إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاجتهاد في الامم السابقة(الحلقه الاولى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاجتهاد في الامم السابقة(الحلقه الاولى)

    الاجتهاد في الامم السابقة مرت الأديان السماوية بعدة آفات نهشت أساس ما دأب الأنبياء والمرسلون وأوصيائهم في بنائه وكان أساس ذلك البناء هو الطاعة لله وتوحيده ونبذ الشرك أينما وجد وأين ما حل في كل المسائل التي تتعلق في حياة المجتمعات فمن الشرك ما كان ظاهراً ومنه ما كان خفي عن الإحساس به والشعور في ممارسته .
    وفي طبيعة الحال فأن الأدوات التي كانت تنهش هذا الأساس الذي بناه النبيون والمرسلون وأتباعهم لم تصدر من بسطاء الناس بل كانت تصدر من هؤلاء الذين جلسوا مكان الأنبياء مدعين التدين موهمين الناس بأنهم أهلا للقيادة ومحلا للثقة حتى وقع الناس بحبائل أعوان إبليس فنقادو لهم وأصبحوا طائعين لهم عابدين غير مبالين بما يصدر عنهم أهو في مرضاه الله أم في سخط الجبار العليم إلا ما عصم ربي .
    ولذلك نجد رجال الدين في كل زمان من الأزمنة السابقة كانوا أول المحاربين للنبيين أن أتوا لإصلاح ما خربه الجالسين في مكان الاولياء وكل ذلك لا لشئ انما هو لحب الانا والدنيا وعشق الرئاسة والتسلط على رقاب الناس وخير مثال على ذلك هو ما فعله الأحبار والرهبان فالأحبار قد غيروا ما غيروا من تعاليم موسى (عليه السلام) بما يخدم مصالحهم الدنية ونرى موقفهم من نبي الله عيسى (عليه السلام) واضحا وجليا قد شهده الانجيل ناقلا لما قاله السيد المسيح (عليه السلام) بحق الكتبة والفريسيون حيث جاء في الانجيل حين خاطب يسوع الجموع وتلامِيذه قائلا : ( عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ 3فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ وَلَكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. 4فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ 5وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ 6وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ 7وَﭐلتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! 8وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى الأَرْضِ لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. 11وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِماً لَكُمْ. 12فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ )أنجيل متى - الاصحاح 23

    وكذلك جاء تحذير السيد المسيح (عليه السلام) للكتبة والفريسيون حيث قال : ( وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ! 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذَلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً! 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ! 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللَّهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ! 23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ! 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اخْتِطَافاً وَدَعَارَةً! 26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً. 27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَاراً وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْماً! 29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ 30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ! 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32فَامْلَأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ 34لِذَلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ 35لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ ) أنجيل متى - الاصحاح 23
    ولا يخفى على من تمعن كلام السيد المسيح (عليه السلام) أن يدرك ما كان عليه الأحبار قبل قدومه وكيف كانوا يجلسون على كرسي موسى (عليه السلام) وكيف أنهم يقولون مالا يفعلون محبين للرياء مولعين بتقديم أنفسهم بين الناس متكأين على موائد الطعام يحبون مدح الناس لهم يأكلون أموال الأرامل والأيتام ظلما وأنهم يبنون قبور الأنبياء ويقولون ياليتنا كنا معكم لما شاركنا أبائنا في قتالكم ولنصرناكم وهم يشهدون بأنهم أولاد قتلة الأنبياء وذراري المفسدين في الأرض وهذا كله تصديق لما جاء في كتاب الله الذي انزل على خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم تسليماٍ) حين وصف الذين غيروا دين الله بأرائهم وعقولهم القاصرة في قوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) الشعراء أية 224 - 227
    حيث جاء في تفسيرها عن الصادقين (عليهم السلام) ما نقله علي بن إبراهيم في تفسيره عند قوله تعالى : (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( نزلت في الذين غيروا دين الله (وتركوا ما) أمر الله ، ولكن هل رأيتم شاعرا قط تبعه أحد ، إنما عنى بهم : الذين وضعوا دينا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك - إلى أن قال : - (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده (عليهم السلام) ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 132 - 133
    وجاء أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قوله عز وجل : (والشعراء يتبعهم الغاوون) قال : (من رأيتم من الشعراء ! إنما عنى بهذا الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس الباطل ، وهم الشعراء الذين يتبعون) مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 17 - ص 310
    وجاء عن الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال : روى العياشي بالاسناد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : في الشعراء : (هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 - ص 133

    ومن هنا يتضح لنا اوجه الشبه بين المفسدين في اول الزمان والاحقين بهم في زمن الاسلام الى يومنا هذا وكذلك مدى تشابه الوصف لهم بين ماذكره الانجيل وما تحدث به كتاب الله القران الكريم فهم قد وصفوا بانهم يقولون مالا يفعلون وقد ذكر في الانجيل وكذلك في اقوال الائمة (عليهم السلام) صفاتهم الاخرى والتي ذكرناها فيما تقدم .
    ان الاحتجاج بالانجيل او بالتوراة قد يكون غريباً بعض الشيء لدى القارئ الكريم لعدم احتجاج الباحثين من الامامية وغيرها بما هو موجود في تلك الكتب وان هدفنا من الاستدلال خصوصا حين نناقش المسيحين بالانجيل هو تقصي الحقائق ومقارنة ماهو موجود في هذا الكتاب – اعني الانجيل - وبين ماهو موجود في تراثنا الاسلامي اعني الكتاب والسنة واقوال الائمة (عليهم السلام) لكي تكتمل الصورة في البحث .
    وعلى العموم فأن القاريء الكريم ربما تكون له المعرفة ولو النسبية بما جاء في سطور الاناجيل وربما لا تكون وهذا ماعليه اغلب المثقفين من المسلمين بشكل عام لاكتفائهم بالمصادر الاسلامية وعدم الاطلاع على المصادر الاخرى .
    ان المطلع على كتب الاديان الاخرى وخصوصاً التوراة والانجيل يجد فيها الكثير من التعاليم المتشابهه التي وردت في كتب الاديان السماوية الثلاثة وقد تعمدنا في هذا الفصل ان نلفت نظر القاريء الى مثل هكذا مصادر مهمة عانت من اضطهاد كبير من قبل العلماء المسلمين مما ادى الى افتقار المثقف المسلم الى المعرفة بما جاء في بطون تلك الاسفار .
    ان السبب الوحيد في هجران كتب الاديان يعود الى التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن التي ذكرت مسالة التحريف الذي اصاب كتب اليهود او النصارى ، كقوله تعالى : (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ...) النساء 46، وقوله تعالى : (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ... )المائدة 13، وقوله تعالى : ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم ياتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ...) المائدة 41 ،
    ان التفسير الشائع عند عوام الناس هو القول برفض نصوص الكتاب المقدس كلياً وهذا التفسير من الاسباب التي ادت الى ابتعاد المسلمين عن ماهو موجود في هذه الكتب السماوية التي سبقت الاسلام ، ان الحقيقة تظهر عند العارفين بتفسير الآيات التي ذكرناها والتي ذكرت الذين يحرفون الكلم عن مواضعه اي احبار اليهود ورهبان النصارى .
    ان المعنى اللغوي للتحريف المذكور في الكتاب الكريم يرجع إلى الجذر (حَرَفَ) أي إمالة الشيء و العدول عنه عن مواضعه و اتجاهه الأساسي الموجود أو الذي ينبغي أن يكون .
    و تحريف الكلم عن مواضعه : تغييره و التحريف في القرآن و الكلمة : تغيير الحرف عن معناه و الكلمة عن معناها و هي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشياء فوصفهم الله بفعلهم فقال تعالى ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) ابن منظور ، لسان العرب ، ط1 ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1408 هـ ، مج3 ، ص129 ويقول اهل اللغة ايضاً : ( يحرفون ً: (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) أي يصرفونه عن معناه ) معجم ألفاظ القرآن الكريم ، ط1،طهران : مطبعة أرمان ، 1363هـ ، ج1 ، ص248
    هذا من جانب اهل اللغة اما من جانب قراءة الكتاب المقدس – اي الانجيل والتوراة – فأننا نجد الكثير من الامور التي تحدثت عنها هذه الكتب قد ورد ذكرها في الكتاب الكريم وفي اقوال الائمة (عليهم السلام) مما يدل على ان في الكتاب المقدس نصوص لم تصلها ايدي التحريف بأي معانيه كما اننا نرى الكثير من المحاججات بين الائمة (عليهم السلام) وبين الاحبار والرهبان قد بنيت عما موجود في الكتاب المقدس ولم تكن مبنية على ماهو موجود في القران الكريم فقط بل ان طبيعة المحاججات لابد ان تتم بما في ايدي الخصم وبما يعترف به ويقدسة ولا يمكن القول بان الائمة (عليهم السلام) كانوا يحاججون بالباطل اذا فرضنا بان ماهو موجود في الكتاب المقدس هو باطل فهذه السمة لاتليق باهل البيت (عليهم السلام) ابداً ولا تكون لهم اطلاقاً وهذا ما يؤكد بان الكتب التي في ايدي الاحبار والرهبان لازالت تحتوي على الكثير من الحقائق التي نجهلها ولا يمكن القول بان ايدي التحريف قد طالت جميع مافي الكتاب المقدس بل ان الكثير من الحق لازال موجود في بطون هذه الكتب وهو مما حدى باهل بيت العصمة من المحاججة بهذا الحق الموجود في تلك الكتب .

    ان المناظرات التي جرت بين الائمة (عليهم السلام) وبين زعماء الاديان الاخرى كثيرة منها ما ينقل في كتب الاخبار من محاججة الامام الرضا (عليه السلام) مع الجاثليق في احد مجالس المأمون العباسي حيث سأل جاثليق النصارى الخليفة العباسي قائلاًً : (يا امير المؤمنين كيف احاج رجلاً يحتج علي بكتاب انا منكره ونبي لا اومن به؟، فقال له الرضا (عليه السلام) :يا نصراني ، فأن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟، قال الجاثليق :وهل اقدر على دفع ما نطق به الإنجيل نعم والله اقر به رغم انفي..)(عيون اخبار الرضا ج1 ص 156) ، بالأضافة الى ما قاله امير المؤمنين(عليه السلام) حول الحكم بين الاديان بقولهاما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بأنجيلهم وبين اهل الزبور بزبورهم وبين اهل الفرقان بفرقانهم..)البحار ج40 ص 144.
    ان كلام امير المؤمنين (عليه السلام) يؤكد بان في الانجيل الكثير من الحقائق التي لم يصل اليها المحرفون فأن امير المؤمنين (عليه السلام) قد اعلنها صراحتاً بانه على استعداد للحكم بين اهل التوراة بتوراتهم وبين اهل الانجيل بانجيلهم وامير المؤمنين (عليه السلام) لايحكم بالباطل كما انه لايستطيع ان يجلب لهم انجيل غير انجيلهم ولا توراة غير توراتهم واذا فعل ذلك لايقبل اياً من اليهود النصراى حكم الامام لعدم اعترافهم بغير ماجاء في كتبهم ولذلك قال الامام بانه سيحكم بينهم بكتبهم اي بمعنى التي بين ايديهم وهذا ما يؤكد بان هذه الكتب حاوية على الكثير من الحقائق التي يجب ان يعلمها المسلمون وان لايغضوا عنها الانظار .

    إن ما يعنينا في في الاستدلال بما جاء في الكتاب المقدس هو بيان العصيان والتمرد الذي صدر من قبل رجال الدين على الأوامر الإلهية بعد رحيل الأنبياء والذي كان السبب في نخر جسد الدين وهجر أوامر رب العالمين بتعليلات وأعذار وضعت من قبل أناس جلسوا في مجالس الانبياء محاولين بذلك تصحيح منهاج السماء ظنا منهم أن الأمر لهم (قل الأمر كله لله) وقال تعالى (ولا يشرك في حكمه أحدا) وهو الذي (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )...
    لقد أجتهد رجال الدين في الاديان السابقه بأرائهم حتى اضحوا غير مبالين بسخط الجبار فبمجرد رحيل النبي او الحجة من بين أمته ترى هذه الأمة مولعة بالتغيير وهذا التغيير بطبيعة الحال لا يكون على يد بسطاء الناس كما مر ذكره إنما يقوم به كبار القوم الذين نصبوا أنفسهم قادة للناس، فيبدأ برنامج التغيير نحو الهلاك فيغيرون شريعة السماء بشريعة تتوافق ومصالحهم وأهواءهم فيبدأ نجم الدين بالأفول يوما بعد يوم فكم حتى تصبح السنن ميتة والبدع ظاهرة ويصير الأمر ليس لله بل للناس ، ولكن الله يمهل هذه الأمم ولا يهملها لا لأنه عاجز عن ردعهم والدفاع عن شريعته بل ليميز الخبيث من الطيب ويعطي المحسن ثواب إحسانه ويلقي بالجاحد في ناره جزاء ظلمه وعدوانه ...
    لقد تعاقب الأنبياء نبي بعد نبي ورسول بعد رسول لالقاء الحجج على الخلق قبل ان يحل الهلاك عليهم قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى )طه أية 134 فكان الجواب الالهي عليهم (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)الاسراء أية15 فكانت السماء مدرارا بالانبياء والمرسلين وما كانوا ليؤمنوا بما انزل الله عليهم الا قليل من المؤمنين وكان اغلبهم مجمعين على قتال النبيين فحل عليهم غضب الله بعدما اسرفوا في عصيانهم واعتدائهم على شريعة الله قال تعالى : (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) البقرة61
    التعديل الأخير تم بواسطة فأس ابراهيم; الساعة 13-03-13, 12:18 AM.
    (... القائم المهدي من ولد علي اشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخُلقاً وسمتاً وهيبةً ...)

  • #2
    الاجتهاد في الامم السابقة(الحلقه الثانية)

    ونحن أمام هذا القول لابد أن نتحرى مصاديق تحقق هذا الكلام في أمتنا الإسلامية وفي هذا الزمن بالذات زمن ظهور المصلح ، فإذا استطعنا تحديد الخلل وكشفنا بعض الاعوجاج وتجنبناه كان قبولنا اقرب عند ولي الله المهدي (عليه السلام) فالتطهر من الآثام يقرب اليمن باللقاء لأنه صلوات الله تعالى عليه طهر طاهر لا يجاور الجيف .
    وسوف نقوم في هذا المقام بتبيين ما حل من تغيير في أديان الأمم السابقة ونحصر البحث في أمة موسى وعيسى (عليهما السلام) ونثبت كيف أن زعماء تلك الأمم وكبارها غيروا في دين الله وأظهروا البدع في أممهم، ونقارن تلك البدع بزماننا ونوضح كيف جرت وستجري سنن الماضين علينا وقبل ان ندرس الحوادث علينا اولا اثبات بان سنن الامم السالفة سوف تقع في امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .
    انطباق السنن في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما):لقد تحدث كتاب الله عزوجل عن جريان السنن التاريخية والتي مر عليها اليهود والنصارى في هذه الامة لاجبرا منه ولكن لعشق النفوس الامارة بالسوء الى اتباع حبائل ابليس (عليه اللعنة) وما أكثر اصحاب هذه النفوس المريضة بامراض العصيان وحب الشيطان .
    لقد ابت هذه الامة الا السير على سنن الماضين خصوصا سنن اليهود والنصارى فقد تواترت الاخبار المروية بركوب هذه الامة سنن من سبقها من الامم السالفة فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال: (لتركبن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتى لو أو رجلا منهم دخل جحر ضب لدخلتموه فقيل : يا رسول الله اليهود والنصارى ، قال : فمن أرى )) (المسترشد - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - ص 229 – 230)
    وقال الطبري في المسترشد معقبا على قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) : ( فدل هذا القول منه لترتدن كما ارتدت اليهود والنصارى ، حين فقدوا موسى وعيسى (عليهما السلام)) (المسترشد - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - ص 229 – 230)
    وجاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليم) : ( والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتى لا تخطؤون طريقهم ، ولا يخطئكم سنة بني إسرائيل) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 13 - ص 180
    وجاء عن الصادق (عليه السلام) في قوله : ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : ( أي سير من كان قبلكم ). وعنه (عليه السلام) قال : (لتركبن سنن من كان قبلكم من الأولين وأحوالهم) . التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 7 - ص 435 – 436
    وذكر المحقق الخوئي حال السنن في كتابه البيان قائلاً : ( أن يكون معناها أن حوادث الأمم السابقة تجري بعينها في هذه الأمة ، فهي بمعنى قوله تعالى : ( لتركبن طبقا عن طبق) ، وبمعنى الحديث المأثور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) " لتركبن سنن من قبلكم " ) البيان في تفسير القرآن - السيد الخوئي - ص 20
    بعد ماتقدم من البيان نقول ان نطباق السنن التي جرت في الامم السابقة , وعلى وجه الخصوص اليهود والنصارى , ستنطبق في امة الرسول الخاتم وأنه امرا لابد منه فهو مصداق قولة تعالى (لتركبن طبقا عن طبق) والذي جاءت الاخبار الشارحة له في بيان قد تواتر معناه عبر الازمان وعلى لسان الصادقين من آل محمد (عليهم السلام) وما نقلوه عن جدهم الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يصبح امرا لابد من قبوله وعدم التاويل فيه لتبرأت النفوس التي ابت الا ان تجري على ماجرى عليه عباد أبليس عليه لعنة الله .
    إن من أكثر السنن إنطباقا على أمتنا هي سنن بني إسرائيل وما جرى عليهم وما احدثوا من الأمور التي ميزتهم عن باقي الأمم ونطق القرآن بها وتحدث عنهم أكثر من أي الأمم الأخرى ولا بد أن تجري علينا سنن بني إسرائيل مصداقا لقول الرسول والأئمة (عليهم السلام) في هذا الخصوص ومن هذه السنن :

    1-عبادة العجلقال الله تعالى: ( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) الأعراف 148 - 154
    لقد ذكرت قصة العجل في العديد من ايات الكتاب الكريم وحاصلها أنه بعد ان ذهب موسى (عليه السلام) لميقات ربه استخلف على بني إسرائيل أخيه هارون (عليهما السلام) وكان هذا الأمر بعد أن أهلك الله فرعون بالغرق ونجى بني إسرائيل من فرعون وملأه، وكان السامري رجلا من أهل ( با كرم ) وكان من قوم يعبدون البقر وكان حب عبادة البقر في نفسه، وكان قد اظهر الايمان في بني إسرائيل، فلما قصد موسى إلى ربه خلف هارون في بني إسرائيل، قال لهم هارون (عليه السلام) : إنكم تحملتم أوزارا من زينة آل فرعون، وأمتعة وحلي، فتطهروا منها، فإنها بخس، واوقد لهم نارا وقال لهم : اقذفوا ما كان معكم فيها، فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة وذلك الحلي، فيقذفون به فيها حتى إذا انكسر الحلي وكان السامري قد رأي اثر فرس جبرائيل ، فأخذ ترابا من اثر حافره، ثم اقبل إلى النار، فالقى ذلك التراب في النار وقال كن عجلا جسدا له خوار وكان البلاء والفتنة.
    فلما رأوه قال لهم السامري : ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) موسى وتركه هاهنا وذهب يطلبه، فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم ير مثله قطا (التبيان - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 237)
    فقال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري فأطاعه بعضهم وعصاه بعضهم فأقام بمن معه ولم يقاتلهم ولما ناجى الله تعالى موسى قال له ما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربي لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك يا موسى وأضلهم السامري .
    نلاحظ في قصة السامري حب الاجتهاد والتغيير بمجرد غيبة ولي الله وهذه سنة تسير عليها الامم فكم من مبتدعين ابتدعوا اشياء ماأنزل الله بها من سلطان بعد رحيل نبيهم او رسولهم كما ان محل الابتلاء والفتنة هو ان المبتدعين دائما من اقرب الناس للاولياء والانبياء مما يجعلهم محلا للثقة عند باقي الاتباع وهنا يقع الانزلاق في المحذور فمها يبلغ الانسان من منزلة القرب من الاولياء فهو ليس بمأمن من الانخراط في يوم من الايام في حزب الشيطان والانقياد لابليس فلا يعد الا ايام قلائل حتى يرى نفسه قد اصبح من الاعوان المقربين لابليس عليه اللعنة بعد ان كان من المؤمنين المقربين وهذا مما لايدركه الناس البسطاء حتى يأتي الحجة أو النذير لبين انحراف المنحرفين فيتعجب الناس كيف كانوا يصدقون هؤلاء وكيف وكيف وكيف...
    ان التاريخ يشير الى هؤلاء بوضوح فمنهم مانحن بصدد بيان الانحراف الذي سببه لبني اسرائيل الا وهو السامري والسائرين على نهجه الى يومنا هذا فقد ورد في الأثر المبارك ما يشير إلى أن عجل السامري له مصاديق في أمة محمد حيث ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) أنه قال: ( يا علي إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلا فخالفوا خليفته ، وستتخذ أمتي بعدي عجلا ثم عجلا ، ثم عجلا ، ويخالفونك ، وأنت خليفتي على هؤلاء ، يضاهؤن أولئك في اتخاذهم العجل ، ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيق الاعلى، ومن اتخذ بعدي العجل وخالفك ولم يتب فأولئك مع الذين اتخذوا العجل زمان موسى : ولم يتوبوا في نار جهنم خالدين مخلدين) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 28 - ص 67
    وهنا تحقق المصداق الأول لعجل السامري في إمتنا وهم من استولوا على مقام الإمام علي (عليه السلام) فهم مصداق لعجل السامري في أمة محمد في وقت الإمام علي (عليه السلام) ومن تبعهم فإنه سوف يحشر إلى نار جهنم .
    أما المصداق الثاني لعجل السامري فنلمسه من خلال ما ورد في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : (إن الله عز وجل أوحى إلى موسى : يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء بعبادتهم واتخاذهم إلها غيري إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين ، وجحودهم لموالاتهم ونبوة النبي ووصية الوصي حتى أداهم ذلك إلى أن اتخذوا العجل إلها ) تفسير الامام العسكري –المنسوب للعسكري (عليه السلام) – ص251
    وكذلك ما ورد في قوله (عليه السلام) : (جل مقام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن وصف الواصفين ونعت الناعتين وان يقاس بهم أحد من العالمين كيف وهم الكلمة العليا والتسمية البيضاء والوحدانية الكبرى التي اعرض منها من أدبر وتولى وحجاب الله الأعظم الاعلى فأين الاختيار من هذا وأين العقول من هذا ومن ذا عرف أو وصف من وصف ظنوا ان ذلك في غير آل محمد كذبوا وزلت اقدامهم اتخذوا العجل ربا والشياطين حزبا يأكل ذلك بغضه لبيت الصفوة و دار العصمة وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة وزين لهم الشيطان أعمالهم فتبا لهم وسحقا) (مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) - الميرجهاني - ج 1 - ص 197 - 198
    فمن هاتين الروايتين يتبين أن كل من اضاع الصلاة أو جحد مقام النبي(صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) والأئمة (عليهم السلام) فهو من اتباع عجل السامري سواء كان في زمن النبي(صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) أو في زمن الأئمة (عليهم السلام) ويشترك المعنى في زمن الغيبة كذلك فيمن اتخذ إماما دون الإمام المهدي (عليه السلام) فجعل منه إمام لزمانه أو ولي للأمر فهؤلاء قد جحدوا إمامهم ونصبوا من عند انفسهم إماماً يرضي انفسهم او اتخذوا علما ومنهجا ما انزل الله به من سلطان فجعلوه سبيلا لهم ورضوا به كما فعل السامري في غيبة موسى (عليه السلام) واتخذ العجل فرضى به لنفسه الها ورضوا به بنو اسرائيل ولهذه السنة انطابقا في امامنا المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ولهذا المعنى فقد ورد عن حنان بن سدير ، عن أبيه عن أخيه ابي عبد الله (عليه السلام) قال : قال : (إن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له ولم ذاك يا بن رسول الله ؟ قال : إن الله عز وجل أبى إلا أن يجرى فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم وانه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم قال الله عز وجل (لتركبن طبقا عن طبق) أي سننا على سنن من كان قبلكم ) علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 245
    وروى الصدوق عن سعيد بن جبير ، قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول : ( في القائم منا سنن من سنن الأنبياء عليهم السلام ، سنة من آدم ، وسنة من نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وعليهم) الأنوار البهية - الشيخ عباس القمي - ص 371
    ومن هاتين الرواياتين الشريفتين يتأكد لنا معنى انطباق سنن الانبياء (عليهم السلام) بشكل عام وتلك التي حدثت في غيباتهم بشكل خاص في غيبة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وخصوصا ما نحن بصدد بيانه اي العجل المقيت وكيف عُبد بعد غيبه كليم الله موسى (عليه السلام) فلابد من وجود عجلا يعبد حاليا في غيبة امامنا المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وفي هذا البيان لابد من بيان نكتة في غاية الاهمية وهي مسألة انطباق السنن فليس من الظروري ان تنطبق السنة في زماننا كما هي في زمان الانبياء (عليهم السلام) اي ليس من العقل ان يعبد عجلا كما فعل السامري واتباعه من بني اسرائيل اي ان نتصور المسلمون او الشيعة تتخذ عجلا من ذهب على صورة ذلك العجل فتتخذه ألها وتعتبره اله المهدي (عجل الله فرجه الشريف) كما اعتقد بني اسرائيل بان العجل اله موسى (عليه السلام) الذي نساه عندهم ولكن من المؤكد بان هذه السنن تنطبق بالمعنى التأويلي كما انطبقت سنة العجل فيمن اتخذ اماما غير امير المؤمنين (عليه السلام) ونصبه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) كما جاء في الاخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) أنه قال لعلي (عليه السلام) : ( يا علي إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلا فخالفوا خليفته ، وستتخذ أمتي بعدي عجلا ثم عجلا ، ثم عجلا ...) وكما مر ذكر الرواية الشريفة
    ومن هذه الرواية يتضح لنا موقف امة محمد (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) فلم تتخذ عجلا واحد كما فعل بني اسرائيل بل ستتخذ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) عجلا ثم عجلا ثم عجلا فكان اول العجول هو ما اتخذه المسلمون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) فبايعوا العجل وخالفوا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) كما فعل بين اسرائيل وسكت الخليفة الحقيقي عن حقه كما سكت هارون (عليه السلام) مع فارق بان هارون لم يكن موصى من قبل موسى بالسكوت كما كان حال أمير المؤمنين (عليه السلام) .
    وخلاصة الكلام ان السنن انما تنطبق في اغلب الاحيان على المعنى التأويلي وليس كما هي في زمن الاولين فتحدث في زماننا او في زمان الائمة (عليهم السلام) كما هو واضح .
    بعد ماتبين لنا لابدية العجل ولابدية وجوده في زماننا هذا كان لزاما علينا ان نبحث مصاديقه ونشخصها ومن ادوات تشخيصها هو الوقوف على كل شيء في المجتمع لم ياتي عن الصادقين (عليهم السلام) تأكيده ودراسه تلك الامور وخصوصا تلك التي تتعلق بعقائدنا وبحياتنا فهل استبدلنا امامنا المهدي (عجل الله فرجه الشريف) بغيره وجعلناه عجلا يتبع ام اضفنا لعلوم آل محمد (عليهم السلام) من الاكاذيب التي هم بريئون منها ام جلسنا في مقام العجل مدعين قدرتنا على التشريع وفق ماترتضيه عقولنا ويقبله هوانا مدعين بانه الحق من ربنا وماسواه فهو الضلال كل هذا وغيره من الامور التي تستحق البحث وبذل الجهد في سبيل معرفه ما اوصانا به آل محمد (عليهم السلام) والا لو كنا منزهين عن عبادة العجل وتغيير احكام الله لما طالنا العقاب بغيبة امامنا المهدي (عجل الله فرجه الشريف) عنا وقد علمنا بان الله اذا غضب على قوم نزع امامهم منهم وجعلهم في تيه الى ان يرجعوا عن ذنوبهم ويستغفرو ربهم ويتوبوا اليه فقد جاء عن محمد بن الفرج قال : كتب إلي أبو جعفر (عليه السلام) : ( إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا عن جوارهم) الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 343
    ان لقصة العجل ما يشابهها في زماننا فقد غاب عنا إمام الزمان كما غاب موسى عن قومه ولكن هذا الغياب كان طويلا جدا قياسا بغيبة موسى التي كانت اربعون ليلة فما الذي حصل في هذه الغيبة الطويلة ياترى ؟ فاذا كان بني اسرائيل قد غاب عنهم الحجة اربعين يوماً فعبدوا العجل فما هو حالنا والحجة قد غاب عنا منذ اكثر من الف عام ؟
    من كل ذلك نستشف أنه لابد من وجود عجل لسامريو الغيبة والى زماننا وهذا بعد ان تأكد للكثير من الباحثين بانه عصر الظهور الشريف فعلينا معرفه ذلك العجل وتشخيصة لنكون في منئى عن خطره وخطر اتباعه .
    وهذا ما سنبينه في مبحث الاجتهاد بعد الغيبة عند الامامية وكيف بدل القوم مابدلوا من احكام ووصايا واستعانوا بعجل كما استعان السامري من قبل .
    (... القائم المهدي من ولد علي اشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخُلقاً وسمتاً وهيبةً ...)

    تعليق


    • #3
      الاجتهاد في الامم السابقة(الحلقه الثالثة)

      2- الرهبانية ابتدع النصارى الرهبانية بعد نبي الله عيسى (عليه السلام) حيث ورد ذكرهم بهذه الصفة في كتاب الله في قوله تعالى: ( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد27
      أن كلمة الراهب لها عدة معان لدى الديانة المسيحية منها أن الراهب أو الراهبة هو أنسان أمتلئ وجدانه بالحب الإلهى ، وهؤلاء الناس هم الذين تركوا كل شئ وتبعوا المسيح , لا يريدون شيئاً غير التسبيح ومناجات الله تعالى .
      وعندما يسلك هؤلاء فى سلك الرهبنة فلهم نظام تعبدى خاص لأن لهم هدف واحد هو العيش بعيداً عن ضوضاء العالم في عزلة عن الحياة العاملة وصخبها وشرورها، يهب حياته للصلاة العميقة الطويلة والتعبد بغير شاغل أو عائق فيعيشون متفرقين منفردين كل واحد في مغارة أو كهف في الصحارى والجبال، ويتبعون نظاماً خاصاً في صلاتهم وصومهم وعبادتهم وتأملاتهم ومأكلهم ومشربهم، وكان سبب نشوء هذه الرهبانية هو ما لاقاه اتباع المسيح من القتل والتشريد فأضطروا للتفرق في البوادي والقفار والسهول والجبال لحفظ انفسهم من الهلاك وحفظ ما تبقى من المؤمنين بعيسى المسيح (عليه السلام) .
      ومما يدل على ذلك هو ما ورد في تفسير الآية السالفة الذكر: ( اختلف من كان قبلكم على ثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها ثنتان وهلك سائرهن ، فرقة قاتلوا الملوك ، على دين عيسى عليه السلام فقتلوهم ، وفرقة لم يكن لهم طاقة لموازاة الملوك ، ولا أن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه السلام ، فساحوا في البلاد وترهبوا ، وهم الذين قال الله عز وجل : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) : من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون ) . التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 2 - ص 1271
      ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن ابن مسعود قال : كنت رديف رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الحمار فقال : ( يا ابن أم عبد هل تدرى من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى (عليه السلام) يعملون بمعاصي الله ، فغضب أهل الايمان فقاتلوهم ، فهزم أهل الايمان ثلاث مرات فلم يبق منهم الا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء افنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام يعنون محمدا صلى الله عليه وآله ، فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا رهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ; ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) إلى آخرها ثم قال : يا بن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : الهجرة الجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة ) تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 5 - ص 251 - 252
      فهذه القصة وما يشابهها مما روي عن مصادر النصارى والإسلام على اختلافها تشير إلى هذا المعنى أو ما يشابهه .
      فكان من هؤلاء الرهبان أن اعتمدوا في عزلتهم تلك أحكاما وعبادات واسلوب في الحياة يختلف كثيرا بل ويشذ عما هو معهود في الديانات وشرائع الله تعالى.
      وكان من تلك الأعمال العزلة عن العالم والتفرغ للعبادة وترك الإختلاط بالآخرين والإنقطاع للرياضات الروحية والعقلية، والأنصراف للتأمل والتصوف، وخلود إلى السكون والتفكير الدائم ليخلص ذلك الراهب نفسه من أوزار الذنوب والآثام لأنهم كانوا يرون أن الإختلاط بالآخرين سوف يجرهم إلى ارتكاب الآثام والتلوث بما تلوث به الناس من المفاسد والذنوب .
      ثم انتقل الأمر بعد ذلك الحال إلى الإعتكاف في الكنائس ودور العبادة ليكمل ذلك الراهب عزلته عن العالم .
      ومن سلك مسلك الرهبان فبطبيعة الحال لابد أن يترك الزواج أو ما يسمى بالتبتل حيث يقوم هؤلاء الرهبان بالبقاء على العزوبة مدى الحياة وكان هدفهم من ذلك كما يزعمون هو ليس هرباً من مسؤوليات الزواج، ولا كراهية للمرأة أو الأولاد، بل لأنه يرى في الزواج تدنيس للجسد ومخالفة للترقي الروحي وصاروا ينظرون الى المرأة كأنها من الخبائث والآثام التي تحجب العبد عن ربه، وهذا الفهم تولد لديهم بسبب فهمهم الخاطئ لكتابهم وبعض الكلمات المدسوسة فيه وظنوا أن عدم زواج المسيح ويوحنا النبي (عليهما السلام) هو لهذا السبب .
      وغيرها من الأفعال التي شذوا بها عن طريق الله تعالى و وصايا الأنبياء (عليهم السلام) وهذا يدل على مفارقة هؤلاء لحقيقة الدين فتعاليم السماء توجب على رجال الدين أو ما يسمونهم في الديانة المسيحية بالفريسين أن يختلطوا بالمجتمع والناس ليرشدوهم لطريق الرب كما كان يصنع يسوع المسيح (عليه السلام) فقد كان يخالط أصحاب الذنوب والكبائر ويرشدهم إلى طريق الهداية وكما قال : ( روح السيد الرب عليّ لان الرب مسحني لابشر المساكين ارسلني لاعصب منكسري القلب لانادي للمسبيين بالعتق وللماسورين بالاطلاق ) اشعيا 61: 1

      وهذا يدل على أن هؤلاء الرهبان قد خالفوا تعاليم نبيهم (عليه السلام) وابتدعوا طريقا ليخلصوا انفسهم ظاهريا من الشر والعذاب والذنوب ويتركوا الناس غارقين في ظلام الجهل والفتن وهذا بطبيعة الحال هو حب للنفس لا حب لله لأن الذي يحب الله تعالى عليه أن يلتزم بتعاليم السماء لا أن يفعل ما يراه مناسبا لهواه وإرادته القاصرة.

      ولم تكن هذه البدعة في الدين متولدة لدى أهل الكتاب فقط بل تبعهم على ذلك جماعة من المسلمون وقد يكون ذلك بسبب تأثرهم بما سمعوا أو رأوا من هؤلاء الرهبان قبل الإسلام فأرادوا ان يسيروا وفق ذلك المنهج المنحرف فكان أول ظهور لهذه الجماعات في صدر الإسلام عندما قام بعض المسلمون بتطبيق هذه الأفعال فهجروا العيال والنساء واعتزلوا في الجبال والبيوت وصاموا عن الطعام وقد وبخهم الرسول (صلى الله عليه وآل وسلم تسليما) على أفعالهم هذه ونهاهم عنها لأنه لا رهبانية في الإسلام على هذا النحو إنما رهبانية الإسلام هي الجهاد وصلاة الليل حتى وصف أصحاب القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأنهم رهبان في الليل لكثرة عبادتهم ليوث في النهار.
      حيث ورد عن أبي عبد الله عن أبي الحسن (عليهما السلام) في قول الله عز وجل ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ) قال : (صلاة الليل ) . علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 363
      وكذلك ورد عن أنس، قال: توفي ابن لعثمان بن مظعون ، فاشتد حزنه عليه حتى اتخذ من داره مسجدا يتعبد فيه، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فأتاه فقال له: ( يا عثمان إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ) مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج 4 - ص 261 - 264
      النهي عن رهبانية النصارى :
      لقد ورد في النهي عن رهبانية النصارى اخبار عدة منها ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال : (جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فقالت : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فقال له : يا عثمان لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية ولكن بعثني بالحنيفة السهلة السمحة ، أصوم واصلي وألمس أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح) الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 494

      وجاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال : (إن ثلاث نسوة أتين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فقالت إحداهن : إن زوجي لا يأكل اللحم ، وقالت الأخرى : إن زوجي لا يشم الطيب ، وقالت الأخرى : إن زوجي لا يقرب النساء ، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يجر رداء ، حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا يشمون الطيب ولا يأتون النساء ، أما إني آكل اللحم وأشم الطيب وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 496

      ولم يقتصر الأمر على وجود هذه الظاهرة عند المسلمون الأوائل وحسب بل ظهرت في زماننا هذا وماسبقه بعض الفرق والجماعات التي قامت بأعمال مشابهة لأعمال الرهبان من قبيل السياحة في الأرض وقضاء العمر بعيدا عن الناس ومنعزلا عنهم والإمتناع عن ملذات الحياة من الأكل والنساء والبيت فلا يأكل من سلك هذا الطريق إلا تميرات معدودة يومياً بل وقد راينا بعض اهل العرفان من يسكن في بيته منعزلا عن الناس قليل الاختلاط بالمجتمع الى حد الندرة ومن هؤلاء بعض كبار الفقهاء وهذا مما لايرضي الله فأن خير الناس من نفع الناس فأذا كان هذا العارف منعزلاً بعيداً عن المجتمع فليس فيه خيراً للناس ابداً انما يحسب انه يفعل الخير لنفسة وهذه انانية لايرضى الله بها كما انه قد تطور الوضع في بعض هذه الجماعات حتى صار بعضها ينحو منحى جديد في السلوكيات الخاطئة وهم ما يطلق عليهم بالسلوكية وهذه الحركة يتراءى لمن يتابعها كيف أن الشيطان استحوذ عليهم فأصبحوا يرون المعروف منكرا والمنكر معروفا .
      3- تغيير الأحكام والعقائد :[COLOR="Black"][SIZE="5"]وجريا على انطباق السنن على أمة الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) فإن الرهبان والأحبار قاموا بالتلاعب بالأحكام والعقائد فغيروا الكثير منها لتلائم أهوائهم وطموحاتهم المريضة فنسخوا الكثير من الأحكام والشرائع التي جاءت من السماء بأحكام من عند انفسهم فنسجوها من عقولهم وصارت لدى اتباعهم هي الدين القويم الذي جاء به أنبياءهم وما يعضد هذا القول ما جاء في كتاب الله تعالى والسنة الشريفة من وصفهم فمن القرآن قاله تعالى : (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المائدة13
      وكذلك قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة34
      فهذه الآية الشريفة تشير إلى أن الأحبار والرهبان قد غيروا الشريعة بما يتلائم وأهوائهم فسنوا سننا يستأكلون بها أموال الناس بالباطل فانطبق عليهم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فاستحقوا العذاب بما خالفوا الله تعالى ونبيهم فأصبحوا طواغيت وجبابرة يظلمون الناس ويستحوذون على ما في أيديهم .
      وكذلك قوله تعالى : (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )التوبة31
      وهذه الآية توضح كيف أن هؤلاء الأحبار والرهبان جعلوا انفسهم اربابا للناس بسبب تغييرهم للدين وتحريم الحلال وتحليل الحرام فكانت عبادة الناس لهم بطاعتهم تلك .
      وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )آل عمران71
      وكان كتمانهم للحق على أنواع فمرة كانوا يكتمون ما أنزل الله تعالى من الأحكام التي جاء بها أنبيائهم ليتسلطوا على الناس ويسيروا وفق أهوائهم وتارة يكتمون ما أوصاهم به أنبياءهم من وصف النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) في كتبهم ليضللوا الناس عن الحق وأهله .
      (... القائم المهدي من ولد علي اشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخُلقاً وسمتاً وهيبةً ...)

      تعليق


      • #4
        حياك الله اخي على جهدك في كتابة موضوع مهم مثل هذا ...واحب ان اسأل ..هل المصدر كتاب سقيفة الغيبة ؟؟
        أين الطالب بدم المقتول بكربلاء

        تعليق


        • #5
          والله انها عجول وعجول لاتنتهي ...اعان الله الأمام المهدي (عليه السلام )عليها
          أين الطالب بدم المقتول بكربلاء

          تعليق

          يعمل...
          X