[color="red"]بسم الله الرحمن الرحيم ...وبه نستعين ...وصل اللهم على محمد وآل محمد
الخلافة الإلهية في القرآن ومراتب التوحيد :[/color]
قال تعالى في كتابه الكريم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30) ، في البدء نحتاج إلى أن نسأل هذا السؤال المهم وهو إن الله لماذا أراد أن يجعل خليفة في الأرض ؟؟ حتى نفهم جواب هذا السؤال لا بد من فهم هذه المقدمة ليكون الجواب واضحا .
اقتضت مشية الله سبحانه ومنذ الأزل أن يخلق عوالم طولية ليفيض على ساكنيها الأبعاد التكاملية ، بمعنى آخر إن الله سبحانه بذاته كنزا مخفيا لا يمكن الوصول إلى كنه ذاته سبحانه لهذا فأنه عندما يعبر عن ذاته يعبر عنه باسم الإشارة ((هو)) قال تعالى ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) (الحشر:22) فـ((الله)) اسم الاسم وهو الاسم الجامع لكل صفات الجلالة والكمال وليس اسم للذات المقدسة إنما عبر عن الذات باسم الإشارة ((هو)) ، وكما قال في الحديث القدسي (( كنت كنزا مخفيا فخلقت الخلق لكي أعرف)) ، والسؤال هنا لماذا يريد أن يعرف ؟؟ هل من أجل نقص في ذاته يريد أن يكملها ؟؟ الجواب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولكن لا يمكن للسير التكاملي لأي موجود إلا بمعرفته لأنه قمة الكمال فكل من يريد أن ينهل من فيض الكمال لا بد له من أخذ الكمال من مصدره (( من عرف ربه فقد عبده)) ، إذن لا بد من معرفة نفسه لعباده لكي يعبد ، وبدون هذه المعرفة يمتنع مصدر الكمال ، وهنا يأتي سؤال آخر لماذا يريد أن يعبد ؟؟ هل تزيده العبادة تكاملا ؟؟ نقول كلا بما انه سبحانه قمة الكمال في كل شيء وهو يريد لعباده أن يفيض عليهم هذا التكامل إذن لا بد من عبادته لينهل السائر في طريق الكمال من هذه القمة ، إذن عبادته سبحانه ضرورة للنقص الحاصل لذات السائر إلى الكمال وليست ضرورة له سبحانه ، وهنا يطرح هذا التساؤل وهو لماذا يريد العبد السير في طريق الكمال ؟؟ نقول الكمال فطرة في ذات العبد والفطرة ضرورة لا بد من تحقق كمالها لتروي ضمأ ذاته الناقصة ، والعبادة أقصر الطرق لارواء تلك الفطرة ، وبالوجدان ألا ترى إن الناس كلهم أجمعين سائرين إلى أرواء هذه الفطرة وان توهموا انهم يحققون هذا الكمال الناتج من ضغط الفطرة ، فيتصور قسم منهم إن كماله في جمع الأموال والثاني يتوهم إن كماله في الرئاسة وآخر يتصور إن كماله في حب الشهوات ...إلى آخر القائمة ، وكل ذلك يزيدهم ضمأ على ضمأهم ونقصا فوق نقصهم ولكن لا يشعرون إذن كل مخلوق يتحرك إلى الكمال بضغط الفطرة وان توهم كماله .
إذا عرفنا ذلك إذن الله سبحانه وحسب قاعدة _اللطف الإلهي_ لا بد من أن يأخذ بيد عباده إليه ليخلصهم من نقص قوالب المادة والذي وضع وعاءا للروح لتتكامل وتسمو إلى الكمال المطلوب تحت ضغط الفطرة فخلق عوالم طولية كل عالم منسجم مع درجة رقي تلك الروح لتسبح في فضاءه الرحب ، فخلق عالم الملكوت وهو عالم يليق بالروح بعد أن تتخلص من روابط المادة ونواميسها الخاصة به ، ثم خلق عالم المادة وهو أدنى تلك العوالم وهو نقطة انطلاق الروح إلى التكامل عبر عنه (( بالحياة الدنيا)) أو العالم الأدنى ، هذا العالم عالم مادي وكل نواميسه مادية ، وعالم المادة يحتاج إلى الفيض الإلهي ليسقيه الوجود ابتداءا وبقاءا وبما انه سبحانه وتعالى منزه عن المادة ومحاورات الماديات هذه من جهة ومن جهة أخرى هذا العالم ضيق بنواميسه الخاصة به وقابله ليس له القدرة على تحمل إطلاق الفيوضات الإلهية ، إذن لابد من وجود ذات هذه الذات متلبسة بالمادة من جهة ومتسامية من جانب الروح إلى أرفع درجات سلم الكمال وتحمل جميع الصفات الإلهية وقادرة على تحمل الفيوضات الإلهية لتكون محولة الفيض إلى عالم المادة ، قال تعالى حاكيا قصة خلق تلك الذات((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) لهذا قال سبحانه (( اني جاعل في الأرض خليفة)) إذن الخلافة أمر ضروري من أجل ديمومة عالم المادة ، وعالم المادة أمر ضروري كما أسلفنا سابقا من أجل التكامل الذي هو فطرة ملحة .
السجود الملائكي :
قال تعالى((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) (البقرة:34) ، وهنا يرد هذا التساؤل لماذا أمر الله سبحانه بالسجود إلى هذا المخلوق الجديد ؟؟ نقول لأنه سبحانه يريد أن يعرف جميع مخلوقاته بأن هذا المخلوق سوف يرتدي جميع صفاته وأسمائه وطاعته طاعته طولية له سبحانه وفعله فعله الطولي سبحانه وهو المتصرف بالكون بأمره ، فالسجود متفرع على الخلافة ولازم من لوازم الخلافة، أي فبعد أن تقمص آدم الخلافة أمرهم الله بالسجود إليه ، الأمر الثاني إن لفظ ((اسجدوا لآدم)) دال على السجود لشخص آدم فان ((اللام)) في آدم تفيد الجنس أي اسجدوا لآدم سجود حقيقي وليس كما يقول البعض انه لا يجوز السجود لغير الله وكان هذا السجود هو سجود لله وليس لآدم ، وهذا الأمر لا يساعد عليه سياق الآية المباركة ، إذن هذه الآية المباركة تؤكد على إن السجود لغير الله ممكن وجائز وليس بشرك ولكن يشترط بهذا السجود أن يكون بأمر من الله سبحانه وليس من دون الله ، والسجود كما هو معروف يعني الطاعة ، وهذا السجود هو سجود تكويني وليس تشريعيا حتى يتخلف في الخارج لأن المسجود إليه هو محولة الفيض لساجديه فلو كان السجود تشريعيا وامتنع شخصا ما عن السجود لأنقطع الفيض إليه وصار عدم ، والسجود لجميع الممكنات لا مختص بالانسان فقط قال تعالى ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)) (الرعد:15) وكلمة ((يسجد)) فعل مضارع فيه الاستمرار وكلمة((طوعا وكرها)) تعني أمر تكوينيا لا يتخلف ، وقال تعالى ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) (النحل:49)
لماذا لم يسجد إبليس ؟؟ لقد التبس الأمر على إبليس عندما جاءه الأمر بالسجود فقال ((قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً))(الاسراء: من الآية61) ، فتوهم إبليس إن السجود لهذا المخلوق للبعد الطيني فيه وليس للبعد الروحي ، فأبى أن يسجد لمخلوق غير الله سبحانه ، وكأنه قال اذا كان السجود لغير الله ممكن من الأولى أن يكون السجود لي فأنا أفضل من آدم فخلقتني من نار وخلقته من طين فالسجود لي يكون أفضل من آدم قال تعالى حكاية عن ابليس ((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)) (لأعراف:12)
علما إن السجود لم يكن إلا للبعد الروحي لآدم قال تعالى ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) وكما ترى فأن في الآية قضية شرطية والقضية الشرطية لا بد من تحقق طرفيها فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط وإذا تخلف الشرط تخلف المشروط ، فقضية السجود لآدم مشروطة بشرط النفخة فيه من روح الله ، فيتبين إن السجود لذلك الأمر الروحي لآدم (ع) .
ويرد هنا سؤال مهم وهو هل إن قضية السجود لآدم حدث في الماضي وانتهى أمره أم إن هذه القضية باقية مع بقاء الزمن ؟؟ لو تتبعنا القرآن الكريم فانه بعد أمر السجود واباء إبليس لهذا السجود فأصبح إبليس عدوا لآدم ثم تنتهي القصة إلي خروج آدم وإبليس من الجنة إلى الأرض ، إذن آدم وسجوده الآن في الأرض وإبليس وإبائه الآن في الأرض قال تعالى ((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)) (البقرة:36) وقال تعالى ((قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)) (لأعراف:24) وقال تعالى ((قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)) (طـه:123) ، كل هذه الآيات تؤكد هذه الحقيقة ، مما يعني إن آدم موجود في الأرض مع أمر سجوده وإبليس موجود في الأرض مع امتناع سجوده لآدم ، أما انه كيف نستدل على إن أمر السجود مازال موجودا ؟؟ فنقول إن السجود متفرع على الخلافة ولازم من لوازم الخلافة فإذا ثبت الملزوم ثبت اللازم وإذا تخلف الملزوم تخلف اللازم ، وبما إن الإنسان الكامل ((الحجة)) هو متولي منصب الخلافة الإلهية وهو محولة الفيض الإلهي لأهل المادة حتى يفيض عليها البقاء أذن فأن أمر سجوده ثابت بثبوت الخلافة ، فمتى ما رفعت الخلافة رفع أمر السجود ، وبما إن إبليس ما زال يرفض أن يفهم من أمر السجود إلا للبعد الطيني فمازال امتناعه موجود ، وأنت ترى بين الفينة والأخرى الكثير ممن تمحل العلم يردد بأن الاستغاثة بغير الله شرك وان التوسل بغير الله شرك ، وطلب الدعاء من غير الله شرك ، وما هؤلاء إلا هم أتباع إبليس في الأرض حيث انهم اشتبه عليهم الأمر كما اشتبه على أبيهم إبليس من قبل وتوهموا البعد الطيني لهذا المخلوق متجاهلين ثوب الخلافة الذي هو مرتديه ، واشتبه عليهم بأن هذا السجود هو سجود طولي وليس بعرضي ، فالاستغاثة بصفات الحق سبحانه _ المتمثلة بالحجة _ هي عين الاستغاثة بذات الحق سبحانه وليست استغاثة عرضية حتى يلزم منها الشرك الباطل ، والتوسل بصفات الحق سبحانه وطلب الدعاء منها _ المتمثلة بالحجة _ هي عين التوسل والطلب بذات الحق سبحانه وليس الطلب والتوسل عرضي حتى يلزم منه المحذور ، فقال سبحانه وتعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ))(المائدة: من الآية35) وقال تعالى ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) (الاسراء:57) . فهذا هو التوحيد الحقيقي لا إن التوحيد إهمال وسائط الفيض ، فتوهموا إن طاعة الحجة في الأرض والسجود له يلزم منه محذور وهو الشرك فاشتبه عليهم الأمر فوقعوا في محذور أشد منه وهو إلغاء وجود الخلافة في الأرض وهو أمر تكويني ضروري فصاروا مثل أبيهم إبليس من قبل فتأمل .
الخلافة الإلهية في القرآن ومراتب التوحيد :[/color]
قال تعالى في كتابه الكريم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30) ، في البدء نحتاج إلى أن نسأل هذا السؤال المهم وهو إن الله لماذا أراد أن يجعل خليفة في الأرض ؟؟ حتى نفهم جواب هذا السؤال لا بد من فهم هذه المقدمة ليكون الجواب واضحا .
اقتضت مشية الله سبحانه ومنذ الأزل أن يخلق عوالم طولية ليفيض على ساكنيها الأبعاد التكاملية ، بمعنى آخر إن الله سبحانه بذاته كنزا مخفيا لا يمكن الوصول إلى كنه ذاته سبحانه لهذا فأنه عندما يعبر عن ذاته يعبر عنه باسم الإشارة ((هو)) قال تعالى ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) (الحشر:22) فـ((الله)) اسم الاسم وهو الاسم الجامع لكل صفات الجلالة والكمال وليس اسم للذات المقدسة إنما عبر عن الذات باسم الإشارة ((هو)) ، وكما قال في الحديث القدسي (( كنت كنزا مخفيا فخلقت الخلق لكي أعرف)) ، والسؤال هنا لماذا يريد أن يعرف ؟؟ هل من أجل نقص في ذاته يريد أن يكملها ؟؟ الجواب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولكن لا يمكن للسير التكاملي لأي موجود إلا بمعرفته لأنه قمة الكمال فكل من يريد أن ينهل من فيض الكمال لا بد له من أخذ الكمال من مصدره (( من عرف ربه فقد عبده)) ، إذن لا بد من معرفة نفسه لعباده لكي يعبد ، وبدون هذه المعرفة يمتنع مصدر الكمال ، وهنا يأتي سؤال آخر لماذا يريد أن يعبد ؟؟ هل تزيده العبادة تكاملا ؟؟ نقول كلا بما انه سبحانه قمة الكمال في كل شيء وهو يريد لعباده أن يفيض عليهم هذا التكامل إذن لا بد من عبادته لينهل السائر في طريق الكمال من هذه القمة ، إذن عبادته سبحانه ضرورة للنقص الحاصل لذات السائر إلى الكمال وليست ضرورة له سبحانه ، وهنا يطرح هذا التساؤل وهو لماذا يريد العبد السير في طريق الكمال ؟؟ نقول الكمال فطرة في ذات العبد والفطرة ضرورة لا بد من تحقق كمالها لتروي ضمأ ذاته الناقصة ، والعبادة أقصر الطرق لارواء تلك الفطرة ، وبالوجدان ألا ترى إن الناس كلهم أجمعين سائرين إلى أرواء هذه الفطرة وان توهموا انهم يحققون هذا الكمال الناتج من ضغط الفطرة ، فيتصور قسم منهم إن كماله في جمع الأموال والثاني يتوهم إن كماله في الرئاسة وآخر يتصور إن كماله في حب الشهوات ...إلى آخر القائمة ، وكل ذلك يزيدهم ضمأ على ضمأهم ونقصا فوق نقصهم ولكن لا يشعرون إذن كل مخلوق يتحرك إلى الكمال بضغط الفطرة وان توهم كماله .
إذا عرفنا ذلك إذن الله سبحانه وحسب قاعدة _اللطف الإلهي_ لا بد من أن يأخذ بيد عباده إليه ليخلصهم من نقص قوالب المادة والذي وضع وعاءا للروح لتتكامل وتسمو إلى الكمال المطلوب تحت ضغط الفطرة فخلق عوالم طولية كل عالم منسجم مع درجة رقي تلك الروح لتسبح في فضاءه الرحب ، فخلق عالم الملكوت وهو عالم يليق بالروح بعد أن تتخلص من روابط المادة ونواميسها الخاصة به ، ثم خلق عالم المادة وهو أدنى تلك العوالم وهو نقطة انطلاق الروح إلى التكامل عبر عنه (( بالحياة الدنيا)) أو العالم الأدنى ، هذا العالم عالم مادي وكل نواميسه مادية ، وعالم المادة يحتاج إلى الفيض الإلهي ليسقيه الوجود ابتداءا وبقاءا وبما انه سبحانه وتعالى منزه عن المادة ومحاورات الماديات هذه من جهة ومن جهة أخرى هذا العالم ضيق بنواميسه الخاصة به وقابله ليس له القدرة على تحمل إطلاق الفيوضات الإلهية ، إذن لابد من وجود ذات هذه الذات متلبسة بالمادة من جهة ومتسامية من جانب الروح إلى أرفع درجات سلم الكمال وتحمل جميع الصفات الإلهية وقادرة على تحمل الفيوضات الإلهية لتكون محولة الفيض إلى عالم المادة ، قال تعالى حاكيا قصة خلق تلك الذات((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) لهذا قال سبحانه (( اني جاعل في الأرض خليفة)) إذن الخلافة أمر ضروري من أجل ديمومة عالم المادة ، وعالم المادة أمر ضروري كما أسلفنا سابقا من أجل التكامل الذي هو فطرة ملحة .
السجود الملائكي :
قال تعالى((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) (البقرة:34) ، وهنا يرد هذا التساؤل لماذا أمر الله سبحانه بالسجود إلى هذا المخلوق الجديد ؟؟ نقول لأنه سبحانه يريد أن يعرف جميع مخلوقاته بأن هذا المخلوق سوف يرتدي جميع صفاته وأسمائه وطاعته طاعته طولية له سبحانه وفعله فعله الطولي سبحانه وهو المتصرف بالكون بأمره ، فالسجود متفرع على الخلافة ولازم من لوازم الخلافة، أي فبعد أن تقمص آدم الخلافة أمرهم الله بالسجود إليه ، الأمر الثاني إن لفظ ((اسجدوا لآدم)) دال على السجود لشخص آدم فان ((اللام)) في آدم تفيد الجنس أي اسجدوا لآدم سجود حقيقي وليس كما يقول البعض انه لا يجوز السجود لغير الله وكان هذا السجود هو سجود لله وليس لآدم ، وهذا الأمر لا يساعد عليه سياق الآية المباركة ، إذن هذه الآية المباركة تؤكد على إن السجود لغير الله ممكن وجائز وليس بشرك ولكن يشترط بهذا السجود أن يكون بأمر من الله سبحانه وليس من دون الله ، والسجود كما هو معروف يعني الطاعة ، وهذا السجود هو سجود تكويني وليس تشريعيا حتى يتخلف في الخارج لأن المسجود إليه هو محولة الفيض لساجديه فلو كان السجود تشريعيا وامتنع شخصا ما عن السجود لأنقطع الفيض إليه وصار عدم ، والسجود لجميع الممكنات لا مختص بالانسان فقط قال تعالى ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)) (الرعد:15) وكلمة ((يسجد)) فعل مضارع فيه الاستمرار وكلمة((طوعا وكرها)) تعني أمر تكوينيا لا يتخلف ، وقال تعالى ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) (النحل:49)
لماذا لم يسجد إبليس ؟؟ لقد التبس الأمر على إبليس عندما جاءه الأمر بالسجود فقال ((قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً))(الاسراء: من الآية61) ، فتوهم إبليس إن السجود لهذا المخلوق للبعد الطيني فيه وليس للبعد الروحي ، فأبى أن يسجد لمخلوق غير الله سبحانه ، وكأنه قال اذا كان السجود لغير الله ممكن من الأولى أن يكون السجود لي فأنا أفضل من آدم فخلقتني من نار وخلقته من طين فالسجود لي يكون أفضل من آدم قال تعالى حكاية عن ابليس ((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)) (لأعراف:12)
علما إن السجود لم يكن إلا للبعد الروحي لآدم قال تعالى ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)) وكما ترى فأن في الآية قضية شرطية والقضية الشرطية لا بد من تحقق طرفيها فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط وإذا تخلف الشرط تخلف المشروط ، فقضية السجود لآدم مشروطة بشرط النفخة فيه من روح الله ، فيتبين إن السجود لذلك الأمر الروحي لآدم (ع) .
ويرد هنا سؤال مهم وهو هل إن قضية السجود لآدم حدث في الماضي وانتهى أمره أم إن هذه القضية باقية مع بقاء الزمن ؟؟ لو تتبعنا القرآن الكريم فانه بعد أمر السجود واباء إبليس لهذا السجود فأصبح إبليس عدوا لآدم ثم تنتهي القصة إلي خروج آدم وإبليس من الجنة إلى الأرض ، إذن آدم وسجوده الآن في الأرض وإبليس وإبائه الآن في الأرض قال تعالى ((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)) (البقرة:36) وقال تعالى ((قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)) (لأعراف:24) وقال تعالى ((قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)) (طـه:123) ، كل هذه الآيات تؤكد هذه الحقيقة ، مما يعني إن آدم موجود في الأرض مع أمر سجوده وإبليس موجود في الأرض مع امتناع سجوده لآدم ، أما انه كيف نستدل على إن أمر السجود مازال موجودا ؟؟ فنقول إن السجود متفرع على الخلافة ولازم من لوازم الخلافة فإذا ثبت الملزوم ثبت اللازم وإذا تخلف الملزوم تخلف اللازم ، وبما إن الإنسان الكامل ((الحجة)) هو متولي منصب الخلافة الإلهية وهو محولة الفيض الإلهي لأهل المادة حتى يفيض عليها البقاء أذن فأن أمر سجوده ثابت بثبوت الخلافة ، فمتى ما رفعت الخلافة رفع أمر السجود ، وبما إن إبليس ما زال يرفض أن يفهم من أمر السجود إلا للبعد الطيني فمازال امتناعه موجود ، وأنت ترى بين الفينة والأخرى الكثير ممن تمحل العلم يردد بأن الاستغاثة بغير الله شرك وان التوسل بغير الله شرك ، وطلب الدعاء من غير الله شرك ، وما هؤلاء إلا هم أتباع إبليس في الأرض حيث انهم اشتبه عليهم الأمر كما اشتبه على أبيهم إبليس من قبل وتوهموا البعد الطيني لهذا المخلوق متجاهلين ثوب الخلافة الذي هو مرتديه ، واشتبه عليهم بأن هذا السجود هو سجود طولي وليس بعرضي ، فالاستغاثة بصفات الحق سبحانه _ المتمثلة بالحجة _ هي عين الاستغاثة بذات الحق سبحانه وليست استغاثة عرضية حتى يلزم منها الشرك الباطل ، والتوسل بصفات الحق سبحانه وطلب الدعاء منها _ المتمثلة بالحجة _ هي عين التوسل والطلب بذات الحق سبحانه وليس الطلب والتوسل عرضي حتى يلزم منه المحذور ، فقال سبحانه وتعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ))(المائدة: من الآية35) وقال تعالى ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)) (الاسراء:57) . فهذا هو التوحيد الحقيقي لا إن التوحيد إهمال وسائط الفيض ، فتوهموا إن طاعة الحجة في الأرض والسجود له يلزم منه محذور وهو الشرك فاشتبه عليهم الأمر فوقعوا في محذور أشد منه وهو إلغاء وجود الخلافة في الأرض وهو أمر تكويني ضروري فصاروا مثل أبيهم إبليس من قبل فتأمل .
تعليق