إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرد الواضح على كتاب المنهاج الواضح للصرخي ح8

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرد الواضح على كتاب المنهاج الواضح للصرخي ح8

    الرد الواضح على كتاب المنهاج الواضح للصرخي ح8
    قد استدل السيد الصرخي والكثير من الفقهاء على مسائلة وجوب التقليد ببعض الروايات وسنناقش هذه الروايات واحدة واحدة لكي يكون الامر مبسط للجميع
    يذكر السيد الصرخي في كتابه ص 53 روايات وجوب التقليد
    ا-الاخبار التي تشير الى وجوب التقليد على المكلف منها ماورد عن الامام العسكري عليه السلام (فأما من كان من الفقهاء صائنأ لنفسه حافظأ لدينه مخالفأ لهواه مطيعأ لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه) هذه الرواية الاولى
    قال المحققون بأن مسألة التقليد لم ترد في شيء من الروايات المعتبرة عندهم وذلك واضح في قول المحقق الخوئي حين ذكر التقليد قائلاً : ï´؟ إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات ï´¾ï´؟ - كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 81 ï´¾ ومع هذا التصريح الذي قال به المحقق الخوئي تجد ان الفقهاء قد أستدلوا تحت عنوان ï´؟روايات وجوب التقليدï´¾ بعدد من الروايات التي اعتبروها دليلاً على التقليد وسوف يتم نقاشها نقاشاً موضوعياً حيث سيكون نقاشنا في هذا المبحث في حقلين :
    الأول : مناقشة السند وحيث أن الفقهاء الأصوليين يعولون على الاسناد غاية التعويل والاعتماد، لذلك سنثبت بأن كل ما أستدلوا به من الأخبار هي أخبار ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها وفق طريقتهم الرجالية التي يعتمدونها .
    الثاني : مناقشة المتن وسنثبت من خلاله بُعد المعنى الحقيقي للأخبار عن معنى التقليد الذي يعتمده الفقهاء .
    وسيجدنا القارئ في أغلب نقاشنا معتنين بأقوال الفقهاء الأصوليين وجعلها مصدراً للاستدلال لنلزمهم بما الزموا به أنفسهم .
    أستدل الفقهاء بعدد من الروايات على وجوب التقليد وسيتم مناقشة هذه الأدلة بالتفصيل :
    مناقشة الدليل الروائي الأول :
    احتج الفقهاء بما ورد في التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع): ï´؟... قال الإمام عليه السلام : ثم قال الله عز وجل : يا محمد ومن هؤلاء اليهود ï´؟ أميون ï´¾ لا يقرؤون الكتاب ولا يكتبون ، كالأمي منسوب إلى أمه أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب ï´؟ لا يعلمون الكتاب ï´¾ المنزل من السماء ولا المكذب به ، ولا يميزون بينهما ï´؟ إلا أماني ï´¾ أي إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم : إن هذا كتاب الله وكلامه ، لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ï´؟ وإن هم إلا يظنون ï´¾ ، أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم .
    قال : فقال رجل للصادق عليه السلام : فإذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره ، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم ، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم . فقال عليه السلام : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة ، أما من حيث أنهم استووا ، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم . وأما من حيث أنهم افترقوا فلا . قال : بين لي ذلك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله !
    قال عليه السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وبأكل الحرام وبالرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات . وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم ، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم . وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدق على الله ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم الله لما قلدوا من قد عرفوا ، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم .
    وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لإصلاح أمره مستحقاً ، وبالترفق بالبر والاحسان على من تعصبوا له ، وإن كان للاذلال والإهانة مستحقاً . فمن قلد من عوامنا من مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم .
    فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه . وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ، ولا كرامة لهم ، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك ، لأن الفسقة يتحملون عنا ، فَهُم يحرفونه بأسره لجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير مواضعها ووجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم . ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون بنا عند نصابنا ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله المسلمون المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم.
    وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وللمسلوبين عند الله أفضل الأحوال لما لحقهم من أعدائهم . وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ï´¾ ï´؟تفسير الإمام العسكري ï´؟عï´¾ - المنسوب إلى الإمام العسكري ï´؟عï´¾ - ص 299 – 301 / وأوردها الطبرسي في الاحتجاج - ج 2 - ص 262 - 265ï´¾.
    مناقشة سند الرواية :
    إن الاستدلال بهذه الرواية لا يفيد علماً ولا عملاً عند الأصوليين قبل غيرهم لأنها رواية ضعيفة مرسلة غير قابلة للاعتماد . إذ ان الأصوليين لا يعتمدون الروايات الضعيفة في باب الفقه والافتاء فكيف يعتمدوها في المصيريات كالتقليد الذي يبطل أو يصحح أفعال المكلف كما يقولون، فقد تقدم الحديث عن اعتقاد الأصوليين ببطلان اعمال المكلف ان لم يقلد أحد الفقهاء .
    إن الاستدلال بهذه الرواية أصبح من ضروريات الأدلة إذ لا تجد فيمن كتب في أدلة التقليد الا ويذكرها كدليل أول إلا ما ندر بل جعلوها في مقدمة الأدلة الروائية ولكن الذي يخفى على الكثير من المقلدين بأن هذه الرواية لم يستدل بها المحققون على شرعية التقليد فمن المتأخرين المحقق الخوئي حين قال بضعف هذه الرواية سنداً لأنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد حيث قال : ï´؟إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية اللهم إلا في النذر . وذلك لعدم وروده في شيء من الروايات . نعم ورد في رواية الاحتجاج فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه . مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه إلا إنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد ï´¾ï´؟ كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 81ï´¾.
    وممن ذكر هذه الرواية من قدماء الإمامية هو الحر العاملي في الوسائل قائلاً : ï´؟ أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع ، لأنه خبر واحد مرسل ، ظني السند والمتن ضعيفا عندهم ï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 132
    - كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 221 – 222 ï´¾.
    إن الفقهاء لم يوثقوا التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) بالجملة وقالوا بأن التفسير مروي عن جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار وقالوا أيضاً ان في التفسير مطالب لا يمكن صدورها من معصوم وهذا على حد قولهم وبما ان الرواية قد نقلها الطبرسي في الاحتجاج عن تفسير العسكري (ع) فيكون ضعفها سندا متعلق بضعف التفسير وبذلك صرح المحققون بأن هذه الرواية غير قابلة للاعتماد ومن هؤلاء المحققون هو المحقق الخوئي قائلاً : ï´؟أن الرواية ضعيفة السند لأن التفسير المنسوب إلى العسكري - عليه السلام - لم يثبت بطريق قابل للاعتماد عليه فإن في طريقه جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيارï´¾ï´؟ - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 132
    - كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 221 – 222ï´¾ .
    وقال الشيخ المنتظري إن ناقلي التفسير كلهم مجاهيل وزاد في ذلك حين قال لمن يعولون على هذه الرواية بحجة نقل الصدوق لها ان الشيخ الصدوق قد نقل عن غير الموثوقين في الفقيه وفي غيره كثيراً وقد قطع مجموعة من الفقهاء بكون التفسير المنسوب موضوعاً من قبل هؤلاء المجاهيل خصوصاً حين قال جمع من الفقهاء بأن في التفسير مطالب لا يمكن صدورها عن معصوم وغيرها من الامور ذكرها الشيخ المنتظري قائلاً : ï´؟ الراوي لهذا التفسير هو الصدوق - عليه الرحمة - عن أبي الحسن محمد بن القاسم المفسر الأسترآبادي الخطيب ، قال : حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار . والثلاثة كلهم مجاهيل وإن تكلف في تنقيح المقال لتوثيقهم ومجرد رواية الصدوق عنهم لا يدل على توثيقهم ، فإنه في غير الفقيه روى عن غير الموثقين كثيراً ، بل فيه أيضاً . وقد قطع جمع من الأعلام منهم أبن الغضائري بكون التفسير موضوعا ، وقالوا إن فيه مطالب لا يناسب صدورها عن الإمام (ع)- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية - الشيخ المنتظري - ج 2 - ص 91
    .
    وذكر السيد الخميني الرواية في كتابه الرسائلï´؟ - الرسائل - السيد الخميني - ج 2 - ص 139
    ï´¾ فقال بضعف أسنادها ودلالتها نترك مناقشة ما قاله السيد الخميني إلى مبحث مناقشة المتن .
    ومما تقدم يتبين لنا ضعف الرواية بل ضعف التفسير المنسوب للإمام العسكري (ع) بالجملة عند الأصوليين وانه غير قابل للاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع، والعلة في ذلك عندهم ان التفسير قد جاء عن جملة من المجاهيل والمجهول لا يمكن الاعتماد على روايته عند الأصوليين، ومع هذه التصريحات الواضحة لا تكاد تجد مبحث في أدلة التقليد الا وهذه الرواية في صدر الأدلة يقدمها الباحثين معتنين بها معولين عليها في اثبات حجية التقليد، وكذلك في الاستدلال على أحقية الفقيه بالإتباع والطاعة، وهذه من تناقضات الأصوليين في استدلالاتهم.

    مناقشة متن الرواية :
    ذكر الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة هذه الرواية وقال ان التقليد الذي ذكر فيها إنما هو في محل الترخيص وليس الوجوب كما هو عليه اليوم عند الفقهاء وهذا الترخيص إنما هو في قبول الروايات وليس قبول الإجتهاد والظن فأين ذهب وجوب التقليد الذي يقول به الأصوليون، والتقليد كان مرخص على قبول الرواية لا قبول الإجتهاد وإتباع الظن، وعلى العموم قال العاملي في تعليقه على رواية الاحتجاج : ï´؟ أقول : التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والإجتهاد والظن وهذا واضح ، وذلك لا خلاف فيه، ولا ينافي ما تقدم وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع ....... ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية ï´¾ï´؟ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 132ï´¾.
    إن المتمعن في متن الرواية يجد ان مواصفات الفقيه الواجبة توفرها فيه ناقصة عما عليه شروط المرجعية اليوم خصوصاً حين نرى متن الرواية يتحدث عن الجانب الاخلاقي كصيانة النفس والمحفاظ على الدين ومخالفة الهوى والطاعة لأمر المعصوم (ع) ولا يخفى بأن هذه المواصفات لا تتوفر في كل فقهاء الإمامية وذلك بنص كلام المعصوم (ع) حين قال معقباً على ما تقدم من المواصفات : ï´؟ وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ï´¾ وقبل أن نسأل عن السبب في هذه القلة لنسأل عن سبب ذكر الإمام (ع) لهذه المواصفات وتركه لمواصفات أخرى اوجب أغلب الفقهاء توفرها في مرجع التقليد كالإجتهاد المطلق والأعلمية والحياة وهذه المخالفة من الفقهاء بل الزيادة التي وضعوها في شرائط المرجع تعد تجاوز لقاعدة حجية الظهورï´؟ ï´¾ التي اعطى الفقهاء الأصوليين الحجية لها، وصنفوها في مقام الحجة فكيف يمكن ان نزيد على كلام المعصوم شيء لم يقله، فما هي فائدة حجية الظهور ان لم يعمل بها .
    إن السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان وهو العلة من عدم ذكر المعصوم (ع) لهذه الشرائط أي الإجتهاد المطلق والأعلمية والحياة وغيرها فإذا كانت واجبة التوفر في الفقيه المُقلد لذكرها الإمام (ع) في جملة الشرائط أما إذا كانت واجبة ولم يذكرها المعصوم (ع) فذلك يُعد تقصيراً منه (ع) في تبليغ الناس بشروط الفقاهة –حاشاه من ذلك- وهذا ما لا يقوله أحد وإذا كان العكس كانت هذه الشروط الموضوعة سالبة بأنتفاء الموضوع -كما يحب ان يعبر الأصوليين- فلا تعد الا زيادة وتقدم على أئمة الهدى (ع) وهذا أمرا أكيد لعدم ذكر الإجتهاد بخير في أي نص روائي، كما ان المجتهد لا يُعد اميناً في نقل الأحكام للناس وهذا واضح فلو سألت اليوم عن مسألة شرعية لوجدت الفقهاء في غاية الاختلاف في حكمها فلم تبقى مسألة الا وأختلف الفقهاء فيها وهذا الاختلاف كان وما زال نتاج الإجتهاد وأدواته لا محاله وكما ذكرنا في الباب الأول .
    ومن هنا نفهم عدم ورود ذكر الإجتهاد ولا الأعلمية ضمن شروط الفقيه الجائز تقليده في الرواية بل تجد التاكيد على الجانب الاخلاقي المتمثل بالورع والعدالة والإنقياد للأئمة كما في قوله (ع): ï´؟صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ï´¾ وهذه المواصفات الواجب توفرها في الفقيه الذي يكون أهلاً للائتمان على حلال الله وحرامه فيكون بهذه المواصفات أهلاً لنقل الروايات للناس وتعليمهم أحكام دينهم والتوقف عند المسائل التي لا يعلم حكمها يقينا، فقد ذكرنا بأن الإسلام هو التسليم والمواصفات التي ذكرت في الرواية تعد من مظاهر التسليم والإنقياد لآل محمد (ع) والورع عن محارم الله المتمثلة بالقول دون السماع منهم (ع) وليس كما نشاهده عند المجتهدين فإن الواحد منهم يفتي في المسائل ثم يقول بعد أفتائه الله أعلم وكما مر ذكره في الباب الأول، علما بأن الفقهاء لم يقدموا هذه المواصفات التي ذكرت بالخبر بل قدموا الأعلمية عليها والأعلمية إنما يقصدون بها الأعلمية بطرق الإجتهاد التي ثبت بطلانها بالباب الأول فإن أختلف فقيهان إلى قولين يقدم الأعلم لا الاورع والاعدل كما قال المحقق الحلي: ï´؟وان اتفق اثنان أحدهما أعلم والآخر أكثر عدالة وورعا ، قدم الأعلم ، لأن الفتوى تستفاد من العلم لا من الورعï´¾ï´؟ معارج الأصول - المحقق الحلي - ص 202ï´¾ . وقال أيضاً : ï´؟ولا يكتفي العامي بمشاهدة المفتي متصدرا ، ولا داعيا إلى نفسه ، ولا مدعيا ، ولا باقبال العامة عليه ، ولا اتصافه بالزهد والتورع ï´¾ï´؟ - المصدر السابق)إن الزهد والورع والعدالة غير كافية في عرف الفقهاء لكي يكون صاحب هذه الصفات فقيهاً أو مفتياً بل الأهم من هذه الصفات عندهم هو صفة الأعلمية بطرق الإجتهاد أو بمصطلح المتأخرين هو الأعلمية بالأصول الفقهية، ولو تنزلنا جدلا وقلنا كما قالوا فإننا سنقع بمطب آخر وهو إذا كان العامي كما يسمونه له القدرة على تحديد الأعلم فهو بذلك يعد أعلم من الفقهاء لأنه أختبرهم فأستطاع أن يحدد الأعلم! أما إذا قالوا لا بد للعامي ان يسأل أهل الخبرة نقول : لقد وجدنا أهل الخبرةï´؟ - وهم في عرف الفقهاء طلاب البحث لخارجï´¾.
    ï´¾ مختلفين في تحديد الأعلم فكلا يقول أن أستاذه هو الأعلم !!
    والحق يقال إننا لم نجد هذه الصفة من ضمن الصفات التي ذكرها الإمام المعصوم (ع) بل أن الأئمة (ع) قد ركزوا على الصفات الاخلاقية كما تقدم، وكانوا لا يعدون الفقيه فقيهاً حتى يكون محدثاً فقد ذكر الإمام الصادق (ع) ذلك في قوله : ï´؟اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا ، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا . - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 149.
    إن الفقهاء عند أهل البيت (ع) إنما هم أهل الحديث المتسمكين بأخبار الأئمة (ع) لا العاملين بطرق العامة الإجتهادية والبعيده كل البعد عن وصايا الأئمة (ع).
    ومما تقدم يكون قد تكون لدينا فهماً مجزي لقول الإمام (ع) حين قال للسائل: ï´؟وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ï´¾ . لأن هذه المواصفات التي ذكرها الإمام نادرة التوفر ان لم نقل بأنها ملحقة بالمعدوم خصوصاً في زماننا هذا الذي وصل الخلاف فيه إلى مستويات لم يصلها من قبل علما .
    إلى هنا نكتفي ببيان المواصفات التي اعطاها الإمام للسائل في جواز من يقلده من الفقهاء ونركز على ان المسألة جاءت بمعنى الجواز وليس الوجوب وهذا خلاف لما عليه الفقهاء الأصوليين في مبدأ التقليد حيث أن الإمام (ع) قال : ï´؟فللعوام أن يقلدوهï´¾ ولم يقل ï´؟فعلى العوام أن يقلدوهï´¾ وهذا فرق شاسع بين التعبيرين فإن التعبير الأول يرخص في التقليد ولم يوجب أبداً كما هو عليه اليوم عند الفقهاء فلاحظ الاختلاف .
    إن ما تقدم من الكلام كان تنزلا منا لمن يعتقد بصحة هذه الرواية ويعتمد عليها في مسألة التقليد إلا أن الذي يتمعن في متن الرواية يجد وبدون أدنى صعوبة بأن الرواية تخص التقليد في أصول الدين وليس في فروعه وهذا واضح في وصف حال عوام اليهود في قوله (ع) بأنهم : ï´؟ لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه ï´؟ وإن هم إلا يظنون ï´¾ ، أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته ، وإمامة علي عليه السلام سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم ï´¾. ولا يخفى بأن معرفة النبي والتصديق بدعوته ومعرفة الإمام وتصديقه هي من العقائد والعقائد تابعة للأصول وليست للفروع هذا من جهة ومن جهة أخرى أن رجوع اليهود لعلمائهم كان محرم عليهم ليس لعلة رجوعهم في الأصول لعلمائهم بل لعلة رجوعهم لفسقة علمائهم وذلك واضح في قوله (ع): ï´؟ إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وبأكل
    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة السيد الموسوي; الساعة 12-12-13, 07:23 PM.

  • #2
    الحرام وبالرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات . . . فلذلك ذمهم الله لما قلدوا من قد عرفوا ، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم﴾
    وبذلك نفهم ان ذم اليهود كان لعلة تقليدهم لفسقة علمائهم في معرفة النبي محمد (ص) وهؤلاء الفسقة من العلماء قد ذكرهم الله في كتابه بأنهم الكاتمون للحق في فضل محمد وعلي (ع) في قوله عز وجل : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾﴿ ﴾ .
    وعلى هذا الأساس لو قلد اليهود في معرفة النبي الخاتم (ص) وهذه المعرفة كما قلنا من أصول الدين من كان من فقهائهم صائنا لنفسه وحافظا لدينه ومخالفا لهواه ومطيعا لأمر مولاه كان تقليده -بحسب الرواية- مجزيا ومبرئ للذمة ولكن اليهود قد عرفوا علماءهم بالكذب وبأكل الحرام وبالرشاء وتغيير أحكام الله عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات، وعلى هذا الأساس قد وقع الذم الإلهي على اليهود لأنهم قد قلدوا من عرفوا وعلموا بأنه لا يجوز تقليده وقبول خبره ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ومن ذلك وجب عليهم النظر بأنفسهم بأمر الرسول (ص) والتحقق من دلائله التي كانت أوضح من أن تخفى وكذلك الحال في عوامنا : ﴿فمن قلد من عوامنا من مثل هؤلاء الفقهاء فَهُم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم﴾ أي ان الله يذم عوامنا إذا قلدوا الفساق والكذبة في أصول دينهم اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه جاز تقليده فيما قلد اليهود فقهائهم أي في أصول الدين .
    إن الذي تقدم من الكلام لم يكن فهمنا الشخصي الذي يعد شاذاً للوهلة الاولى عما عليه سواد الإمامية بل قد فهم العديد من الفقهاء هذا الفهم وصنفوه في كتبهم فمن هؤلاء الفقهاء على سبيل المثال السيد الخميني حين ذكر في الرسائل ضعف الرواية سنداً ودلالة وقال بعدم أمكان الاستدلال بها على التقليد في الفروع لأن الرواية تتحدث عن تقليد الفقهاء في الأصول وأنها في محل بيان الجواز في ذلك فقال : ﴿ لكنه مع ضعف سنده ... انه مخدوش من حيث الدلالة لأن صدره في بيان تقليد عوام اليهود من علمائهم في الأصول حيث قال : وان هم الا يظنون ﴾﴿ الرسائل - السيد الخميني - ج 2 - ص 139﴾ وذكر السيد الخميني معنى الحديث في كتابه الإجتهاد والتقليد قائلاً : ﴿ فيظهر منه أن الذم لم يكن متوجها إلى تقليدهم في أصول العقائد ، كالنبوة ، والإمامة ، بل متوجه إلى تقليد فساق العلماء ، وأن عوامنا لو قلدوا علمائهم فيما قلد اليهود علماءهم ، فلا بأس به إذا كانوا صائنين لأنفسهم ، حافظين لدينهم . . . إلى آخره ، فإخراج الأصول منه اخراج للمورد ، وهو مستهجن ﴾﴿ الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 96 – 97﴾ .
    وعلى هذا الأساس قال السيد الخميني أن اغتشاشها متناً يخرجها من مقام الحجية على التقليد في فروع الدين وذلك في قوله : ﴿ فالرواية مع ضعفها سندا ، واغتشاشها متنا ، لا تصلح للحجية﴾﴿ - الاجتهاد والتقليد - السيد الخميني - ص 97 - 98﴾ .
    لقد عد السيد الخميني فيما تقدم من قوله إخراج الأصول من معنى التقليد الذي ذكرته الرواية اخراج للمورد بالجملة وهذا القول مستهجن في نظره .
    وشابه هذا التصريح تصريح الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حيث قال : ﴿ أن هذا الحديث لا يدور حول التقليد التعبدي في الأحكام ، بل يشير إلى إتباع العلماء من أجل تعلم أصول الدين ، لأن الحديث يتناول معرفة النبي ، وهذه المعرفة من أصول الدين ، ولا يجوز فيها التقليد التعبدي ﴾﴿ - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 1 - ص 278
    وذهب المحقق السبحاني في تهذيب الأصول إلى ما ذهب إليه السيد الخميني والشيخ الشيرازي فقال : ﴿إن ظاهر الحديث صحة التقليد في الأصول والعقائد إذا اخذوها عمن هو صادق في حديثه ، غير متجاهر بفسقه ، ولا متكالب في أمور الدنيا ، وان مذمة اليهود ليس لأجل انهم قلدوا علمائهم في أصول دينهم ، بل لأجل انهم قلدوا علمائا ليس لهم أهلية وعليه فلو قلد عوام المسلمين عالما صائنا لنفسه حافظا لدينه الخ فيما كان اليهود يقلدون فيه من الأصول والعقائد، لما كان به بأس، وهو باطل بضرورة الدين واخراجها عن مصب الحديث اخراج المورد المستهجن ﴾﴿ - تهذيب الأصول للسبحاني - ج 3 - ص 180 - 181 ﴾ .

    ونلاحظ في قول السبحاني إن التقليد الذي يتحدث عنه ظاهر الحديث قد خص الأصول والعقائد وأن الذم الإلهي لعوام اليهود لم يقع لتقليد فقهائهم في أصول الدين والعقائد بل لأنهم قد قلدوا فقهاءاً ليس لهم الاهلية لتقليدهم، وعليه فلو قلد عوام اليهود في أصول دينهم من كان من فقهائهم صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه لما كان به بأس وكذلك في عوامنا أيضاً فلو قلد الناس من كان من فقهائنا صائنا لنفسه ... الخ لما كان تقليدهم في أصول دينهم باطل وهذا حسب ما جاء في الحديث .
    إن هذا التقليد -أي التقليد في الأصول- باطل بضرورة الدين حيث عدة السبحاني نفسه سبب لإماتة الدين وزواله عن القلوب والأرواح وأكثر من ذلك في قوله : ﴿إن تجويز التقليد في الأصول، سبب لإماتة الدين، وزواله عن القلوب والأرواح ، وفسح المجال للملاحدة والزنادقة لبث بذر الكفر والنفاق، أعاذنا الله من مكائدهم ودسائسهم﴾﴿الإيمان والكفر - الشيخ جعفر السبحاني - ص 92 ﴾ .
    وسننقل لكم فيما يلي بعض الأقوال التي صدرت من فقهاء الإمامية وعلى مر الازمان والتي جاءت تذم التقليد في الأصول منها ما ذكره الطوسي في عدة الأصول قائلاً : ﴿على بطلان التقليد في الأصول أدلة عقلية وشرعية من كتاب وسُنة وغير ذلك وذلك كاف في النكير﴾﴿ - عدة الأصول - الشيخ الطوسي - ج 2 - ص 730 – 731) . وقال أيضاً : ﴿المقلد في الأصول يقدم على ما لا يأمن أن يكون جهلا ، لأن طريق ذلك الاعتقاد ، والمعتقد لا يتغير في نفسه عن صفة إلى غيرها﴾﴿ - نفس المصدر السابق

    وقال الشيخ الأنصاري في حال الذي يقلد في أصول دينه بأنه خارج عن حدود التكليف وأنه بمنزلة البهائم وذلك في قوله : ﴿ لا يجوز التقليد في الأصول إذا كان للمقلد طريق إلى العلم به ، إما على جملة أو تفصيل ، ومن ليس له قدرة على ذلك أصلاً فليس بمكلف ، وهو بمنزلة البهائم التي ليست مكلفة بحال﴾﴿ - فرائد الأصول - الشيخ الأنصاري - ج 1 - ص 582﴾ .
    وقال الشهيد الثاني ان بطلان التقليد في الأصول جاء بالاتفاق في قوله : ﴿ضرورة عدم جواز التقليد في الأصول بالاتفاق ﴾﴿- حقائق الإيمان - الشهيد الثاني - ص 171
    ﴾ أي لا يوجد مخالف من الإمامية على عدم جواز التقليد في الأصول .
    ونختم هذه الأقوال بما قاله السيد السيستاني حين تحدث عن التقليد في أصول الدين قائلاً : ﴿ لا يجوز التقليد في أصول الدين بل يجب أن يعتقد كل مسلم بها اعتقادا جازما لا شك فيه ، ولا شبهة ولا ضبابية ولا التواء ، وأصلاً إلى إيمان قاطع بالله ، باحثا عنه بجهوده ، مسخرا ما منحه الله من طاقات فكرية فيه منهيا من خلال ذلك كله إلى قناعة تامة راسخة لا تتزعزع به﴾﴿ - الفتاوى الميسرة - السيد السيستاني - ص 38﴾.
    أردنا بهذه الأقوال ان نثبت ان التقليد في أصول الدين باطل عند فقهاء الإمامية، أما من الناحية الشرعية أي الكتاب والسُنة فهنالك العديد من الآيات القرآنية التي جاءت تذم التقليد عموماً وبالاخص ما نحن بصدد بيانه وهو التقليد في الأصول حيث ذم الكتاب من اخذ أصول العقائد من افواه الرجال وهذا ما كان سببا لتصدي الناس لأنبياء الله ورسله (ع) وذلك واضح في عدد غير قليل من الآيات القرآنية منها :
    1- قوله تعالى : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾﴿ ﴾ .
    2- قوله تعالى : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾﴿ ﴾ .
    3- قوله تعالى : ﴿وَكَذَلِكَ مَا أرسلنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾﴿ ﴾ .
    4- قوله تعالى : ﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً﴾﴿ ﴾ .
    والآيات بهذا المعنى كثيرة أما ما جاء في الروايات في ذم التقليد في الفروع والأصول فمنها ما جاء عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : ﴿ من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسُنة زالت الجبال ولم يزل﴾﴿ وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 27 - ص 132﴾. ولا يخفى أن الدين الذي نهانا الإمام عن أخذه من أفواه الرجال حاوي على الفروع والأصول .
    ونقل محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن أبان قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ﴿ يا معشر الأحداث! اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء وغيرهم حتى يصيروا أذنابا، لا تتخذوا الرجال ولائج من دون الله ، انا والله خير لكم منهم ، ثم ضرب بيده إلى صدره ﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 133
    وجاء عن أبي الصباح الكناني قال : قال أبو جعفر (ع): ﴿ يا أبا الصباح ! إياكم والولائج ، فإن كل وليجة دوننا فهي طاغوت أو قال : ند﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 133 - 134 ﴾.
    نكتفي بهذا القدر من الروايات التي جاءت تذم التقليد في الدين بشكل عام وفي الأصول بشكل خاص وعند ربط ما جاء في الآيات الكريمة والروايات الشريفة وكذلك أقوال فقهاء الإمامية أنفسهم في ذم التقليد في الأصول تتكون لدينا نتيجة أولى وهي ﴿حرمة التقليد في أصول الدين﴾ .
    وعند الرجوع إلى متن الرواية التي نحن بصدد بيانها – أي رواية التفسير المنسوب للعسكري ﴿عليه السلام﴾- تتكون لدينا نتيجة ثانية وهي ﴿جواز التقليد في أصول الدين﴾ كما تقدم بيانها .
    وعند ربط النتيجتين يتكون لدينا فهماً ونتيجة جديدة وهو ان الرواية التي جاءت في تفسير العسكري (ع) متعارضة مع ماعليه ثوابت الكتاب وأقوال العترة الطاهرة، وعليه يكون الاحتجاج بها على مسألة جواز التقليد فضلاً عن وجوبه ممنوع لمخالفتها الكتاب فقد جاء في الخبر عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ﴿ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 69﴾ وكما تقدم في بحث السُنة وعليه تكون هذه الرواية – أي رواية من كان من الفقهاء ... – مخالفة لما عليه ثوابت الكتاب والسُنة وعليه لا يمكن الاحتجاج بها فضلاً عن وضعها في مقدمة الأدلة الدالة على وجوب التقليد .
    نتناول فيما يلي جملة مما قاله الفقهاء في تفسير هذه الرواية ومن الملفت للنظر حين تقرأ مقالاتهم عند تناولهم لهذه الرواية شرحاً وبياناً تجدهم قد أطلقوا جملة من الكلمات العجيبة والتفاسير الغريبة لهذا الحديث ومنهم السيد الخميني حيث نقل في الرسائل ما قاله الشيخ محمد حسين الأصفهاني في الفصول الغروية ﴿ - أنظر الفصول الغروية : 423 سطر 37 ، وقرره في مطارح الأنظار : 300 سطر 30﴾ حيث ذهب إلى ان الرواية تقول بتقليد المفضول مع وجود الأفضل حتى وإن كان المفضول مختلف في آرائه مع الأفضل وفسر ذلك قائلاً : ﴿دل بإطلاقه على جواز تقليد المفضول إذا وجد فيه الشرائط ولو مع وجود الأفضل أو مخالفته له في الرأي ﴾﴿ - الرسائل - السيد الخميني - ج 2 - ص 139﴾ .
    إن هذا الكلام لفي غاية الغرابة فإن الرواية لم تتطرق للفاضل ولا للمفضول فضلاً على جواز إتباع المختلفين في الآراء بل على العكس من ذلك فنلاحظ من كلماتها شدة الزجر على من ركب مراكب العامة وأن هذا الزجر قد صدر من قبل فيمن اختلف في الآراء فقد جاء عن أمير المؤمنين (ع) من كلام له في ذم اختلاف العلماء في الفتيا حيث قال : ﴿ ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد . أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه . أم نهاهم عنه فعصوه . أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه . أم كانوا شركاء له . فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ فيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾. وإن القرآن ظاهره أنيق. وباطنه عميق. لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به﴾﴿ - نهج البلاغة - خطب الإمام علي ﴿ع﴾ - ج 1 - ص 54 - 55﴾ .
    وبعد هذا الكلام كيف يمكن القول بأن اختلاف الفقهاء في الآراء لا يؤثر في شرعية إتباعهم وأن الحديث قد دل على جواز تقليد المختلفين في الآراء، وهذا كلام شاذ عما عليه الكتاب والسُنة كما أنه يحتاج من المخلصين إلى الانكار والهجر وكما أننا قد أثبتنا بطلان الإجتهاد والآراء في دين الله وكما تقدم .
    ومن الأقوال الغربية حتى عند الفقهاء أنفسهم هو ما ذهب إليه الرازي في هداية المسترشدين حيث قال بأن الحديث يعم في إطلاقه حتى المتجزئ أي الذي لم يحصل على الإجتهاد المطلق وأعتمد في ذلك على ان لفظ الفقيه يعم المجتهد المطلق والمتجزئ وذلك في قوله : ﴿ ما في تفسير الإمام (ع)" فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللناس أن يقلدوه " فإن ظاهر إطلاقها يعم المتجزئ في الجملة بناء على شمول لفظ " الفقيه " لمن قدر على استنباط جملة وافية من الأحكام ، وعرفها عن الأدلة وإن عجز عن الباقي ﴾﴿ - هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي - ج 3 - ص 649
    ﴾ .
    نقول : لعل الشيخ الرازي لم يفقه بأن كلاً من المجتهد المطلق والمجتهد المتجزئ لم يكن لهم ذكر في ذلك الزمن وإنما كان الفقيه من كان محدثاً بأحاديث آل الرسول (ع) فلا يتعدى قول الأئمة (ع) إلى غيره كما جاء في الخبر الذي ذكرناه مراراً وتكراراً بأن الفقيه لا يعد فقيها حتى يكون محدثاً وان منازل الشيعة تعرف بقدر ما يحسنون من روايتهم عن آل محمد (ع).
    في الحقيقة ان هنالك أقوال غريبة أخرى أطلقها جملة من فقهاء الإمامية نتركها مراعاةً للاختصار .

    خلاصة الكلام في متن الرواية :
    بعد ما تقدم من الحديث عن متن ودلالة الرواية يمكن تلخيص ما قلناه بما يلي:
    أولا: إن الرواية جاءت للترخيص في تقليد من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه. وهذا الترخيص هو خلاف لما عليه مبدأ التقليد فإن الفقهاء قالوا بوجوب التقليد ولم يقولوا بترخيصه.
    ثانياً : إن مواصفات الفقيه المرخص في تقليده التي ذكرت في الرواية ناقصة عما عليه شروط المرجعية اليوم فلم تذكر الرواية أيٍ من الإجتهاد المطلق ولا الأعلمية ولا حتى الحياة فإذا كانت هذه المواصفات واجبة لذكرتها الرواية .
    ثالثاً : ثبت بالدليل ان الرواية تتحدث عن جواز التقليد في أصول الدين وهذا الأمر يعد خلافاً للكتاب والسُنة وبهذا تكون الرواية مردودة لعلة مخالفتها للكتاب ومخالفتها لما عليه تواتر الأخبار .
    وبهذه النقاط وغيرها فيما ذكرناه في النقاش يثبت هشاشة الرواية متنا ودلالة فضلاً عن ضعفها سنداً عند الأصوليين، وبذلك تخرج من دائرة الحجية ولا يمكن الاحتجاج بها فضلاً عن جعلها في جملة أدلة التقليد كما فعل الفقهاء وبهذا نكون قد أنتهينا من مناقشة دليلكم الروائي الأول

    تعليق


    • #3
      احسنتم وبارك الله فيكم
      رب إني مغلوب فانتصر

      تعليق

      يعمل...
      X