الرد الواضح على كتاب المنهاج الواضح للصرخي ح3

[السيد الموسوي]

الرد الواضح على كتاب المنهاج الوضح للصرخي ح3
لقد استدل السيد الصرخي على وجوب التقليد على عدة أيات نذكرها
1-قوله تعالى(وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي اليهم فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون )
2-قوله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
وايضا هناك استدلالات اخرى لباقي المراجع سنطرحها ويكون الرد عليها من كتاب الله عزوجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه واله ومن روايات اهل البيت عليهم السلام
الدليل القرآني الأول :
قوله تعالى : ï´؟وَمَا أرسلنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَï´¾ï´؟ - سورة لنحل آية 43 / أستدل السيد الخميني وغيره كثير بهذه الاية الكريمة على وجوب التقليد والاتباع وذلك في كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 89ï´¾ .
ولمناقشة هذا الدليل نقول: ان الرجال المذكورين في هذه الآية هم الأنبياء والرسل (ع) بدليل انهم يوحى إليهم فهل الفقيه يوحى إليه ؟ وهل هو رسول من الله أو نبي حتى يتم الاستشهاد بهذه الآية عليه ؟ فلا نبي ولا رسول بعد الرسول الخاتم (ص)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المحقق الخوئي وغيره لم يشترط الإيمان في مرجع التقليد من الأساس في قوله : ï´؟ لم يدلنا دليل لفظي معتبر على شرطية الإيمان في المُقلد. بل مقتضى إطلاق الأدلة والسيرة العقلائية عدم الاعتبار لأن حجية الفتوى في الأدلة اللفظية غير مقيدة بالإيمان ولا بالإسلام كما أن السيرة جارية على الرجوع إلى العالم مطلقا سواءً أكان واجدا للإيمان والإسلام أم لم يكن وهذا يتراءى من سيرتهم بوضوح لأنهم يراجعون الأطباء والمهندسين أو غيرهم من أهل الخبرة والاطلاع ولو مع العلم بكفرهمï´¾ï´؟ كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 221ï´¾ .
فكيف يوحى إليه ؟ وهو لا يُشترط فيه الإيمان من الأساس بل يُحتمل فيه الكفر كما يقول المحقق .
هذا من الجهة الاولى اما من جهة ï´؟فَاسْأَلُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَï´¾ فأما انكم تأخذون بتفاسير فقهاء العامة وتزعمون بأنهم - أي أهل الذكر- الأحبار والرهبان حيث أشاروا وكما تقدم في الفصل السابق بأن أهل الذكر في المجتمع اليهودي هم الأحبار، وفي المجتمع المسيحي هم الرهبان وأما ان تأخذوا بكلام المعصومين (ع) وتقروا بأن ï´؟أهل الذكرï´¾ هي خاصة بالرسول وآله (ع) وبذلك ينتفي دليلكم الأول على وجوب التقليد فقد جاء في التفسير الصافي نقلا عن كتاب الكافي عن الإمام الباقر (ع): ï´؟ قيل له إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل فاسألوا أهل الذكر إنهم اليهود والنصارى قال إذن يدعوكم إلى دينهم ثم قال وأومأ بيده إلى صدره نحن أهل الذكر ونحن المسؤولونï´¾ï´؟ - التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 3 - ص 331 ï´¾.
وجاء عن الريان بن الصلت، عن علي بن موسى الرضا (ع) في حديث أنه قال للعلماء في مجلس المأمون: ï´؟ أخبروني عن هذه الآية ï´؟ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ï´¾ فقالت العلماء : أراد الله بذلك الأمة كلها ، فقال الرضا (ع): بل أراد الله العترة الطاهرة - إلى أن قال الرضا (ع): ونحن أهل الذكر الذين قال الله عز وجل: ï´؟فَاسْأَلُواْ أهل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ï´¾ فقالت العلماء: إنما عنى بذلك اليهود والنصارى، فقال أبو الحسن (ع): سبحان الله ويجوز ذلك إذن يدعونا إلى دينهم ويقولون إنه أفضل من دين الإسلام ، فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن ؟ قال : نعم الذكر رسول الله ï´؟صلى الله عليه وآلهï´¾ ونحن أهله ، وذلك بين في كتاب الله حيث يقول في سورة الطلاق : ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍï´¾ فالذكر رسول الله ï´؟صلى الله عليه وآلهï´¾ ، ونحن أهلهï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 18 - ص 49

ومنها ما رواه هشام بن سالم قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله تعالى: ï´؟فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ï´¾ من هم؟ قالï´؟عليه السلامï´¾: ï´؟نحنï´¾ï´؟ - مستدرك الوسائل - ج 17 - ص 276

وجاء عن الإمام علي بن الحسين (ع)، والإمام محمد بن علي (ع)، انهما ذكرا وصية أمير المؤمنين (ع) عند وفاته إلى ولده وشيعته ، وفيها : ï´؟ وعليكم بطاعة من لا تعذرون في ترك طاعته - طاعتنا أهل البيت - فقد قرن الله طاعتنا بطاعته وطاعة رسوله، ونظم ذلك في آية من كتابه، منا من الله علينا وعليكم، فأوجب طاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة الأمر من آل رسوله، وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا الا كاذب، تصديق ذلك في قوله تعالى: ï´؟ قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ï´¾ ثم قال : ï´؟ فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ï´¾ فنحن أهل الذكر ، فاقبلوا أمرنا ، وانتهوا إلى نهينا ، فإنا نحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا البيوت منها ، فنحن والله أبواب تلك البيوت ، ليس ذلك لغيرنا ، ولا يقوله أحد سوانا ï´¾ï´؟ - المصدر السابق - ص 283ï´¾ .
وجاء عن الإمام الصادق (ع) انه قال : ï´؟ إياكم وتقحم المهالك بإتباع الهوى والمقاييس ، قد جعل الله للقرآن أهلاً أغناكم بهم عن جميع الخلائق ، لا علم إلا ما أمروا به، قال الله تعالى: ï´؟ فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ï´¾ إيانا عنى ï´¾ï´؟ - المصدر السابق - ص 257 ï´¾ .
فكيف لنا ان نقيس ونشبه الفقهاء بأهل الذكر الأئمة المعصومين (ع)؟ ونقول بأن هذه الآية دليل على الرجوع للفقهاء وتقليدهم وأمير المؤمنين (ع) يقول لنا: ï´؟ نحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا الا كاذبï´¾ فكيف لنا ان ندعي بأن الفقيه مرجع التقليد من أهل الذكر ووجوب سؤاله وتقليده علينا جاء بدلالة هذه الآية ؟ غفر الله ذنوبنا وذنوبكم . وبهذا نكون قد أنتهينا من مناقشة الدليل القرآني الأول .
مناقشة الدليل القرآني الثاني :
قوله تعالى ï´؟ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَï´¾ï´؟ ï´¾ .
أستدل الفقهاء بهذه الآية الكريمة وجعلوها دليلاً على مسألة وجوب التقليد على المكلفين وسوف نذكر فيما يلي جملة من تفاسيرهم ثم نعرج على تفسير الأئمة (ع) لنرى الاختلاف بين التفسيرين :
ذهب المازندراني في شرحه لهذه الآية بأن التفقه وطلب العلم واجب كفائي على المسلمين في قوله: ï´؟ قوله: ï´؟وما كان المؤمنونï´¾ أي ما استقام لهم أن ينفروا كلهم إلى أهل العلم لطلبه، لأن ذلك يوجب اختلال نظام معاشهم فهلا نفر من كل فرقة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة طائفة قليلة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم من مخالفة الرب إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، وفيه دلالة على أن طلب العلم واجب كفائيï´¾ï´؟ شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج 5 - ص 274ï´¾.
ثم بعد ذلك أخذ الفقهاء بالقول بأن ï´؟ليتفقهوا في الدينï´¾ أي ليصلوا إلى درجة الإجتهاد المطلق كما ذهب إلى ذلك جملة من الفقهاء المتأخرين منهم على سبيل المثال المحقق الخوئي فقد عبر عن ذلك بقوله : ï´؟ الإجتهاد واجب كفائي وليس من الواجبات العينية كما هو مقتضى قوله عز من قائل : ï´؟ فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ï´¾ . لدلالته على أن الإجتهاد وتحصيل العلم بالأحكام إنما يجب على طائفة من كل فرقة لا على الجميع ï´¾ï´؟- كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 31 ï´¾ .
وذكر السيد الروحاني نفس المعنى قائلاً : ï´؟إن الإجتهاد واجب كفائي ، فإذا تصدى له من يكتفى به سقط التكليف عن الباقينï´¾ï´؟- المسائل المنتخبة - السيد محمد الروحاني - ص 5ï´¾ .
وأكد السيد محمد باقر الصدر على ذلك أيضاً قائلاً : ï´؟الإجتهاد واجب كفائي على المسلمين، ومعنى ذلك أنه إذا قام به البعض وبلغوا درجة الإجتهاد سقط الوجوب عن الآخرينï´¾ï´؟ - الفتاوى الواضحة - للسيد محمد باقر الصدر - ص 29
وقال السيد السيستاني بذلك أيضاً : ï´؟الإجتهاد واجب كفائي ، فإذا تصدى له من يكتفي به سقط التكليف عن الباقينï´¾ï´؟ - المسائل المنتخبة - السيد السيستاني - ص 10 ï´¾ .
إن المتتبع لما قاله فقهاء الإمامية في أستدلالهم بهذه الآية على مسألة الوجوب الكفائي للتفقه في الدين - كما تقدم بيانه - ثم بعد ذلك أستبدالهم لكلمة التفقه التي جاءت في قوله تعالى ï´؟ليتفقهواï´¾ بمصطلح الإجتهاد يجد الفرق اللغوي بين الاثنين، ثم ان هذه الآية لا تصلح ان تكون دليلاً معتبراً على مسألة وجوب التقليد لأنها ليست لها مدخلية في مسألة وجوب التقليد، ولم يفسرها أهل البيت (ع) بوجوب التقليد إطلاقاً فكيف لكم ان تُفسروا القرآن برأيكم ؟ وهذا خلاف لما أوصى به الأئمة (ع).
ولكي نتعرف على تفسير هذه الآية يتوجب علينا سؤال الأئمة (ع) لمعرفة معناها فَهُم أهل الذكر الواجب علينا سؤالهم ولذلك سوف نورد ما جاء في تفسيرها عن الأئمة من آل محمد (ع):
1-جاء في تفسير نور الثقلين نقلا عن علل الشرايع عن عبد الله بن المؤمن الأنصاري قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ï´؟ان قوما يروون ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اختلاف أمتي رحمة ؟ فقال: صدقوا، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ؟ قال: ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل: ï´؟ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ï´¾ فأمرهم ان ينفروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويختلفوا إليه فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، إنما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا في دين الله إنما الدين واحد .تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 2 - ص 283

2-جاء عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي الحسن ï´؟عليه السلامï´¾: ï´؟ ان بلغنا وفات الإمام كيف نصنع ؟ قال: عليكم النفير قلت: النفير جميعاً ؟ قال: إن الله يقول : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين - - تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 2 - ص 283
.
3-وجاء عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) قال: ï´؟ قلت له: إذا حدث للإمام حدث كيف يصنع الناس ؟ قال: يكونون كما قال الله: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " إلى قوله " يحذرون " قال: قلت: فما حالهم ؟ قال: هم في عذرï´¾ï´؟ - تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 2 - ص 117ï´¾.
وعنه أيضاً في رواية أخرى ï´؟ ما تقول في قوم هلك امامهم كيف يصنعون ؟ قال فقال لي : أما تقرأ كتاب الله : " فلولا نفر من كل فرقة " إلى قوله: " يحذرون " ؟ قلت: جعلت فداك فما حال المنتظرين حتى يرجع المتفقهون ؟ قال فقال لي: رحمك الله أما علمت أنه كان بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وآلهما خمسون ومأتا سنة، فمات قوم على دين عيسى انتظارا لدين محمد فأتاهم الله أجرهم مرتين ï´¾ï´؟ - نفس المصدر السابق
ï´¾ .
4-وعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: ï´؟ الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله: ï´؟ كتب عليكم القتال ï´¾ فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلف عنه ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوا حتى يكتفوا، قال الله عز وجل: ï´؟وما كان المؤمنون لينفروا كافةï´¾ وإن أدهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلهم، قال الله عز وجل : ï´؟ انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ï´¾ï´؟مستدرك الوسائل ج 11 - ص 14 – دعائم الاسلام ï´¾ .
أما ما قاله المفسرون فَهُم أيضاً لم يقولوا ان هذه الآية تدل على وجوب التقليد ومن هذه الأقوال :
1- قال الشيخ الطبرسي : ï´؟ ï´؟ليتفقهوا أي : ليتفقه باقوهم لأنه إذا نفر طائفة منهم تفقه من بقي منهم ، وإن شئت فمعناه ليتفقه كلهم ، لأنه من نفر منهم إذا رجع استعلم من بقي ، فصار كلهم فقهاء ï´¾ï´؟ - تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 5 - ص 143 – 145
ï´¾ .
2- وقال الفيض الكاشاني : ï´؟ وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً ، لنحو غزو وطلب علم، كما لا يستقيم لهم أن يثبطوا جميعاً. ï´؟فلولا نفر من كل فرقة منهمï´¾: فهلا نفر من كل جماعة كثيرة، كقبيلة وأهل بلدة ï´؟ طائفة ï´¾: جماعة قليلة ï´؟ ليتفقهوا في الدين ï´¾: ليتكلفوا الفقاهة فيه، ويتجشموا مشاق تحصيلها. ï´؟ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرونï´¾ عما ينذرون منهï´¾ï´؟- التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 498 - 499ï´¾.
3- وقال صاحب الميزان : ï´؟ السياق يدل على أن المراد بقوله : ï´؟ لينفروا كافة ï´¾ لينفروا وليخرجوا إلى الجهاد جميعاً وقوله : ï´؟ فرقة منهم ï´¾ الضمير للمؤمنين الذين ليس لهم ان ينفروا كافة ، ولازمه ان يكون النفر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم . فالآية تنهى مؤمني سائر البلاد غير مدينة الرسول ان ينفروا إلى الجهاد كافة بل يحضضهم ان ينفر طائفة منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتفقه في الدين ، وينفر إلى الجهاد غيرهم.. - تفسير الميزان – الطباطبائي - ج 9 - ص 403
ومن هذه الآية وتفاسيرها التي جاءت عن الأئمة (ع) نفهم ما يلي :
اولاً : إن النفور يكون للجهاد بإستثناء نفر من المؤمنين ينفرون للنبي (ص) للتفقه في الدين لينذروا ويفقهوا اخوانهم المجاهدين حين رجوعهم من الجهاد، وبذلك أصبح جميع المؤمنين فقهاء في الدين وهم في الدرجة سواء حيث قال أمير المؤمنين (ع): ï´؟ الشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله ... - روضة الواعظين ص 10.
.
وهذا طبعاً في حال القتال أما إذا كان المؤمنون يعيشون حالة السلم فيتوجب عليهم جميعاً طلب العلم تصديقا لقول رسول الله ï´؟صلى الله عليه وآله وسلمï´¾ : ï´؟طلب العلم فريضة على كل مسلم ، إلا أن الله يحب بغاة العلمï´¾ï´؟الكافي – الشيخ الكليني - ج 1 - ص 30
ï´¾ . وإليكم هذه الطائفة من الروايات التي تؤكد وجوب التفقه في الدين على كل مسلم ومسلمة :
1- عن أبأن بن تغلب عن أبي عبد الله (ع) انه قال: ï´؟ لوددت ان أصحابي ضربت رؤسهم بالسياط حتى يتفقهواï´¾ï´؟ - المصدر السابق - ص 31 ï´¾ .
يتبع

[السيد الموسوي]

2- عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ﴿عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعرابا فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيمة ولم يزك له عملا﴾﴿- نفس المصدر السابق
3- عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: ﴿ تفقهوا فإنه من لم يتفقه منكم فإنه أعرابي، ان الله يقول في كتابه " ليتفقهوا في الدين " إلى قوله : " يحذرون " - تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 2 - ص 284 ﴾.
4- قال أمير المؤمنين ﴿عليه السلام﴾: ﴿ ثلث بهن يكمل المسلم التفقه في الدين والتقدير في المعيشة والصبر على النوائب ﴾﴿- نفس المصدر السابق ﴾.
5- عن جعفر بن محمد الصادق ﴿عليهما السلام﴾، أنه قال: ﴿ " اعرفوا منازل شيعتنا عندنا، على حسب روايتهم وفهمهم عنا ﴾﴿ - مستدرك الوسائل ج 17 - ص 285 ﴾ .
6- قال أمير المؤمنين (ع): ﴿أيها الناس أعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إن المال مقسوم مضمون لكم ، قد قسمه عادل بينكم ، وضمنه وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه﴾﴿- الكافي – الشيخ الكليني - ج 1 - ص 30

7- عن أبي عبد الله عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله ﴿ صلى الله عليه وآله ﴾ : ﴿ أف لكل مسلم لا يجعل في كل جمعة يوما يتفقه فيه أمر دينه ، ويسأل عن دينه ﴾﴿ - درر الأخبار - حجازي ، خسرو شاهي - ص 28 ﴾.
﴾ .
ومن هذه الروايات نفهم ان التفقة في الدين فريضة على كل مسلم بل هو أوجب من طلب المال والرزق والمتخلف عن طلب العلم والتفقه في الدين فهو أعرابي وقد وصف تعالى الاعراب في قوله: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾﴿ ﴾ أضف إلى ذلك تودد الإمام الصادق (ع) إلى ضرب رؤوس أصحابه بالسياط حتى يتفقهوا في الدين فكيف تستقيم هذه المعاني مع القول بوجوب التفقه لطائفة من المؤمنين ليكونوا مراجع تقليد لغيرهم، ويكون بذلك التفقه أو ما يسميه المتأخرون الإجتهاد واجباً كفائياً، وهذا القول شاذ بل معارض مع الآيات والروايات الداعية إلى وجوب التفقة على كل مسلم ومسلمة .
ثانياً : إن النفور يكون في حال إذا حدث للإمام حدث أي إذا بلغ الناس وفاة الإمام وجب على قسم من الموالين النفور لاستعلام خبر الإمام الذي بعده وليس على الجميع النفير وكما تقدم في الأخبار الشريفة .
وكما نلاحظ في كلتا النقطتين الاولى والثانية لا يوجد هنالك ما يدل على وجوب التقليد لغير المعصوم (ع) بل ان حقيقة هذه الآية المباركة وتفسيرها الذي جاء عن المعصومين (ع) بكلتا حالتيه أي النفور للنبي (ص) للتفقه في الدين والنفور في حال بلغنا وفاة الإمام، بعيد كل البعد عن الاستدلال بها وجعلها كدليل على مسألة التقليد لغير المعصوم (ع)، وقد يشكل أحدهم قائلاً أن الآية بحسب ما ذكرت معطلة لأن زماننا لا يمكن أن تتحقق فيه كلتا النقطتين نقول : نعم النقطة الثانية قد أنتهت بأستشهاد العسكري (ع) والإمام المهدي (ع) لا زال على قيد الحياة متعنا الله بقدومه ولم تبلغنا وفاته، أما النقطة الاولى فلا يتوهم البعض بأنها قد أنتهت بل انها باقية إلى يوم الدين، فعلى كل مؤمن ان يتفقه في دينه وأن ينفر إلى أحاديث النبي وآله (ع) لكي يتعلم دينه لأن هذا التعلم إنما هو فريضة فرضها الله علينا لكي لا نكون مقلدين للرجال من دون الأئمة (ع) فعلينا أن نفقه ديننا من الباب التي أمرنا الله ان ندخلها لا ان نتخذ الرجال ولائج من دون الله .
وهنالك مسألة أخرى وهي إننا لو سلمنا بأن الآية تدل على التقليد – وهذا محال – فإن التقليد هنا يكون في الدين كله أي في الاصول والفروع لأن الآية تقول : ﴿...لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ...﴾ . فالتفقه والانذار يكون شاملاً لكل الدين أي للفروع والأصول وعليه فإن تنزلنا جدلاً وقلنا بأن الآية تدل على التقليد فالتقليد المقصود بهذه الآية هو التقليد في الفروع والاصول لأن الآية ذكرت الدين ولم تخصص بل قالت بالإطلاق ولا يخفى أن التقليد في أصول الدين باطل جملةً وتفصيلاً فإن قال الفقهاء أن الآية تشير الى الفروع . نقول : هذا قول باطل لأن الآية لم تخصص الفروع بل قالت ليتفقهوا في الدين والدين شامل للفروع والاصول فمن أين جئتم بهذا التخصيص ؟
وبهذا يثبت بطلان الاستدلال بهذه الآية على مسألة التقليد .

مناقشة الدليل القرآني الثالث :
قوله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾﴿ ﴾.
استدل﴿ دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية - الشيخ المنتظري - ج 2 - ص 86

﴾ الفقهاء بهذه الآية وجعلوها في مقام الدليل على تقليد الفقهاء وحين رجوعنا إلى تفاسيرها الواردة عن أئمة الهدى (ع) لم نجد أيٍ منها يدل على صحة استدلالهم ومن هذه الروايات :
1- عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ﴿ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى في علي عليه السلام﴾﴿ - تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 71 / تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 - ص 148 – 149﴾.
2- عن بعض الأصحاب عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ﴿ قلت له أخبرني عن قول الله: ﴿ ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب ﴾ قال : نحن يعنى بها والله المستعان ، ان الرجل منا إذا صارت إليه لم يكن له أو لم يسعه إلا أن يبين للناس من يكون بعده ﴾﴿- تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 71 – 72 / بحار الانوار ج 21 ص 55 / تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 - ص 148 – 149 ﴾.
3- وجاء في تفسير الإمام العسكري (ع) قال الإمام (ع): ﴿ قوله عز وجل : ﴿ ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ﴾ من صفة محمد وصفة علي وحليته ﴿ والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب﴾ قال: والذي أنزلناه من بعد الهدى، هو ما أظهرناه من الآيات على فضلهم ومحلهم. كالغمامة التي كانت تظلل رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله﴾ في أسفاره، والمياه الاجاجة التي كانت تعذب في الابار والموارد ببصاقه والأشجار التي كانت تتهدل ثمارها بنزوله تحتها، والعاهات التي كانت تزول عمن يمسح يده عليه، أو ينفث بصاقه فيها. وكالآيات التي ظهرت على علي (ع) من تسليم الجبال والصخور والأشجار قائلة: " يا ولي الله، ويا خليفة رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله﴾ " والسموم القاتلة التي تناولها من سمى بأسمه عليها ولم يصبه بلاؤها ، والأفعال العظيمة : من التلال والجبال التي قلعها ورمى بها كالحصاة الصغيرة ، وكالعاهات التي زالت بدعائه ، والآفات والبلايا التي حلت بالأصحاء بدعائه ، وسائرها مما خصه الله تعالى به من فضائله . فهذا من الهدى الذي بينه الله للناس في كتابه ، ثم قال : ﴿ أولئك ﴾ [ أي أولئك ] الكاتمون ؟ ؟ لهذه الصفات من محمد ﴿صلى الله عليه وآله﴾ ومن علي (ع) المخفون لها عن طالبيها الذين يلزمهم ابداؤها لهم عند زوال التقية ﴿ يلعنهم الله ﴾ يلعن الكاتمين ﴿ ويلعنهم اللاعنون ﴾ ...تفسير الإمام العسكري ﴿ع﴾ ص 570 – 571﴾ .
وكما نلاحظ في تفسير هذه الآية الذي جاء عن الأئمة الاطهار (ع) بُعدها الاستدلالي على مسألة وجوب التقليد وبكلتا حالتي التفسير الذي قال به الأئمة (ع)، الأول وهو وجوب تبيان فضائل أمير المؤمنين (ع) وتوعد الذين يكتمون فضائله وبيناته بلعن الله ولعن اللاعنون وهذا أول التفسيرين أما الثاني وهو الوجوب الإلهي على المعصوم (ع) ان يبين للناس من يكون بعده أي بمعنى النص على الإمام التالي كما حدث هذا في بيعة الغدير حيث جاء عن زيد الشحام ، قال : ﴿ دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (ع) وسأله عن قوله عز وجل : ﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ﴾ قال : لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين عليه السلام للناس - وهو قوله تعالى: ﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ في علي ﴿ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ﴾ أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي عليه السلام بغدير خم وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، حثت الأبالسة التراب على رؤوسها ، فقال لهم إبليس الأكبر - لعنه الله - : ما لكم ؟ قالوا : قد عقد هذا الرجل عقدة لا يحلها إنسي إلى يوم القيامة ، فقال لهم إبليس : كلا ! الذين حوله قد وعدوني فيه عدة ولن يخلفوني فيها ! فأنزل الله سبحانه هذه الآية : ﴿ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ﴾ ، يعني بأمير المؤمنين (ع) وعلى ذريته الطيبين﴾﴿ - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 31 - ص 650 - 651 ﴾ .
وبهذا نكون قد انتهينا من تبيان المعنى الروائي في تفسير هذه الآية الكريمة الذي جاء عن الأئمة الاطهار (ع) وقد تبين أنها لا تصلح أبداً كدليل على مسألة وجوب التقليد.
ناتي الآن إلى نقل ما قاله الفقهاء عند تفسيرهم لهذه الآية :
1- ما قاله الشيخ الطبرسي في جوامع الكلام : ﴿ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ﴾ يعني: أحبار اليهود، أي: ﴿ يكتمون ما أنزلنا ﴾ في التوراة من الآيات الشاهدة على صحة نبوة محمد ﴿ صلى الله عليه وآله﴾ : والهادية إلى نعته وصفته والأمر بإتباعه والإيمان به ﴿ من بعد ما بينه ﴾ ولخصناه ﴿ للناس في الكتاب ﴾ أي : في التوراة ، لم ندع فيه موضع إشكال ولا اشتباه على أحد منهم فكتموا ذلك المبين الملخص ﴿ أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ﴾ من الملائكة والمؤمنين ﴾﴿ تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج 1 - ص 168 - 169﴾.
2- ذكر السيد الطباطبائي في تفسير الميزان تفسير هذه الآية الكريمة قائلاً : ﴿قوله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ، الظاهر - والله أعلم - أن المراد بالهدى ما تضمنه الدين الإلهي من المعارف والأحكام الذي يهدي تابعيه إلى السعادة ، وبالبينات الآيات والحجج التي هي بينات وأدلة وشواهد على الحق الذي هو الهدى ، فالبينات في كلامه تعالى وصف خاص بالآيات النازلة ، وعلى هذا يكون المراد بالكتمان - وهو الاخفاء - أعم من كتمان أصل الآية ، وعدم إظهاره للناس ، أو كتمان دلالته بالتأويل أو صرف الدلالة بالتوجيه ، كما كانت اليهود تصنع ببشارات النبوة ذلك فما يجهله الناس لا يظهرونه لهم ، وما يعلم به الناس يؤولونه بصرفه عنه صلى الله عليه وآله وسلم ﴾﴿- تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 388 – 389
3- وقال الشيرازي في تفسيره : ﴿روى جلال الدين السيوطي عن أبن عباس ، أن عددا من المسلمين أمثال " معاذ بن جبل " و " سعد بن معاذ " و " خارجة بن زيد " سألوا أحبار اليهود عن مسائل في التوراة قد ترتبط بظهور النبي الخاتم ﴿ صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ ، فأبى الأحبار أن يجيبوا وكتموا ما عندهم من علم ﴾﴿ - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 1 - ص 457 ﴾ .
وبهذه التفاسير التي ذكرها الفقهاء نفهم بعد هذه الآية عن الاستدلال بها في مسألة التقليد ووجوبه بل أن العمدة في عدم صلاحية كون الآية كدليل على التقليد هو ما قاله أئمة الهدى (ع) فنحن ملزمون بإتباع أقوالهم والإنقياد لهم ولم يذكروا أبداً ان هذه الآية تدل على التقليد والإتباع فكيف يصح أن نفسر القرآن بما تهوى أنفسنا وما تذهب إليه آرائنا .

مناقشة الدليل القرآني الرابع :
قوله تعالى : ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ﴾﴿دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية - الشيخ المنتظري - ج 2 - ص 89 ﴾.
استدل﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 276﴾ الفقهاء بهذه الآية وجعلوها دليلاً على وجوب التقليد ولم يكن لهم في تفسيرهم حجة قاطعة إلا تفسير الرأي والهوى وقد علموا ما أتى الله خليله ابراهيم (ع) من العلم فكيف صح ان يقارنوا أنفسهم بخليل الله فهل أتاكم من العلم ما لم يأتِ الناس حتى يصبح إتباعكم كإتباع إبراهيم (ع) وهل حصلتم على شيء غير علومكم الكسبية والتي بإمكان أي إنسان تعلمها .
إن العلوم الكسبية لا يمكن مقارنتها بالعلوم اللدنية التي حملها أنبياء ورسل الله (ع) ثم أودعها الله وجعلها مخزونة مكنونة في إمام مبين فاورثه علم ما كان وما يكون وأمر الناس بطاعته وأوجبها عليهم وقد جاء عن أبا جعفر (ع)عن قول الله عز وجل : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ ﴾ قال الباقر (ع): ﴿ إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا . . . ﴾﴿ ﴾ .
إن هذه الطاعة والإتباع الذي أمر الله تعالى عباده بها جاءت كإتباع الأنبياء والرسل (ع) إذا علمنا بأن علوم السابقين من الأنبياء قد أودعها الله في آل محمد (ع) ذرية بعضها من بعض فقد جاء عن سدير الصيرفي قال : دخلت على أبي عبد الله (ع) في حديث طويل إلى ان قال الصادق (ع): ﴿... أما سمعت قول الله تعالى ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ إعلم أن علم الأنبياء محفوظ في علمنا ، مجتمع عندنا وعلمنا من علم الأنبياء ، فأين يذهب بك ...- درر الأخبار - حجازي - خسرو شاهي - ص 346.
فأين تذهبون بآرائكم أما علمتم بأن هذه المقامات لأولياء الله المعصومون المطهرون (ع) فأين يأخذكم الهوى وأين يذهب بكم الرأي لكي تسلبوا من آل الرسول ما سلبه النواصب فعدتم تسلبون ما سلبه الاقدمون .
ومما تقدم نكتفي بهذا البيان ونقول : هذه أقوى الأدلة القرآنية التي أحتج بها الفقهاء على مسألة وجوب التقليد وقد بينا بُعدها الاستدلالي . وسننتقل الآن لمناقشة الأدلة الروائية التي طرحها الفقهاء محتجين بها على مسألة وجوب التقليد .

[ايمان المعموري]

ألايرون أن هذا الرد بالأدلة لابد أن يكون من فكر مسدد من إمام معصوم ولكن هيهات لن يقبلوا إلا بمن يسايرهم ويرضخ لهم