مذكرات مستر هنفر
" همفر " جاسوس إنجليزي كلف بأمر من وزارة المستعمرات الإنجليزية بفعاليات التجسس في مصر والعراق والحجاز وإيران في استانبول مركز الخلافة وتغرير المسلمين وخدمة المسيحي سنة 1122هـ - 1710م
فلق خططت الدوائر التي كان " همفر " يعمل في خدمتها إلي خلق مذهب إسلامي ودلة في منطقة من شرقي صحراء نجد ، ربما للسيطرة علي القبائل المحيطة ، وتأمين حدود محمياتها الساحلية ، ولكن الوليد تجاوز ذلك الدور المتواضع إلي ما هو أهم وأخطر ، وقد تم ذلك علي أيدي أبناء " همفر " وأمثاله وأحفادهم وأحفاد أحفادهم وأحفاد أحفادهم لا سيما من أمثال النقيب شكسبير وفيلبي ، وغيرهما ح يومناً الحاضر حيث يتولي الخبراء الأمريكيون بعد أفول نجم الأمبراطورية الأنجليزية العجوز ، السيطرة علي الثروة والسلطة العليا والإدارة والجيش في الديار المقدسة يستخدمونها لتحقيق أغراض حكومتهم وبلادهم .
ذاك كان مذهب ابن عبد الوهاب الذي وضعه الانلجيز أو علي الأقل شجعوه علي إعلانه ومكنو من الصمود في مواجهة كل المسلمين الذين آثارهم وضع هذا المذهب البدعة في التاريخ الإسلامي .
وأخيراً فإن قراءة مذكرات مستر همفر أبلغ من كل تحليل وما علي القارئ إلا أن يطالعها بترو ليدرك كيف يخطط للقضاء علي أمتنا وديننا ومقدساتنا لتسقط ثروات الأرض لقمة سائغة في أفواه المستعمرين .
الباب الأول
المخططات البريطانية في البلاد الإسلامية
السيطرة علي البلاد الإسلامية :
كانت دولة بريطانياً العظمي تفكر منذ وقت طويل حول إبقاء الإمبراطورية وسيعة كبيرة كما هي عليها الآن من إشراق الشمس علي بحارها حين تشرق, وغروب الشمس في بحارها حين تغرب ، فإن دولتنا كانت صغيرة بالنسبة إلي المستعمرات الكثيرة التي كنا نسيطر عليها في الهند وفي الصين وفي الشرق الأوسط وغيرها ، صحيح أننا لم نكن نسيطر سيطرة فعلية علي أجزاء كبيرة من هذه البلاد لأنها كانت بيد أهاليها إلا أن سياستنا فيها كان سياسة ناجحة وفعالة وكانت في الطريق إلى سقوطها بأيدينا كلية ، فكان اللازم علينا أن تفكر مرتين :
1- مرة لأجل إبقاء السيطرة علي ما تم السيطرة عليه فعلاً .
2- ومرة لأجل ضم ما لم تتم السيطرة عليه فعلاً إلى مملكتنا ومستعمراتنا .
وزارة المستعمرات أداة هذا المخطط :
خصصت وزارة المستعمرات لكل قسم من أقسام هذه البلاد لجانا خاصة لأجل دراسة هذه المهمة ، وكانت أنا من حسن الحظ مورد ثقة الوزير منذ دخلنا هذه الوزارة .
1- شركة الهند الشرقية :
عهد إلي بمهمة ( شركة الهند الشرقية ) التي كانت مهمتها في الظاهر تجارية بحتة ، وفي الباطن تعزيز سبل السيطرة علي الهند وعلي طرقها الموصلة إلي هذه الأراضي الشاسعة بشبه القارة .
كانت الحكومة واثقة من الهند حيث القوميات المختلفة والأديان المتشتتة ، واللغات المتباينة والمصالح المتضاربة ، كما كانت الحكومة واثقة من الصين حيث إن البوذية والكنفوشيوسية الغالبة علي هذه البلاد لم تكونا بحيث يخشى من قيامها لأنهما دينان ميتان يهتمان بجان الروح ، فلا صلة لهما بجانب الحياة ، فكان من المستبعد أن يسري الشعور بالوطنية في أهالي هاتين المنطقتين ، ولذلك لم يكن يقلق بال حكومة بريطانيا العظمي هاتان المنطقتان ، نعم : لم نكن غافلين عن إمكان تطور المستقبل ، ولذا كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل ، والفقر ، وأحياناً المرض – أيضاً – علي هذه البلاد ، وكنا لا نجد صعوبة في تغطية نوايانا بغطاء من المشتبهات النفسيه لأهالي هذه البلاد براق في ظاهره متين في واقعة ، فكنا بذلك نطبق المثل البوذي القديم ( دع المريض يشعر بحبه للدواء وإن كان مر المذاق) .
2- دولة الخلافة الإسلامية .
كان الذي يقلق بالنا هي البلاد الإسلامية ، فإنا وإن كنا قد عقدنا مع الرجل المريض (1) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا ، وكان تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل يلفظ نفسه الأخير في أقل من قرن .
3- الحكومات في بلاد الفرس
كذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس – سراً – عدة معاهدات ، وكنا قد زرعنا الجواسيس والعملاء في هذين البلدين (2) ، وكانت الرشوة وفساد الإدارة ، وانشغال ملوكها بالنساء الحسناوات قد نخرت في جسم هذين البلدين إلا أننا لم نكن نثق بالنتائج لعدة الأسباب .
أسباب تخوف بريطانيا
1- قوة الإسلام في نفوس أبنائه
فإن الرجل المسلم يلقى قيادة إلي الإسلام بكل صلابة حتى إنك تري الإسلام في نفس المسلم بمنزلة المسيحية فى نفوس القساوسة والرهبان ، وتزهق نفوسهم ولا تخرج المسيحية منها .
الشيعة في البلاد الفارسية أخطر حيث إنهم يرون المسيحية كفاراً نجسين ، فإن المسيحى عند الشيعي بمنزلة القذارة المتعفنة في يد أحدنا حيث يصرف همته فى إزالته .
وذات مرة سألت عن أحدهم : لماذا تنظرون إلي المسيحى بهذا المنظار ؟ قال : إن نبي الإسلام كان رجلاً حكيماً وأراد أن يطوق كل كافر بدائرة من الضغط الأدبي لكي يحس بالضيق والوحشة ليكون ، من أسباب هدايته إلي الله وإلي الدين الصحيح ، كما أن الحكومة إذا أحست من إنسان الخطر طوقته بدائرة من المقاطعة حتى يرجع إلي الطاعة والانقياد ، والنجاسة التي ذكرتها هي نجاسة معنوية لا مادية ظاهرية ، وهي ليست خاصة بالمسيحية بل تشمل كل كاف حتى المجوس الذين هم بارسيون من القديم هم نجس في منطق الإسلام .
قلت له : حسنا ، ولكن لماذا المسيحيون نجس وهم يعتقدون بالله والرسالة ويوم الميعاد ؟ قال : لأمرين :
الأول : أنهم ينكرون نبيناً ( محمداً ) وهذا يعني أنهم يقولون إن محمداً كاذب ، ونحن في قبال هذا الاتهام نقول أنتم أيها المسيحيون نجس طبقاً لقانون العقل الحاكم بأن من آذاك فلك أن تؤذيه .
والثاني : أنهم ينسبون إلي أنبياء الله نسباً غير لائقة مثل أنهم يقولون : إن المسيح كان يشرب الخمر ، وكان معلوناً لأنه علق علي الخشبة .
قلت له في دهشة : لا يقول المسيحيون هكذا ، قال : أنت لا تعلم أنهم في الكتاب المقدس ) عندهم يقولون ذلك فسكت وأنا واثق بأن الرجل كان كاذباً في الأمر الثاني وأن كان صادقًا في الأمر الأول ولم أرد في أطاول معه النقاش ، لأني خشيت أن تثار حولي شبهة حيث كنت أنا في الزي الإسلامي ، وكنت أتجنب الزاوىة الحادة دائماً .
2- الإسلام دين
نقول حقيقة : إن الإسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة ، ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد ، فإن نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلي التعالي مهما كان من ضعف وأنحطاط . ولم يكن بإمكاننا أن نزيف تاريخ الإسلام ، حتى نشعر المسلمين بأن السيادة التي حازوها كانت بفعل ظروف خاصة قد ولت إلي غير رجعة .
3- تحرك الوعي الإسلامي
تخوفنا لأننا لم نكن نأمن من تحرك الوعي في نفوس آل عثمان وحكام فارس ، بما يوجب فشل خططنا الرامية إلي السيطرة ، صحيح أن الحكومتين قد بلغتا من الضعف مبلغاً كبيراً كما ألمحنا إليه إلا أن وجود حكومة مركزية يواليها الناس وبيدها السيادة والمال والسلاح يجعل الإنسان غير آمن .
4- شدة القلق من علماء المسلمين :
لقد كنا دائماً شديد القلق من علماء المسلمين ، فعلماء الأزهر ، وعلما العراق ، وعلماء فارس كانوا أمنع سداً أمام آمالنا ، فإنهم كانوا في غاية الجهل بمبادىء الحياة العصرية وقد جعلوا نصب أعينهم الجنة التي وعدهم بها القرآن ، فكانوا لا يتنازلون قدر شعرة عن مبادئهم ، وكان الشعب يتبعهم والسلطان يخشاهم خوف الفئران من الهرة ، صحيح أن أهل السنة كانوا أقل ، تباعاً لعلمائهم ، فإنهم يقيمون الولاء بين السلطان وبين شيخ الإسلام ، وأهل الشيعة كانوا أشد ولاء للعلماء لأنهم يخلصون الولاء للعالم فقط ، ولا يعيرون السلطان أهمية كافية ، إلا أن هذا الفرق لم يكن ليخفف شيئاً من القلق الذي كان يساور وزارة المستعمرات ، بل كل حكام بريطانيا العظمى .
مؤتمرات لإزالة أسباب التخوف
كنا قد عقدناً المؤتمرات الكثيرة لنلتمس الحلول الكافية لهذه المشاكل المقلقة ، لكنا في كل مرة لم نجد أمامنا إلا الطري المسدود ، وكانت التقارير التي تأتينا بانتظام عن العملاء والجواسيس مخيبة للآمال ، كما كانت نتائج المؤتمرات كلها صفراً أو تحت الصفر ، لكنا لم نكن ندع المجال لليأس فينا ، حيث عودناً أنفسنا النفس الطويل والصبر اللا متناهى .
وأذكر ذات مر عقدناً مؤتمراً حضره الوزير بشخصة وأكبر القساوسة ، وعدد من الخبراء ، كان عددنا جميعاً عشرين شخصاً ، وطال النقاش أكث من ثلاث ساعات ، وأنتهينا بدون أية نتيجة ، إلا أن القس قال ، لا تنزعجوا ، فإن المسيح لم يصل إلي الحكم إلا بعد ثلاثمائة سنة من الاضطهاد والتشريد والقتل له ولأتباعه ، وعسي أن ينظر إلينا المسيح نظرة من ملكوته فيمنحنا إزالة الكفار عن مراكزهم ولو بعد ثلاثمائة سنة ، فعلينا أن نتسلح بالإيمان الراسخ والصبر الطويل واتخاذ كافة الوسائل والسبل للسيطرة ونشر المسيحية في ربوع المسلمين ولو وصلنا إلي النتيجة بعد قرون ، فإن الآباء يزرعون للأبناء .
وحتى – ذات مرة – عقد في الوزارة مؤتمر حضره ممثلون من كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا ، وكان مؤتمراً في أعلي المستويات ، وكان الحاضرون لفيفاً من الهيئات الدبلوماسية ورجال الدين ، وكان من حسن حظي أن حضرت ذلك المؤتمر لعلاقتى الوطيدة بالوزير ، وعرض المؤتمرون مشاكل المسلمين عرضاً وافياً .
دراسة سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم :
ذكروا في هذا المؤتمر سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم وإرجاعهم إلي حظيرة الإيمان كما رجعت أسبانياً إليها بعد قرون من غزو المسلمين البرابرة لها ، لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب ، وقد كتبت أنا كل ما دار من نقاش في ذلك المؤتمر في كتابي : ( إلي ملكوت المسيح ).
إنه من الصعب أن تقلع جذور شجرة امتدت إلي شرق الأرض ، وغربها ، لكن الإنسان يجب عليه أن يذلل الصعاب مهما كان الثمن .
المسيحية لم تأت إلا لتنتشر :
كان من أهدافنا أن المسيحية لم تأت إلا لتنتشر ، وقد وعدناً بذلك السيد المسيح نفسه ، أما محمد فقد ساعده ظرف انحطاط العالمين الشرقى والغربي ، وظرف الانحطاط إذا ولي فقد يذهب معه أيضاً ما رافقه من ويلا ، ومن حسن الظن أن الأمر قد أنعكس فقد أنحط المسلمون وارتفعت بلاد المسيح فآن الوقت لأن نطلب الثأر ونسترجع ما فقدناه طيلة قرون ، وها هي دولة قوية عصرية هي بريطانياً العظمى تأخذ بزمام هذه المبادرة المباركة .
الباب الثاني
مستمر همفر مبعوث المخابرات البريطانية لبعض بلاد المسلمين
المبعوثون من وزارة المستعمرات :
أوفدتني وزارة المستعمرات عام ( 1710) إلي كل من مصر ، والعراق ، وطهران ، والحجاز ، والآستانة ، لأجمع المعلومات الكافية التي تعزر سبل تمزيقنا للمسلمين ، ونشر السيطرة علي بلاد الإسلام ، وبعث في نفس الوقت تسعة آخرون من خيرة الموظفين لدي الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة إلي سائر الأجزاء للإمبراطورية ، وسائرة بلاد المسلمين ، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي ، والمعلومات اللازمة ، والخرائط الممكنة ، وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل ، ولم أنس كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيد المسيح وقال : إن علي نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا ، فأبدوا ما عندكم من طاقات للنجاح .
مستر همفر مبعوث لدولة الخلافة :
فأنجزت أنا ميمماً وجهة الآستانة – مركز الخلافة الإسلامية وكانت مهمتي مزدوجة ، وحيث كان من المفروض أن أكمل تعلمي للغة التركية – لغة المسلمين هناك – فقد كنت تعلمت شيئاً كثيراً من ثلاث لغات في لندن : اللغة التركية ، ولغة العرب ( لغة القرآن ) واللغة الفلهوية لغة أهل فارس ، لكن تعلم اللغة شئ ، والسيطرة علي اللغة حتى يتمكن الإنسان أن يتكلم مثل لغة أهل البلاد شئ آخر ، فبينما لا يستغرق الأول إلا سنوات قلائل ، يستغرق الأمر الثاني أضعاف ذلك الوقت ، فإن المفروض أن أتعلم اللغة بكافة دقائقها حتى لا تثار حولي شبهة .
ولكنى لم أكن أقلق لهذه الجهة لأن المسلمين عندهم تسامح ورحابة صدر وحسن ظن كما علمهم نبيهم ، فالشبهة عندهم لا تكون كالشبهة عندنا ، ومن طرف آخر فإن حكومة الأتراك لم تكن في المستوي اللائق لكشف الجواسيس والعملاء ، فقد كانت حكومة آخذه في الضعف والهزل مما يؤمن جانبنا .
مستر همفر يدعي الإسلام
وبعد سفرة مضنية وصلت إلي آستانة وسميت نفسي ( محمداً ) وأخذت أحضر المسجد – مكان أجتماع المسلمين لعبادتهم – وراقني النظام والنظافة والطاعة التي وجدتها عندهم ، وقلت في نفسي : لماذا نحارب نحن هؤلاء البشر ؟ ولماذا نعمل من أجل تمزيقهم وسلب نعمتهم ؟ هل أوصاناً المسيح ذلك . لكني رجعت فوراً واستنفرت من هذا التفكير الشيطاني ، وجددت العزم علي أن أشرب إلي آخر الكأس .
وسائل مستر همفر لمارسة نشاطه
1- سعية لتحصيل العلم .
وقد التقيت هناك بعالم طاعن في السن أسمه ( أحمد أفندم ) وكان من طيب النفس ورحابه الصدر وصفاء الضمير وحب الخير ، ما لم أجده في أحسن رجال ديننا ، وكان الشيخ يحاول ليله ونهاره في أن يتشبه بالنبي محمد ، فكان يجعله المثل الأعلي ، وكلما ذكره ماضت عيناه بالدموع ، ومن حسن الحظ أنه لم يسألني – حتى مرة واحدة – علي أصلي ونسبي وإنما كان يخاطبنى ( محمد أفندي ) ويعلمنى ما كنت أسئله ويحنو علي حنوا كبيراً حيث عرف أني ضيف في بلادهم جئت لأن أعمل ولأجل أن أكون في ظل السلطان الذي يمثل النبى محمداً فقد كانت هذه حجتى في البقاء في الآستانة .
وكنت قد قلت للشيخ : إني شاب قد مات أبى وأمى وليس لي أخوة ، وتركوا لي شيئاً من المال ففكرت أن أكتسب وأن أتعلم القرآن والسنة ، فجئت إلي مركز الإسلام لأحصل علي الدين والدنيا ، فرحب بى الشيخ كثيراً وقال لي ما نصه – وقد كتبته بلفظه – إن الواجب أن نحترمك لعدة أسباب .
أ- لأنك مسلم والمسلون أخوة .
ب- ولأنك ضيف وقد قال رسول الله ﴿-;- -;- وآله﴾-;- ( أكرموا الضيف)
ج- ولأنك طالب علم والإسلام يؤكد علي إكرام طالب العالم .
د- ولأنك تريد الكسب وقد ورد نص بأنه ( الكاسب حبيب الله )
وقد أعجبت أنا بهذه الأمور أيما إعجاب ، وقلت في نفسي ياليت كانت المسيحية تعى مثل هذه الحقائق النيرة ، لكني تعجبت كيف أن الإسلام في هذه الرفعة شمله الضعف والأنحاط علي أيدي هؤلاء الحكام المغرورين وهؤلاء العلماء الجهلة بالحياة .
2- تعلم القرآن :
قلت الشيخ : أنى أريد أن أتعلم القرآن المبين ، فرحب الشيخ بالطلب ، وأخذ يعلمني من سورة ( الحمد ) ويفسر لي المعانى ، وقد كنت أجد مشقة في النطق ببعض ألفاظها ، وأحياناً كانت المشقة منتهاها ، وأذكر أني لم أتعلم النطق بجملة : ( وعلي أمم ممن معك ) إلا بعد تكرارها عشرات المرات في ظروف أسبوع ، حيث قال لي الشيخ: اللازم عليك الإدغام حتى تتولد ثمانى ميمات . وكيفما كان فقد قرأت القرآن عنده في مدة سنتين كاملتين ومن أوله إلي آخره ، وكان إذا أراد تعليمى توضأ وضوء الصلاة وأمرني بالتوضؤ كما كان هو وأنا نجلس إلي جهة القبلة
3-ممارسة الوضوء والصلاة :
والجدير بالذكر أن أذكر أن ( الوضوء ) عند المسلمين جملة من الأغسال ، فأولاً يغسلون الوجه ، وثانياً اليد اليمنى من الأصابع إلي المرفق وثالثاً اليد اليسري من الأصابع إلي المرفق ورابعا يمسحون الرأس وخلف الأذنين والرقبة ، وخامساً يغسلون الرجلين .
ويقولون الأفضل أن يدير الشخص الماء في فمه ، وأن يسحب الماء إلي الأعلي في أنفه قبل البدء في الوضوء .
4- استعمال السواك :
وقد كنت أنزعج أنزعاجا كبيراً من ( السواك ) وهي عودة يدخلونها في أفواههم لأجل تنظيف الأسنان قبل الوضوء ، فقد كنت أعتقد أن هذه العودة تضر الأسنان والفم ، وكانت أحياناً تجرح الفم ويخرج الدم منه ، لكني كنت مجبوراً أن أفعل ذلك لأنها عندهم سنة مؤكدة أمر بها نبيهم محمد وهمم يذكرون لها فضائل كثيرة .
5- حياته اليومية في الآستانة :
لقد كنت أيام إقامتى فى الآستانة أنام عند خادم المسجد لقاء ما أعطيه من المال وكان إنسانا عصبى المزاج وأسمه ( مروان أفندي ) وهو أسم أحد أصحاب الرسول محمد ، وكان الخادم يعتز بهذا الاسم المبارك ، وكان يقول لي : إن رزقت ولداً سمه ( مروان ) لأنه من كبار الشخصيات المجاهدين في الإسلام .
وكنت أتعشي هناك عند الخادم حيث كان يهيئ لي الطعام ، وأيام الجمعة ( وهي عيد المسلمين ) لم أكن أذهب إلي العمل ، أما سائر الأيام فقد كنت أذهب إلي نجار هناك أشتعل عنده لقاء أجر زهيد كان يدفعه لي أسبوعياً ، وحيث كان عملي في فترة الصباح فقط فقد كان يجري لي نصف أجور سائر عماله ، وكان أسم النجار ( خالد ) وكان يثرثر في أوقات فراغه عن فضائل ( خالد بن الوليد ) الفاتح الإسلامي الذي صحب محمداً النبي وأبلي في الإسلام بلاء حسنا ، لكنه كان يجر في نفسه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما تولي الخلافة عزل خالد بن الوليد .
" همفر " جاسوس إنجليزي كلف بأمر من وزارة المستعمرات الإنجليزية بفعاليات التجسس في مصر والعراق والحجاز وإيران في استانبول مركز الخلافة وتغرير المسلمين وخدمة المسيحي سنة 1122هـ - 1710م
فلق خططت الدوائر التي كان " همفر " يعمل في خدمتها إلي خلق مذهب إسلامي ودلة في منطقة من شرقي صحراء نجد ، ربما للسيطرة علي القبائل المحيطة ، وتأمين حدود محمياتها الساحلية ، ولكن الوليد تجاوز ذلك الدور المتواضع إلي ما هو أهم وأخطر ، وقد تم ذلك علي أيدي أبناء " همفر " وأمثاله وأحفادهم وأحفاد أحفادهم وأحفاد أحفادهم لا سيما من أمثال النقيب شكسبير وفيلبي ، وغيرهما ح يومناً الحاضر حيث يتولي الخبراء الأمريكيون بعد أفول نجم الأمبراطورية الأنجليزية العجوز ، السيطرة علي الثروة والسلطة العليا والإدارة والجيش في الديار المقدسة يستخدمونها لتحقيق أغراض حكومتهم وبلادهم .
ذاك كان مذهب ابن عبد الوهاب الذي وضعه الانلجيز أو علي الأقل شجعوه علي إعلانه ومكنو من الصمود في مواجهة كل المسلمين الذين آثارهم وضع هذا المذهب البدعة في التاريخ الإسلامي .
وأخيراً فإن قراءة مذكرات مستر همفر أبلغ من كل تحليل وما علي القارئ إلا أن يطالعها بترو ليدرك كيف يخطط للقضاء علي أمتنا وديننا ومقدساتنا لتسقط ثروات الأرض لقمة سائغة في أفواه المستعمرين .
الباب الأول
المخططات البريطانية في البلاد الإسلامية
السيطرة علي البلاد الإسلامية :
كانت دولة بريطانياً العظمي تفكر منذ وقت طويل حول إبقاء الإمبراطورية وسيعة كبيرة كما هي عليها الآن من إشراق الشمس علي بحارها حين تشرق, وغروب الشمس في بحارها حين تغرب ، فإن دولتنا كانت صغيرة بالنسبة إلي المستعمرات الكثيرة التي كنا نسيطر عليها في الهند وفي الصين وفي الشرق الأوسط وغيرها ، صحيح أننا لم نكن نسيطر سيطرة فعلية علي أجزاء كبيرة من هذه البلاد لأنها كانت بيد أهاليها إلا أن سياستنا فيها كان سياسة ناجحة وفعالة وكانت في الطريق إلى سقوطها بأيدينا كلية ، فكان اللازم علينا أن تفكر مرتين :
1- مرة لأجل إبقاء السيطرة علي ما تم السيطرة عليه فعلاً .
2- ومرة لأجل ضم ما لم تتم السيطرة عليه فعلاً إلى مملكتنا ومستعمراتنا .
وزارة المستعمرات أداة هذا المخطط :
خصصت وزارة المستعمرات لكل قسم من أقسام هذه البلاد لجانا خاصة لأجل دراسة هذه المهمة ، وكانت أنا من حسن الحظ مورد ثقة الوزير منذ دخلنا هذه الوزارة .
1- شركة الهند الشرقية :
عهد إلي بمهمة ( شركة الهند الشرقية ) التي كانت مهمتها في الظاهر تجارية بحتة ، وفي الباطن تعزيز سبل السيطرة علي الهند وعلي طرقها الموصلة إلي هذه الأراضي الشاسعة بشبه القارة .
كانت الحكومة واثقة من الهند حيث القوميات المختلفة والأديان المتشتتة ، واللغات المتباينة والمصالح المتضاربة ، كما كانت الحكومة واثقة من الصين حيث إن البوذية والكنفوشيوسية الغالبة علي هذه البلاد لم تكونا بحيث يخشى من قيامها لأنهما دينان ميتان يهتمان بجان الروح ، فلا صلة لهما بجانب الحياة ، فكان من المستبعد أن يسري الشعور بالوطنية في أهالي هاتين المنطقتين ، ولذلك لم يكن يقلق بال حكومة بريطانيا العظمي هاتان المنطقتان ، نعم : لم نكن غافلين عن إمكان تطور المستقبل ، ولذا كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل ، والفقر ، وأحياناً المرض – أيضاً – علي هذه البلاد ، وكنا لا نجد صعوبة في تغطية نوايانا بغطاء من المشتبهات النفسيه لأهالي هذه البلاد براق في ظاهره متين في واقعة ، فكنا بذلك نطبق المثل البوذي القديم ( دع المريض يشعر بحبه للدواء وإن كان مر المذاق) .
2- دولة الخلافة الإسلامية .
كان الذي يقلق بالنا هي البلاد الإسلامية ، فإنا وإن كنا قد عقدنا مع الرجل المريض (1) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا ، وكان تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل يلفظ نفسه الأخير في أقل من قرن .
3- الحكومات في بلاد الفرس
كذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس – سراً – عدة معاهدات ، وكنا قد زرعنا الجواسيس والعملاء في هذين البلدين (2) ، وكانت الرشوة وفساد الإدارة ، وانشغال ملوكها بالنساء الحسناوات قد نخرت في جسم هذين البلدين إلا أننا لم نكن نثق بالنتائج لعدة الأسباب .
أسباب تخوف بريطانيا
1- قوة الإسلام في نفوس أبنائه
فإن الرجل المسلم يلقى قيادة إلي الإسلام بكل صلابة حتى إنك تري الإسلام في نفس المسلم بمنزلة المسيحية فى نفوس القساوسة والرهبان ، وتزهق نفوسهم ولا تخرج المسيحية منها .
الشيعة في البلاد الفارسية أخطر حيث إنهم يرون المسيحية كفاراً نجسين ، فإن المسيحى عند الشيعي بمنزلة القذارة المتعفنة في يد أحدنا حيث يصرف همته فى إزالته .
وذات مرة سألت عن أحدهم : لماذا تنظرون إلي المسيحى بهذا المنظار ؟ قال : إن نبي الإسلام كان رجلاً حكيماً وأراد أن يطوق كل كافر بدائرة من الضغط الأدبي لكي يحس بالضيق والوحشة ليكون ، من أسباب هدايته إلي الله وإلي الدين الصحيح ، كما أن الحكومة إذا أحست من إنسان الخطر طوقته بدائرة من المقاطعة حتى يرجع إلي الطاعة والانقياد ، والنجاسة التي ذكرتها هي نجاسة معنوية لا مادية ظاهرية ، وهي ليست خاصة بالمسيحية بل تشمل كل كاف حتى المجوس الذين هم بارسيون من القديم هم نجس في منطق الإسلام .
قلت له : حسنا ، ولكن لماذا المسيحيون نجس وهم يعتقدون بالله والرسالة ويوم الميعاد ؟ قال : لأمرين :
الأول : أنهم ينكرون نبيناً ( محمداً ) وهذا يعني أنهم يقولون إن محمداً كاذب ، ونحن في قبال هذا الاتهام نقول أنتم أيها المسيحيون نجس طبقاً لقانون العقل الحاكم بأن من آذاك فلك أن تؤذيه .
والثاني : أنهم ينسبون إلي أنبياء الله نسباً غير لائقة مثل أنهم يقولون : إن المسيح كان يشرب الخمر ، وكان معلوناً لأنه علق علي الخشبة .
قلت له في دهشة : لا يقول المسيحيون هكذا ، قال : أنت لا تعلم أنهم في الكتاب المقدس ) عندهم يقولون ذلك فسكت وأنا واثق بأن الرجل كان كاذباً في الأمر الثاني وأن كان صادقًا في الأمر الأول ولم أرد في أطاول معه النقاش ، لأني خشيت أن تثار حولي شبهة حيث كنت أنا في الزي الإسلامي ، وكنت أتجنب الزاوىة الحادة دائماً .
2- الإسلام دين
نقول حقيقة : إن الإسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة ، ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد ، فإن نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلي التعالي مهما كان من ضعف وأنحطاط . ولم يكن بإمكاننا أن نزيف تاريخ الإسلام ، حتى نشعر المسلمين بأن السيادة التي حازوها كانت بفعل ظروف خاصة قد ولت إلي غير رجعة .
3- تحرك الوعي الإسلامي
تخوفنا لأننا لم نكن نأمن من تحرك الوعي في نفوس آل عثمان وحكام فارس ، بما يوجب فشل خططنا الرامية إلي السيطرة ، صحيح أن الحكومتين قد بلغتا من الضعف مبلغاً كبيراً كما ألمحنا إليه إلا أن وجود حكومة مركزية يواليها الناس وبيدها السيادة والمال والسلاح يجعل الإنسان غير آمن .
4- شدة القلق من علماء المسلمين :
لقد كنا دائماً شديد القلق من علماء المسلمين ، فعلماء الأزهر ، وعلما العراق ، وعلماء فارس كانوا أمنع سداً أمام آمالنا ، فإنهم كانوا في غاية الجهل بمبادىء الحياة العصرية وقد جعلوا نصب أعينهم الجنة التي وعدهم بها القرآن ، فكانوا لا يتنازلون قدر شعرة عن مبادئهم ، وكان الشعب يتبعهم والسلطان يخشاهم خوف الفئران من الهرة ، صحيح أن أهل السنة كانوا أقل ، تباعاً لعلمائهم ، فإنهم يقيمون الولاء بين السلطان وبين شيخ الإسلام ، وأهل الشيعة كانوا أشد ولاء للعلماء لأنهم يخلصون الولاء للعالم فقط ، ولا يعيرون السلطان أهمية كافية ، إلا أن هذا الفرق لم يكن ليخفف شيئاً من القلق الذي كان يساور وزارة المستعمرات ، بل كل حكام بريطانيا العظمى .
مؤتمرات لإزالة أسباب التخوف
كنا قد عقدناً المؤتمرات الكثيرة لنلتمس الحلول الكافية لهذه المشاكل المقلقة ، لكنا في كل مرة لم نجد أمامنا إلا الطري المسدود ، وكانت التقارير التي تأتينا بانتظام عن العملاء والجواسيس مخيبة للآمال ، كما كانت نتائج المؤتمرات كلها صفراً أو تحت الصفر ، لكنا لم نكن ندع المجال لليأس فينا ، حيث عودناً أنفسنا النفس الطويل والصبر اللا متناهى .
وأذكر ذات مر عقدناً مؤتمراً حضره الوزير بشخصة وأكبر القساوسة ، وعدد من الخبراء ، كان عددنا جميعاً عشرين شخصاً ، وطال النقاش أكث من ثلاث ساعات ، وأنتهينا بدون أية نتيجة ، إلا أن القس قال ، لا تنزعجوا ، فإن المسيح لم يصل إلي الحكم إلا بعد ثلاثمائة سنة من الاضطهاد والتشريد والقتل له ولأتباعه ، وعسي أن ينظر إلينا المسيح نظرة من ملكوته فيمنحنا إزالة الكفار عن مراكزهم ولو بعد ثلاثمائة سنة ، فعلينا أن نتسلح بالإيمان الراسخ والصبر الطويل واتخاذ كافة الوسائل والسبل للسيطرة ونشر المسيحية في ربوع المسلمين ولو وصلنا إلي النتيجة بعد قرون ، فإن الآباء يزرعون للأبناء .
وحتى – ذات مرة – عقد في الوزارة مؤتمر حضره ممثلون من كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا ، وكان مؤتمراً في أعلي المستويات ، وكان الحاضرون لفيفاً من الهيئات الدبلوماسية ورجال الدين ، وكان من حسن حظي أن حضرت ذلك المؤتمر لعلاقتى الوطيدة بالوزير ، وعرض المؤتمرون مشاكل المسلمين عرضاً وافياً .
دراسة سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم :
ذكروا في هذا المؤتمر سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم وإرجاعهم إلي حظيرة الإيمان كما رجعت أسبانياً إليها بعد قرون من غزو المسلمين البرابرة لها ، لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب ، وقد كتبت أنا كل ما دار من نقاش في ذلك المؤتمر في كتابي : ( إلي ملكوت المسيح ).
إنه من الصعب أن تقلع جذور شجرة امتدت إلي شرق الأرض ، وغربها ، لكن الإنسان يجب عليه أن يذلل الصعاب مهما كان الثمن .
المسيحية لم تأت إلا لتنتشر :
كان من أهدافنا أن المسيحية لم تأت إلا لتنتشر ، وقد وعدناً بذلك السيد المسيح نفسه ، أما محمد فقد ساعده ظرف انحطاط العالمين الشرقى والغربي ، وظرف الانحطاط إذا ولي فقد يذهب معه أيضاً ما رافقه من ويلا ، ومن حسن الظن أن الأمر قد أنعكس فقد أنحط المسلمون وارتفعت بلاد المسيح فآن الوقت لأن نطلب الثأر ونسترجع ما فقدناه طيلة قرون ، وها هي دولة قوية عصرية هي بريطانياً العظمى تأخذ بزمام هذه المبادرة المباركة .
الباب الثاني
مستمر همفر مبعوث المخابرات البريطانية لبعض بلاد المسلمين
المبعوثون من وزارة المستعمرات :
أوفدتني وزارة المستعمرات عام ( 1710) إلي كل من مصر ، والعراق ، وطهران ، والحجاز ، والآستانة ، لأجمع المعلومات الكافية التي تعزر سبل تمزيقنا للمسلمين ، ونشر السيطرة علي بلاد الإسلام ، وبعث في نفس الوقت تسعة آخرون من خيرة الموظفين لدي الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة إلي سائر الأجزاء للإمبراطورية ، وسائرة بلاد المسلمين ، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي ، والمعلومات اللازمة ، والخرائط الممكنة ، وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل ، ولم أنس كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيد المسيح وقال : إن علي نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا ، فأبدوا ما عندكم من طاقات للنجاح .
مستر همفر مبعوث لدولة الخلافة :
فأنجزت أنا ميمماً وجهة الآستانة – مركز الخلافة الإسلامية وكانت مهمتي مزدوجة ، وحيث كان من المفروض أن أكمل تعلمي للغة التركية – لغة المسلمين هناك – فقد كنت تعلمت شيئاً كثيراً من ثلاث لغات في لندن : اللغة التركية ، ولغة العرب ( لغة القرآن ) واللغة الفلهوية لغة أهل فارس ، لكن تعلم اللغة شئ ، والسيطرة علي اللغة حتى يتمكن الإنسان أن يتكلم مثل لغة أهل البلاد شئ آخر ، فبينما لا يستغرق الأول إلا سنوات قلائل ، يستغرق الأمر الثاني أضعاف ذلك الوقت ، فإن المفروض أن أتعلم اللغة بكافة دقائقها حتى لا تثار حولي شبهة .
ولكنى لم أكن أقلق لهذه الجهة لأن المسلمين عندهم تسامح ورحابة صدر وحسن ظن كما علمهم نبيهم ، فالشبهة عندهم لا تكون كالشبهة عندنا ، ومن طرف آخر فإن حكومة الأتراك لم تكن في المستوي اللائق لكشف الجواسيس والعملاء ، فقد كانت حكومة آخذه في الضعف والهزل مما يؤمن جانبنا .
مستر همفر يدعي الإسلام
وبعد سفرة مضنية وصلت إلي آستانة وسميت نفسي ( محمداً ) وأخذت أحضر المسجد – مكان أجتماع المسلمين لعبادتهم – وراقني النظام والنظافة والطاعة التي وجدتها عندهم ، وقلت في نفسي : لماذا نحارب نحن هؤلاء البشر ؟ ولماذا نعمل من أجل تمزيقهم وسلب نعمتهم ؟ هل أوصاناً المسيح ذلك . لكني رجعت فوراً واستنفرت من هذا التفكير الشيطاني ، وجددت العزم علي أن أشرب إلي آخر الكأس .
وسائل مستر همفر لمارسة نشاطه
1- سعية لتحصيل العلم .
وقد التقيت هناك بعالم طاعن في السن أسمه ( أحمد أفندم ) وكان من طيب النفس ورحابه الصدر وصفاء الضمير وحب الخير ، ما لم أجده في أحسن رجال ديننا ، وكان الشيخ يحاول ليله ونهاره في أن يتشبه بالنبي محمد ، فكان يجعله المثل الأعلي ، وكلما ذكره ماضت عيناه بالدموع ، ومن حسن الحظ أنه لم يسألني – حتى مرة واحدة – علي أصلي ونسبي وإنما كان يخاطبنى ( محمد أفندي ) ويعلمنى ما كنت أسئله ويحنو علي حنوا كبيراً حيث عرف أني ضيف في بلادهم جئت لأن أعمل ولأجل أن أكون في ظل السلطان الذي يمثل النبى محمداً فقد كانت هذه حجتى في البقاء في الآستانة .
وكنت قد قلت للشيخ : إني شاب قد مات أبى وأمى وليس لي أخوة ، وتركوا لي شيئاً من المال ففكرت أن أكتسب وأن أتعلم القرآن والسنة ، فجئت إلي مركز الإسلام لأحصل علي الدين والدنيا ، فرحب بى الشيخ كثيراً وقال لي ما نصه – وقد كتبته بلفظه – إن الواجب أن نحترمك لعدة أسباب .
أ- لأنك مسلم والمسلون أخوة .
ب- ولأنك ضيف وقد قال رسول الله ﴿-;- -;- وآله﴾-;- ( أكرموا الضيف)
ج- ولأنك طالب علم والإسلام يؤكد علي إكرام طالب العالم .
د- ولأنك تريد الكسب وقد ورد نص بأنه ( الكاسب حبيب الله )
وقد أعجبت أنا بهذه الأمور أيما إعجاب ، وقلت في نفسي ياليت كانت المسيحية تعى مثل هذه الحقائق النيرة ، لكني تعجبت كيف أن الإسلام في هذه الرفعة شمله الضعف والأنحاط علي أيدي هؤلاء الحكام المغرورين وهؤلاء العلماء الجهلة بالحياة .
2- تعلم القرآن :
قلت الشيخ : أنى أريد أن أتعلم القرآن المبين ، فرحب الشيخ بالطلب ، وأخذ يعلمني من سورة ( الحمد ) ويفسر لي المعانى ، وقد كنت أجد مشقة في النطق ببعض ألفاظها ، وأحياناً كانت المشقة منتهاها ، وأذكر أني لم أتعلم النطق بجملة : ( وعلي أمم ممن معك ) إلا بعد تكرارها عشرات المرات في ظروف أسبوع ، حيث قال لي الشيخ: اللازم عليك الإدغام حتى تتولد ثمانى ميمات . وكيفما كان فقد قرأت القرآن عنده في مدة سنتين كاملتين ومن أوله إلي آخره ، وكان إذا أراد تعليمى توضأ وضوء الصلاة وأمرني بالتوضؤ كما كان هو وأنا نجلس إلي جهة القبلة
3-ممارسة الوضوء والصلاة :
والجدير بالذكر أن أذكر أن ( الوضوء ) عند المسلمين جملة من الأغسال ، فأولاً يغسلون الوجه ، وثانياً اليد اليمنى من الأصابع إلي المرفق وثالثاً اليد اليسري من الأصابع إلي المرفق ورابعا يمسحون الرأس وخلف الأذنين والرقبة ، وخامساً يغسلون الرجلين .
ويقولون الأفضل أن يدير الشخص الماء في فمه ، وأن يسحب الماء إلي الأعلي في أنفه قبل البدء في الوضوء .
4- استعمال السواك :
وقد كنت أنزعج أنزعاجا كبيراً من ( السواك ) وهي عودة يدخلونها في أفواههم لأجل تنظيف الأسنان قبل الوضوء ، فقد كنت أعتقد أن هذه العودة تضر الأسنان والفم ، وكانت أحياناً تجرح الفم ويخرج الدم منه ، لكني كنت مجبوراً أن أفعل ذلك لأنها عندهم سنة مؤكدة أمر بها نبيهم محمد وهمم يذكرون لها فضائل كثيرة .
5- حياته اليومية في الآستانة :
لقد كنت أيام إقامتى فى الآستانة أنام عند خادم المسجد لقاء ما أعطيه من المال وكان إنسانا عصبى المزاج وأسمه ( مروان أفندي ) وهو أسم أحد أصحاب الرسول محمد ، وكان الخادم يعتز بهذا الاسم المبارك ، وكان يقول لي : إن رزقت ولداً سمه ( مروان ) لأنه من كبار الشخصيات المجاهدين في الإسلام .
وكنت أتعشي هناك عند الخادم حيث كان يهيئ لي الطعام ، وأيام الجمعة ( وهي عيد المسلمين ) لم أكن أذهب إلي العمل ، أما سائر الأيام فقد كنت أذهب إلي نجار هناك أشتعل عنده لقاء أجر زهيد كان يدفعه لي أسبوعياً ، وحيث كان عملي في فترة الصباح فقط فقد كان يجري لي نصف أجور سائر عماله ، وكان أسم النجار ( خالد ) وكان يثرثر في أوقات فراغه عن فضائل ( خالد بن الوليد ) الفاتح الإسلامي الذي صحب محمداً النبي وأبلي في الإسلام بلاء حسنا ، لكنه كان يجر في نفسه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما تولي الخلافة عزل خالد بن الوليد .
تعليق