السلام عليكم
تُعدُّ علامات الظهور من أولويات الثقافة المهدويّة التي تشغل حيزاً مهمّاً من مساحة الفكر الإسلامي، بل الإنساني على العموم.
فالمهدويّة لم تكن مقتصرة على معطيات الدين الإسلامي بقدر ما هي حالة إنسانيّة تتطلّع إليها كلّ الطبقات المحرومة والمستضعفة، بل يمكن أن تتعدّى إلى الطبقات الاُخرى من التركيبة الإنسانيّة عموماً. فالتوجّهات الإنسانيّة لا تقف عند حدّ إشباع الضرورة، بل تتعدّى إلى مراقي الكمال، فهي تنشد الوصول إلى ما يشعرها بإنسانيّتها وكرامتها متحدّيةً كلّ مظاهر (الابتذال) الإنساني الذي من شأنه أن يهدر إنسانيّة الإنسان المقدّسة. فالصراعات الدوليّة، والتنافسات السياسيّة تُرهق تلك الإنسانيّة المعذّبة التي فتحت عينيها على ذلك التنافس المقيت، فقضيّة قابيل وهابيل تحكي بذرة التنافس المشؤوم، والتمرّدات على نواميس النبوّة تُظهر ما تخفيه مكنونات النفس وخفاياها من التمرّد على كلّ ما هو خير، وبذلك تتسيّب توجّهات النفس إلى الحدّ الذي معه تفقد قابليّاتها على الانقياد إلى ما من شأنه أن يكون سبباً لسعادتها، من هنا عرفنا سبب تلك الصراعات الإنسانيّة على امتداد تاريخها، لذا فهي ضحيّة التنافسات لتحقيق غاياتها على حساب المبادئ، وسحق طموحات الإنسان للعيش بسلامٍ وكرامة، هكذا تجد الإنسانيّة حاجتها إلى الاصلاح مهما مورست رغبات الإصلاح ضمن تنظيراتٍٍ وضعيّة وكلّفتها بعض الاُطروحات الوضعيّة التي تعهّدت بتحقيق طموحات الإنسانيّة من أجل كرامتها المهدورة، إلاّ أنّها لم تحقّق رغباتها في هذا المجال لقصور توجّهاتها عدا في نطاقها المصلحي الضيّق؛ لذا فلا بدّ للإنسانيّة أن تتربّص للإصلاح، وأن ترنو إلى المنقذ المصلح، وأن تتوخّى ذلك اليوم الذي فيه يُثأر للمظلوم من ظالمه، ويُنتصر للحقّ من غاصبه.
إذن فالجميع يتّفق على ضرورة الإصلاح بعد ما تفشّى الفساد، وحتميّة العدل بعد ما عمّ الظلم، وبسط القسط بعد انتشار الجور، وليس لهذه الدوافع سوى الفطرة، ولا لهذه الدواعي غير الضرورة، أي ضرورة أن يعيش الإنسان وقد تمتّع بكلّ حقوقه،
روايات اليماني
بين الندرة والرمزية
تواجه الباحث عن شخصية اليماني (أزمة) الندرة في الروايات الكاشفة عن شخصيته فضلاً عن الرمزية التي تتصف بها تلك الروايات.
أما الرمزية فهي الظاهرة التي تكاد تكون عامة في بحوث الملاحم والفتن، وهذه الظاهرة لها مبرراتها، إذ حالة التقية والكتمان إحدى دواعي سلوكية الرواة مراعاةً لظرف التلقي بل وظروف المتلقي.
أما ظرف التلقي فانّ حالة التوجس التي يعيشها النظام السياسي تكاد تُضفي بظلالها على الوضع الفكري العام، فتحديد إنسيابية المعلومة أو تداول المفردة المعلوماتية تتحدد ضمن سياقات الحاكم أو الدوائر الثقافية التابعة له، وبالتالي فستُصادر تلك المعلومات بمحاولات (مسخية) تمسخُ واقعية المعلومة الواردة من منابعها فضلاً عن ملاحقة رواتها واستئصالهم، لذا فقد عمد أئمة الهدى صلوات الله عليهم على التحفظ بقدرٍ كافٍ عند إلقاء هذه الملاحم بمحاولاتٍ رمزيةٍ لا تستهدف النظام السياسي في الظاهر أو بشكل مباشرٍ جلي. أما حالة الندرة التي تعانيها روايات اليماني فهي ظاهرة تستحق التوقف والتأمل عندها.
فقد عمد أهل البيت عليهم السلام إلى محاولة التحفظ على شخصية اليماني وتخفّي بشكل واضح يثير التساؤل، وربما يمكن درج أسباب ذلك في المبررات التالية:
أولاً: عمد أهل البيت عليهم السلام إلى إسباغ حالة الكتمان على شخصيات عصر الظهور التي ستكون تحت قيادة الإمام عليه السلام أو التي ستوظف لنصرته، وذلك خشيةً على سلامة هذه الشخصية وإبعادها عن الملاحقة والمطاردة من قبل السلطات المتربصة لها، لذا فانك تجد الاشارة المقتضبة لهذه الشخصيات أمثال اليماني والحسيني والخراساني والهاشمي.
ثانياً: محاولة إضفاء أكثر من تسمية على هذه الشخصيات لايهام القوى المناوئة لها من تشخيصها وبالتالي ملاحقتها، فمثلاً: أُطلق على اليماني القحطاني في روايات، وفي أخرى المنصور، وفي غيرها الخليفة اليماني، وفي بعضها الملك اليماني وفي رابعة الحارث، كما أطلق على الخراساني في بعض الروايات، وعمدت أخرى إلى تعريفه بالحسني وفي ثالثة بالهاشمي وفي أخرى بصاحب الرايات السود.
ثالثاً: محاولة التداخل في التسميات والمصطلحات، فلعل اليماني مرة أطلق عليه الحسني والحسني وصف بالخراساني، ومرة على الحسني أطلق الخراساني، وعلى الخراساني وصف بالهاشمي، وهكذا تتداخل الأسماء على مسميات مختلفة يضطرب فيها الباحث لتشخيص أيّها أصدق، بل تشددت بعضها أكثر من ذلك في السرية والتكتم فلم تصف اليماني بأية صفةٍ بل أشارت إلى مواصفاته، ففي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: إذا انسابت عليكم الترك، وجهّزت الجيوش إليكم ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال...إلى أن يقول: ويحصر الناس بدمشق ويخرج أهل المغرب وينحدرون إلى مصر، فاذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمدٍ... إلى آخر الحديث(1)، وخروج رجلٍ قيل السفياني يدعو إلى آل محمد صلى الله عليه وآله ينطبق على اليماني، وهذه أقصى غايات السرية والكتمان في التحرز عن ذكر شخصيات الظهور المناصرة
تُعدُّ علامات الظهور من أولويات الثقافة المهدويّة التي تشغل حيزاً مهمّاً من مساحة الفكر الإسلامي، بل الإنساني على العموم.
فالمهدويّة لم تكن مقتصرة على معطيات الدين الإسلامي بقدر ما هي حالة إنسانيّة تتطلّع إليها كلّ الطبقات المحرومة والمستضعفة، بل يمكن أن تتعدّى إلى الطبقات الاُخرى من التركيبة الإنسانيّة عموماً. فالتوجّهات الإنسانيّة لا تقف عند حدّ إشباع الضرورة، بل تتعدّى إلى مراقي الكمال، فهي تنشد الوصول إلى ما يشعرها بإنسانيّتها وكرامتها متحدّيةً كلّ مظاهر (الابتذال) الإنساني الذي من شأنه أن يهدر إنسانيّة الإنسان المقدّسة. فالصراعات الدوليّة، والتنافسات السياسيّة تُرهق تلك الإنسانيّة المعذّبة التي فتحت عينيها على ذلك التنافس المقيت، فقضيّة قابيل وهابيل تحكي بذرة التنافس المشؤوم، والتمرّدات على نواميس النبوّة تُظهر ما تخفيه مكنونات النفس وخفاياها من التمرّد على كلّ ما هو خير، وبذلك تتسيّب توجّهات النفس إلى الحدّ الذي معه تفقد قابليّاتها على الانقياد إلى ما من شأنه أن يكون سبباً لسعادتها، من هنا عرفنا سبب تلك الصراعات الإنسانيّة على امتداد تاريخها، لذا فهي ضحيّة التنافسات لتحقيق غاياتها على حساب المبادئ، وسحق طموحات الإنسان للعيش بسلامٍ وكرامة، هكذا تجد الإنسانيّة حاجتها إلى الاصلاح مهما مورست رغبات الإصلاح ضمن تنظيراتٍٍ وضعيّة وكلّفتها بعض الاُطروحات الوضعيّة التي تعهّدت بتحقيق طموحات الإنسانيّة من أجل كرامتها المهدورة، إلاّ أنّها لم تحقّق رغباتها في هذا المجال لقصور توجّهاتها عدا في نطاقها المصلحي الضيّق؛ لذا فلا بدّ للإنسانيّة أن تتربّص للإصلاح، وأن ترنو إلى المنقذ المصلح، وأن تتوخّى ذلك اليوم الذي فيه يُثأر للمظلوم من ظالمه، ويُنتصر للحقّ من غاصبه.
إذن فالجميع يتّفق على ضرورة الإصلاح بعد ما تفشّى الفساد، وحتميّة العدل بعد ما عمّ الظلم، وبسط القسط بعد انتشار الجور، وليس لهذه الدوافع سوى الفطرة، ولا لهذه الدواعي غير الضرورة، أي ضرورة أن يعيش الإنسان وقد تمتّع بكلّ حقوقه،
روايات اليماني
بين الندرة والرمزية
تواجه الباحث عن شخصية اليماني (أزمة) الندرة في الروايات الكاشفة عن شخصيته فضلاً عن الرمزية التي تتصف بها تلك الروايات.
أما الرمزية فهي الظاهرة التي تكاد تكون عامة في بحوث الملاحم والفتن، وهذه الظاهرة لها مبرراتها، إذ حالة التقية والكتمان إحدى دواعي سلوكية الرواة مراعاةً لظرف التلقي بل وظروف المتلقي.
أما ظرف التلقي فانّ حالة التوجس التي يعيشها النظام السياسي تكاد تُضفي بظلالها على الوضع الفكري العام، فتحديد إنسيابية المعلومة أو تداول المفردة المعلوماتية تتحدد ضمن سياقات الحاكم أو الدوائر الثقافية التابعة له، وبالتالي فستُصادر تلك المعلومات بمحاولات (مسخية) تمسخُ واقعية المعلومة الواردة من منابعها فضلاً عن ملاحقة رواتها واستئصالهم، لذا فقد عمد أئمة الهدى صلوات الله عليهم على التحفظ بقدرٍ كافٍ عند إلقاء هذه الملاحم بمحاولاتٍ رمزيةٍ لا تستهدف النظام السياسي في الظاهر أو بشكل مباشرٍ جلي. أما حالة الندرة التي تعانيها روايات اليماني فهي ظاهرة تستحق التوقف والتأمل عندها.
فقد عمد أهل البيت عليهم السلام إلى محاولة التحفظ على شخصية اليماني وتخفّي بشكل واضح يثير التساؤل، وربما يمكن درج أسباب ذلك في المبررات التالية:
أولاً: عمد أهل البيت عليهم السلام إلى إسباغ حالة الكتمان على شخصيات عصر الظهور التي ستكون تحت قيادة الإمام عليه السلام أو التي ستوظف لنصرته، وذلك خشيةً على سلامة هذه الشخصية وإبعادها عن الملاحقة والمطاردة من قبل السلطات المتربصة لها، لذا فانك تجد الاشارة المقتضبة لهذه الشخصيات أمثال اليماني والحسيني والخراساني والهاشمي.
ثانياً: محاولة إضفاء أكثر من تسمية على هذه الشخصيات لايهام القوى المناوئة لها من تشخيصها وبالتالي ملاحقتها، فمثلاً: أُطلق على اليماني القحطاني في روايات، وفي أخرى المنصور، وفي غيرها الخليفة اليماني، وفي بعضها الملك اليماني وفي رابعة الحارث، كما أطلق على الخراساني في بعض الروايات، وعمدت أخرى إلى تعريفه بالحسني وفي ثالثة بالهاشمي وفي أخرى بصاحب الرايات السود.
ثالثاً: محاولة التداخل في التسميات والمصطلحات، فلعل اليماني مرة أطلق عليه الحسني والحسني وصف بالخراساني، ومرة على الحسني أطلق الخراساني، وعلى الخراساني وصف بالهاشمي، وهكذا تتداخل الأسماء على مسميات مختلفة يضطرب فيها الباحث لتشخيص أيّها أصدق، بل تشددت بعضها أكثر من ذلك في السرية والتكتم فلم تصف اليماني بأية صفةٍ بل أشارت إلى مواصفاته، ففي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: إذا انسابت عليكم الترك، وجهّزت الجيوش إليكم ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال...إلى أن يقول: ويحصر الناس بدمشق ويخرج أهل المغرب وينحدرون إلى مصر، فاذا دخلوا فتلك أمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمدٍ... إلى آخر الحديث(1)، وخروج رجلٍ قيل السفياني يدعو إلى آل محمد صلى الله عليه وآله ينطبق على اليماني، وهذه أقصى غايات السرية والكتمان في التحرز عن ذكر شخصيات الظهور المناصرة
تعليق