منقول من الموسوعة القرآنية للسيد القحطاني (الجزء الأول )
البعثة النيابية (الجزء الأول)
دلت الروايات المتكاثرة عن الرسول الأكرم وأهل بيته المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين ) ، إن الله تبارك تعالى خلق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) قبل أن يخلق الدنيا وخلق علي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد (عليهم السلام ) بعد خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ، ومن نورهم خلق العرش واللوح والشمس والنور والضياء والعقل والمعرفة ، وهؤلاء الخمسة أصحاب الكساء الذين يتقدمهم سيدهم وسيد الخلائق أجمعين الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) .
قد خلقهم المولى عز وجل قبل خلق الخلائق أجمعين ، الذين بضمنهم الأنبياء والمرسلين (صلوات الله عليهم أجمعين) .
ومن هذه الروايات ما ورد عن معاذ بن جبل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) انه قال إن الله عز وجل خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام .
قلت : فأين كنتم يا رسول الله ؟ قال : قدام العرش نسبح الله عز وجل ونحمده ونقدسه ونمجده قلت : على أي مثال . قال : أشباح نور حتى إذا أراد الله عز وجل أن يخلق صورتنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب ادم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر يسعد بنا قوم ويشقى بنا اخرون ....) - بحار الأنوار ج35ص34.
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) قوله خلق الله آدم على صورته ) وذلك على معنى ناقة الله وبيت الله وليس المعنى المادي فالمولى عز وجل ليس كمثله شيء ، ومعنى صورته هو على صورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) لكونه هو الحقيقة الكاملة وأفضل الأنبياء والذي خاطبه المولى تبارك وتعالى بقوله { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم4.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما): (أول ما خلق الله نوري ففتق منه نور علي ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة ) البحار ج54ص170.
وغير ذلك من الروايات العديدة ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو الحقيقة الكاملة التي تمثل المولى جل وعلا في خَلقِهِ ودينه ، ودين الله الكامل الشامل هو الإسلام بل هو أصل الأديان وأول الأديان وآخرها ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو أول المسلمين ، وقد أكد الله عز وجل ذلك في القرآن في ثلاث مواضع قال تعالى : { ُقلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ } الأنعام 14.
وقوله: {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } الأنعام 163
.
وقوله : {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ } الزمر12 .
فان إسلامه (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) متقدم على إسلام الخلائق كلهم فهو أول من أجاب في عالم الذر ولم ينعت بأول المسلمين أحد في القران إلا هو (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) وقد أمره الله تعالى فيها أن يخبر قومه بسبقه للإسلام قبل الخلق أجمعين ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) هو خاتم النبيين ودين الإسلام هو خاتم الأديان ومتممها وهو الدين المصطفى للأنبياء والمرسلين الذين يتواصون به نبي بعد آخر .
وهذا واضح في قوله تعالى :{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة131 - 132 - 133.
وان الأنبياء مأمورين بالإسلام أيضاً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ، فقد قال تعالى حكاية عن نوح : {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } يونس 72.
وعن إبراهيم قوله {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } البقرة 130.
وكذلك الأمر مع الأوصياء فقال تعالى : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } المائدة111 .
وقد سئل الأنبياء الإسلام والثبات عليه قال تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة 128 .
وعن يوسف قوله : { تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } يوسف101.
والإسلام هو مجمل الأديان وجوهر الأديان ، فإن الله تبارك وتعالى أنزل الأديان السماوية متدرجة بعضها يكمل بعضاً وهي كلها من الإسلام وبدايتها
الإسلام وختمها بالإسلام ، فإن نبي الله عيسى (عليه السلام) يقول : ( جئت لاتمم شريعة موسى ) .
وهكذا فالشرائع السماوية المنزلة على الأنبياء أصلها واحد ولا فرق بين حامليها فكلهم آتاهم الله من نفس المصدر ( الإسلام ) فقد قال تعالى : {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }- آل عمران 84-85
.
في هاتين الآيتين دلالة واضحة على إن الدين الإسلامي هو دين الله وهو الدين الشامل والجامع لرسالات الأنبياء ومن يتخذ غير الإسلام ديناً فلا يتقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .
وقد قال تعالى : {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*بلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } البقرة 111-112.
إن الإسلام من التسليم والتسليم هو الانقياد إلى طاعة الله ومرضاته ، وتكمن هذه الطاعة في إتباع الأنبياء والائتمار بأمرهم والانتهاء بنهيهم قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } آل عمران 19
لقد قال العلماء والمفسرين عن هذه الآية معناها هو الدين الإسلامي الآن الذي نتسمى به نحن معشر المسلمين وقولهم هذا ناقص وغير صحيح ، بل هو تكويناً واصلاً ( إن الدين عند الله الإسلام ) .
ودرجة التسليم والانقياد لله تعالى هي أعلى من درجة الإيمان فرب مؤمن بالله لكنه غير متبع وغير منقاد لأمره جل وعلا ، أما المسلم فهو المطيع المنقاد الذي يوكل جميع أموره لربه ، لذلك فقد قدم الله تعالى المسلمين والمسلمات على المؤمنين والمؤمنات في قوله : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الأحزاب 35.
إن أصل الإسلام هو الميثاق والسلام والتسليم ، والميثاق هو العهد الذي أخذه الله تعالى على الخلائق في عالم الذر والسلام هو صفة الإسلام ، وقانون الإسلام مبتني على السلام ، فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله : (المسلم من سلم الناس من يده و لسانه ) .
والتسليم كما ذكرنا هو التسليم والانقياد لطاعة الله عز وجل ، فقوله تعالى حكاية عن سليمان مخاطباً قوم بلقيس : {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } النمل31
، وقوله : {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } النمل 38
، فمسلمين يعني طائعين ، وقوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }- فصلت11، أي أتينا مسلمين ، فجوهر السماء والأرض هو الإسلام ، وقد نزلت الكتب السماوية بأجمعها وهي منطوية تحت القرآن .
يتبع
تعليق