إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سفينة النجاة (بحث مُتميّز) / الحلقة الرابعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سفينة النجاة (بحث مُتميّز) / الحلقة الرابعة

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    إليكم أخوتي تكملة البحث (سفينة النجاة)في الحلقة الرابعة وهذا ماجاء فيهم


    الفصل العاشر
    نقل كلام بعض القدماء في ذم الاجتهاد و متابعة الآراء
    قد علمت أن انحصار طريق معرفة العلوم الشرعية أصولية كانت أو فرعية في الرواية عن ‏أهل البيت عليهم السلام وعدم جواز التمسك في شي‏ء منها إلي المقدمات الجدلية والاستنباطات الظنية كان من شعار متقدمي أصحابنا وأصحاب الأئمة صلوات اللَّه عليهم.
    فاعلم أنهم صنفوا في ذلك كتباً و رسائل فمن الكتب المصنفة في ذلك (كتاب النقض على عيسى ‏بن أبان في الاجتهاد) ذكره النجاشي في ترجمة إسماعيل بن علي بن إسحاق, و منها كتاب ‏الإيضاح للفضل بن شاذان النيسابوري و كان من أجل أصحابنا الفقهاء و قد روى عن أبي ‏جعفر الثاني ع و قيل عن الرضا ع أيضاً و قد صنف مائة و ثمانين كتاباً و ترحم أبو محمد عليه مرتين أو ثلثا و قال بعد أن رأى تصنيفه و نظر فيه و ترحم عليه "أغبط أهل خراسان بمكان ‏الفضل بن شاذان", قال في كتابه المذكور‏ في القوم المتسمين بالجماعة المنسوبين إلي السنة: إنَّا وجدناهم يقولون إن اللَّه تبارك و تعالي لم يبعث نبيه إلي خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من ‏أمر دينهم و حلالهم و حرامهم و دمائهم و مواريثهم و رقّهم و سائر أحكامهم و أن رسول اللَّه ص لم يكن يعرف ذلك أو عرفه فلم يبينه لهم و أن أصحابه من بعده و غيرهم من التابعين ‏استنبطوا ذلك برأيهم و أقاموا أحكاما سموها سنة اجروا الناس عليها و منعوهم أن ‏يجاوزوها إلي غيرها و هم فيها مختلفون يحل بعضهم منها ما يحرمه بعض و يحرم بعضهم ‏ما يحله بعض.
    و قال في حق الشيعة إنهم يقولون أن اللَّه جل ثناؤه تعبد خلقه بالعمل بطاعته واجتناب معصيته علي لسان نبيه ص فبين لهم جميع ما يحتاجون إليه من أمر دينهم صغيراً كان أو كبيراً فبلغهم إياه خاصاً و عاماً و لم يكلهم إلي رأيهم و لم يتركهم في عمى و لا شبهة, علم ذلك ‏من علمه و جهل ذلك من جهله فأما ما أبلغهم عاما فهو ما الأمة عليه من الوضوءِ و الصلاة والخمس و الزكاة و الصيام و الحج و الغسل من الجنابة و اجتناب ما نهى اللَّه عنه في كتابه من‏ الزنا و السرقة و الاعتداء و الظلم و الرياء وأكل مال اليتيم وأكل الربا و ما أشبه ذلك مما يطول شرحه و‏تفسره و هو معروف عند الخاصة و العامة. و أما ما بلّغه خاصاً فهو ما وكلنا إليه قوله عز وجل " أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" و قوله "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" فهذا ‏خاص لا يجوز أن يكون من جعل اللَّه له الطاعة علي الناس أن يدخل في مثل ما هم فيه من‏ المعاصي و ذلك لقول اللَّه جل ثناؤه " و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك ‏للناس إماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" علمنا أن الظالمين ليسوا بأئمة يعهد إليهم في العدل‏علي الناس و قد أبى اللَّه أن يجعلهم أئمة و علمنا بقوله تبارك و تعالي "إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعم ما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً" أن ذلك عهد عهده إليهم لم‏ يعهد هذا العهد إلا إلي أئمة يحسنون أن يحكموا بالعدل و لا يجوز أن يأمر أن يحكم بالعدل من لا يحسنه.
    ثم ‏قال بعد كلام طويل ثم رجعنا إلي مخاطبة الصنف الأول فقلنا لهم ما دعاكم إلي أن قلتم إن ‏اللَّه تعالى لم يبعث نبيه إلي خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام وان رسول اللَّه ص لم يعلم ذلك أو علمه فلم يبينه للناس حتى توفى؟ و ما الذي اضطركم إلي هذا القول؟ قالوا لم ‏نجد الفقهاء يروون جميع ما يحتاج إليه الناس في أمر الدين و الحلال و الحرام عن النبي ص ـ وأن جميع ما أتانا عنه أربعة آلاف حديث فقط في التفسير والحلال والحرام و الفرائض من ‏الصلاة و غيرها فلابد للناس من النظر فيما لم تأتنا به الرواية عنه و استعمال الرأى فيه و تجويز ذلك لنا قول رسول اللَّه ص لمعاذ ابن جبل حين و جّهه إلي اليمن بم تقضى يا معاذ؟ قال بالكتاب قال ‏فما لم يكن في الكتاب؟ قال فبالسنة قال فما لم يكن في السنة؟ قال أجتهد رأيي قال الحمد اللَّه ‏الذي وفق رسول رسوله فعلمنا انه قد أوجب أن من الحكم ما لم يأت به في كتاب و لا سنة وانه لابد من استعمال الرأى.
    وقوله ص إنما مثل أصحابي فيكم مثل النجوم بأيها اقتديتم اهتديتم, وقوله اختلاف أصحابي لكم‏ رحمة. فعلمنا انه لم يكلنا إلي رأيهم إلا فيما لم يأتنا به ولم يبينه لنا و تقدم في ذكر الصحابة الأولين فيما قالوا فيه برأيهم من الأحكام و المواريث و الحلال و الحرام فعلمنا أنهم لم‏ يفعلوا إلا ما هو لهم جائز و أنهم لم يخالفوا الحق ولا خرجوا منه, و لم يكونوا ليجتمعوا علي باطل فلا لنا أن نضلّلهم فيما فعلوا فاقتدينا بهم فإنهم الجماعة و الكثرة ويد اللَّه علي الجماعة ولم يكن اللَّه ‏ليجمع الأمة علي ضلال.
    قيل لهم إن اكذب الروايات و أبطلها ما نسب الله عز وجل فيه إلي الجور و نسب ‏نبيه ص فيه إلي الجهل, و في قولكم إن اللَّه لم يبعث إلي خلقه بجميع ما يحتاجون إليه تجويز له في‏ حكمه و تكذيب بكتابه لقوله " اليوم أكملت لكم دينكم" و لا تخلو الأحكام إما أن تكون من‏الدين أو ليست من الدين, فإن كانت من الدين فقد أكملها و بينها لنبيّه ص, و إن كانت عندكم ‏ليست من الدين فلا حاجة بالناس إليها, و لا يجب في قولكم عليهم بما ليس من الدين, و هذه‏ شنعة و هي متصلة بمثلها من تجهيل النبي ص و ادعائكم استنباط ما لم يكن يعرفه من فروع ‏الدين و حق الشيعة الهرب مما أقررتم به من‏هاتين الشنعتين اللتين فيهما الكفر باللَّه وبرسوله.
    قال: وفيما ادعيتم من قول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ تكذيب بما أنزله الله وطعن على رسوله فأما ما كذبتم به من كتاب الله فما قدمناه في صدر كتابنا من قوله تعالى: وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، وقوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ، وقوله: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ، وقوله: لا يشرك في حكمه أحدا ، وقوله: ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ، وقوله: له الحكم واليه ترجعون ، وقوله: واصبر لحكم ربك ، وما أشبهه مما في الكتاب يدل على أن الحكم لله وحده فزعمتم انه ليس في الكتاب ولا فيما أنزل الله على نبيه ص ما يحكم به بين الناس فيما اختلفوا فيه، وان معاذا يهتدى إلى ما لم يوح الله إلى نبيه ص وانه يهتدى بغير ما اهتدى به النبي ص، وأوجبتم لمعاذ أن رأيه في الهدى كالذي أوحى الله إلى نبيه ص فرفعتم مرتبته فوق مرتبة النبوة إذ كانت النبوة بوحي ينتظر ومعاذ لا يحتاج إلى وحى بل يأتي برأيه من قبل نفسه، فمثلكم كما قال الله تعالى: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو قال: أوحي إلى ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ، فصار معاذ عندكم يهتدى برأيه ولا يحتاج في الهدى إلى وحي والنبي يحتاج إلى وحى، ولو جهد الملحدون على إبطال نبوته ص ما تجاوزوا ما وصفتموه به من الجهل. ثم أخبرنا الله تعالى أن أصل الاختلاف في الأمم كان بعد أنبيائهم فقال: كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين - الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم فحمدتم أهل البغي وقلتم: اختلافهم رحمة واقتديتم بالخلاف وأهل الخلاف وصرفت قلوبكم عمن هداه الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، ويحقق لنا عليكم قول الله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم فاتبعتم أهل الاختلاف واتبعنا من استثناه الله بالرحمة، فلما ضاق عليكم باطلكم أن يقوم لكم بالحجة أحلتم على الله بالتجوير في الحكم من تكليفه كما زعمتم إياكم ما لم يبينه لكم، وعلى نبينا ص بالتجهيل في قولكم انه لم يبين لكم الطاعة من المعصية، وعلى أهل الحق والمصدقين لله ولرسوله بالعداوة والبغضاء، وعلى الحق من أحكام الكتاب بالعبث والإلحاد. إلي آخر ما قاله من هذا القبيل مع ما فيه من التطويل سيما فيما طعن به في خبر معاذ و اقتصرنا علي ذلك فان القطرة تدل علي الغدير و الحفنة تهدى إلي البيدر الكبير و لغيره رضي اللَّه عنه أيضا كلمات في ‏ذلك لا تحضرني الآن و فيما ذكرنا كفاية لطالب الحق و اليقين و بلاغاً لقوم عابدين, و لقد تكلمنا مع أقوام من أهل العلم في هذا الشأن فانصفونا و صدقونا و رجعوا عن مذهب ‏الأصوليين إلي طريقة الإخباربين و منهم من سبقنا إلي ذلك مع دعاء و نداء إلا إني لم أجد بهذه الطريقة عاملا و لا أراه فيه كاملا كأنه لم يصر بعد من الأحرار أم يظن أن مخالفة الجمهور ومتاركة المشهور من العار واللَّه المستعان.

    عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

    ((إذا خرج القائم (ع) ينتقــم من أهـلِ الفتـوى بما لايعلمون ، فتعساً لهم ولأتباعهم ، أوكان الدينُ ناقصاً فتمّموه ؟ أم بهِ عِوَجُ فقوّموه ؟ أم أمر الناس بالخلاف فأطاعوه ؟ أم أمرهم بالصواب فعصوه ؟ أم همَّ المختارفيما أوحى إليهِ فذكَّروه ؟ أم الدين لم يكتمل على عهدهِ فكمَّلوه ؟ أم جاء نبَّيُ بعدهُ فاتبعوه )) بيان الأئمــة/ ج3 ، ص298
    .

  • #2

    الفصل الحادي عشر
    نقل كلام صاحب كتاب إخوان الصفا في تزييف الاجتهاد و متابعة الآراء
    في رسالة بيان اللغات من كتابه: اختلفت المذاهب والآراء والديانات والاعتقادات فيما بين أهل دين واحد ورسول واحد لافتراقهم في موضوعاتهم واختلاف لغاتهم وأهوية بلادهم وتباين مواليدهم وآراء
    رؤسائهم وعلمائهم الذين يحزبونهم ويخالفون بينهم طلبا لرياسة الدنيا ، وقد قيل في المثل: خالف تذكر، لأنه لو لم يطرح رؤساء علمائهم الاختلاف بينهم لم يكن لهم رياسة وكانوا يكونون شرعا واحدا إلا أن أكثرهم متفقون في الأصول مختلفون في الفروع، مثال ذلك: أنهم مقرون بالتوحيد وصفات الله سبحانه مما يليق به، مقرون بالنبي (ص) المبعوث إليهم، متمسكون بالكتاب المرسل إليهم، مقرون بإيجاب الشريعة، مختلفون في الروايات عنه والمعاني التي وسائطها رجال أخذوها منه، فرواها كل من أخذ بلسانه لان النبي ص كان معجزته وفضيلته أنه كان يخاطب كل قوم بما يفهمون عنه بحسب ما هم عليه من حيث هم وبحسب ما يتصورونه في نفوسهم وتدركه عقولهم، فلذلك اختلفت الروايات وكثرت مذاهب الديانات واختلفوا في خليفة الرسول ص وكان ذلك من أكبر أسباب الخلاف في الأمة إلى حيث انتهينا.
    وأيضا فإن أصحاب الجدل والمناظرات ومن يطلب المنافسة في الرياسة اخترعوا من أنفسهم في الديانات والشرائع أشياء كثيرة لم يأت بها الرسول ص ولا أمر بها، وابتدعوها وقالوا لعوام الناس: هذه سنة الرسول ص وسيرته وحسنوا ذلك لأنفسهم حتى ظنوا بهم أن الذي قد ابتدعوه حقيقة قد أمر به الرسول ص وأحدثوا في الأحكام والقضايا أشياء كثيرة بآرائهم وعقولهم وضلوا بذلك عن كتاب ربهم وسنة نبيهم واستكبروا عن أهل الذكر الذين بينهم وقد أمروا أن يسألوهم عما أشكل عليهم، فظنوا لسخافة عقولهم أن الله سبحانه قد ترك أمر الشريعة وفرائض الديانة ناقصة حتى يحتاجوا إلى أن يتموها بآرائهم الفاسدة وقياساتهم الكاذبة واجتهادهم الباطل وما يخرصوه وما يخترعوه من أنفسهم، وكيف يكون ذلك ؟ ! وهو يقول سبحانه: ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال سبحانه: تبيانا لكل شيء، وإنما فعلوا ذلك طلبا للرياسة كما قلنا آنفا وأوقعوا الخلاف والمنازعة بين الأمة فهم يهدمون الشريعة ويوهمون من لا يعلم أنهم ينصرونها، وبهذا الأسباب تفرقت الأمة وتحزبت ووقعت بينها العداوة والبغضاء، وتأدت إلى الفتن والحروب واستحل بعضهم دماء بعض، فان امتنع بعض من يعرف الحق من العلماء وخاطب رؤساءهم في ذلك وخوفهم بالله وأرهبهم من عذابه عدلوا إلي العوام وقالوا لهم: هذا فلان ويغرون به العوام وينسبون إليه من القول ما لم تأت به شريعة ولا قاله عاقل، ولا يتمكن ذلك العالم أن يبين للعوام كيف جرى الأمر في الشريعة وينبههم على فساد ما هم عليه ويوقظهم عما هم فيه لمكان ما قد علمه من عصيانهم ولا لفهم بما قد نشأوا عليه خلفا عن سلف، وإذا رأى رؤساؤهم ذلك وان قلوب العلماء مشمئزة من العوام جعلوا ذلك شرفا لهم عندهم وأوهموهم أن ذلك انقطاع منهم عن القيام بالحجة وان سكوتهم وتخفيهم إنما هو لبطلان ما معهم وان الحق هو ما أجمعنا عليه نحن الآن فلا يزال ذلك دأبهم والرؤساء الجهال فيهم يتزايدون في كل يوم واختلافاتهم تزيد واحتجاجاتهم ومناظراتهم تكثر وجدالهم ينتشر حتى هجروا أحكام الشريعة وغيروا كتاب الله بتفسيراتهم له بخلاف ما هو به كما قال سبحانه: يحرفون الكلم عن مواضعه، وفي اصل أمرهم قد حزبوا الأمة وحولوا الشريعة من حيث لا يشعرون وأولوا أخبار الرسول ص بتأويلات اخترعوها من تلقاء أنفسهم، ما أنزل الله بها من سلطان، وقلبوا المعاني وحملوها على ما يريدون مما يقوي رياستهم ويقبح أهل العلم عند العوام ذلك دأبهم يتوارثه ابن عن أب وخلف عن سلف وكابر عن كابر إلي أن يشاء الله إهلاكهم ويقضى بانقراضهم وفنائهم، ولم يزل هؤلاء الذين هم رؤساء العوام أعداء الحق في كل امة وقرن، فكم من نبي قتلوه، ووصي جحدوه، وعالم شردوه، فهم بأفعالهم هذه كانوا السبب في نسخ الشرائع وتجديدها في سالف الدهور إلى أن يتم ما وعد الله تعالى بقوله: "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد" . "وما ذلك على الله بعزيز" . "والعاقبة للمتقين" . "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض لله يرثها عبادي الصالحون". "إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ". فهذه العلة هي السبب في اختلاف الآراء والمذاهب، وإذا كان ذلك كذلك فيجب على طالب الحق والراغب في الجنة أن يطلب ما يقربه إلى ربه ويخلصه من بحر الاختلاف والخروج عن سجون أهله وإن غفلت النفس عن مصالحها ومقاصدها، وترك طريق الجنة والحق وأهله والدين الذي لا اختلاف فيه، وانضم إلى أهل الخلاف والى رؤساء الأصنام المنصوبة كان ذلك سبب بوارها وهلاكها وبعدها عن جوار الله سبحانه وقرنت بعفريت قال الله سبحانه: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين"، فهكذا يكون حاله مع عالمه الذي اقتدى به وغره بربه وجماعة العوام حوله وينمق كلامه فيعبدونه من حيث لا يشعرون لأنه إذا حلل بقوله وحرم بقوله ورأيه فقد عبدوه قال الله تعالى: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون" فعليك أيها الأخ البار الرحيم أيدك الله بأهل العلم الذين هم أهل الذكر من أهل بيت النبوة المنصوبين لنجاة الخلق، وقد قيل: استعينوا على كل صناعة بأهلها. انتهى كلامه بألفاظه وهو كلام متين صدرعن بصيرة و يقين.


    الفصل الثاني عشر
    إشارة إلي بعض ما يترتب علي الاجتهاد و متابعة الآراء من المفاسد
    كفي من مفاسدهما بعد كونهما مخالفة للَّه و لرسوله و للائمة المعصومين صلوات للَّه عليهم‏ كما سمعت ما بلغك فيما جرى من الصحابة من الحروب و الفتن و ما ترى من اختلاف ‏الفقهاء في المسائل الدينية من الأصول و الفروع و الفرائض و السنن مع عدم انضباط مداركها و اختلاف طرقها باختلاف الأذهان و الأحوال و مع ما فيها من المتعارضات واضطراب الأنفس و المخاصمات و رجوع كثير من فحول العلماء مما به أفتى إلي غير ذلك ‏مما لا يحصى ذكر السيد بن طاووس رحمه اللَّه عن سعيد بن هبة اللَّه المعروف بالقطب ‏الراوندي انه قد صنف كراسا في الخلاف الذي تجدد بين الشيخ المفيد و المرتضى رحمهما اللَّه و كانا من أعظم أهل زمانهما و خاصة شيخنا المفيد فذكر في الكراس نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الخلاف بينهما فيها في علم الأصول و قال في آخرها لو استوفيت ما اختلفا فيه لطال الكتاب, وهذا يدلك على أنه طريق بعيد في معرفة رب الأرباب. انتهى كلامه و لنقصص عليك من اجتهادات المجتهدين في مسائل ‏الدين ما يتبيّن لك به أنهم كيف يضعون و به يستندون و أنى يؤفكون و نقتصر علي ثلاث‏ مسائل اثنتان أصوليتان هما نفس مسألة الاجتهاد و الإجماع و الأخرى فرعية هي مسألة من العبادات لتكون أنموذجاً تعتبر بها طريقتهم في سائر المسائل و تقيس عليها سنتهم في ‏بقية المدلولات و الدلائل و كفي بالإطلاع علي هذه الثلاث شاهداً و إلي الهدى و الخير سائقاً و قائداً.
    ونذكر أولاً ما هو التحقيق في كل منها علي الإجمال ثم نذكر اختلافاتهم و أقاويلهم‏ فيها بطريق السؤال فتراهم ممتنعين عن الجواب لتشابه وجوه طرفي الاستدلال.
    عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

    ((إذا خرج القائم (ع) ينتقــم من أهـلِ الفتـوى بما لايعلمون ، فتعساً لهم ولأتباعهم ، أوكان الدينُ ناقصاً فتمّموه ؟ أم بهِ عِوَجُ فقوّموه ؟ أم أمر الناس بالخلاف فأطاعوه ؟ أم أمرهم بالصواب فعصوه ؟ أم همَّ المختارفيما أوحى إليهِ فذكَّروه ؟ أم الدين لم يكتمل على عهدهِ فكمَّلوه ؟ أم جاء نبَّيُ بعدهُ فاتبعوه )) بيان الأئمــة/ ج3 ، ص298
    .

    تعليق


    • #3
      مسألة الاجتهاد
      الاجتهاد و ما أدراك ما الاجتهاد أليس الاجتهاد الحق أن ينظر أحد منا إلي أحاديث أئمتنا عليهم السلام فيتدبر في معانيها و يتفهم ما أودع فيها و يميز بين المتشابه منها و المحكم ويأخذ المحكم و يرد إليه المبهم أو بتركه علي الإبهام إن لم يكن له سبيل إلي الأحكام و يحتاط في العمل و يمسك عن الفتوى و الزلل, ثم إذا اختلفت طائفة منهم مع طائفة بحسب الظاهر يعمد إلي ترجيح بعضها علي بعض ببرهان باهر من الضوابط المنقولة عنهم و القواعد المسموعة منهم علي أن يقع علي الخيار فيصح له الدار, و التقليد هو أن ينظر مستبصر الاجتهاد بعد هذا و كيف يتبعون آرائهم و أنى يصرفون عن الهدى بعد إذ جائهم, و ما معنى ‏تحصيل الظن بالاجتهاد, ثم كم قدر الظن المعتبر فيه حتى يصح عليه الاعتماد, ثم ما الذي ‏لابد منه في المجتهد من العلوم حتى يتأتى له ذلك, هل يكفيه تحصيل العلوم العربية ومعرفة القرآن و الحديث و الأحكام لذلك, أم لابد من معرفته الأصول الخمسة الدينيّة, وعلي الثاني أيكفيه التقليد أم لابد من الدلائل اليقينية, ثم هل يشطرت أن يعرفها بدلائل ‏المتكلمين أم يكفي طريق آخر, و لو أدى إذا أفاد اليقين أم لابد من طريق أعلى, ثم ما ذلك ‏الطريق, و الطرق شتى, أم يختلف بحسب اختلاف الأفهام لتفاوت الناس في النقص و التمام, ‏ثم هل يكفي في الاجتهاد ما ذكر أم لابد من علوم أخر, ما تلك العلوم و ما المعتبر فيها من قدر, و هل يشترط المنطق, و هل يجب أولا تحصيل معرفة جميع الآيات و الأحاديث الأحكامية أم يكفي ما يتعلق منها بالمسألة المطلوبة, و هل يجوز التجزى في الاجتهاد, و مع الجواز هل ‏يكفي في جواز العمل برأيه أو لغيره, ثم ما معنى التجزى و ما معنى الاجتهاد في الكل, و هل‏ يكفي في الثاني تحصيل الملكة التي بها يتمكن من تحصيل الظن في كل مسألة مسألة, أم ‏لابد من تحصيل قدر صالح أم مسائل جميع أبواب الفقه, ثم كم قدر القريحة التي لابد أن ‏يكون للخائض في الاجتهاد حتى يجوز له الخوض فيه, و هل له حد في طرف القلة لا يكتفي ‏بأقل منه, و هل يشترط فيه القوة القدسية كما زعمته طائفة, ثم ما تلك القوة ما حدها و بم‏ تعرف ثم كيف يعرف المجتهد من نفسه انه مجتهد حتى يجوز العمل برأيه, بل يجب ولا يجوز له تقليده, هل يكفي اعترافه بذلك مع عدالته أم لابد مع ذلك أن ينصب نفسه‏ متصديا للفتيا و يرجع الناس إليه فيها, أم لا يكفي ذا و لا ذا بل لابد من إذعان أهل العلم, ثم هل ‏يكفي الواحد و الاثنين أم لابد من جماعة ثم كم و من؟ أيكفي من حصّل طرقاً من العلوم ‏الرسمية أم لابد أن يكون مجتهداً أم‏ لا و لا فمن؟ و علي تقدير اشتراط الاجتهاد فهل يجوز الدور في مثله, ثم هل يجوز تقليد المجتهد الميت أم يموت القول بموت صاحبه, و علي‏ تقدير الجواز هل يشترط أن يكون الناقل قد سمع منه في حال حياته أم يكفي رجوعه ‏إلي كتابه بعد موته, و علي الثاني هل يشترط فيه أن يكون من أهل العلم, ثم ما العلم الذي ‏يشترط فيه, ثم هل اتفاق المجتهدين علي عدم اعتبار قول الميت يكفي في عدم أعتبار أقوالهم, لأن هذا من جملة أقوالهم فاعتباره يوجب عدم اعتبارها أم لا, هذا ما حضرني من‏الاحتمالات و الشقوق في هذه المسألة و قد ذهب إلي كل قوم و لعل ما لم يذكر لم يكن أقل‏ مما ذكرنا و يزيد في كل عصر أقوال و اختلافات إلي ما شاء اللَّه و إلي اللَّه المفزع .

      مسألة الإجماع
      الإجماع و ما أدراك ما الإجماع أليس الإجماع المعتبر أن تتفق الطائفة المحقة و الفرقة الناجية علي مضمون آية محكمة أو رواية معصومية غير متهمة بحيث يعرفه الكل و لا يشذ عنه شاذ كاتفاقهم علي وجوب مسح الرحلين في الوضوءِ دون الغسل للنصوص و إليه ‏أشير في الحديث قال ع " خذ بالمجمع عليه بين أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ".
      ثم انظر ماذا يقول أهل الاجتهاد و إلي ما يقولون في الاستناد و اسألهم معنى اتفاق الآراء المشتمل علي قول المعصوم, أليس قول المعصوم بإنفراده حجة دون انضمام رأى احد إليه, ‏أم‏ ذلك في موضع لا يعرف قوله إلا في جملة أقوال الناس كما زعموه, ثم ما المقصود من هذا وكيف يعرض و بم يعرف قوله فيها, و هل يكتفي اتفاق المجتهدين أم لابد من كل من انتسب‏ إلي العلم في الإسلام, أم جماعة من المسلمين يعلم دخول قول في أقوالهم, و علي التقادير الثلاث الأول هل يكفي من في البلد منهم أم لابد من كل من في الأرض حتى لو كان رجل ‏منهم في بلاد الكفر لابد من معرفة رأيه بل من كان منهم في قرية أو بادية أو جبل أو كهف ‏أو مغارة أو سفينة أو غير ذلك, ثم كيف يعرف وجود مثل هذا المسلم في مثل ذلك الموضع وعلي تقديره كيف يحصل العلم بقوله و رأيه, ثم كيف يعرف أن ما يقوله هو الذي يعتقده لم‏ يكذب فيه و لم يتق أحداً, و لم يرى مصلحة في كتمان مذهبه, ثم كيف يحصل الإطلاع علي قول ‏الإمام في جملة أقوال الناس المتفرقين مع غيبة شخصه و خفاءِ عينه و انقطاع أخباره وأقواله و مكانه في مدة تقرب من سبعمائة سنة بحيث لم يعلم انه في أي قطر من أقطار الأرض ‏مشارقها و مغاربها برّها و بحرها سهلها و جبلها و أنه ممازج للناس مخالط و معامل معهم أو منزوي عنهم ساكن في أقاصي الأرض و أباعدها أو هو في كهف جبل منقطع عن الخلق أو هو في بعض الجزائر التي لا يصل إليها أحد من الناس, إلي غير ذلك مما لا سبيل عليه بوجه, وعلي التقدير الرابع كيف يعرف قول المعصوم في جملة أقوال جماعة معينين بدون معرفة شخصه, هل يتصفح آثار القدماء و أصحاب الأئمة عليهم السلام بحيث يعلم دخول بعض ‏الأئمة الماضين في جملتهم, و إن لم يصل إلينا رواية منقولة علي الخصوص, أو بعد التصفّح والإطّلاع علي الاتفاق يعرف موافقته معهم و إن لم يكن أصلاً في جملتهم لإمارة تقتضى ذلك,‏ أم بطريق آخر غير ما ذكر, ثم ما هو أبوجود مجهول النسب في جملتهم كما قالوه و أنى يعني ‏ذلك و لابد من العلم بدخول المعصوم و لا يكفي الاحتمال وعلى التقادير يندر وقوعه غاية الندره و خصوصاً في المسائل التي لم يرد فيها الرواية أو وردت مختلفة أو بخلاف ما ادعي ‏الاتفاق عليه و لاسيما في مثل هذه الأزمنة المنقطعة عن المعصومين من كل وجه, فكيف‏ يدعى مثل هذا الاتفاق في أكثر المسائل و في أمثال المسائل المذكورة و فيها بعد الأزمنة المتطاولة المنقطعة رأسا, ثم هل علي الإمام أن يظهر قوله إذا رأى اختلافهم في مسألة لئلا نكون في حيرة مطلقا لأنا نحن السبب في استتاره لا نعم ما هو, و علي التقدير الأول فلم ‏لم يرفع الاختلاف من البين في أكثر المسائل في هذه المدة المتطاولة, و علي الأخيرين‏ لا يتحقق إجماع لعدم السبيل إلي معرفته, و علي تقدير وجوب الإظهار كيف يظهر بتعريف ‏نفسه و ليس له ذلك, علي انه يعدم فائدة الإجماع حينئذ, أو بإرسال رسول فلابد له من معجز و إلا كيف يعرف صدقه فيعدم الفائدة أيضا إذ يرجع حينئذ إلي الخبر, ثم بم يثبت العلم بهذا الاتفاق أبأمثال هذه الاجتهادات فيخص نفعه و حجيته بمن اجتهد فيه و لا يعدو أنه غيره‏ أم‏ بالخبر فبخبر من؟ أبخبر مثل هذا المجتهد عما؟ أعن ظنه فيكون إثبات ظن بظن و ليس له‏ غير ظنه, ‏أم بخبر جماعة على سبيل التواتر عن ظن من أنفسهم أم آخرين, و علي التقديرين ‏يكون إخباراً عن ظنونهم بالاتفاق لاعن الاتفاق, ثم التواتر لابد من انتهائه إلي الحس كما قرروه و ليس هذا الاتفاق علي شي‏ء من هذه التقادير بمحسوس بل هي ظنون واجتهادات.
      و لهذا تراهم مختلفين في نقل الإجماعات اختلافاً شديداً, فترى أحدهم ينقل الإجماع في ‏مسألة علي قول في كتاب له, ثم ينقل الإجماع في تلك المسألة بعينها علي القول الآخر أو ينقل الخلاف فيها إما في ذلك الكتاب بعينه أو كتاب آخر, ومثل هذا يقع منهم كثيراً حتى أن‏ شيخهم و رئيسهم فعل مثل ذلك في قريب من أربعين مسألة علي ما وقع الإطلاع عليه ‏لجماعة.
      هذا ما حضرني من الاحتمالات و الشقوق في هذه المسألة و قد ذهب إلي أكثرها أقوام ولعل ما لم يذكر ليس بأقل مما ذكر و يزيد في كل عصر و قرن أقوال و اختلافات أخر و إلي اللَّه‏ المشتكى و المفرّ.

      مسألة النية
      النية و ما أدريك ما النية, أليست النية ما يبعثك علي العمل و يدعوك إليه, كالتعظيم في ‏قيامك لأخيك, و دفع العطش في قيامك إلي الماء, و هي مما جبل عليه الإنسان في أعماله, ‏بل سائر الحيوانات في أفاعيلها, ولا يمكن أن ينفك عمل عنها, وللَّه درّ صاحب البشرى ‏حيث قال ( لو كلفنا اللَّه العبادة من دون النية لكان تكليفاً بما لا يطاق ) فما هذه الحيرة و التحيير و ما هذا التكليف العسير و ما ذاك القال و القيل و ما ذاك الإطناب و التطويل.
      و أما حديث "إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل أمري‏ء ما نوى" فما أظهر معناه, و ما أبين معزاه وما أكشف أخره عن أوله حيث قال عقيبه "فمن كانت هجرته إلي اللَّه و رسوله فهجرته إلي اللَّه ورسوله, و من كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلي ما هاجر إليه" و إنما سبب صدور هذا الحديث قول بعض الصحابة للنبي ص إن بعض المجاهرين إلي الجهاد ليست ‏نيته من تلك الهجرة إلا أخذ الغنائم من الأموال و السبايا أو نيل الجاه و الصيت عند الاستيلاء, فبيّن ص أن كل أحد ينال في عمله ما يبغيه ويصل إلي ما ينويه, و هذا واضح بحمد اللَّه‏و لا مدخل لهذا الحديث فيما ذهبوا إليه في أمر نية العبادات من المبتدعات.
      .
      عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

      ((إذا خرج القائم (ع) ينتقــم من أهـلِ الفتـوى بما لايعلمون ، فتعساً لهم ولأتباعهم ، أوكان الدينُ ناقصاً فتمّموه ؟ أم بهِ عِوَجُ فقوّموه ؟ أم أمر الناس بالخلاف فأطاعوه ؟ أم أمرهم بالصواب فعصوه ؟ أم همَّ المختارفيما أوحى إليهِ فذكَّروه ؟ أم الدين لم يكتمل على عهدهِ فكمَّلوه ؟ أم جاء نبَّيُ بعدهُ فاتبعوه )) بيان الأئمــة/ ج3 ، ص298
      .

      تعليق


      • #4
        وليت شعري من أين يقولون و إلي ماذا يستندون, و عن الحق أنّى يؤفكون, و لنسألهم عن‏اختلافاتهم فيها و أقاويلهم في معانيها هل يأتون عليها من سلطان من عندهم إليه يأوون, كلّا و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون, فليجيبوا فأما معنى النية التي اخترعوها في العبادات أهي ‏ألفاظ جارية علي اللسان أم الجنان, أم معان خاطرة علي القلب, أم قد يكون الجميع كما في ‏أفعال الحج, و قد يكون الأخير كما في غيرها, ثم لو قال بلسانه خلاف ما أخطر بقلبه فهل ‏يصح أم لا, ومع الصحة هل العبرة بالقول أم الإخطار, ثم هل يكفي قصد القربة أم لابد معه من‏ قصد الوجوب أو الندب, أم في بعض العبادات ذا أو بعضها ذا, و علي الأخير فما ذاك و ما ذا و ما الفرق, و هل يجب مع قصد الوجوب و الندب قصد وجه الوجوب و الندب أعني حسن الفعل ‏الداعي إلي الترغيب التام أو الناقص في الجميع أو البعض, ثم ما ذلك البعض و ما الفرق, ثم ‏إذا لم يعلم المكلف الوجوب أو الندب فهل يجب عليه تحصيل العلم به أولا أم يسقط حينئذ ذلك, أم يقصد الوجوب أو الندب أم يأتي بالأمرين مردداً أم بالفعل مرتين, ثم هل يمكنه قصد أحدهما مع عدم العلم أو الاعتقاد, ثم ما معنى القربة هل هي بمعنى الامتثال أو موافقة الإرادة و القرب منه تعالي بحسب المنزلة, أو الهرب من البعد عنه اونيل الثواب عنده أو الخلاص من‏ عقابه, أو كونه أهلا للعبادة, أو للحب له, أو للحياء منه, أو المهابة عنه, أو الشكر له, أو التعظيم, أو نفسه جل و عز, أم هي أمر وراء هذه ثم يقول أحد هذه مقامه ‏أم لا أم البعض دون بعض, ثم أيهما عّد الثواب و الخلاص من العقاب كما ظن أو غير ذلك, ثم هل تبطل العبادة بقصد أحدهما, و هل يخل بها قصد آخر غير هذه مطلقا أم منفرداً لا متفقاً أم مع الاستدلال لا بدونه, أم إذا كان‏ غالباً لا مغلوباً أو مساوياً أو مع المساوات أيضاً مع الإخلال أيّ أمر كان, أم إذا لم يكن مباحاً كالتبّرد في الوضوء, أو راجحاً كالحمية في الصوم, أو طارئاً في الإثناء كائنا ما كان, أو الريا فحسب دون غيره, أو الريا يسقط الطلب من المكلف و لا يستحق به ثوابا, وهل يشترط في ‏الطهارات الثلاث قصد رفع الحدث و استباحة العبادة المشروطة بها و الراجحة بها أو احد الأمرين تخييراً, أم الاستباحة خاصة في التيمم لأنه لم يرفع الحدث و إنما يفيد الاستباحة فحسب, و هل احد الأمرين غير الآخر أم متحدان, و هل وجوب الطهارات أو استحبابها لنفسها و عن غيرها لغيرها, و علي التقادير هل يشرط تعيين ذلك في النية أو العلم به ‏أم‏ لا, ثم‏ هل يجوز إيقاع شيى‏ء منها للعبادة المشروطة بها قبل وقت تلك العبادة بنية الوجوب أو بنية الاستجاب مطلقا, أو إذا بقى إلي الوقت مدار فعلها لا أزيد أو الأول في الثاني و الثاني في ‏الأول أو لا مطلقا أو يبنى علي كونها لنفسها أو لغيرها فيجوز في الأول دون الثاني أو بالعكس, ‏أو لا يجوز في التيمم مطلقا, أم يجوز بنية الوجوب لمن عليه فريضة مطلقا, أم إذا أراد فعلها خاصة و ليس لغيره, ثم هل يجوز الدخول في الفريضة بالطهارة المندوبة, و علي تقدير الجواز أمطلقا أم إذا نوى بها استباحة تلك العبادة أو مطلق استباحة العبادة, أو في صورة دون ‏صورة, ثم ما تلك و ما تيك و هل يشترط قصد الأداء و القضاء في العبادات الموقوتة التي ‏تجريان فيها كالصلاة و الصوم, أم في بعضها دون بعض, ثم ماذا و ماذا و ما الفرق, و هل يكفي ‏في الصيام قصد ترك المنافيات, أم لابد من قصد الكف عنها بناء علي أن الأول أمر عدمي والثاني وجودي, و هل يشترط مقارنة النية لأول العبادة, أم يجوز التقديم و التأخير, أم في‏الصوم خاصة يجوز التقديم دون غيره, ثم ما قدر التقديم الجائز فيه أتمام الليل أم تمام‏ الشهر أم الأول مطلقا و الثاني مع النسيان أم يجوز التأخير فيه أيضا إلي الزوال إما مطلقا أو مع ‏النسيان أو العذر أو إلي قبيل الليل في المستحب دون الواجب, و هل يكفي مقارنة العرفية أم ‏لابد من الحقيقية, و هل المقارنة اللازمة للقلبية أو اللفظية, و علي تقدير لزوم المقارنة هل ‏يجوز في الوضوء و الغسل مقارنتها لغسل اليدين المستحب لأنه من الطهارة الكاملة أو المضمضة أو الاستنشاق لأقربيتها إلي الواجب, و هل يجب استحضار الصلاة المندوبة حالة التكبير, و هل يجب استدامة حكم النية إلي آخر العبادة, و علي تقدير وجوبه ما معناها هل‏ هي أمر وجودي هو استمرار النية الأولى أو أمر عدمي بمعنى أن لا ينوي ما ينافي النية الأولى, ثم هل بناء ذلك علي أن الباقي يفتقر في البقاء إلي المؤثر أو لا يفتقر, و متى أخل ‏بالاستدامة فهل يبطل الفعل الواقع بعد الإخلال قبل استدراك النية, ثم إن عاد إلي النية الأولى قبل الإتيان بشي‏ء منها و قبل فوات الموالات حيث كانت شرطا لصحة العبادة لوقوعها بأسرها مع النية و عدم تأثير مثل ذلك فيه‏ أم لا لتخال القطع, ثم‏هل يجوز العدول‏ بالنية في شيى‏ء من العبادات أم لا, فإما قد يجوز و قد لا يجوز, ثم ما موضع الجواز و ما محل‏المنع و ما الفرق, و لو ذهل من النية في أثناء الفعل فهل يكفي تجديدها عند الذكر أم لابد من‏ استئناف الفعل أم قد وقع, ثم النية هل هي واجبة أم مستحبة أم قد وقع, ثم أين تجيء و أين ‏تستحب و ما الفرق, و هل هي في جميع الأفعال أم في العبادات خاصة, ثم ما العبادات التي‏ تجري فيها أليست إزالة النجاسة عن الثوب و البدن للصلاة عبادة فلم لا تجب فيها عند موجبها, و هل هي شرط أم‏ لا, أم في الواجب دون المستحب, أم العبادة دون غيرها, أم في التيمم‏ دون غيره, و هل تصير المباحات بالنية في الحديث المشهور "نية المؤمن خير من عمله" هذه‏ النية أم أمر آخر, ثم ما هو وما معنى الحديث, ثم لو ذهبنا بذكر أقاويلهم في معناه لطال الخطب ‏بل لو اقتصصنا عليك ساير شقوق النية لما فرغنا إلي ما يهمنا إلا بعد ملال و سامة, و هل مثل‏هذه الأمور الآتية في تيه و حيرة في حيرة لا محيص عنها و لا ساحل لها, ثم هب أنها قد تفصت عنها المجتهدون في كتبهم و مسفوراتهم و لم يفعلوا بما يقوم علي ساق و لن يفعلوا فهب أنهم فعلوا فليس في جميعها بل و لا أكثرها و لا أهمها, والمقلد المسكين كيف يصنع و بقول من يأخذ و إلي من يلوذ و كيف يظهر له استجماع شرائط الفتوى فيمن يدعى الاجتهاد و هو موقوف علي تصديق بعضهم بعضها و لا أقل من عدم ‏تكذيبه إياه و هو أمر يمتنع وقوعه إلا من أوحديهم كيف و هم في أكثر البلاد و في أكثر الأزمنة لا يكادون يصطلحون علي خمس مسائل اجتهادية بل و لا على أقل و لا اثنان منهم ‏كما نراه في زماننا و نسمعه فيمن كان قبلنا والي اللَّه المفزع
        خاتمة
        اعلم أني لست أنكر طريقة أهل الاجتهاد جهلا منى بها و لا لعدم بصيرتي فيها كلا بل ما أقدمت علي ذمها إلا بعد ما اطلعت علي طمها ورمها و بعد ما صرفت في البحث عن أصولهم ‏المخترعة أياماً وقضيت في صناعتهم أعواماً فإني بما يعلمون بصير ولا ينبئك مثل خبير, ثم‏ ما ذكرنا كله إنما هو في شأن أهل الاجتهاد و الرأى الناسبين أنفسهم في استعمال الأحكام ‏إلي الأئمة ع بالاستنباط من كلامهم بتأويل المتشابهات علي الأصول المقّررة عندهم.
        و أما مقلدة هؤلاء المجتهدين الناسبون أنفسهم إليهم المتمسكون بأقاويلهم المفتون من ‏كتبهم بعد موتهم من بعد ما سمعوا منهم أن لا قول للميت و أن قول الميت كالميت و بعد إطلاعهم علي اتفاقهم علي ذلك الذين ترى أحدهم ينصب نفسه قاضياً ضامناً لتلخيص ما التبس علي غيره مع أن مقتداه الميت غير ملبي‏ء بإصدار ما ورد عليه و لا عاضّ علي العلم‏ بضرس قاطع فكيف بهذا المسكين المقتفي أثره فما أبعدهم عن الحق و ما أسحقهم عن ‏الإصابة و أعجب من ذلك أنهم يشطرتون الحياة
        فيمن يجوز تقليده و مع ذلك لا يقلدون‏إلا الأموات و يجهدون اجتهاد الأحياء و عدالتهم ماداموا أحياء منافسة و حسداً حتى إذا ماتوا صارت أقاويلهم معتبرة عندهم و كتبهم معتمداً عليها لديهم لزوال العلة أيتغافلون بعد موتهم عما عدوه من عيوبهم أم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم أم لا يميّزون بين الحق والباطل و الحالي و العاطل لكلال بصائرهم و اعتلال ضمائرهم فيسوى عندهم الصدق والزور و الظلمات و النور و ليت شعري أي مدخل في الموت و الحياة في بطلان الفتيا أو إصابة الآراء و هل الحق إلا واحد و مخالفه إلا جاهد.
        ثم إن أقاويل الأموات كما دريت مختلفة غاية الاختلاف و فتاويهم في كتبهم مناقضة كمال‏ التناقض بل الكتاب الواحد لمجتهد واحد في مسألة واحدة مختلفة في الفتوى بحسب ‏أبوابه و مباحثه و هذه الاختلافات تزايد يوماً فيوماً إلي ما شاء اللَّه انقراضها و المقلدة و إن ‏كانوا يقولون في الأكثر علي القول الأشهر إلا أن هذه الشهرة ليست مما يصح الاعتماد لكونها غير مبنية علي أصل بل إنما يكون في الأكثر بالبحث و الاتفاق أو يتقرب صاحب ‏القول من السلطان أو ما شابه ذلك من حوادث الدهور و الأوان و يختلف بحسب الأوضاع والأزمان فرب مشهور لا أصل له ورب أصيل لم يشتهر, ثم إنهم لتعصبهم الشديد و غلوهم في ‏التقليد و تجوالهم في الضلال البعيد لا يرفعون إلي ناصع رأساً و لا يذوقون من شراب ‏التحقيق كأساً و لا يلجئون إلي ركن وثيق و لا يقتدون بمن هو بالإقتداء حقيق, بل إنما يتبعون ‏أهوائهم و يقتدون آبائهم يقتص بعضهم أثر بعض حثيثاً و لا يكادون يفقهون حديثاً.
        وليت شعري من أذن لهم في إتباع رأى من يجوز عليه الخطأ في الرأى ثم اختيار أحد أقوالهم بالاتفاق و البحث مع اختلافهم السحت, آللَّه أذن لهم أم علي اللَّه يفترون, أم تأمرهم ‏أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون, أم عندهم خزائن رحمة ربك أم هم المسيطرون, أم لهم سلم ‏يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين, أم عندهم الغيب فهم يكتبون, أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللَّه كلا بل ذرهم في غمرتهم يعمهون.
        و حيث انتهت سفينتنا في بحر الاختلاف إلي ساحل النجاة وجرت بنا إلي منازل الهداة فلنرسلها عن الجريان, و نمسك القلم عن الطغيان, بسم اللَّه مجراها و مرساها و إلي ربك‏ منتهاها, فيا بني أركب معنا و أدخل معك من تبعنا, لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي, وتميز القول الميت من القول الحي, و كشف الغطاء من البين, ولاح الصبح لذي عينين, فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فإنما هم في شقاق, و لئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك ‏من العلم فمالك من اللَّه من ولي و لا واق.
        أطفئنا السراج فقد طلع الصبح و الحمد اللَّه و الصلاة على رسول اللَّه ثم علي أهل بيت رسول اللَّه صلوات اللَّه عليهم أجمعين ثم إلي رواة أحكام اللَّه‏ ثم علي من انتفع بمواعظ اللَّه و تمت سفينة النجاة وصار اسمها تاريخها إذا بدلت عشراتها بالآحاد و آحادها بالعشرات بدل اللَّه سيئاتنا حسنات و جعل حسناتنا درجات.

        وبهذا ينتهي هذا البحث المبارك نسأل الله تعالى أن ينير قلوب الباحثين عن الحق وهو شريعة آل رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) المتمثل بشريعة السماء لاشريعة الفقهاء وعلم الرجال.
        والحمد لله رب العالمين
        عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

        ((إذا خرج القائم (ع) ينتقــم من أهـلِ الفتـوى بما لايعلمون ، فتعساً لهم ولأتباعهم ، أوكان الدينُ ناقصاً فتمّموه ؟ أم بهِ عِوَجُ فقوّموه ؟ أم أمر الناس بالخلاف فأطاعوه ؟ أم أمرهم بالصواب فعصوه ؟ أم همَّ المختارفيما أوحى إليهِ فذكَّروه ؟ أم الدين لم يكتمل على عهدهِ فكمَّلوه ؟ أم جاء نبَّيُ بعدهُ فاتبعوه )) بيان الأئمــة/ ج3 ، ص298
        .

        تعليق

        يعمل...
        X