خلاف لا في الرأي و لا في الأسلوب، إمام و جماعة يأتمون به في أعمالهم
و عباداتهم و في طريق وصولهم إلى رضا الله سبحانه وتعالى.
من هنا نرى أن الكلمة السواء التي تحكم حوارنا مع الآخرين هي فهم لأسلوب العمل الذي علينا سلوكه، لبلوغ الهدف المنشود، فإن كان المطلوب منّا الكلمة السواء مع من هم من خارج ملتنا من أهل الكتاب فالأولى أن نعمل بها مع من هم من صلب امتنا حتى نبتعد عن التنابذ و الاختلاف و بالأخص ضمن الطائفة التي نعتقد بها.
إن ما رأيناه من علاقة بين المهدي و المسيح عليهما السّلام يدفعنا لأن نفتح حواراً جاداً مع جميع المعتقدين بالسيد المسيح، حواراً أساسه الكلمة السواء بيننا و بينهم حتى تتعمق فكرة الايمان فينا جميعاً و ان خلاص جميع الاُمم ليس في الهروب إلى المجتمعات اللاّ دينية، بل إلى المجتمعات التي يحكم فيها الدين بما ينطوي عليه من صدق في المعاملة و احسان للضعيف و رفع المظلومية و ردع للظالم، و برٍّ و تسامح و محبة للآخرين، فإن كان الكثير من المسلمين اليوم يعيشون في مجتمع غربي حوصر فيه الدين حتى أصبح كنسياً كهنوتياً لا يمت إلى حياة الناس إلاّ في مراسيم العرفاء وغيرها و أصبحوا يعادون الاسلام و المسلمين بتضليل من اعلام زائف، لذلك نحن مدعوون لأن نكوّن الاسلام المتحرك في الأرض، في كل صغيرة و كبيرة سواءً في التعاطي مع أنفسنا أو في التعاطي مع هذه المجتمعات لنظهر بأن رسالتنا و رسالتهم واحدة و إلهنا واحد و ان اختلفت الرُسل في الأزمان، دما عودة المخلّصين في آخر الزمان إلاّ شاهد و دليل نعتقد به، لأن ربّ هذا الكون هو الله وحده، فلننفتح على جميع خلق الله بالكلمة الطيبة و الحجة الثابتة ننظر إلى جميع خلق الله بأنهم اما نظراء لنا في الخلق أو اُخوة لنا في الدين، ننظر للانسان، مطلق الانسان من خلال انسانيته و لنجعل من أنفسنا أئمة هدى و دعاة خير و رحمة و دعاة هداية و محبة.
نستفيد من سيرة هذين العظيمين هو في رفضهم للظلم و الجور و محاربة للطغاة و المستكبرين، فالاجماع على رفض الظلم يؤدي حتماً للوقوف صفاً واحداً ضد رأس الظلم و الجور في عصرنا و المتمثل الآن في الغدة السرطانية المزروعة في قلب عالمنا العربي و الاسلامي، في رفض الكيان الصهيوني الغاصب و بالتالي دعم كافة اشكال المقاومة ضد هذا الكيان و طبعاً لن نغفل ان في كل بلد اسلامي جهاد آخر لا نقلِّل من أهميته، فظلم الشعوب و قهرها من قبل السلطات الجائرة كما في العراق مثلاً تستدعي منّا الدعم و العون و المؤازرة لهذه الشعوب المقهورة، فهذا جزء من الصراع و ليس كل الصراع، فكل الصراع يتمثل في أن نحارب الظلم مع الكفر في آن واحد بعيداً عن المناطقية و الحدود الجغرافية، فالصراع المركزي يتمثل في صراعنا مع الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة هذا الكيان المطلوب منّا فضح أهدافه و ممارساته، فهو كيان معاد للمسيحيين و المسلمين على حد سواء إذ انهم لا يعتقدون بهذين الدينين مطلقاً و إن القدس تمثل رمزاً دينياً مهماً لكلا الطرفين و المسلمين في بلاد الغرب بامكانهم التأثير في هذه المجتمعات و كسب تأييدها و دعمها لنصرة الحق المقدس في القدس السليبة.
و اليوم إذا كان للمقاومة الإسلامية في لبنان شرف قتال هذا المشروع الاستكباري إلى جانب كافة القوى الإسلامية و الوطنية في فلسطين المحتلة فإن هذا يتطلّب منّا الدّعم و المؤازرة لأنّ هذه المعركة تُخاض دفاعاً عن جميع الشعوب المستضعفة و شبابها يشكلون ضمير هذه الاُمة و عنفوانها و كبريائها و نصرها هو حتماً نصر لنا جميعاً و رفعة و عزّة لنا، فإلى مزيد من رصّ الصفوف مع هذه الشريحة التي تربّت على حبّ الحسين و أولاد الحسين و أحفاد الحسين، هذه الثلة المجاهدة التي آمنت بربّها فزادها الله هدىً، فمنهم من قض غبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلاً.
و قبل الختام أود أن أستفيد قليلاً مما سبق، فإن كانت الدعوة لنا من الله سبحانه و تعالى لقول كلمة السواد بيننا و بين أهل الكتاب فالاُولى أن نقولها بيننا نحن معشر المسلمين بشكل عام و بين أهلنا في المذهب الواحد بشكل أخص فلا ضير ـ بل من المفيد والمطلوب ـ أن يهتم كل منّا ضمن الإطار الجغرافي الذي يعيش فيه و لكننا نعرف تماماً بأن لا حدود في الاسلام و لا حواجز جغرافية، لأن المسلم أخ المسلم و عينه و مرآته، لأن مثل المسلمين في تعاضدهم هو كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمّى.
هناك جاليات اسلامية شتى في هذا المكان من العالم تجتمع ضمن مجتمع غربي مدني، لن نبلغ قوة و قدرة في تشتتنا و بعدنا عن بعضنا، و إنما نبلغ هذه القوة في وحدتنا و اتحادنا فنحن اُخوة من الله فكيف للعبد أن يفرّق بيننا، فالتحدي كبير و كبير جداً. التحدي في ردّ الاشكاليات المدفوعة إلينا من الآخرين و التحدي في اصلاح ذات بيننا، و جعل أنفسنا جسداً واحداً كما أراده الله لنا نجتمع في الخط المحمّدي الأصيل خارجين من ذواتنا و فئويتنا لننطلق إلى العالم الأرحب إلى عالم الاسلام الذي يريده الله أن يكون للبشرية جمعاء رسالة خير و محبة متحلّقين حول قيادة منّ الله بها علينا و دولة أعزّ الله بها الاسلام و المسلمين و إن كان من مأخذ في تصرف فليكن هناك نقد بناء لتصويب و تسديد المسيرة و مناقشة ذلك مع أهل الحل و الربط لا نقداً سلبياً ينفذ من خلاله المتربصين شراً بهذه الاُمة فإن وهنت هذه التجربة أو فشلت لا سمح الله فلن يقوم للمسلمين قائمة، فاحترام الآخرين لنا هو لما نظهره من قوة و اعتقاد، فالعالم اليوم لا يأخذ إلاّ بمن يملك القوة و القدرة و لله الحمد فقوتنا من أجل خير هذا العالم و من أجل أن يعيش الانسان انسانيته في هذه الحياة الدنيا، فلسنا دعاة ظلم
و عدوان و ارهاب فنحن دعاة خير و هداية و سلام، فالله الله في نظم أمورنا و الله الله في وحدتنا عندها نكون من الممهدين للمهدي (ع)، و من الممهدين للسيد المسيح (ع) من أجل رفع الظلم و الجور إلى القسط و العدل.