إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المرحلة التي كان فيها الشيخ الطوسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المرحلة التي كان فيها الشيخ الطوسي

    مرحلة الشيخ الطوسي :
    وهو الشيخ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي ولد الشيخ الطوسي في سنة 385 هـ بمدينة طوس في خراسان وكانت أول دراسته في مدارس خراسان ثم شدَّ الرحال إلى بغداد في عام 408 هـ وهو أبن ثلاثة وعشرين عاماً وكان سبب هجرة الشيخ وغيره من الطلاب إلى بغداد بسبب أشتهار اساتذة بغداد انذاك بالعلوم العقلية ، والفلسفية ، المعبر عنها ب‍ـ ﴿العلوم الدخيلة﴾ والتي دخلت للدين في العصور العباسية لأول مرة في الإسلام وخصوصاً على مستوى الفقه الإمامي ، حيث وضع حجرها الأساسي في تلك الفترة ، واستحكمت دعائمها في بغداد فاستجلب من أجلها كبار العلماء والمترجمين من أطراف الأرض وأكناف البلاد .
    وعلى العموم فقد أشتهر عند من تناول حياة الشيخ الطوسي أنه لازم الشيخ المفيد مدة خمس سنوات أي اخر خمس سنوات من عمر الشيخ المفيد وبعد وفاة الشيخ المفيد أصبح يعد من أبرز طلاب السيد المرتضى فقد أولاه عناية خاصة وقرر له مبلغ 12 دينارا شهريا في ذلك الزمن إلى ان تخرج على يديه فأمضى معه 23 عاما تقريبا .
    وبقي في بغداد بعد وفاة أستاذه المرتضى حتى عام 448 هـ أي مدة 12 سنة .
    ذاع صيت الشيخ الطوسي وانثنت له وسادة الزعامة وتفرد بها بعد وفاة السيد المرتضى، فأخذ الفقهاء يشدّون إليه الرحال من كل حدب وصوب على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم ، حتّى بلغ عدد تلامذته الذين اجتهدوا على يديه أي حازوا على درجة الإجتهاد أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الإمامية، ومن الغريب ان هنالك عددا من مجتهدي العامة لا يمكن حصرهم وعدهم كانوا يحضرون دروس الشيخ الطوسي فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في مقدمة كتاب التبيان ما هذا نصه : ﴿فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي حوالي ثلاثمائة مجتهد من الشيعة. ومن العامة ما لا يحصى﴾﴿ - راجع مقدمة الشيخ آغا بزرك الطهراني على التبيان ﴾.
    وهذه من الامور الغريبة والتي لم تحدث على يد أيٍ من الفقهاء السابقين فلم نشهد فقيها شيعيا قام بتدريس طرق الإجتهاد على النحو المعمول بها عند المخالفين قد سبق الشيخ الطوسي حيث تفرد الطوسي بهذه المسألة وهي بحد ذاتها تحتاج للتوقف والبحث فإن قلنا ببطلان أصول المخالفين وفقههم كان لزاما علينا تركه ونبذه إلا إذا ذهبنا على غير هذا المسلك فقلنا بأن هذه الأصول صحيحة وجب علينا في هذه الحال ايلائها العناية والاهتمام من حيث التدريس والتاليف وهذا ما حصل بالفعل فالذين كانوا يحضرون دروس الطوسي كانوا يرون موافقتها لمناهجهم فمتى اصبحت مناهج الامامية موافقة لمناهج المخالفين!!.
    نال الشيخ الطوسي درجة عالية من الاهتمام عند الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد فقد اعطى للشيخ الطوسي كرسي الكلام _ وهو مقام يعطيه الخليفة لرجل من رجال الدين فيجلس في بغداد يخطب بالناس _ ولم يكن هذا الكرسي ليُمنح إلاّ لمن اشار إليه الخليفة فبقي الشيخ الطوسي على هذا المنوال اثنتي عشرة سنة .
    وبعد ذلك وعلى أثر حدوث الاختلافات الشديدة بين العامة والإمامية وتبدل الأوضاع السياسية وانتقال الحكم من البويهيين الذين كانوا يدعون التشيع إلى السلاجقة الذين كانوا على مذهب المخالفين شن ﴿طغرل بيك﴾ أوّل ملوك السلجوقيين حملة شديدة على الإمامية ورجال دينهم عند دخوله بغداد عام 447 هـ ، إذ قام بإحراق مكتبة الشيخ الطوسي تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور ـ وزير بهاء الدولة البويهي ـ جهده بأمر من الخليفة بإنشائها في الكرخ ببغداد عام 381 هـ ، على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون الرشيد العباسي .
    وفي خضم تلك الأحداث التي حدثت ببغداد سنة 447 هـ أي بعد دخول السلاجقة إليها وعلى آثر ذلك هاجر الشيخ الطوسي إلى مدينة النجف الأشرف ليبقى بعيداً عن المعمعات الطائفية التي حدثت ببغداد وبعد إستقراره في مدينة النجف قرب مرقد الإمام علي (ع) قصده الطلاب للدراسة ونيل الإجتهاد على يديه فوضع بذلك اللبنة الأُولى للحوزة التي شيدها بنفسه في مدينة النجف الأشرف بعد أن كان طلب العلم مقتصرا على بغداد أيام الشيخ المفيد والسيد المرتضى وكذلك في زمن السفراء من قبل .
    أختلف أصحاب المصنفات الرجالية في تحديد مذهب الشيخ الطوسي قبل دراسته على يد الشيخ المفيد ببغداد فقال مصنفي الإمامية انه كان أمامياً منذ دخوله بغداد إلا أن بعضاً من أهل السُنة نسبوه إلى المذهب الشافعي على اختلاف تعابيرهم في ذلك .
    ومن جملة من قال بذلك هو تاج الدين السبكي في " طبقات الشافعية " فيقول ما هذا نصه : ﴿أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتسب إلى مذهب الشافعي . . . ورد بغداد ، وتفقه على مذهب الشافعي ﴾﴿ ﴾.
    وبعد السبكي قال العلامة السيوطي في كتابه " طبقات المفسرين " : ﴿ محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر شيخ الشيعة وعالمهم . . . ورد بغداد ، وتفقه في فنون الفقه على مذهب الشافعي ، فلازم الشيخ المفيد فصار على أثره رافضيا ﴾﴿ ﴾. وممن صرح أخيرا بذلك الكاتب الشلبي في " كشف الظنون " فقال : ﴿كان ينتمي إلى مذهب الشافعي﴾ .
    إن ما يؤكد كون الشيخ الطوسي قد تفقه على مذهب الشافعي أو انه كان فعلا شافعياً هو اشاعته لطريقة الإجتهاد بين الإمامية على النحو المعمول به عند أهل السُنة واقتباسه عبارات من كتب الشافعي على وجه الخصوص وقد ذكر ذلك العديد من الكتّاب الذين كتبوا عن حياة الشيخ الطوسي ومن هؤلاء محمد الخراساني فقد كتب في مقدمة كتاب الرسائل العشرة للشيخ الطوسي على ان سبب قول مصنفي أبناء العامة انه كان شافعيا موعزا سبب ذلك إلى ان الشيخ الطوسي كان يعمل بالإجتهاد وأشاع طريقته بين الإمامية على النحو المعمول بها عند مذاهب السُنة وذلك في قوله : ﴿ ترويجه للفقه التفريعي وإشاعته طريقة " الإجتهاد " بين الشيعة على النحو المعمول به عند أهل السُنة ... واقتباسه عباراتهم وخصوصاً من كتب الإمام الشافعي ولا سيما في كتابه " المبسوط " ، وإيراده للروايات من طرقهم . وتصميمه على جمع روايات الفريقين في كتابه " تهذيب الأحكام " في بدء العمل - وإن انصرف عنه فيما بعد - وأمثال هذه الأمور ﴾﴿طبقات الشافعية - ج3 - ص51 ﴾.
    إن الشيخ الطوسي يعد من اوائل الفقهاء الذين اشاعوا طريقة الإجتهاد السني في المجتمع الشيعي وهذا ما يؤكد تأثره بطرق القوم وأصولهم ولهذا فقد ذكر بعض المعاصرين من أهل السُنة طريقة الشيخ الطوسي الإجتهادية في قولهم : ﴿ كان عالما على المنهاجين الإمامي والسني ﴾﴿ - طبقات المفسرين - ص29﴾.
    وهذا ما يؤكد تأثر الشيخ الطوسي بطرق العامة اضافة لذلك إذا علمنا بأن الشيخ قد درس ولسنوات عند عدد ليس بقليل من فقهاء العامة منهم على سبيل المثال :
    1- القاضي أبو القاسم علي التنوخي أبن القاضي أبي علي المحسن أبن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم القحطاني من تلامذته السيد المرتضى وأصحابه ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
    1-أبو الحسين بن سوار المغربي . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
    2-أبو علي بن شاذان المتكلم . وقد عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة أيضاً .
    3-محمد بن سنان . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة أيضاً .
    4-أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعروف بأبن بشران المعدل ، المتوفى سنة 411 هـ ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿الاجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه العامة .
    5-محمد بن علي بن خشيش بن نضر بن جعفر بن إبراهيم التميمي المتوفى بعد سنة 408 هـ " روى عنه الشيخ الطوسي أخبار كثيرة في أماليه ، وعده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
    6-أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز ، المولود سنة 329 ه ، والمتوفى سنة 419 هـ ، قرأ عليه الشيخ الطوسي ببغداد في ذي الحجة سنة 417 هـ ، وقد ذكره الخطيب البغدادي في ﴿ تأريخ بغداد ﴾ ج 3 - ص 331 وعده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشايخه من العامة .
    7-السيد أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار المولود سنة 322 ه والمتوفى سنة 414 هـ " ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ضمن ترجمة إسماعيل بن علي بن علي بن رزين أبن أخي دعبل الخزاعي ﴿ ص 452 ﴾ وعده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشايخه من العامة .
    8-أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ المتوفى بعد سنة 411 ه ، سمع منه إملاء في مسجد الرصافة الجانب الشرقي ببغداد في ذي القعدة سنة 411 هـ ، وقد عده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشائخه من العامة .
    9-محمد بن سنن . عده العلامة الحلي في ﴿ الإجازة الكبيرة ﴾ من مشائخه من العامة .
    10-أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي بن خشنام " المتوفى سنة 410 هـ " وكانت ولادته سنة 318 هـ ، سمع منه ببغداد في درب الزعفراني رحبة أبن مهدي ، عده العلامة الحلي في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ من مشايخه من العامة .
    11-أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام المعروف بأبن الفحام السر من رائي ﴿السامرائي﴾ المتوفى بعد سنة 408 هـ وضبط وفاته بعض أرباب المعاجم سنة 408 هـ عده العلامة الحلي من مشائخه من العامة في ﴿الإجازة الكبيرة﴾ .
    12-أبو منصور الكرى ، يظهر من أمالي الشيخ الطوسي أنه من مشايخه ، قال صاحب ﴿رياض العلماء﴾ . يحتمل أن يكون من العامة.

    وبهذا فإن الشيخ الطوسي لا بد أن يتأثر بهؤلاء الفقهاء وبطرقهم الأصولية وهذا ما حدث بالفعل فقد اشاع طريقة الإجتهاد بين الإمامية على النحو المعمول به عند السنة وهذا مما يؤكد تاثره بفقهاء العامة وخصوصاً عندما نعلم بانه كان يقتبس عبارات العامة وخصوصاً من كتب الشافعي في كتابه ﴿المبسوط﴾ فضلاً عن ايراده للروايات من طرقهم .
    إن مسألة النشوء في مجتمعات العامة والتفقه على يديهم وتعلم أصولهم لها تبعات كبيرة عند الفقيه الإمامي حيث انه سيتأثر بما درس وسمع فينقل أفكار المخالفين إلى الإمامية من حيث لا يشعر والطلاب لحسن ظنهم بأستاذهم فإنهم يأخذون ما يقوله على أنه من أقوال العترة الطاهرة (ع) وعن هذه المسألة تحدث المحدث الكاشاني قائلاً : ﴿أقول والسبب الأصلي في وقوع هؤلاء في الورطات ليس إلا أنهم نشأوا في بلاد المخالفين وبين أظهرهم في بلاد التقية وسمعوا منهم كلمات عقلية استحسنوها وأوقعت في نفوسهم محلا ومزجوا قليلا قليلا بينها وبين النصوص المعصومية وأخذوا في الاستنباطات الظنية من المتشابهات ومن قوانين وضعوها وقواعد أخذوا أكثرها من كتب العامة وأصولهم تشحيذا للأذهان وترويحا للأفكار ... فاتسعت بينهم دائرة الخلاف في الآراء ووسع لهم ميدان الأفكار والأهواء ويسر لهم بسبب ذلك الدخول في عدة أمور ورد النهي عنها بخصوصها في الشرع في‏ ألفاظ لا تحصى من حيث لا يشعرون منها القول بالإجماع كما عرفت. ومنها القول بالإجتهاد والرأي في الشرائع كما تقوله العامة مع تعسر ضبط ذلك وتعسر المعرفة بأبه ومنها إتباع الظن والتعويل عليه في الحكم والفتوى . ومنها موت القول بموت قائله إلى غير ذلك من الأمور المخالفة لأصول الإمامية المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام﴾﴿ - - الشهاب الثاقب في وجوب صلاة الجمعة العيني – المحدث الكاشاني - ص 93
    -
    إن المطلع على مصنفات الشيخ الطوسي يمكنه معرفة طريقة الشيخ الطوسي من جانبين الجانب الأول أهتمامة بالأخبار والروايات الشريفة وهذا مما استفاده من استاذه الشيخ المفيد حيث كتب الشيخ الطوسي تهذيب الأحكام وهو أحد الكتب الأربعة المعروفة وهو شرح كتاب المقنعة للشيخ المفيد بدء به في حياة أستاذه ، وبإشارة من الشيخ المفيد نفسه﴿ - قاله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام الصادق ، كما رواه عنه السيد محمد صادق آل بحر العلوم في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي ص 27
    ﴾.
    كما كتب الشيخ الطوسي كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، وهو أيضاً من جملة الكتب الأربعة ، استخرجها الشيخ من روايات التهذيب ﴿ الرسائل العشر - الشيخ الطوسي - ص 41

    ﴾﴾ والذي كما قلنا استفاده من استاذه المفيد .
    ولا يخفى في هذا الجانب أي الجانب الروائي وجمع الأخبار فقد استفاد الشيخ الطوسي من استاذه المفيد الاستفادة العظمى وذلك في قول الشيخ الطوسي نفسه فقد ذكر الطوسي في ترجمة المفيد بعد سرد مؤلفاته قوله : ﴿سمعنا منه هذه الكتب بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع﴾﴿ - نفس المصدر السابق
    لقد قضى الشيخ الطوسي مدة خمس سنوات في ملازمة للشيخ المفيد وعده من رجال الحديث والرواية فتزود منهم كثيراً وسمع منهم ونقل عنهم العديد من الروايات والأحاديث الشريفة ولم يستفد من الشريف المرتضى في الحديث والرواية كما استفاد من مشايخة السابقين وهذا على حد ما وجدناه في ترجمة الرجال وما أقره مقدم كتاب الرسائل العشرة للشيخ الطوسي فقال : ﴿وفي رأيي أنا أن الشيخ الطوسي لم يكن بحاجة ماسة إلى علم السيد في الرواية والحديث ، لأنه في السنوات الخمس التي قضاها مع المفيد وغيره من الأساتذة والمشايخ الكبار الذين سمينا بعضهم كان قد تزود بأكبر قدر ممكن من المنقولات والروايات عنهم مباشرة من غير حاجة إلى توسيط السيد وغيره ممن يعتبرون من تلامذة هؤلاء المشايخ ... ولهذا لم نجد السيد ﴿أي المرتضى﴾ في طريق شيء من روايات كتابي التهذيب والاستبصار الذين هما أهم كتبه الحديثية﴾﴿ - الرسائل العشرة الشيخ الطوسي - ص 30﴾.

    وبهذا نعرف بأن الفضل في كتابي التهذيب والاستبصار كان للشيخ المفيد فقد اشار للطوسي في كتابة الحديث والرواية إلا أن الشيخ الطوسي لم تخلوا كتاباته في الحديث من السهو والغفلة والتحريف والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها كما سياتي ولعل ذلك راجع إلى قصر الفترة التي قضاها مع استاذه المفيد .
    اما الجانب الثاني وهو اهتمامه بأصول الفقه فإننا نجد الشيخ الطوسي قد استفاد من طريقة السيد المرتضى الأصولية في الفقه والأصول إلى حدٍ كبير فقد نقل الشيخ الطوسي العديد من آراء المرتضى الأصولية في كتابه عدة الأصول وكذلك في كتبه الكلامية كما انتقد العديد من آراء السيد المرتضى في كتابه عدة الأصول.
    إن ما يؤكد استفادة الشيخ الطوسي من طريقة المرتضى الأصولية هو كتابه العدة أو عدة الأصول ، وهذا الكتاب يشابه كتاب " الذريعة إلى أصول الشريعة " للسيد المرتضى . كما كتب الشيخ الطوسي تمهيد الأصول أو التمهيد في الأصول ، شرح قسم الكلام من كتاب جمل العلم والعمل للسيد المرتضى .
    إن المطلع على أصول الشيخ الطوسي يجدها مطابقة إلى حدا كبير لأصول استاذه المرتضى وطريقته في الأصول الفقهية فقد ذهب الشيخ الطوسي في كتابه العدة في أصول الفقه إلى القول بالقياس والظن كما ذهب استاذه من قبل بل ان الشيخ الطوسي قد اقتبس نفس العبارات والأمثلة التي تبناها المرتضى من قبل حيث ذكر في صحة معرفة الأحكام بالقياس ما هذا نصه : ﴿والذي يدل على صحة معرفة الأحكام به : انه لا فرق في صحة معرفتنا بتحريم النبيذ المسكر بين أن ينص الله على تحريم المسكر من الأنبذة ، وبين أن ينص على تحريم الخمر وينص على أن العلة في تحريمها شدتها ، أو يدلنا بدليل غير النص على أنه حرم الخمر لهذه العلة ، أو ينصب لنا امارة تغلب عند نظرنا فيها ظننا ان تحريمها لهذه العلة ، مع ايجاب القياس علينا في الوجوه كلها﴾﴿ - عدة الأصول - الشيخ الطوسي - ج 2 - ص 653
    ﴾.
    إن المطلع على ما نقلناه في مرحلة المرتضى يجد كيف ان الشيخ الطوسي قد اقتبس عبارات المرتضى الأصولية كما هي فقد ذكر حال القياس وضرب لصحة العمل به نفس المثال الذي ضربه المرتضى في كتابه الذريعة .
    كما ان الشيخ الطوسي قد دافع عن الظن بالأحكام بنفس الطريقة التي استخدمها استاذه المرتضى فقد نقض قول القائل بأن القياس يتعلق بالظنون وبنفس طريقة استاذه حيث قال ما هذا نصه : ﴿ فاما من أحاله ﴿أي القياس﴾ من حيث تعلق بالظن الذي يخطئ ويصيب ، فينقض قوله بكثير من الأحكام في العقل والشرع يتعلق بالظن ، الا ترى انا نعلم في العقل حسن التجارة عند ظن الربح ، ونعلم قبحها عند الظن للخسران﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 654﴾.
    إن المطلع على أصول الطوسي يرى قربها لأصول استاذه المرتضى كما انها قريبة جداً لأصول العامة كما ذكرنا ولذلك فقد اعاب على هذا الشيخ جملة من فقهاء الإمامية لسلوكه طريق المخالفين في القياس والاستحسان في كثير من المسائل التي ذكرها كما ان بعض العلماء قد اعتذر لذلك وكان وجه اعتذارهم بأن الشيخ الطوسي كان يسلك طرق المخالفين تقية ومماشاة لهم حيث كان العامة يشنعون على الإمامية بانهم ليسوا من أهل الإجتهاد والاستنباط وليس لهم قدرة على الاستدلال ولذلك فإن الشيخ الطوسي قام بمماشاة هؤلاء !!



    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

  • #2
    إن هذا الاعتذار ما هو الا اقبح من الفعل فهل اجاز لنا الأئمة (ع) ذلك وإذا كانت المماشاة تتم بالتنازل عن ثوابت الدين والشريعة فلعلنا سوف نتنازل عن عبادة الله إذا جاءنا الكفار قائلين بأن إلهكم لا يُرى والهنا يُرى فعلينا في هذه الحالة ان نتنازل لهم ونماشيهم بعبادة ربهم الذي يُرى للناظرين .
    إن هذه المسائل التي وقع فيها الشيخ الطوسي لم نكن نحن أول من نبه إليها أو ذكرها في كلماته فقد ذكرت هذه المسائل منذ القدم وعلى لسان فقهاء الإمامية فهذا الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين يذكر المسائل التي وقع فيها الشيخ الطوسي قائلاً : ﴿وأما الشيخ الطوسي ، فهو شيخ الطائفة ورئيس المذهب وامام في الفقه والحديث ، إلا إنه كثير الاختلاف في الأقوال ، وقد وقع له خبط عظيم في كتابي الأخبار في تمحله الاحتمالات البعيدة والتوجيهات الغير السديدة . وكانت له خيالات مختلفة في الأصول ، ففي المبسوط والخلاف مجتهد صرف وأصولي بحت ، بل ربما يسلك مسلك العمل بالقياس والاستحسان في كثير من مسائلها ، كما لا يخفى على من ارخى عنان النظر في مجالهما ، وفي كتاب النهاية سلك مسلك الأخباري الصرف بحيث أنه لم يتجاوز فيها مضامين الأخبار ولم يتعد مناطيق الآثار ، وهذه هي الطريقة المحمودة والغاية المقصودة . وقد اعتذر بعض علمائنا بأنه إنما سلك في الكتابين مسلك العامة تقية واصطلاحا ومماشاة لهم ، حيث شنعوا على فضلاء الشيعة بأنهم ليسوا من أهل الإجتهاد والاستنباط ، وليس لهم قدرة على التفريع والاستدلال . وأين هذا الاعتذار من اعتذار الفاضل محمد بن إدريس الحلي ، بأن الشيخ في النهاية لم يسلك مسلك الفتوى ، وإنما سلك مسلك الرواية ، وكتابه كتاب رواية لا كتاب فتوى ودراية . ولعمري أنه ما أصاب وما عرف حقيقة الجواب ، وإن كان ما ذكره ذلك البعض غير مسلم . والحق أن الشيخ صارت له خيالات متناقضة وأمور متعارضة ، لأنه كان حديد الذهن شديد الفهم حريصا على كثرة التصانيف وجمع التأليف ... ثم قال : وقد غفل قدس سره عن شيء آخر هو أشد مما ذكره لمن تأمل بحقيقة النظر ، وهو ما وقع للشيخ المذكور سيما في التهذيب من السهو والغفلة والتحريف والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها قلما يخلو خبر من علة من ذلك ، كما لا يخفى على من نظر في كتاب التنبيهات الذي صنفه السيد العلامة السيد هاشم في رجال التهذيب . وقد نبهنا في كتاب الحدائق الناظرة على ما وقع له من النقصان في متون الأخبار ، حتى أن كثيراً ممن يعتمد في المراجعة عليه ولا يراجع غيره من كتب الأخبار ، وقعوا في الغلط وارتكبوا في التفصي منه الشطط ، كما وقع لصاحب المدارك في مواضع من ذلك ﴾﴿ - لؤلؤة البحرين - ص 293 - 298﴾.
    لقد بين الشيخ الطوسي الأسباب التي دعته إلى سلوكه هذا الطريق وذلك في قوله : ﴿أما بعد فإني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية ، ويستنزرونه ، وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل ، ويقولون : إنهم أهل حشو ومناقضة ، وإن من ينفي القياس والإجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ، ولا التفريع على الأصول ، لأن جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين . وهذا جهل منهم بمذاهبنا ، وقلة تأمل لأصولنا ، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحا عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى الله عليه وآله﴾﴿ - المبسوط - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 1 - 2
    ﴾.
    إن مسألة استحقار المخالفين لمذهب الإمامية دعت الشيخ الطوسي إلى مماشاتهم في الأصول الفقهية معتمدا على تلويحات الأئمة (ع) ولا يخفى بأن التلويح غير التصريح ولا ندري ما هي هذه الأخبار التي لوح بها الأئمة (ع) للمسائل التي تشابه ما عند المخالفين ولا يخفى أيضاً بأن فهم النصوص الروائية متفاوت من شخص إلى آخر فلعل الشيخ الطوسي قد فهم بعض النصوص بما يشابه أصول المخالفين علما بأن الشيخ الطوسي اختلف الناس بتعيين مذهبه كما قلنا فلعله كان كما ذكر البعض منتميا للمذهب الشافعي ويحمل من الافكار والتصورات ما يجعله يحكم على الأحاديث والروايات حكماً مسبقاً وينتقي منها ما يفيد القصد بل ان الأكثر من هذا ما ذكره الشيخ البحراني وكما ذكرنا قبل قليل بأن الشيخ الطوسي قد وقع في كتابه التهذيب في السهو والغفلة والتحريف والنقصان في متون الأخبار وأسانيدها الكثير الكثير حتى ان الكثير ممن يعتمدون على ما نقلة الشيخ الطوسي قد وقعوا بنفس الغفلة والنقصان .
    إن المتتبع لأقوال الشيخ الطوسي يجده مولعا بالتغيير وكانت الطائفة الإمامية راغبة عن هذا التغيير الذي أراده الشيخ الطوسي آنذاك حيث انها - أي الطائفة الإمامية - كانت متمسكة بالأخبار وما رووه من صريح الألفاظ ولا يقبلون تغيير الألفاظ الموجودة في تلك الأخبار حيث اننا نجد هذا في كلام الشيخ الطوسي نفسه حين أراد ان يكتب كتاب خاصا يجمع فيه الأصول الفقهية للمخالفين وما يشابهها عند الإمامية وذلك في قوله : ﴿وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ﴿أي الفروع﴾ تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل ، وتضعف نيتي أيضاً فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه ، وترك عنايتهم به ، لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ ، حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها ، وقصر فهمهم عنها ﴾﴿ - الرسائل العشر - الشيخ الطوسي - ص 49﴾.
    إن العجيب ان نرى هذا التعجب من الشيخ وهو يقول أن هذه الفرقة قد الفت الأخبار وتمسكت بصريح ألفاظها ولا تريد تبديل هذه الالفاط .
    إن هذا الاستهجان من الشيخ يؤكد لنا حبه للتغير والاعتماد على ما ليس منصوص في سطور تلك الأخبار ولو انه تمسك بما هو ثابت فيها لكان من البعيد ان يصدر منه هذا الاستهجان أبداً إلا إنه وكما راينا قد صدر منه ما لم تنص عليه الأخبار ولم يرد في شيء من الاثار الشريفة .
    ولنا سؤال يطرح مفاده ما هو الداعي من تغيير الألفاظ التي استخدمها الأئمة (ع) في رواياتهم وأحاديثهم الشريفة وما هو الداعي لتلك الرغبة الموجودة عند الشيخ الطوسي ؟ ان الجواب على هذا التسائل يكمن في معرفتنا لمنهج الشيخ في الاستدلال هذا المنهج الذي بدءه الشيخ الطوسي وبشيء من التدريج بفتح باب الإجتهاد على مصراعيه بعد أن قدم لهذه الطائفة جملة من الانتقادات التي ذكرناها ولعل أكثرها جراءة انتقاده لمن يتمسك بالأخبار ولا يريد التغيير حتى في الألفاظ .
    إن منهج الشيخ الطوسي ينظر إليه عند فقهاء اليوم بتحليه بالشجاعة فالاقدام على ما اقدم عليه الشيخ من فتح باب الإجتهاد وتدريج الطائفة إلى الاستدلال وفق المناهج الجديدة يحتاج إلى الشجاعة وهذا ما ذكره محمد الخراساني محقق مقدمة الشيخ الطوسي في كتابه الرسائل العشرة : ﴿وكيف كان الأمر فيعلم مما ذكرنا شجاعة الشيخ الطوسي ودرايته في فتح باب الإجتهاد بمصراعيه على الشيعة في حزم بالغ مراعيا جانب الاحتياط والتدريج حتى يستوحشوا ، ولا يتهموه بمتابعة أهل السُنة﴾.
    إننا نستغرب من هذه الالقاب والألفاظ التي تطلق على كل من يأتي بالجديد فتارة نسمع بالشجاعة وتارة نسمع بالجرأة وأخرى بالمجدد فهل كان أهل البيت (ع) لا يتحلون بالشجاعة ولا بالجرئة على تعليم شيعتهم هذه الألفاظ الجديدة وطرق الاستدلال والأصول التي جاء بها هؤلاء الشجعان !!
    إن آل محمد (ع) هم اشجع الناس بشهادة اعدائهم ولكنهم أكثر الناس خوفاً من الله عز وجل فقد بينا كيف كانوا لا يستدلون بشيء الا بما جاء في كتاب الله وسُنة نبيه (ص) ويحثون أصحابهم على ذلك ان مسألة القول في شريعة الله لا تحتاج إلى شجاعة أبداً بقدر حاجتها إلى خوف من الله عز وجل وهذا مما هو ثابت في أقوال الأئمة (ع) بل هو من أوليات الدين وبديهياته .
    إن هذا الانتقاد للشيخ الطوسي ومنهجه الأصولي لم نكن أول القائلين به إطلاقاً بل ان أول المنتقدين لطريقته كان محمد بن أحمد بن إدريس الحلي المتوفى سنة 578 ه‍ صاحب كتاب السرائر في القرن السادس أي بعد الشيخ بقرن فوجه نقده إليه في هذا وقال بأن الشيخ الطوسي اتخذ طريقة أهل السُنة وأشاعها بين الإمامية﴿ ﴾.
    ولم يكن هذا الانتقاد قد توجه به أبن إدريس فقط بل ان الطائفة الأخبارية وجهوا حملاتهم على الشيخ الطوسي واتهموه بنفس الاتهام ولم تكن هذه الاتهامات جزافا بل أن كل واحدا منهم قد قدم دليله على سير الشيخ الطوسي بطريق المخالفين وإتخاذه لمنهج استدلالهم منهجا له وهذا مما ذكرناه .
    لقد شهدت مرحلة الشيخ الطوسي قمة الاختلاف في ذلك الزمن بين فقهاء الإمامية على وجه الخصوص وقد الف الشيخ الطوسي كتابه الخلاف فقد جمع فيه خلافيات فقهاء عصره آنذاك هذه الخلافيات كانت نابعة وبالدرجة الأساس من اختلاف الروايات والأخبار المروية عن أهل البيت (ع) فلم يكن للفقهاء في ذلك الزمن والى اليوم قواعد ثابته لمعرفة صدق الحديث من عدمه فلكل فقيه قواعده الخاصة كما ان الكثير من كُتاب الحديث ومدونيه قد وقعوا في الغفلة والتحريف بنقل الحديث وتدوينه كما هو الحال في الشيخ الطوسي نفسه كما ذكر ذلك يوسف البحراني فيما تقدم .
    إننا هنا لسنا في محل بيان هذه القواعد إلا إننا نريد بيان صورة لذلك الاختلاف الفضيع الذي وقع فيه فقهاء الإمامية . وبعد أن كانت هذه الفرقة المحقة ترد على مخالفيها بفساد مذاهبهم لكثرة اختلافهم في الفتوى أصبح المخالفين يشنعون علينا بذلك .
    لقد بين لنا الشيخ الطوسي صورة في غاية الوضوح عن حال فقهاء الطائفة الإمامية في الفتوى بتلك العصور وذلك في قوله : ﴿ وجدتها مختلفة المذاهب في الأحكام . ويفتي أحدهم بما لا يفتي صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى باب الديات . من العبادات والأحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك. مثل اختلافهم في العدد والرؤية في الصوم . واختلافهم في أن التلفظ بثلاث تطليقات ان يقع واحدة أو لا . ومثل اختلافهم في باب الطهارة في مقدار الماء الذي لا ينجسه شيء. ونحو اختلافهم في حد الكر. ونحو اختلافهم في استئناف الماء الجديد لمسح الرأس والرجلين. واختلافهم في اعتبار أقصى مدة النفاس . واختلافهم في عدد فصول الأذان والإقامة . وغير ذلك في سائر أبواب الفقه حتى أن باباً منه لا يسلم إلا وجدت العلماء من الطائفة مختلفة في مسائل منه أو مسائل متفاوتة الفتاوى﴾﴿ العدة في أصول الفقه – الطوسي- ج1 - ص137

    إن هذه الصورة المأساوية التي ينقلها لنا الشيخ الطوسي تدل على عظيم التيه الذي وقع فيه فقهاء الطائفة حتى أصبح أحدهم يفتي بما لا يفتي به غيره من الفقهاء وكما يقول الشيخ الطوسي فلم يدعوا بابا من أبواب الفقه لم يختلفوا فيه حتى انتهوا إلى الاختلاف في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى باب الديات من العبادات والأحكام والمعاملات والفرائض وغير ذلك .
    إن هذه الصورة التي نقلها لنا الشيخ ما هي إلا تجسيداً وتصديقاً لقوله تعالى : ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ﴾﴿ - سورة الملك آية 30

    ﴾. ﴾ . وقد جاء تأويل هذه الآية المباركة وكما نقله الشيخ الطوسي نفسه في كتابه الغيبة حيث جاء تأويلها عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي ﴿عليهما السلام﴾ قال : ﴿ نزلت في الإمام ، فقال إن أصبح إمامكم غائبا عنكم فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله تعالى وحرامه . ثم قال : أما والله ما جاء تأويل هذه الآية ولا بد أن يجئ تأويلها ﴾﴿ - الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 158
    وقد ذكر أبي الحسن الرضا (ع) في حديث طويل القائم (ع) ووصفه بالماء المعين وذلك في قوله : ﴿ ... يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكم من مؤمن متأسف حران حزين عند فقد الماء المعين﴾﴿ - نفس المصدر السابق - ص 439﴾.
    ﴾.


    يتبع
    اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

    تعليق


    • #3
      لقد جاء تأويل هذه الآية الكريمة ومنذ الغيبة والى يومنا هذا لم نشهد الا الاختلاف ثم الاختلاف فلم نرى يوما فقيها إماميا شابه أقواله وفتاويه فقيها آخر الا وتجد الاختلاف ظاهرا غير غائب بينهما .
      إن هذه الاختلافات وصلت إلى حال لم تصله من قبل وفي كل المذاهب الإسلامية وكما يذكر ذلك الشيخ الطوسي في كتابه العدة حيث قال بأن اختلاف الطائفة الإمامية وصل إلى حد لم تصله اختلافات أبي حنيفة والشافعي ومالك وذلك في قوله : ﴿ وقد ذكرت ما ورد عنهم في الأحاديث المختلفة التي تختص الفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ، ما يزيد على خمسة آلاف حديث وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها وذلك أشهر من أن يخفى حتى إنك لو تأملت اختلافاتهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على إختلاف أبي حنيفة ، والشافعي، ومالك ﴾﴿ العدة في أصول الفقه -الطوسي - ج1 - ص138
      ﴾.
      إننا نجد هذه الصراحة موجودة عند القدماء إلا أن المتاخرين لا يتمتعون بهذه الصراحة التي كان يتمتع بها اسلافهم، وهذا ما نجده في كلمات المحقق الخوئي حين نقل عبارة الشيخ الطوسي هذه في كتابه معجم رجال الحديث فإن المحقق لم ينقلها بتمامها وإنما اجتزء منها مقطعها الاخير ولم يذكره وهو : ﴿حتى إنك لو تأملت اختلافاتهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على إختلاف أبي حنيفة ، والشافعي ، ومالك﴾﴿ - معجم رجال الحديث – السيد الخوئي - ج1 - ص90
      ﴾. فلماذا هذا الاجتزاء والاقتطاع ؟
      إن هذه الاختلافات التي وقعت في الطائفة جعلت البعض ممن يعتنقون الإمامية يرجعون إلى مذاهب العامة حين رأوا كثرة الاختلاف في الفتوى وهذا مما لم يحصل في زماننا فحسب بل انه قد حدث من زمن الشيخ الطوسي والى يومنا هذا فقد ذكر الشيخ الطوسي ما ذكرناه في كتابه تهذيب الأحكام حيث قال : ﴿ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم ، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد ، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه ، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا ، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا ، وذكروا أنه لم يزل شيوخكم السلف والخلف يطعنون على مخالفيهم بالاختلاف الذي يدينون الله تعالى به ويشنعون عليهم بافتراق كلمتهم في الفروع ، ويذكرون أن هذا مما لا يجوز أن يتعبد به الحكيم ، ولا أن يبيح العمل به العليم ، وقد وجدناكم أشد اختلافا من مخالفيكم وأكثر تباينا من مباينيكم ، ووجود هذا الاختلاف منكم مع اعتقادكم بطلان ذلك دليل على فساد الأصل حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة ، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق لما اشتبه عليه الوجه في ذلك ، وعجز عن حل الشبهة فيه ، سمعت شيخنا أبا عبد الله أيده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويدين بالإمامة فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث وترك المذهب ودان بغيره لما لم يتبين له وجوه المعاني فيها ﴾﴿- تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 2 - 3

      إننا بعد أن كنا نعيب على مذاهب العامة اختلافهم في الدين وكان قولنا بأن هذا مما لا يجوز ان يتعبد به العاقل صرنا أكثر منهم اختلافا وتباينا في الآراء حتى عاب علينا المخالفين ما كنا نعيبه عليهم !!
      إننا على اعتقاد تام باننا ما اختلفنا في الفتوى الا حين اخذنا قواعد المخالفين وقوانينهم الأصولية وخصوصاً تلك التي تتعلق بالحديث والتي كان المخالفون بواسطتها يختلفون في الدين وحين اخذناها اختلفنا فيها مما جعلنا أكثر اختلافا منهم وأكثر تباينا في الآراء .
      لقد بين الله تبارك وتعالى في كتابه ان معجزة الكتاب في عدم الاختلاف وهذا ما يدل على كونه صادرا عن الخالق الذي لا يصدر في دينه خلاف كما ان الله تعالى قد نسب الاختلاف إلى غيره في قوله تعالى : ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾﴿ ﴾.
      وهذا مما يدل على ان دين الله لا خلاف فيه وكل ما يصدر من خلاف فهو راجع إلى غيره جل جلاله كما ان الأئمة (ع) قد بينوا في كلماتهم النيرة ان حكم الله واحد وما سواه حكم الجاهلية وذلك واضح في قول الإمام الصادق (ع): ﴿الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية﴾﴿ - الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 407
      ولا يخفى عظيم الجرم إذا حكمنا بحكم الجاهلية والله يقول : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾﴿ ﴾.
      لقد حارب أئمة أهل البيت (ع)الاختلاف في الفتوى وانكروا على فقهاء المسلمين الاختلاف في الدين فقد جاء عن أمير المؤمنين (ع)في خطبة له تذم اختلاف العلماء في الفتيا حيث قال : ﴿ ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد . أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه . أم نهاهم عنه فعصوه . أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه . أم كانوا شركاء له. فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه والله سبحانه يقول ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ فيه تبيان كل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾ . وإن القرآن ظاهره أنيق . وباطنه عميق . لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلا به﴾﴿ نهج البلاغة - خطب الإمام علي ﴿ع﴾ - ج 1 - ص 54 - 55
      ﴾.
      إننا نتأسف كثيراً على حال الإمامية بعد غيبة الإمام المظلوم (ع) فقد أصبحوا في غاية الاختلاف والتناحر ليس الآن فقط بل مذ حلت الغيبة علينا ونحن في تيه لم نجد الراعي الذي يدلنا على المرعى ذلك المرعى الذي في فنائه الطيبات ولا تشوبه الخبائث ولا تعتريه الشبهات مائه معين للشاربين ليس فيه اثم ولا عدوان .
      إننا ونقولها صراحةً لن يرفع هذا الاختلاف إلا صاحب العصر وامام الزمان (ع) فهو الماء المعين والراعي لشيعته ومحبيه أفعاله حق وكلامه صدق لا تعتريه الظنون ، أصوله الكتاب والسُنة لا غيرها مما جعلها القوم أصولا لهم وقواعد لفقههم .
      إننا لا نرى ومع شديد الاسف في الإمامية الحاجة للمعصوم إذ يقولون ان الفقه وأصوله قد وصلا الآن إلى ارقى مستوياتهما مع اننا نجدهم الآن في غاية الاختلاف فإذا كان الفقه وأصوله كلما أزدادا تطورا زيد في اختلافنا وتباعدنا في الآراء فهل هذا التطور يرضى الله تبارك وتعالى وهذا التساؤل نترك جوابه للقارئ الكريم.
      وبعد أن تحدثنا عن مرحلة الشيخ الطوسي يجدر بنا ان نذكر بأن الشيخ الطوسي كان من المعارضين لمسألة التقليد في الدين حيث كان حريصا على ان يكون المتلقي لفقهه واستدلاله عارف بما استدل عليه الشيخ ولكي لا نطيل الكلام فلنأخذ ما قاله الشيخ شارحا لطريقته في كتابة استدلاله على المسائل حيث قال : ﴿وإذا كانت المسألة أو الفرع ظاهرا أقنع فيه بمجرد الفتيا ، وإن كانت المسألة أو الفرع غريبا أو مشكلا أومئ إلى تعليلها ووجه دليلها ، ليكون الناظر فيها غير مقلد﴾﴿ - المبسوط - الشيخ الطوسي - ج 1 - ص 3
      ﴾.
      إن هذه المسألة نقولها وبصراحة من أعظم حسنات الشيخ الطوسي فقد اشار إلى معارضته للتقليد وكان دائم الشرح لطرقه الاستدلالية حتى يكون المتلقي لفتاويه عارف بطريقة استخراجه للفتوى وهذا مما لا نشاهده اليوم بل حتى لقرون مضت مع شديد الاسف بل ان المتاخرين قد اوجبوا التقليد وقالوا ببطلان اعمال المكلف ان لم يكن مقلداً لأحد الفقهاء وكما سياتينا في مبحث التقليد عند الإمامية .
      الى هنا نكون قد انتهينا من بيان الأحداث التي حصلت في هذه المرحلة والتي كان يتزعم قيادتها الشيخ الطوسي منذ رحيل السيد المرتضى سنة 436 هـ إلى وفاته عام 460 هـ أي ما يقارب 24 عام بالاضافة إلى الاعوام التي عاشها مع السيد المرتضى والشيخ المفيد.
      اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى

      تعليق

      يعمل...
      X