منقول من كتاب سقيفة الغيبة المستفاد من فكر السيد القحطاني
الحركة الشيخية أو الكشفية :
إن الصراع الذي نشب بين الأصوليين والأخباريين انتهى نسبيا بعد ظهور الحركة الجديدة والمتمثلة بالشيخية وهذه الحركة كان لها فكراً جديداً عما عليه الأخباريين والأصوليين فتوجهت الانظار إليها بين متبع لها وعدو باع ثوابت اعتقاده من اجل الاطاحة بزعيم هذه الحركة الا وهو الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المطيرفي الملقب بالشيخ الاوحد المولود في عام ﴿1166هـ﴾ ويعد الاحسائي مؤسس مذهب الكشفية ﴿ أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 589
للاحسائي عدد كبير من المصنفات وفي مختلف العلوم والمعارف وقد ورد ذكر مؤلفاته في فهرست تصانيف الشيخ أحمد الأحسائي لرياض طاهر وهو خاص بفهرسة مؤلفاته المطبوعة التي بلغت "104مؤلفاً". وفيه إن مجموع ما صدر عن الشيخ الاحسائي من رسائل وكتب وخطب وفوائد وقصائد "154" ومجموع جوابات المسائل "555 مسألة"، من مخطوطة ومطبوعة على الأقل ومن أشهر تلك المؤلفات شرح الزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها.
كانت كتابات الشيخ تمتاز بالتنوع والموسوعية فقد كتب في الأدب بفروعه من نحو وصرف وبلاغة ولغة وعروض كما كتب في المنطق ، وفي الرياضيات من حساب وهندسة وفلك وفي الفقه والأصول والتفسير والحديث وكذلك في الاخلاق والتاريخ والحكمة الإلهية والكلام والعقائد والعلوم الغريبة كالرمل والجفر والكيمياء وغيرها ﴿ - دليل المتحيرين – السيد كاظم الرشتي -ص135-138﴾
وذُكر أسم الاحسائي في كلمات أصحاب التراجم والرجال فأثنى عليه الكثير منهم كالخوانساري الذي بالغ في وصفه والدفاع عنه حتى قال فيمن قال عنه بانه من أصحاب الغلو ما هذا نصه : ﴿يرمى عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالافراط والغلو مع أنه لا شك من أهل الجلالة والعلو﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 591 / روضات الجنات - ج1 - ص94﴾.
وذكر صاحب الروضات إنه كان شديد الإنكار لطريقة الصوفية الموهونة ، بل ولطريقة ملا محسن الكاشي الملقب بالفيض في العرفان بحيث أنه قد ينسب إليه تكفيره .
وممن ذكر الاحسائي وكتب عنه محمد كاشف الغطاء في حاشية انوار البدرين حيث قال في حقه : ﴿والحق أنه من أكابر علماء الإمامية ... إلخ ﴾﴿ حاشية أنوار البدرين – ج 34 - ص408
وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني : ﴿أحد رؤساء الطائفة ومحققي الإمامية المؤسسين في هذا القرن ﴿ القرن الثالث عشر ﴾ . فاز بدرجة عالية من العلم والعمل ، معقولاً ومنقولاً فقهاً وأصولاً . وقد حظي هذا الكتاب ﴿حاشية المعالم﴾ بالقبول ، ولاقى استحسان الأكابر والفحول من المحققين والأعلام﴾﴿ - الكرام البررة - ص 215
وفريق آخر غالى في مدحة كثيراً حتى قال: ﴿الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي فخر الاعلام وذخر الأيام، تاج الدهر وناموس العصر، العلامة الأوحد، والفاضل الفهامة الأمجد، العالم الرباني والفاضل الكبريائي الصمداني﴾﴿ - مرآة الكتب - التبريزي - ص 260
وفريق آخر تناقض قوله في سطور كالسيد علي البروجردي حيث قال ما هذا نصه: ﴿الشيخ المحدث العلامة الفيلسوف الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، وهذا الشيخ على ما سمعت من الوالد كان مرتاضا ، كثير الذكر والتفكر ، مدرسا متكلما ، فهو بنفسه ثقة معتمد ، إلا أن أهل العصر يذمونه ، بل حكم بعضهم بكفره ، كالسيد الصدر ﴾﴿ - طرائف المقال - السيد علي البروجردي - ج 1 - ص 61 ﴾.
وهذه التناقضات لم تكن بجديدة على أصحاب الرجال فقد ذكرنا ترجمة أبن الجنيد وكيف وقع المترجمون له بالتناقض من حيث انه ثقة إلا إنه كان يعمل بالقياس ونسب الرأي إلى أهل بيت العصمة !!
والحق ان من تعجبه افكار الاحسائي وكتبه يبالغ في مدحه وأطرائه والعكس ما قرأناه قبل قليل .
وعلى العموم يعتبر المحققون وأصحاب التراجم الشيخ الاحسائي مؤسس الحركة الشيخية أو الكشفية وعن هذه الحركة يتحدث محسن الامين في اعيان الشيعة قائلاً : ﴿فيسمون بالشيخية أي أتباع الشيخ أحمد .. كما يسمون بالكشفية نسبه إلى الكشف والالهام الذي يدعيه هو ويدعيه له أتباعه﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 589﴾.
فمن ناحية منهج الشيخ الاحسائي فإنه كان يدعي العلم عن طريق المكاشفة والشهود ولذلك سمي أتباع الشيخ بالكشفية نسبة إلى القول بالمكاشفة وذكروا بأن الاحسائي قال انه شاهد في المنام الأئمة الاثني عشر مجتمعين ، فتعلق بأذيال الإمام الحسن (ع) وسأله ان يعلمه شيئاً يحل به المشاكل التي تعترضه والتي يجهلها وكان يرى أحد الأئمة (ع) في المنام بشكل دائم حتى يسأله فيجيبه فعلمه الإمام أبياتا من الشعر ، لكنه نسيها عندما استيقظ ، وتأسف لذلك ، ثم شاهد المنظر في الليلة التالية وحفظ الأشعار.. وكان يقرأها كلما أراد ان يشاهد أحد الأئمة (ع) ويجالسه ويسائله ، ويحل عبره المشاكل والغامض من المسائل .
وقال : انه رأى في منامه ذات ليلة الإمام الحسن بن علي فأجابه عن مسائل كانت غامضة ، ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ يمج فيه من ريقه ، وإنه علمه بيتا من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه﴿ راجع سيرة الإحسائي التي كتبها بقلمه وحققها حسين محفوظ - طبع بغداد 1957
وينقل عن السيد كاظم الرشتي وهو أحد طلاب الشيخ الاحسائي انه بين طريقة استاذه في قوله : ﴿وكان يدأب في التدريس وتلقين الناس وبث الدعوة إلى طريقته الروحانية التي ترمي في النظر إلى الأشياء إلى ما لم يكن مألوفا يومئذ من الشذوذ عن الظاهر والتمسك بالباطن ونحو ذلك مما حمل كثيراً من القوم على استغراب تلك الطريقة﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 590﴾.
وقال أيضاً : ﴿أن تحصيله وانشراح صدره على هذه الصورة إنما هو من بعض أنواع الالهامات والنفث في الروع أو من مثل الكشف والاشراق ونحو ذلك من العنايات الخاصة ، مما هو خارج عن مألوف عادات البشر﴾﴿ - نفس المصدر السابق﴾.
وذكر الرشتي بأن استاذه لم يدرس عند أحدٍ قط وليس له شيخ أو استاذاً معروف مع أنه حصل أكثر العلوم العقلية والنقلية ، وله في أكثرها آراء وأنظار!!
إن هذا القول مخالف لما عليه الشيخ الاحسائي فللشيخ اساتذه معروفين قد اخذ عنهم أغلب العلوم فكان يروي عن جماعة من الفقهاء المعروفين ، منهم :
السيد محمد مهدى الطباطبائي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي والسيد علي الطباطبائي، صاحب ﴿الرياض﴾ والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني والشيخ حسين آل عصفور البحراني والشيخ أحمد بن الشيخ حسن الدمستاني البحراني وهؤلاء المشائخ الستة، طبعت إجازتهم -للمترجم- ضمن كتاب "ترجمة الشيخ أحمد الأحسائي"، ثم طبعت هذه الإجازات مستقلة في النجف عام: ﴿1390هـ﴾ .
كما ان جملة من أصحاب الرجال ذكروا اساتذة الشيخ الاحسائي في مصنفاتهم ووصفوا الاحسائي بالجد والسعي لتحصيل العلوم واكتساب الفضائل أيام الدراسة فإنه كان يختار أشهر المدرسين ورجال العلم المتقدمين في التدريس ، ولو أدى ذلك إلى المشقة والتنقل في البلدان لتحصيل تلك العلوم﴿ هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي - ج 1 - ص 36
إن الذي ذكره السيد الرشتي وأمثاله من طلبة الشيخ فيه غلو واضح في حق الاحسائي ولعل هذه الكلمات جعلت البعض يأخذ موقف من الشيخية وأتباعها.
ولم يقف الرشتي عند هذا الحد فحسب بل ذهب إلى القول عن استاذه ما هذا نصه : ﴿وقد سئل عن أغلب العلوم بل كلها ، فأجاب بما لم يوجد في كتاب ولم يذكر في خطاب بل بما تجده منطويا على الفطرة تقبله الطبيعة كأنه مستمع ذلك وعالم بما هنالك﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 591﴾.
إن هذه المواصفات التي ادعاها الرشتي لاستاذه ما هي الا من خصائص ومواصفات المعصومين (ع) فقط دون غيرهم بل كان النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم تسليما﴾ كثيراً ما يسال فينتظر الوحي ليجيب وعلى حد مزاعم الرشتي فإن الاحسائي قد تفوق على أنبياء الله في صفاته لأنه كان يعطي جواباً لاي سؤال يُسأل عنه وهذه الصفة لم تكن في رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم تسليما﴾ فتأمل .
كما ان السيد الرشتي بأدعائه هذا أراد المدح لاستاذه فذمه من حيث لا يشعر لأنه قد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : ﴿ إن من أجاب في كل ما يسأل عنه لمجنون ﴾﴿ - ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - ص 442﴾.
والرشتي يقول في حق استاذه بأنه قد سُئل عن أغلب العلوم بل كلها فأجاب . وهذا من جانب اما الجانب الآخر وهو ادعاء المكاشفة واللجوء إلى الطريق الروحانية والتي ترمي إلى تفسير الأشياء إلى ما لم يكن مألوفا يومئذ من الشذوذ عن الظاهر والتمسك بالباطن، فيرد على هذا الجانب بأن الركون إلى مكاشفة الفقهاء غير صحيحة مالم تخضع هذه الكشوفات إلى البرهان العلمي أي خضوع هذه الكشوفات إلى الدليل النصي الوارد عن الثقلين، كما ان نفس هذه الطريقة مما لم تخضع للدليل فلم يرد بها نص معين يدل على حجية الكشف في معرفة الأحكام كما ان عوالم الكشف والرؤيا تختلف عن عالمنا، وقوانينها تختلف عن قوانيننا، والحق فإن هذه الطريقة غير معصومة فتوقع صاحبها في مزالق ومأخذ، كما ان حجة الله هي الحجة الواضحة وليست الحجج الغيبية والتي يمكن ان يدعيها أي شخص ويقول رأيت الإمام فقال كذا وياتي شخص آخر ويقول رايت الإمام وقال بالنقيض كما ان التفسير لهذه الكشوفات والرؤى قد يتباين من شخص لآخر وقد يختلف وبالنتيجة فإننا خرجنا من اختلاف الفقهاء الأصوليين وغيرهم فوقعنا باختلافاً آخر وبطريقة أخرى .
ومن جملة أقوال المعارضين للشيخ الأحسائي انهم قالوا بأن الشيخ يدعي العصمة حيث انه يعلن أن كلامه معصوم عن الخطأ وذلك في قوله : ﴿وأخذت تحقيقات ما علمتُ عن أئمة الهدى عليهم السلام لم يتطرق على كلماتي الخطأ لأني ما أثبتُّ في كتبي فهو عنهم وهم عليهم السلام معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ومن أخذ عنهم لا يُخطيء من حيث هو تابع ﴾﴿ - شرح فوائد الحكمة - ص 4 - حجري﴾.
ولنا في كلام المعارضين لهذا القول وقفة فنقول : إن الشيخ لم يدع العصمة إلا لأهل البيت (ع)، نعم من تمسك بكلام المعصومين ولم يخرج عنه فهو معصوم بالتبعية وان كان هذا نادرا .
يتبع
الحركة الشيخية أو الكشفية :
إن الصراع الذي نشب بين الأصوليين والأخباريين انتهى نسبيا بعد ظهور الحركة الجديدة والمتمثلة بالشيخية وهذه الحركة كان لها فكراً جديداً عما عليه الأخباريين والأصوليين فتوجهت الانظار إليها بين متبع لها وعدو باع ثوابت اعتقاده من اجل الاطاحة بزعيم هذه الحركة الا وهو الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المطيرفي الملقب بالشيخ الاوحد المولود في عام ﴿1166هـ﴾ ويعد الاحسائي مؤسس مذهب الكشفية ﴿ أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 589
للاحسائي عدد كبير من المصنفات وفي مختلف العلوم والمعارف وقد ورد ذكر مؤلفاته في فهرست تصانيف الشيخ أحمد الأحسائي لرياض طاهر وهو خاص بفهرسة مؤلفاته المطبوعة التي بلغت "104مؤلفاً". وفيه إن مجموع ما صدر عن الشيخ الاحسائي من رسائل وكتب وخطب وفوائد وقصائد "154" ومجموع جوابات المسائل "555 مسألة"، من مخطوطة ومطبوعة على الأقل ومن أشهر تلك المؤلفات شرح الزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها.
كانت كتابات الشيخ تمتاز بالتنوع والموسوعية فقد كتب في الأدب بفروعه من نحو وصرف وبلاغة ولغة وعروض كما كتب في المنطق ، وفي الرياضيات من حساب وهندسة وفلك وفي الفقه والأصول والتفسير والحديث وكذلك في الاخلاق والتاريخ والحكمة الإلهية والكلام والعقائد والعلوم الغريبة كالرمل والجفر والكيمياء وغيرها ﴿ - دليل المتحيرين – السيد كاظم الرشتي -ص135-138﴾
وذُكر أسم الاحسائي في كلمات أصحاب التراجم والرجال فأثنى عليه الكثير منهم كالخوانساري الذي بالغ في وصفه والدفاع عنه حتى قال فيمن قال عنه بانه من أصحاب الغلو ما هذا نصه : ﴿يرمى عند بعض أهل الظاهر من علمائنا بالافراط والغلو مع أنه لا شك من أهل الجلالة والعلو﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 591 / روضات الجنات - ج1 - ص94﴾.
وذكر صاحب الروضات إنه كان شديد الإنكار لطريقة الصوفية الموهونة ، بل ولطريقة ملا محسن الكاشي الملقب بالفيض في العرفان بحيث أنه قد ينسب إليه تكفيره .
وممن ذكر الاحسائي وكتب عنه محمد كاشف الغطاء في حاشية انوار البدرين حيث قال في حقه : ﴿والحق أنه من أكابر علماء الإمامية ... إلخ ﴾﴿ حاشية أنوار البدرين – ج 34 - ص408
وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني : ﴿أحد رؤساء الطائفة ومحققي الإمامية المؤسسين في هذا القرن ﴿ القرن الثالث عشر ﴾ . فاز بدرجة عالية من العلم والعمل ، معقولاً ومنقولاً فقهاً وأصولاً . وقد حظي هذا الكتاب ﴿حاشية المعالم﴾ بالقبول ، ولاقى استحسان الأكابر والفحول من المحققين والأعلام﴾﴿ - الكرام البررة - ص 215
وفريق آخر غالى في مدحة كثيراً حتى قال: ﴿الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي فخر الاعلام وذخر الأيام، تاج الدهر وناموس العصر، العلامة الأوحد، والفاضل الفهامة الأمجد، العالم الرباني والفاضل الكبريائي الصمداني﴾﴿ - مرآة الكتب - التبريزي - ص 260
وفريق آخر تناقض قوله في سطور كالسيد علي البروجردي حيث قال ما هذا نصه: ﴿الشيخ المحدث العلامة الفيلسوف الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، وهذا الشيخ على ما سمعت من الوالد كان مرتاضا ، كثير الذكر والتفكر ، مدرسا متكلما ، فهو بنفسه ثقة معتمد ، إلا أن أهل العصر يذمونه ، بل حكم بعضهم بكفره ، كالسيد الصدر ﴾﴿ - طرائف المقال - السيد علي البروجردي - ج 1 - ص 61 ﴾.
وهذه التناقضات لم تكن بجديدة على أصحاب الرجال فقد ذكرنا ترجمة أبن الجنيد وكيف وقع المترجمون له بالتناقض من حيث انه ثقة إلا إنه كان يعمل بالقياس ونسب الرأي إلى أهل بيت العصمة !!
والحق ان من تعجبه افكار الاحسائي وكتبه يبالغ في مدحه وأطرائه والعكس ما قرأناه قبل قليل .
وعلى العموم يعتبر المحققون وأصحاب التراجم الشيخ الاحسائي مؤسس الحركة الشيخية أو الكشفية وعن هذه الحركة يتحدث محسن الامين في اعيان الشيعة قائلاً : ﴿فيسمون بالشيخية أي أتباع الشيخ أحمد .. كما يسمون بالكشفية نسبه إلى الكشف والالهام الذي يدعيه هو ويدعيه له أتباعه﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 589﴾.
فمن ناحية منهج الشيخ الاحسائي فإنه كان يدعي العلم عن طريق المكاشفة والشهود ولذلك سمي أتباع الشيخ بالكشفية نسبة إلى القول بالمكاشفة وذكروا بأن الاحسائي قال انه شاهد في المنام الأئمة الاثني عشر مجتمعين ، فتعلق بأذيال الإمام الحسن (ع) وسأله ان يعلمه شيئاً يحل به المشاكل التي تعترضه والتي يجهلها وكان يرى أحد الأئمة (ع) في المنام بشكل دائم حتى يسأله فيجيبه فعلمه الإمام أبياتا من الشعر ، لكنه نسيها عندما استيقظ ، وتأسف لذلك ، ثم شاهد المنظر في الليلة التالية وحفظ الأشعار.. وكان يقرأها كلما أراد ان يشاهد أحد الأئمة (ع) ويجالسه ويسائله ، ويحل عبره المشاكل والغامض من المسائل .
وقال : انه رأى في منامه ذات ليلة الإمام الحسن بن علي فأجابه عن مسائل كانت غامضة ، ثم وضع فمه الشريف على فمه وأخذ يمج فيه من ريقه ، وإنه علمه بيتا من الشعر كلما قرأه قبل النوم رأى في منامه أحد الأئمة وأتيحت له فرصة التعلم منه﴿ راجع سيرة الإحسائي التي كتبها بقلمه وحققها حسين محفوظ - طبع بغداد 1957
وينقل عن السيد كاظم الرشتي وهو أحد طلاب الشيخ الاحسائي انه بين طريقة استاذه في قوله : ﴿وكان يدأب في التدريس وتلقين الناس وبث الدعوة إلى طريقته الروحانية التي ترمي في النظر إلى الأشياء إلى ما لم يكن مألوفا يومئذ من الشذوذ عن الظاهر والتمسك بالباطن ونحو ذلك مما حمل كثيراً من القوم على استغراب تلك الطريقة﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 590﴾.
وقال أيضاً : ﴿أن تحصيله وانشراح صدره على هذه الصورة إنما هو من بعض أنواع الالهامات والنفث في الروع أو من مثل الكشف والاشراق ونحو ذلك من العنايات الخاصة ، مما هو خارج عن مألوف عادات البشر﴾﴿ - نفس المصدر السابق﴾.
وذكر الرشتي بأن استاذه لم يدرس عند أحدٍ قط وليس له شيخ أو استاذاً معروف مع أنه حصل أكثر العلوم العقلية والنقلية ، وله في أكثرها آراء وأنظار!!
إن هذا القول مخالف لما عليه الشيخ الاحسائي فللشيخ اساتذه معروفين قد اخذ عنهم أغلب العلوم فكان يروي عن جماعة من الفقهاء المعروفين ، منهم :
السيد محمد مهدى الطباطبائي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي والسيد علي الطباطبائي، صاحب ﴿الرياض﴾ والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني والشيخ حسين آل عصفور البحراني والشيخ أحمد بن الشيخ حسن الدمستاني البحراني وهؤلاء المشائخ الستة، طبعت إجازتهم -للمترجم- ضمن كتاب "ترجمة الشيخ أحمد الأحسائي"، ثم طبعت هذه الإجازات مستقلة في النجف عام: ﴿1390هـ﴾ .
كما ان جملة من أصحاب الرجال ذكروا اساتذة الشيخ الاحسائي في مصنفاتهم ووصفوا الاحسائي بالجد والسعي لتحصيل العلوم واكتساب الفضائل أيام الدراسة فإنه كان يختار أشهر المدرسين ورجال العلم المتقدمين في التدريس ، ولو أدى ذلك إلى المشقة والتنقل في البلدان لتحصيل تلك العلوم﴿ هداية المسترشدين - الشيخ محمد تقي الرازي - ج 1 - ص 36
إن الذي ذكره السيد الرشتي وأمثاله من طلبة الشيخ فيه غلو واضح في حق الاحسائي ولعل هذه الكلمات جعلت البعض يأخذ موقف من الشيخية وأتباعها.
ولم يقف الرشتي عند هذا الحد فحسب بل ذهب إلى القول عن استاذه ما هذا نصه : ﴿وقد سئل عن أغلب العلوم بل كلها ، فأجاب بما لم يوجد في كتاب ولم يذكر في خطاب بل بما تجده منطويا على الفطرة تقبله الطبيعة كأنه مستمع ذلك وعالم بما هنالك﴾﴿ - أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 2 - ص 591﴾.
إن هذه المواصفات التي ادعاها الرشتي لاستاذه ما هي الا من خصائص ومواصفات المعصومين (ع) فقط دون غيرهم بل كان النبي ﴿صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم تسليما﴾ كثيراً ما يسال فينتظر الوحي ليجيب وعلى حد مزاعم الرشتي فإن الاحسائي قد تفوق على أنبياء الله في صفاته لأنه كان يعطي جواباً لاي سؤال يُسأل عنه وهذه الصفة لم تكن في رسول الله ﴿صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم تسليما﴾ فتأمل .
كما ان السيد الرشتي بأدعائه هذا أراد المدح لاستاذه فذمه من حيث لا يشعر لأنه قد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : ﴿ إن من أجاب في كل ما يسأل عنه لمجنون ﴾﴿ - ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - ص 442﴾.
والرشتي يقول في حق استاذه بأنه قد سُئل عن أغلب العلوم بل كلها فأجاب . وهذا من جانب اما الجانب الآخر وهو ادعاء المكاشفة واللجوء إلى الطريق الروحانية والتي ترمي إلى تفسير الأشياء إلى ما لم يكن مألوفا يومئذ من الشذوذ عن الظاهر والتمسك بالباطن، فيرد على هذا الجانب بأن الركون إلى مكاشفة الفقهاء غير صحيحة مالم تخضع هذه الكشوفات إلى البرهان العلمي أي خضوع هذه الكشوفات إلى الدليل النصي الوارد عن الثقلين، كما ان نفس هذه الطريقة مما لم تخضع للدليل فلم يرد بها نص معين يدل على حجية الكشف في معرفة الأحكام كما ان عوالم الكشف والرؤيا تختلف عن عالمنا، وقوانينها تختلف عن قوانيننا، والحق فإن هذه الطريقة غير معصومة فتوقع صاحبها في مزالق ومأخذ، كما ان حجة الله هي الحجة الواضحة وليست الحجج الغيبية والتي يمكن ان يدعيها أي شخص ويقول رأيت الإمام فقال كذا وياتي شخص آخر ويقول رايت الإمام وقال بالنقيض كما ان التفسير لهذه الكشوفات والرؤى قد يتباين من شخص لآخر وقد يختلف وبالنتيجة فإننا خرجنا من اختلاف الفقهاء الأصوليين وغيرهم فوقعنا باختلافاً آخر وبطريقة أخرى .
ومن جملة أقوال المعارضين للشيخ الأحسائي انهم قالوا بأن الشيخ يدعي العصمة حيث انه يعلن أن كلامه معصوم عن الخطأ وذلك في قوله : ﴿وأخذت تحقيقات ما علمتُ عن أئمة الهدى عليهم السلام لم يتطرق على كلماتي الخطأ لأني ما أثبتُّ في كتبي فهو عنهم وهم عليهم السلام معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ومن أخذ عنهم لا يُخطيء من حيث هو تابع ﴾﴿ - شرح فوائد الحكمة - ص 4 - حجري﴾.
ولنا في كلام المعارضين لهذا القول وقفة فنقول : إن الشيخ لم يدع العصمة إلا لأهل البيت (ع)، نعم من تمسك بكلام المعصومين ولم يخرج عنه فهو معصوم بالتبعية وان كان هذا نادرا .
يتبع
تعليق