إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مذكرات مستر هنفر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مذكرات مستر هنفر

    مذكرات مستر هنفر
    " همفر " جاسوس إنجليزي كلف بأمر من وزارة المستعمرات الإنجليزية بفعاليات التجسس في مصر والعراق والحجاز وإيران في استانبول مركز الخلافة وتغرير المسلمين وخدمة المسيحي سنة 1122هـ - 1710م
    فلق خططت الدوائر التي كان " همفر " يعمل في خدمتها إلي خلق مذهب إسلامي ودلة في منطقة من شرقي صحراء نجد ، ربما للسيطرة علي القبائل المحيطة ، وتأمين حدود محمياتها الساحلية ، ولكن الوليد تجاوز ذلك الدور المتواضع إلي ما هو أهم وأخطر ، وقد تم ذلك علي أيدي أبناء " همفر " وأمثاله وأحفادهم وأحفاد أحفادهم وأحفاد أحفادهم لا سيما من أمثال النقيب شكسبير وفيلبي ، وغيرهما ح يومناً الحاضر حيث يتولي الخبراء الأمريكيون بعد أفول نجم الأمبراطورية الأنجليزية العجوز ، السيطرة علي الثروة والسلطة العليا والإدارة والجيش في الديار المقدسة يستخدمونها لتحقيق أغراض حكومتهم وبلادهم .
    ذاك كان مذهب ابن عبد الوهاب الذي وضعه الانلجيز أو علي الأقل شجعوه علي إعلانه ومكنو من الصمود في مواجهة كل المسلمين الذين آثارهم وضع هذا المذهب البدعة في التاريخ الإسلامي .
    وأخيراً فإن قراءة مذكرات مستر همفر أبلغ من كل تحليل وما علي القارئ إلا أن يطالعها بترو ليدرك كيف يخطط للقضاء علي أمتنا وديننا ومقدساتنا لتسقط ثروات الأرض لقمة سائغة في أفواه المستعمرين .
    الباب الأول
    المخططات البريطانية في البلاد الإسلامية
    السيطرة علي البلاد الإسلامية :
    كانت دولة بريطانياً العظمي تفكر منذ وقت طويل حول إبقاء الإمبراطورية وسيعة كبيرة كما هي عليها الآن من إشراق الشمس علي بحارها حين تشرق, وغروب الشمس في بحارها حين تغرب ، فإن دولتنا كانت صغيرة بالنسبة إلي المستعمرات الكثيرة التي كنا نسيطر عليها في الهند وفي الصين وفي الشرق الأوسط وغيرها ، صحيح أننا لم نكن نسيطر سيطرة فعلية علي أجزاء كبيرة من هذه البلاد لأنها كانت بيد أهاليها إلا أن سياستنا فيها كان سياسة ناجحة وفعالة وكانت في الطريق إلى سقوطها بأيدينا كلية ، فكان اللازم علينا أن تفكر مرتين :
    1- مرة لأجل إبقاء السيطرة علي ما تم السيطرة عليه فعلاً .
    2- ومرة لأجل ضم ما لم تتم السيطرة عليه فعلاً إلى مملكتنا ومستعمراتنا .
    وزارة المستعمرات أداة هذا المخطط :
    خصصت وزارة المستعمرات لكل قسم من أقسام هذه البلاد لجانا خاصة لأجل دراسة هذه المهمة ، وكانت أنا من حسن الحظ مورد ثقة الوزير منذ دخلنا هذه الوزارة .
    1- شركة الهند الشرقية :
    عهد إلي بمهمة ( شركة الهند الشرقية ) التي كانت مهمتها في الظاهر تجارية بحتة ، وفي الباطن تعزيز سبل السيطرة علي الهند وعلي طرقها الموصلة إلي هذه الأراضي الشاسعة بشبه القارة .
    كانت الحكومة واثقة من الهند حيث القوميات المختلفة والأديان المتشتتة ، واللغات المتباينة والمصالح المتضاربة ، كما كانت الحكومة واثقة من الصين حيث إن البوذية والكنفوشيوسية الغالبة علي هذه البلاد لم تكونا بحيث يخشى من قيامها لأنهما دينان ميتان يهتمان بجان الروح ، فلا صلة لهما بجانب الحياة ، فكان من المستبعد أن يسري الشعور بالوطنية في أهالي هاتين المنطقتين ، ولذلك لم يكن يقلق بال حكومة بريطانيا العظمي هاتان المنطقتان ، نعم : لم نكن غافلين عن إمكان تطور المستقبل ، ولذا كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل ، والفقر ، وأحياناً المرض – أيضاً – علي هذه البلاد ، وكنا لا نجد صعوبة في تغطية نوايانا بغطاء من المشتبهات النفسيه لأهالي هذه البلاد براق في ظاهره متين في واقعة ، فكنا بذلك نطبق المثل البوذي القديم ( دع المريض يشعر بحبه للدواء وإن كان مر المذاق) .
    2- دولة الخلافة الإسلامية .
    كان الذي يقلق بالنا هي البلاد الإسلامية ، فإنا وإن كنا قد عقدنا مع الرجل المريض (1) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا ، وكان تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل يلفظ نفسه الأخير في أقل من قرن .
    3- الحكومات في بلاد الفرس
    كذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس – سراً – عدة معاهدات ، وكنا قد زرعنا الجواسيس والعملاء في هذين البلدين (2) ، وكانت الرشوة وفساد الإدارة ، وانشغال ملوكها بالنساء الحسناوات قد نخرت في جسم هذين البلدين إلا أننا لم نكن نثق بالنتائج لعدة الأسباب .
    أسباب تخوف بريطانيا
    1- قوة الإسلام في نفوس أبنائه
    فإن الرجل المسلم يلقى قيادة إلي الإسلام بكل صلابة حتى إنك تري الإسلام في نفس المسلم بمنزلة المسيحية فى نفوس القساوسة والرهبان ، وتزهق نفوسهم ولا تخرج المسيحية منها .
    الشيعة في البلاد الفارسية أخطر حيث إنهم يرون المسيحية كفاراً نجسين ، فإن المسيحى عند الشيعي بمنزلة القذارة المتعفنة في يد أحدنا حيث يصرف همته فى إزالته .
    وذات مرة سألت عن أحدهم : لماذا تنظرون إلي المسيحى بهذا المنظار ؟ قال : إن نبي الإسلام كان رجلاً حكيماً وأراد أن يطوق كل كافر بدائرة من الضغط الأدبي لكي يحس بالضيق والوحشة ليكون ، من أسباب هدايته إلي الله وإلي الدين الصحيح ، كما أن الحكومة إذا أحست من إنسان الخطر طوقته بدائرة من المقاطعة حتى يرجع إلي الطاعة والانقياد ، والنجاسة التي ذكرتها هي نجاسة معنوية لا مادية ظاهرية ، وهي ليست خاصة بالمسيحية بل تشمل كل كاف حتى المجوس الذين هم بارسيون من القديم هم نجس في منطق الإسلام .
    قلت له : حسنا ، ولكن لماذا المسيحيون نجس وهم يعتقدون بالله والرسالة ويوم الميعاد ؟ قال : لأمرين :
    الأول : أنهم ينكرون نبيناً ( محمداً ) وهذا يعني أنهم يقولون إن محمداً كاذب ، ونحن في قبال هذا الاتهام نقول أنتم أيها المسيحيون نجس طبقاً لقانون العقل الحاكم بأن من آذاك فلك أن تؤذيه .
    والثاني : أنهم ينسبون إلي أنبياء الله نسباً غير لائقة مثل أنهم يقولون : إن المسيح كان يشرب الخمر ، وكان معلوناً لأنه علق علي الخشبة .
    قلت له في دهشة : لا يقول المسيحيون هكذا ، قال : أنت لا تعلم أنهم في الكتاب المقدس ) عندهم يقولون ذلك فسكت وأنا واثق بأن الرجل كان كاذباً في الأمر الثاني وأن كان صادقًا في الأمر الأول ولم أرد في أطاول معه النقاش ، لأني خشيت أن تثار حولي شبهة حيث كنت أنا في الزي الإسلامي ، وكنت أتجنب الزاوىة الحادة دائماً .
    2- الإسلام دين
    نقول حقيقة : إن الإسلام كان ذات يوم دين حياة وسيطرة ، ومن الصعب عليك أن تقول للسادة أنتم عبيد ، فإن نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلي التعالي مهما كان من ضعف وأنحطاط . ولم يكن بإمكاننا أن نزيف تاريخ الإسلام ، حتى نشعر المسلمين بأن السيادة التي حازوها كانت بفعل ظروف خاصة قد ولت إلي غير رجعة .
    3- تحرك الوعي الإسلامي
    تخوفنا لأننا لم نكن نأمن من تحرك الوعي في نفوس آل عثمان وحكام فارس ، بما يوجب فشل خططنا الرامية إلي السيطرة ، صحيح أن الحكومتين قد بلغتا من الضعف مبلغاً كبيراً كما ألمحنا إليه إلا أن وجود حكومة مركزية يواليها الناس وبيدها السيادة والمال والسلاح يجعل الإنسان غير آمن .
    4- شدة القلق من علماء المسلمين :
    لقد كنا دائماً شديد القلق من علماء المسلمين ، فعلماء الأزهر ، وعلما العراق ، وعلماء فارس كانوا أمنع سداً أمام آمالنا ، فإنهم كانوا في غاية الجهل بمبادىء الحياة العصرية وقد جعلوا نصب أعينهم الجنة التي وعدهم بها القرآن ، فكانوا لا يتنازلون قدر شعرة عن مبادئهم ، وكان الشعب يتبعهم والسلطان يخشاهم خوف الفئران من الهرة ، صحيح أن أهل السنة كانوا أقل ، تباعاً لعلمائهم ، فإنهم يقيمون الولاء بين السلطان وبين شيخ الإسلام ، وأهل الشيعة كانوا أشد ولاء للعلماء لأنهم يخلصون الولاء للعالم فقط ، ولا يعيرون السلطان أهمية كافية ، إلا أن هذا الفرق لم يكن ليخفف شيئاً من القلق الذي كان يساور وزارة المستعمرات ، بل كل حكام بريطانيا العظمى .
    مؤتمرات لإزالة أسباب التخوف
    كنا قد عقدناً المؤتمرات الكثيرة لنلتمس الحلول الكافية لهذه المشاكل المقلقة ، لكنا في كل مرة لم نجد أمامنا إلا الطري المسدود ، وكانت التقارير التي تأتينا بانتظام عن العملاء والجواسيس مخيبة للآمال ، كما كانت نتائج المؤتمرات كلها صفراً أو تحت الصفر ، لكنا لم نكن ندع المجال لليأس فينا ، حيث عودناً أنفسنا النفس الطويل والصبر اللا متناهى .
    وأذكر ذات مر عقدناً مؤتمراً حضره الوزير بشخصة وأكبر القساوسة ، وعدد من الخبراء ، كان عددنا جميعاً عشرين شخصاً ، وطال النقاش أكث من ثلاث ساعات ، وأنتهينا بدون أية نتيجة ، إلا أن القس قال ، لا تنزعجوا ، فإن المسيح لم يصل إلي الحكم إلا بعد ثلاثمائة سنة من الاضطهاد والتشريد والقتل له ولأتباعه ، وعسي أن ينظر إلينا المسيح نظرة من ملكوته فيمنحنا إزالة الكفار عن مراكزهم ولو بعد ثلاثمائة سنة ، فعلينا أن نتسلح بالإيمان الراسخ والصبر الطويل واتخاذ كافة الوسائل والسبل للسيطرة ونشر المسيحية في ربوع المسلمين ولو وصلنا إلي النتيجة بعد قرون ، فإن الآباء يزرعون للأبناء .
    وحتى – ذات مرة – عقد في الوزارة مؤتمر حضره ممثلون من كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا ، وكان مؤتمراً في أعلي المستويات ، وكان الحاضرون لفيفاً من الهيئات الدبلوماسية ورجال الدين ، وكان من حسن حظي أن حضرت ذلك المؤتمر لعلاقتى الوطيدة بالوزير ، وعرض المؤتمرون مشاكل المسلمين عرضاً وافياً .
    دراسة سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم :
    ذكروا في هذا المؤتمر سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم وإرجاعهم إلي حظيرة الإيمان كما رجعت أسبانياً إليها بعد قرون من غزو المسلمين البرابرة لها ، لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب ، وقد كتبت أنا كل ما دار من نقاش في ذلك المؤتمر في كتابي : ( إلي ملكوت المسيح ).
    إنه من الصعب أن تقلع جذور شجرة امتدت إلي شرق الأرض ، وغربها ، لكن الإنسان يجب عليه أن يذلل الصعاب مهما كان الثمن .
    المسيحية لم تأت إلا لتنتشر :
    كان من أهدافنا أن المسيحية لم تأت إلا لتنتشر ، وقد وعدناً بذلك السيد المسيح نفسه ، أما محمد فقد ساعده ظرف انحطاط العالمين الشرقى والغربي ، وظرف الانحطاط إذا ولي فقد يذهب معه أيضاً ما رافقه من ويلا ، ومن حسن الظن أن الأمر قد أنعكس فقد أنحط المسلمون وارتفعت بلاد المسيح فآن الوقت لأن نطلب الثأر ونسترجع ما فقدناه طيلة قرون ، وها هي دولة قوية عصرية هي بريطانياً العظمى تأخذ بزمام هذه المبادرة المباركة .

    الباب الثاني
    مستمر همفر مبعوث المخابرات البريطانية لبعض بلاد المسلمين
    المبعوثون من وزارة المستعمرات :
    أوفدتني وزارة المستعمرات عام ( 1710) إلي كل من مصر ، والعراق ، وطهران ، والحجاز ، والآستانة ، لأجمع المعلومات الكافية التي تعزر سبل تمزيقنا للمسلمين ، ونشر السيطرة علي بلاد الإسلام ، وبعث في نفس الوقت تسعة آخرون من خيرة الموظفين لدي الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيطرة الحكومة إلي سائر الأجزاء للإمبراطورية ، وسائرة بلاد المسلمين ، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي ، والمعلومات اللازمة ، والخرائط الممكنة ، وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل ، ولم أنس كلمة السكرتير حين ودعنا باسم السيد المسيح وقال : إن علي نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا ، فأبدوا ما عندكم من طاقات للنجاح .
    مستر همفر مبعوث لدولة الخلافة :
    فأنجزت أنا ميمماً وجهة الآستانة – مركز الخلافة الإسلامية وكانت مهمتي مزدوجة ، وحيث كان من المفروض أن أكمل تعلمي للغة التركية – لغة المسلمين هناك – فقد كنت تعلمت شيئاً كثيراً من ثلاث لغات في لندن : اللغة التركية ، ولغة العرب ( لغة القرآن ) واللغة الفلهوية لغة أهل فارس ، لكن تعلم اللغة شئ ، والسيطرة علي اللغة حتى يتمكن الإنسان أن يتكلم مثل لغة أهل البلاد شئ آخر ، فبينما لا يستغرق الأول إلا سنوات قلائل ، يستغرق الأمر الثاني أضعاف ذلك الوقت ، فإن المفروض أن أتعلم اللغة بكافة دقائقها حتى لا تثار حولي شبهة .
    ولكنى لم أكن أقلق لهذه الجهة لأن المسلمين عندهم تسامح ورحابة صدر وحسن ظن كما علمهم نبيهم ، فالشبهة عندهم لا تكون كالشبهة عندنا ، ومن طرف آخر فإن حكومة الأتراك لم تكن في المستوي اللائق لكشف الجواسيس والعملاء ، فقد كانت حكومة آخذه في الضعف والهزل مما يؤمن جانبنا .
    مستر همفر يدعي الإسلام
    وبعد سفرة مضنية وصلت إلي آستانة وسميت نفسي ( محمداً ) وأخذت أحضر المسجد – مكان أجتماع المسلمين لعبادتهم – وراقني النظام والنظافة والطاعة التي وجدتها عندهم ، وقلت في نفسي : لماذا نحارب نحن هؤلاء البشر ؟ ولماذا نعمل من أجل تمزيقهم وسلب نعمتهم ؟ هل أوصاناً المسيح ذلك . لكني رجعت فوراً واستنفرت من هذا التفكير الشيطاني ، وجددت العزم علي أن أشرب إلي آخر الكأس .

    وسائل مستر همفر لمارسة نشاطه
    1- سعية لتحصيل العلم .
    وقد التقيت هناك بعالم طاعن في السن أسمه ( أحمد أفندم ) وكان من طيب النفس ورحابه الصدر وصفاء الضمير وحب الخير ، ما لم أجده في أحسن رجال ديننا ، وكان الشيخ يحاول ليله ونهاره في أن يتشبه بالنبي محمد ، فكان يجعله المثل الأعلي ، وكلما ذكره ماضت عيناه بالدموع ، ومن حسن الحظ أنه لم يسألني – حتى مرة واحدة – علي أصلي ونسبي وإنما كان يخاطبنى ( محمد أفندي ) ويعلمنى ما كنت أسئله ويحنو علي حنوا كبيراً حيث عرف أني ضيف في بلادهم جئت لأن أعمل ولأجل أن أكون في ظل السلطان الذي يمثل النبى محمداً فقد كانت هذه حجتى في البقاء في الآستانة .
    وكنت قد قلت للشيخ : إني شاب قد مات أبى وأمى وليس لي أخوة ، وتركوا لي شيئاً من المال ففكرت أن أكتسب وأن أتعلم القرآن والسنة ، فجئت إلي مركز الإسلام لأحصل علي الدين والدنيا ، فرحب بى الشيخ كثيراً وقال لي ما نصه – وقد كتبته بلفظه – إن الواجب أن نحترمك لعدة أسباب .
    أ- لأنك مسلم والمسلون أخوة .
    ب- ولأنك ضيف وقد قال رسول الله ﴿-;- -;- وآله﴾-;- ( أكرموا الضيف)
    ج- ولأنك طالب علم والإسلام يؤكد علي إكرام طالب العالم .
    د- ولأنك تريد الكسب وقد ورد نص بأنه ( الكاسب حبيب الله )
    وقد أعجبت أنا بهذه الأمور أيما إعجاب ، وقلت في نفسي ياليت كانت المسيحية تعى مثل هذه الحقائق النيرة ، لكني تعجبت كيف أن الإسلام في هذه الرفعة شمله الضعف والأنحاط علي أيدي هؤلاء الحكام المغرورين وهؤلاء العلماء الجهلة بالحياة .
    2- تعلم القرآن :
    قلت الشيخ : أنى أريد أن أتعلم القرآن المبين ، فرحب الشيخ بالطلب ، وأخذ يعلمني من سورة ( الحمد ) ويفسر لي المعانى ، وقد كنت أجد مشقة في النطق ببعض ألفاظها ، وأحياناً كانت المشقة منتهاها ، وأذكر أني لم أتعلم النطق بجملة : ( وعلي أمم ممن معك ) إلا بعد تكرارها عشرات المرات في ظروف أسبوع ، حيث قال لي الشيخ: اللازم عليك الإدغام حتى تتولد ثمانى ميمات . وكيفما كان فقد قرأت القرآن عنده في مدة سنتين كاملتين ومن أوله إلي آخره ، وكان إذا أراد تعليمى توضأ وضوء الصلاة وأمرني بالتوضؤ كما كان هو وأنا نجلس إلي جهة القبلة
    3-ممارسة الوضوء والصلاة :
    والجدير بالذكر أن أذكر أن ( الوضوء ) عند المسلمين جملة من الأغسال ، فأولاً يغسلون الوجه ، وثانياً اليد اليمنى من الأصابع إلي المرفق وثالثاً اليد اليسري من الأصابع إلي المرفق ورابعا يمسحون الرأس وخلف الأذنين والرقبة ، وخامساً يغسلون الرجلين .
    ويقولون الأفضل أن يدير الشخص الماء في فمه ، وأن يسحب الماء إلي الأعلي في أنفه قبل البدء في الوضوء .
    4- استعمال السواك :
    وقد كنت أنزعج أنزعاجا كبيراً من ( السواك ) وهي عودة يدخلونها في أفواههم لأجل تنظيف الأسنان قبل الوضوء ، فقد كنت أعتقد أن هذه العودة تضر الأسنان والفم ، وكانت أحياناً تجرح الفم ويخرج الدم منه ، لكني كنت مجبوراً أن أفعل ذلك لأنها عندهم سنة مؤكدة أمر بها نبيهم محمد وهمم يذكرون لها فضائل كثيرة .
    5- حياته اليومية في الآستانة :
    لقد كنت أيام إقامتى فى الآستانة أنام عند خادم المسجد لقاء ما أعطيه من المال وكان إنسانا عصبى المزاج وأسمه ( مروان أفندي ) وهو أسم أحد أصحاب الرسول محمد ، وكان الخادم يعتز بهذا الاسم المبارك ، وكان يقول لي : إن رزقت ولداً سمه ( مروان ) لأنه من كبار الشخصيات المجاهدين في الإسلام .
    وكنت أتعشي هناك عند الخادم حيث كان يهيئ لي الطعام ، وأيام الجمعة ( وهي عيد المسلمين ) لم أكن أذهب إلي العمل ، أما سائر الأيام فقد كنت أذهب إلي نجار هناك أشتعل عنده لقاء أجر زهيد كان يدفعه لي أسبوعياً ، وحيث كان عملي في فترة الصباح فقط فقد كان يجري لي نصف أجور سائر عماله ، وكان أسم النجار ( خالد ) وكان يثرثر في أوقات فراغه عن فضائل ( خالد بن الوليد ) الفاتح الإسلامي الذي صحب محمداً النبي وأبلي في الإسلام بلاء حسنا ، لكنه كان يجر في نفسه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما تولي الخلافة عزل خالد بن الوليد .

    التعديل الأخير تم بواسطة حاج عمران; الساعة 17-05-14, 08:17 PM.

  • #2
    وكان خالد صاحب المحل سيئ الأخلاق عصبى المزاج إلي أبعد حد ، وكان يطمئن مني أطمئنانا لم أدر سببه ، ولعله وثق بى حيث كنت سامعاً مطيعاً له ، لا أناقشه في شئونه الدينية ، ولا في شئون دكانه .
    كنت أتغذي في الدكان ، ثم أذهب للصلاة في المسجد ثم أبقي في المسجد إلي وقت العصر ، فإذا فرغت من صلاة العصر ذهبت إلي دار ( الشيخ أحمد ) وأبقي معه مدة ساعتين أتعلم عند القرآن ، واللغة التركية ، واللغة العربية وفي كل جمعة كنت أدفع له زكاه ما حصلت عليه في الأسبوع من المال ، وفى الحقيقية الزكاة كانت رشوة مني له لأستمرار علاقتي به ، ولأجل أن يعلمنى أفضل تعليم وكان هو لا يقصر في تعليمي القرآن ومبادئ الإسلام ودقائق اللغتين العربيه والتركية .
    ولما علم الشيخ أحمد أنى أعزب طلب إلي أن يزوجنى إحدى بناته ، لكني أبيت ذلك بحجة أنى ( عنين ) لا أملك ما يملكه الرجال ، ولم ابد له هذا العذر إلا بعد أن أصر وكان أن ينفصم معه علاقتى من أجل أنه كان يقول : الزواج سنة الرسول ، وقد قال الرسول " من رغب عن سنتي فليس مني) وحينذاك لم أجد بدأ من إظهار هذا المرض ( المكذوب ) له ، فأقتنع الشيخ وعادت العلاقة كما كانت من الود والصفاء .
    عودة مستر همفر إلي لندن :
    بعد إتمام سنتين من مكثى في ( الآستانة ) أستأذنت للعودة إلي وطني ولكن الشيخ لم يأذن قائلاً : لماذا الرجوع ، إن الآستانة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقد جمع الله فيها بين الدنيا والدين ، وأردف ، إنك قلت سابقاً إنه مات أبوك وأمك وليس لك أخوة فأجعل الآستانة وطنك .. وكان الشيخ يصر علي في البقاء لأنسه بى ، وكنت أنا أيضا أنست به أنسا كبيراً ، لكن الواجب الوطني كان يجبرنى بالرجوع إلي لندن لتقديم تقرير مفصل عن الأوضاع في عاصمة الخلافة ، ولا تزود بأوامر جديدة حول مهمتي .
    وقد جرت العادة – طيلة مكثى في الآستانة – أن أقدم كل شهر تقريراً عن حالي وعن التطورات وعما شاهدته إلي وزارة المستعمرات .
    وفي يوم الوداع مع الشيخ أنهمرت عنياه بالدموع ، وودعنى قائلا : الله معك يا ولدى ، وإذا عدت إلي هذا البلد , وأنا ميت فأذكرني ، وسوف نلتقي عند رسول الله ﴿-;- -;- وآله﴾-;- في المحشر ، وفي الواقع أنني تأثرت تأثراً بالغاً وجرت دموعى حارة ، لكن الواجب كان فوق العواطف.
    أحوال بقية المبعوثين :
    كان الرفاق التسعة الآخرون تلقوا أوامر من الوزارة لحضورهم إلي لندن كما تلقيت أنا أيضا ، لكن من سوء الحظ لم يرجع منا إلا ستة فقط.
    أما الأربعة الآخرون فقد صار أحدهم مسلماً وبقى في مصر – كما أخبرناً بذلك السكرتير – لكن السكرتير أظهر ارتياحه بأنه لم يفش السر .
    كما التحق أحدهم بروسياً – وقد كان هذا من أصل روسى – وكان السكرتير يبدي قلقاً شديداً حوله ، لا لأنه التحق بالوطن الأم ، ولكن من أجل أن السكرتير كان يظن أن الرجال كان جاسوساً من قبل الروس في وزارة المستعمرات فلما انتهت مهمته رجع إلي بلاده .
    وكان الثالث منهم مات في ( عمارة ) بلد طرف ( بغداد ) علي أثر
    ( وباء ) اجتاح البلاد هنا علي ما أخبرنا السكرتير بذلك .
    أما الرابع فلم يعلم عن مصيره إذ راقبته الوزارة حتى وصوله إلي
    ( صنعاء ) في ( اليمن ) من بلاد العرب وكانت تقاريره ترسل بانتظام إلي الوزارة فترة سنة ، لكنها انقطعت بعد ذلك ، وكلما حاولت الوزارة الإطلاع علي أحواله لم تحصل علي شئ ، وقد كانت الوزارة تعتبر خسارة أربعة من عشرة كارثة حيث كنا نحسب لكل إنسان حساباً دقيقاً ، فإنا أمة قليلة العدد كبيرة المهام ، نفقد كل إنسان من هذا الطراز كان كارثة عندناً .
    مستر همفر كان تريبيه الثالث :
    وبعد أن سمع السكرتير أوليات تقاريري ، أرسلنى إلي مؤتمر عقد لأجل الاستماع إلي تقريرنا – نحن الستة – وقد أجتمع حشد كبير من وزارة المستعمرات برئاسة الوزير نفسه لاستماع تقايرنا ، وقدم زملائى تقارير أولية عن المهمه التي أوكلت إليهم ، كما قدمت أنا تقريراً التقطت فيه رؤوس الأقلام ، وأستحسن أعمالي الوزير والسكرتير وبعض الحاضرين ، لكنى لاحظت أني كنت الثالث من حيث جوده العمل ، حيث كان الزميلان ( جورج بلكود ) و ( هنري فانس ) في الدرجتين الأولى والثانية من حيث جودة العمل .
    لقد كنت نححت نجاحاً باهراً في تعلم التركية والعربية وتعلم القرآن والشريعة ، لكني لم أحرز نجاحا في تقديم تقرير يدل الوزارة علي مواقع الضعف في الدولة العثمانية ، وبعد ما أنفض المجلس الذي دام ست ساعات ألفت نظري السكرتير إلي هذه النقطة من الضعف . قلت له : إن مهمتي كانت تعلم الغة والشريعة والقرآن ولذا فإني لم أبذل وقتاً كافياً لغير ذلك وسوف أكون عند حسن ظنكم في السفرة القادمة إن أوليتهم ثقتكم بي ، قال السكرتير : لا شك أنك ناجح لكني آمل منك أن تحرز قصب السبق في هذه الحلبة .
    مهمة مستر همفر تنحصر فى هدفين
    أن تجد نقطة الضعف عند المسلمين ، والتى نتمكن بها من أن ندخل في جسمهم ونبدد أوصالهم ، فإن أساس النجاح علي العدو هو هذا .
    أن تكون أنت المباشر لهذا الأمر إذا ما وجدت نقطة الضعف ، فإن قدرت علي المهمة فسوف أطمئن بأنك أنجح العملاء ، وستستحق وسام الوزارة .
    توجه مستر همفر إلى العراق :
    بقيت في لندن مدة ستة أشهر وتزوجت بابنة عمي ( ماري شواى ) التي كانت تكبرني سنة ، فكان عمري إذا ذاك اثنين وعشرين سنة بينها كان عمرها ثلاثاً وعشرين سنة ، وكانت فتاة متوسطة الذكاء بارعة الجمال وثقافتها عادية ، وقضيت أجمل أيام حياتي معها تلك المدة وحملت منى ، وقد كنت أنتظر الضيف الجديد بفارغ الصبر ، وإذا بالأوامر الصارمة تصدر من الوزارة في أن أتوجه إلي إقليم العراق البلد العربى الذى استعمرته الخلافة منذ زمن طويل .
    وقد أسفت لهذه الأوامر فى وقت أنتظر فيه ولدى ، لكن اهتمامى ببلدى وحبي للشهرة بين زملائى كان يفوقان عواطف الزوجية والولد ، ولذا لم أتردد في القبول رغم إلحاح زوجتي أن أرجئ الأمر إلي بعد ولادتها ، ويوم فارقتها بكيت أنا وبكت هي بكاء مراً ، وقالت لي : لا تنقطع عني بإرسال الرسائل كما سأخبرك أنا أيضاً عبر الرسائل بعشنا الذهبى الجديد ، وهذه الكلمة كانت عاصفة علي قلبي حتى أني صممت أن ألغي السفرة ، لكني تملكت عواطفي وودعتها وخرجت إلي الوزارة لأحصل علي الإرشادات الأخيرة .
    مهمة مستر همفر إلقاء الفتن بين المسلمين
    1- مستر همفر يلقى الفتن بين الشيعة :
    وبعد ستة أشهر وجدت نفسي في البصرة من العراق ، وهو بلد عشائري ، وأهله مختلطون من السنة والشيعة ، الجناحين الإسلاميين – كما أنهما مختلطون من العرب والفرس وفيهم قلة من المسيحيين .
    ولأول مرة فى طول حياتي ألتقي بالشيعة وبالفرس ، ولا باس أن أذكر شيئا عن الشيعة والسنة ، فالشيعة هم ينتسبون علي بن أبى طالب ، وهو صهر رسولهم على ابنته فاطمة وكان في نفس الوقت أبن عم الرسول أيضاً – وتقول الشيعة إن رسولهم محمداً عين عليا خليفة من بعده وقال بأن عليا وأولاده الأحد عشر خليفة بعد خليفة .
    وأني أظن أن الحق مع الشيعة في خلافه على والحسن والحسين ، لأن الثابت من التاريخ الإسلامي حسب مطالعاتى – أن عليا كان يمتاز بصفات نفسية عالية تؤهله للقيادة ، ولا أستبعد أن يكون الرسول ( محمد ) قال بأن الحسن والحسين أيضا إمامان ، وهذا لا ينكره أهل السنة أيضا ، لكنى أشك في نفس الوقت بأن أولاد الحسين ( التسعة ) أيضا علينهم الرسول ( محمد ) خلفاء له ، إذ كيف يعلم بأنه ( محمد ) المستقبل ، لأنه قد مات والحسين طفل ،فكيف يعلم سيكون للحسين أولاد ويكونون مسلسلين إلي تسعة.
    ( نعم ) لو كان ( محمد ) رسولاً حقاً لكان من الممكن أن يعلم كل ذلك بإرشاد من الله كما كان المسيح يخبر بالمستقبل ، لكن نبوة محمد مشكوكة عندنا نحن المسيحيين .
    إن المسلمين يقولون : بأن القرآن دليل نبوة ( محمد ) لكني قرأت القرآن فلم أجد فيه دليلاً ، إنه لا شك كتاب رفيع ، بل هو ارفع مستوى من التوراة والأنجيل ، ففيه دساتير وأنظمة وأخلاقيات وغير هذه ، لكن هل هذا وحده كفيل بالدلالة علي صدق ( محمد ) .
    إننى متحير في أمر ( محمد ) أشد التحير ، إن رجلاً يدوياً لا يقرأ ولا يكتب كيف يمكنه أن يأتي بهذا الكتاب الرفيع ، وهو شخصياً يكون ذا خلق وذكاء لم يعهد مثلهم في أي عربى دارس ؟ فكيف بالعرب البدوي الذي لم يقرأ ولم يكتب ؟ هذا من جانب ، ومن جانب آخر : فهل يكفى مثل ذلك للتدليل علي نبوته ؟
    لقد كنت دائم التطلع لكي أتعرف علي هذه الحقيقية ، وطرحت – ذات مرة – هذا الموضوع مع أحد القساوسة في لندن ، لكنه لم يأت بجواب مقنع ، وإنما تكلم عن تعصب وعناد ، كما أني مرات فتح هذا البحث مع الشيخ أحمد في تركيا فلم يأت بجواب مقنع لي ، لكن من الحق أن أقول : أنى لم أقدر أن أتكلم مع الشيخ بصراحة خوفاً من أن ينكشف أمري ، أو يشك فى .
    وعلي أي حال : فإنني أقدر ( محمداً ) تقديراً كبيراً ، إنه لا شك كان من طراز أنبياء الله الذين نقرأ عنهم في الكتب ، لكنني غير مقتنع بنبوته إلي الآن ، ولو فرضنا أنه لم يكن نبياً لكن من المستحيل أن يعتقد الإنسان الذي يحترم ضميره أنه مثل سائر العباقرة ، إنه لا شك كان فوق العباقرة ، وأرفع من الأذكياء .
    2- مستر همفر يلفي الفتن بين السنة :
    أما أهل السنة فإنهم يقولون : بأن المسلمين رأوا – بعد الرسول - بأن أبا بكر ثم عمر ثم عثمان أصلح للخلافة من علي ، ولذلك تركوا أمر الرسول ( محمد ) وأتخذوا هؤلاء خلفاء للرسول .
    إن مثل هذا النزاع موجود في كل دين – وفي المسيحية بصورة خاصة – لكني لا أعلم ما هو المبرر لبقاء هذا النزاع ، فقد مات ( علي وعمر ) وعلى المسلمين – ( إن كانوا عقلاء ) أن يفكروا في هذا اليوم لا في الماضي السحيق .
    ذات مرة ذكرت لبعض رؤسائى في الوزارة أختلاف السنة والشيعة وقلت له : إنهم لو كانوا يفهمون الحياة لتركوا النزاع ووحدوا كلمتهم ، فنهرني الرئيس قائلاً : الواجب عليك أن تزيد الشقة ، لا أن تحاول جمع كلمة المسلمين .
    وبهذه المناسبة إن السكرتير قال لي في أحدي الجلسات التي اجتمعت معه قبل سفرتي إلي ( العراق ) : إعلم يا ( همفر ) أن هناك نزاعات طبيعية بين البشر منذ أن خلق الله ( هابيل وقابيل ) وستبقى هذه النزاعات إلي أن يعود المسيح .
    1- فمن نزاعات لونية .
    2- ومن نزاعات قبلية .
    3- ومن نزاعات إقليمية .
    4- ومن نزاعات قومية .
    5- ومن نزاعات دينية .
    ومهمتك في هذه السفرة أن تتعر علي هذه النزاعات بين المسلمين ، وتعرف البركان المستعد للانفجار منها ، وتزود الوزارة بالمعلومات الدقيقة حول ذلك ، وإن تمكنت من تفجير النزاع كنت فى قمة الخدمة لبريطانياً العظمي .
    فإننا نحن البريطانيين لا يمكننا العيش في الرفاه إلا بإلقاء الفتن والنزاع في كافة المستعمرات ، كما أننا لا يمكننا تحطيم السلطان العثمانى إلا بإلقاء الفتن بين رعاياها ، وإلا فكيف تتمكن أمه قليلة العدد من أن تسيطر علي أمة كبير العدد ، فأجتهد بكل قواك أن تجد الثغرة وأن تدخل من الثغرة ، وليكن علي علمك أن ( سلطة الترك ) و (سلطة الفرس) قد ضعفتا فليس عليك إلا أن تثير الشعوب ضد حكامها ، كما ثارت الثوار في كل التاريخ ضد الحكام ، فإذا أنشقت كلمتهم وتفرقت قواهم ضمنا استعمارهم من أسهل طريق .
    نشاط مستر همفر بالبصرة :
    ولما وصلت إلي البصرة ذهبت لتوى إلي أحد المساجد ، وكان المسجد لعالم من أهل السنة عربي الأصل وأسمه ( الشيخ عمر الطائي ) فتعرفت عليه وتلاطفت معه ، لكن الرجل شك بي من أول لحظة ، وأخذ يحقق من أصلي ونسبى وسائر خصوصياتي ، وأطن أن لونى ولهجتى هما قادا الشيخ إلي الشك .
    لكني تمكنت من الخروج من المازق بأني من أهالي ( أغذير ) في ( تركيا ) وأني تلميذ ( الشيخ أحمد ) في الآستانة ، وكنت نجاراً في محل ( خالد ) .. وإلي آخر ما هنالك من المعلومات التي حصلتها مدة إقامتى فى ( تركيا ) وتكلمت جملاً باللغة التركية ، وانتبهت أن الشيخ أشار بعينه إلى أحد الحاضرين مستفسراً منه هل أنى أتكلم التركية صحيحاً أم لا ؟ وأشار المسئول عنه بعينه بالإيجاب ، وفرحت إذا تمكنت من جلب قلب الشيخ
    لكن ظني كان سراباً خادعاً ، فقد علمت بعد أيام أن الشيخ ينظر إلي بنظر الريبة ، ويظننى جاسوساً لتركياً ، حيث تبين لي فيما بعد أن الشيخ علي خلاف مع ( الوالى ) المعين قبل السلطان ، وأن بينها تبادل الأتهام وسوء الظن .
    وعلي كل فلم أجد بدأ من أن أنسحب عن مسجد ( الشيخ عمر ) إلي ( خان ) كان محل الغرباء والمسافرين ، وقد استأجرت غرف فى الخان ، وكان صاحب الخان رجلاً أحمق يسلب راحتى كل صباح ، فقد كان يأتي أول الفجر إلي باب الغرفة ويطرقه بعنف لأقوم لصلاة الصبح ، وكنت أنا مجبوراً لمسايرته ، فكنت أقوم وأصلي صلاة الصبح ، ثم يأمرنى بقراءة القرآن إلي طلوع الشمس ، ولما قلت له : إن قراءة القرآن ليست واجبة فلماذا هذا الإصرار ؟ قال : بأن من ينام فى هذا الوقت يجلب الفقر والنكبة للخان ولأهل الخان .
    وحيث لم يكن لي بد من إجابته – إذ هددني بالطرد إن لم أعمل بما يقول – صرت مجبوراً علي أن أصلى أول الأذن ثم أتلوا القرآن أكث من ساعة كل يوم .
    ولم تكن المشكل لتنتهي إلي هذا الحد ، فلقد جاءنى صاحب الخان – وإسمه ( مرشد افندم ) – ذات يوم وقال : إنك منذ أن استأجر منى الغرف ابتليت أنا بالمشاكل ولا أراها إلا من طالعك ، وقد فكرت في أن سبب ذلك أنك أعزب والعزب شؤم ، فإم أن تتزوج وإما أن تخرج من الخان ، قلت أني لا أملك المال لكى أتزوج .
    قال لي ( الأفندم ) : يا ضعيف الإيمان ألم تقرأ قول الله تعالى ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) ووقع في حيرة شديدة من أمرى ماذا أفعل ؟ وبماذا أجيبه ؟ وأخيراً قلت له : حسنا كيف- أتزوج بلا مال ؟ وهل أنت مستعد أن تقرضنى المال الكافى أو أن تجد لى زوجته بلا مهر ؟
    فكر ( الأفندم ) قليلا ثم رفع رأسه ليقول : إنني لا أفهم كلامك ، وأخيرك بين أن تتزوج إلي أول شهر رجب المرجب أو أن تخرج من الخان.
    وبالمناسبة فإن أسماء الأشهر الإسلامية بهذا التسلسل ( محرم ، صفر ، ربيع الأول ، ربيع الثانى ، جمادي الأولى ، جمادي الثانية ، رجب ، شعبان، رمضان ، شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة ) وأشهرهم حسب رؤية الهلال ، ولا تزيد أيامها عن ( 30) يوماً ، ولا تنقص عن ( 29) يوماً .
    وأخيراً رضخت لأمر ( الأفندم ) ووجدت مكاناً عند ( نجار ) تعاقدت معه أن أعمل كعامل عنده بأجره زهيدة ، ويكون أكلى ونومي أيضاً عنده ، وقبل أن ينتهى الشهر خرجت من الخان لألقي رحلى في دكان ( النجار ) وكان رجلاً شهماً شريفا عاملني ، كأحد أولاده ، وكان أسمه ( عبد الرضا ) وكان شيعياً فارسياً من أهالى ( خراسان ) .
    وقد انتهزت فرصة وجودي عنده أن أتعلم منه اللغة الفارسية ، وكان الشيعة العجم يجتمعون عنده كل عصر ويتكلمون بكل أقسام الكلام من سياسة إلي اقتصاد . وكانوا يتهجمون علي حكومتهم كثيراً ، كما يتهجمون علي الخليفة فى ( الآستانة ) أما إذا جاء ( زبون ) لا يعرفونه انقطعوا عن الكلام فوراً ، وأخذوا يتكلمون في قضاياهم الشخصية .
    وإني لا أعلم كيف وثقوا بي هذه الثقة ، لكن علمت أخيراً أنهم ظنوا أني من أهالي ( أذربيجان ) حى علموا أني أعرف اللغة التركية ، وساعدهم علي هذا الظن لونى المائل إلي البياض ، اللون الغالب علي أهالى ( أذربيجان) .
    الباب الثاني
    ابن عبد الوهاب ضالة مستر همفر
    نعرف مستر همفر علي ابن عبد الوهاب :
    ولما كنت هناك علي هذا الحال فقد كنت تعرفت على شاب كان يتردد عل هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث : التركية والفارسية والعربية ، كان في زي طلبة العلوم الدينية ، وكان يسمى ب ( محمد بن عبد الوهاب) وكان شابا طموحاً للغاية عصبى المزاج ، ناقماً علي الحكومة العثمانية ، أما حكومة فارس فلم يكن له شأن بها ، وكان سبب صداقته مع صاحب المحل ( عبد الرضا ) أن الاثنين كاناً ناقمين على الخليفة .
    إني لا أعلم من أين كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية – مع أنه كان من أهل السنة - وكيف صادق مع ( عبد الرضا الشيعي ) ؟ إلا أن كلاً الأمرين لم يكن غريباً ، ففى البصرة يلتقي السنى بالشيعى وكأنهما أخوة ، كما يعرف كثير من القاطنين في البصرة اللغتين الفارسية والعربية ، وأن كثيراً منهم يعرف أيضاً اللغة التركية .
    ابن عبد الوهاب وأهل السنة والشيعة :
    كان محمد عبد الوهاب شاباً متحرراً بكل معنى الكلمة ، لا يتعصب ضد الشيعة ، كما كان هو الحال عند غالب أهل السنة حيث يتعصبون ضد الشيعة حتى أن جماعة من مشايخ أهل السنة يكفرون الشيعة ويقولون إنهم ليسوا مسلمين – كما أنه لم يكن يرى أي وزن لاتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنة ويقول : إنها ما أنزل الله بها من سلطان .
    وقصة المذاهب الأربعة هي : أن السنة من المسلمين – بعد أكثر من قرن من موت نبيهم – نبغ فيهم أربعة علماء هم ( أبو حنيفة ) و ( أحمد بن حنبل ) و ( مالك ) و ( محمد بن إدريس ) فألزمهم بعض الخلفاء بأن يقلدوا أحد هؤلاء الأربعة ، وأنه ليس لعالم من العلماء أن يجتهد في القرآن وسنة الرسول .
    وهذا فى الحقيقية كان غلقاً لباب فهمهم ، وإلي هذا التحريم للاجتهاد يعزي جمود المسلمين ، وقد أنتهزت الشيعة هذه الفرصة لنشر مذهبهم علي أوسع نطاق ، حتى أنه بعد أن كان عدد الشيعة لا يبلغ عشر عدد السنة ، أخذ عددهم في ازدياد فأصبح عددهم بعدد أهل السنة ، ومن الطبيعي أن يكون كذلك ، فإن الاجتهاد تطوير في فقه الإسلام ، وتجديد لفهم القرآن والسنة علي ما تتطلبه حاجات الزمان كالسلاح المتطور ، بخلاف حصر المذهب فى طريقة خاصة ، وغلق باب الفهم ، وسد السمع عن نداء حاجات الزمان ، فإنه كالسلاح البالي ، وإذا كان لك سلاح بال ولعدوك سلاح متطور لابد وأن يغلب عدوك عليك إن عاجلاً أو أجلاً .
    وإنى أظن أنه سيأتي يوم قريب يفتح عقلاء أهل السنة باب الاجتهاد ، وإلا فإني أبشر أهل السنة بأنه لا تمضى قرون إلا وتكون السنة أقلية وتكون الشيعه أكثرية .
    أبن عبد الوهاب يضرب بآراء الصحابة والمذاهب :
    وكان الشاب الطموح ( محمد ) يقلد فهم نفسه في فهم القرآن والسنة ، ويضرب بآراء المشايخ ، لا مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب ، بل بآراء أبي بكر وعمر أيضا عرض الحائط ، إذا فهم هو من الكتاب علي خلاف ما فهموه ، وكان يقول : إن الرسول قال : " إني مخلف فيكم الكتاب والسنة " ولم يقل إني مخلف فيكم الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب ، ولذا فالواجب اتباع الكتاب والسنة ، مهما كانت آراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك .

    تعليق


    • #3
      وقد جري بين وبين أحد علماء فارس الذي كان ضيقاً عند ( عبد الرضا ) علي مائدة الطعام التي ضيفنا عليها ( عبد الرضا ) في داره ، وكان محمد ، والشيخ جواد القمي ، وهذا هو أسم ذلك العالم الشيعي – وأنا وبعض أصدقاء صاحب البيت ، أقول : جري بين ( محمد ) و ( الشيخ ) حوار عنيف لم أحفظ كله ، وإنما حفظت متقتطفات عنه .
      قاله له ( القمي ) : إذا كنت أنت متحرراً ومجتهداً – كما تدع فلماذا لا تتبع عليا كالشيعة ؟
      ( قال محمد ): لأن علينا مثل عمر وغيره ليس قوله حجة ، وإنما الحجة الكتاب والسنة فقط .
      ( قال القمي ) : ألم يقل الرسول ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) إذا ففرق بين علي وبين باقي الصحابة .
      ( قال محمد ) إذا كان قول علي حجة فلماذا لم يقل الرسول : كتاب الله وعلي بى أبى طالب ؟.
      قال القمي : بل قال حيث قال ﴿-;- -;- وآله﴾-;- " كتاب الله وعتزتى أهل بيتي " ( وعلى ) سيد العترة فأنكر ( محمد ) أن يكون الرسول قال ذلك ، لكن ( الشيخ القمي ) جاء إليه بأدلة مقنعة حتى سكت ( محمد ) ولم يحر جواباً .
      لكن ( محمداً ) أعترض عليه وقال : إذا قال الرسول : كتاب الله وعترتي فأين سنة الرسول ؟
      قال ( القمى ) سنة الرسول هي شرح لكتاب الله ، فلما قال الرسول:
      ( كتاب الله وعترتي ) أراد كتاب الله بشرحه الذي هو السنة ( قال محمد) أليس كلام العترة أيضاً شرحاً لكتاب الله ؟ فما الحاجة إليهم ؟
      ( قال القمى ) لما مات الرسول احتاج الأمة إلي شرح القرآن شرحاً يطابق حاجيات الزمن ، ولذا فالرسول أرجع الأمة إلي الكتاب كأصل وإلي العترة كشراح له فيما يتجدد من حاجات الزمن .
      لقد أعجب أنا بهذا البحث أيما إعجاب ، ورأيت أن ( محمداً ) الشاب أمام ( القمي ) الشيخ الطاعن في السن كالعصفور في يد الصياد لا يتمكن تحركاً .

      ابن عبد الوهاب صيد مستر همفر :
      لقد وجدت في ( أبن عبد الوهاب ) ضالتي المنشودة ، فإن تحرره وطموحه وتبرمه من مشايخ عصره ورأية المستقل الذي لا يهتم حتى بالحلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن والسنة كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلي نفسه .
      وأين هذا الشاب المغرور من ذلك الشيخ التركي الذى درست عنده في تركيا فإنه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شئ ، إنه كان إذا أراد أن يأتي بأسم أبي حنيفة – وكان الشيخ حنفى المذهب – قام وتوضأ ثم ذكر أسم أبي حنيفة ، وإذا أراد أن يأخذ كتاب ( البخارى ) – وهو كتاب عظيم عند أهل السنة يقدسونة أيما تقديس – قام وتوضاً ثم أخذ الكتاب .
      أما ( الشيخ ابن عبد الوهاب ) فكان يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء ، وكان يقول عن نفسه ( إننى أكثر فهماً من أبى حنيفة ) وكان يقول : ( إن نصف كتاب البخارى باطل ) .
      لقد عقدت بيني وبين ( محمد ) أقوي الصلات والروابط ، وكنت أنفخ فيه بأستمرار ، وأبين له أن أكثر موهبة من ( على وعمر ) وأن الرسول لو كان حاضرا لاختبارك خليفة له دونهما ، وكنت أقول له دائماً ، آمل من تجديد الإسلام علي يدك فإنك المنقذ الوحيد الذي يرجى به أنتشال الإسلام من هذه السقطة .
      كيف يلقن مستر همفر صنيعه أبن عبد الوهاب :
      وقد قررت مع ( محمد ) أن نتناقش في تفسير القرآن علي ضوء أفكارناً الخاصة ، لا علي ضوء الصحابة والمذاهب والمشايخ – وكنا نقرأ القرآن ونتكلم عن نقاط منها ، كنت أقصد من ورائها إيقاع ( محمد ) في الفخ وكان هو يسترسل في قبول آرائى ليظهر نفسه بمظهر المتحرر ، وليجلب ثقتى أكثر فأكثر .
      1- الجهاد :
      قلت له ذات مرة ، الجهاد ليس واجباً ، قال : وكيف وقد قال الله
      ( جاهد الكفار ) ؟ قلت : الله يقول : ( جاهد الكفار والمنافقين ) ؟ فإذل كان الجهاد واجبا فلماذا لم يجاهد الرسول النافقين ؟ قال : جاهدهم الرسول بلسانه ، قلت : إذا فجهاد الكفار أيضاً واجب باللسان ، قال : لكن الرسول حارب الكفار ، قلت ، حرب الرسول كان دفاعاً عن النفس حيث إن الكفار أرادوا قتل الرسول فدفعهم ، فهز ( محمد ) رأسه علامة للرضا
      2- متعة النساء :
      وقلت له ذات مرة ( متعة النساء جائزة ) قال : كلا قلت : فالله يقول: ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ، قال : عمر حرم المتعة قائلاً : (متعتان كانتا علي عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما .
      قلت : أنت تقول : أنا أعلم من عمر فلماذا تتبع عمر؟ . ثم إذا قال عمر : إنه حرمها وأن الرسول حللها فلماذا تترك رأى القرآن ورأي الرسول وتأخذ برأي عمر ؟
      فسكت ، ولما وجدت سكوته دليل الاقتناع ، وقد أثرت فيه الغريزة الجنسية ، ولم تكن له إذ ذاك زوجة – قلت له – ألا تتحرر أنا وأنت ونتخذ ( متعة ) نستمتع بها ؟ فهز رأسه علامة الرضا .
      وقد أغتنمت أنا هذا الرضا أكبر إغتنام ، وقررت موعداً لأتي إليه بامرأة ليتمتع بها ، وكان همى أن أكسر خوفه من مخالفة الناس ، لكنه أشترط علي أن يكون الأمر سراً بيني وبينه وأن لا أخبر المرأة بأسمه .
      فذهبت فوراً إلي بعض النساء المسيحيات اللاتي كن مجندات من قبل وزارة المستعمرات لإفساد الشباب المسلم ، ونقلت لها كامل القصة وجعلت لها أسم ( صفية ) وفي يوم الموعد ذهبت بالشيخ محمد إلى دارها ، وكانت الدار خالية إلا منها ، فقرأنا أنا والشيخ صيغة العقد لمدة أسبوع ، وأمهرها الشيخ نقداً ذهبياً ، فأخذت أنا من الخارج و ( صفية) من الداخل نتراوح على توجيه الشيخ ابن عبد الوهاب .
      3- شرب الخمر :
      وبع ما أخذ ( صفية ) من محمد كل مأخذ ، وتذوق محمد حلاوة مخالفة أوامر الشريعة تحت غطاء الاجتهاد والاستقلال فى الرأى والحرية ، وفي اليوم الثالث من ( المتعة ) أجريت مع ( محمد ) حواراً طويلاً عن
      ( عدم تحريم الخمر) وكلما أستدل بالآيات القرآنية والأحاديث زيفتها .
      وقلت له أخيراً : لقد صح أن معاونة ويزيد وخلفاء بني أميه وخلفاء بني العباس كانوا يتعاطون الخمر ، فهل من الممكن أن يكون كل أولئك علي ضلال وأنت علي صواب ؟ إنهم لا شك كانوا أفهم لكتاب الله وسنة الرسول مما يدل علي أنهم لم يفهموا التحريم وإنما فهموا الكراهة والإعافة ، وفي الأسفار المقدسة لليهود والنصارى إباحة الخمر ، فهل يعقل أن يكون الخمر حراماً في دين وحلالاً في دين ، والأديان كلها من عند إله واحد ؟ ثم إن الرواة رووا أن عمر شرب الخمر حتى نزلت الآية ( فهل أنتم منتهون) ولو كانت الخمرة حراماً لعاقبة الرسول ، فعدم عقاب الرسول دليل الحلية .
      أخذ يسمعنى ( محمد ) بكل قلية ، ثم تنهد وقال : بل تثبت في بعض الأخبار أن عمر يكسر الخمر بالماء ويشربها ، ويقول إن سكرها حرام ، لا ، إذا لم تكن تسكر ، ثم أردف الشيخ قائلاً وكان عمر صحيح الفهم في ذلك ، لأن القرآن يقول ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) فإذا لم تسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التى ذكرت في الآية ، وعليه فلا نهي عن الخمر إذا لم تكن مسكرة .
      أخبرت ( صفية ) بما جرى ، وأكدت عليها أن يسقي الشيخ في هذه المرة خمرة مغلظة ، ففعلت ، وأخبرتنى بعد ذلك أن الشيخ شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدة مرات في تلك الليلة ، وقد رأيت أن آثار الضعف والنحول عليه غداة تلك الليلة ، وهكذا استوليت ، أنا وصفية علي الشيخ استيلاءاً كاملاً .
      ويالها من روعة تلك الكلمة الذهبية التى قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته : إنا استرجعنا أسبانيا من الكفار – يقصد المسلمين ، بالخمر والبغاء ، فلنحاول أن نسترجع سائر بلادنا بهاتين القوتين العظيمتين .
      4- الصوم
      ذات مرة تكلمت مع الشيخ عن ( الصوم ) وقلت له : إن القرآن يقول وأن تصوموا خير لكم) ولم يقل إنه واجب عليكم ، فالصوم بنظر الإسلام مندوب وليس بواجب ، لكنه قاوم الفكرة وقال : يا محمد تري أن تخرجني من ديني ؟
      قلت له : يا أبن عبد الوهاب إن الدين هو صفاء القلب وسلامة الروح وعدم الاعتداء علي الآخرين ، ألم يقل النبى : ( الدين الحب ) ؟ وألم يقل في القرآن الكريم : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ؟ فإذا حصل للإنسان اليقين بالله وباليوم الأخر ، وكان طيب القلب نظيف العمل كان من أفضل الناس .
      لكنه هز رأسه علامة للنفى وعدم الأرتياح .

      5- الصلاة :
      ومرة أخري قلت له : ( الصلاة ليست واجبة ) قال : وكيف ؟ قلت : لأن في القرآن يقول الله ( وأقم الصلاة لذكرى ) فالمقصود من الصلاة ذكر الله تعالي ، فلك أن تذكر الله تعالي عوضاً عن الصلاة .
      قال أبن عبد الوهاب : نعم سمعت أن بعض العلماء كانوا يذكرون الله تعالي في أوقات الصلاة عوضاً عن الصلاة .
      ففرحت لكلامه أيما فرح ، وأخذت أنفخ في هذا الرأي حتى ظنت أني استوليت علي لبه ، وبعد ذلك وجدته لا يهتم بأمر الصلاة ، أحياناً يصلي وأحياناً لا يصلى ، خصوصاً في الصباح فإنه كان يترك الصلاة غالباً ، حيث كنت أسهر معه لي بعد منتصف الليل غالباً ، فكان منهوك القوى عبد الصباح فلا يقوم الصلاة .
      وهكذا أخذت أسحب رداء الإيمان عن عاتق الشيخ فشيئا .
      وأردت ذات مرة أن أناقش حول ( الرسول ) لكنه صمد في وجهى صموداً كبيراً وقال لى : إن تكلمت بعد ذلك حول هذا الموضوع قطعت علاقتى بك .
      وخشيت أن ينهار كل ما بنيته ، من أجل ذلك أحجمت عن الكلام حول الرسول

      تعليق


      • #4
        ابن عبد الوهاب مجدد فكر الخوارج :
        لكن أخذت في إذكاء روحه في أن يكون لنفسه طريقاً ثالثاً غير السنة وغية الشيعة ، وكان يستجيب لهذا الإيحاء كل الاستجابة لأنه كان يملأ غروره وتحرره .
        وبفضل ( صفيه ) التي دامت علاقتها معه بعد الأسبوع أيضاً فى ( متعات جديدة ) تمكنا فى الأخذ بقيادة ( الشيخ ) كاملاً .
        وذات مرة قلت الشيخ : هل صحيح أن النبي آخي بين أصحابه ؟ قال : نعم ، ( قلت ) هل أحكام الإسلام وقتيه أم دائمة ؟ قال : بل دائمة لأن الرسول يقول : ( حلال محمد حلال إلي يقوم القيامة ، وحرام محمد حرام إلي يوم القيامة ) إذن فلنواخى أنا وأنت فتواخينا .
        ومنذ ذلك الحين كنت أتبعه في كل سفر وحضر ، وكنت أهتم لأن تأتي الشجرة التي غرستها ثمارها التي صرفت لأجلها أثمن أوقات شبابى .
        وكنت أكتب بالنتائج إلي الوزرة كل شهر مرة ، كما كانت عادتي منذ أن خرجت من لندن ، وكان الجواب يأتيني بالتشجيع الكافي ، فكنت أنا ومحمد نسير في الطريق الذى رسمناه بخطى سريعة ، ولم أكن أفارقه لا في السفر ولا في الحضر ، وكانت مهمتى أن أربى فيه روح الاستقلال والحرية وحالة التشكيك ، وكنت أبشره بمستقبل زاهر وأمد فيه روحه الوقادة ، ونفسه النقادة ، ولففت له ذات مرة ( حلماً ) وقلت ل : ( إني رأيت البارحة في المنام رسول الله – ووصفته بما كنت سمعته من خطباء المنابر – جالسا علي كرسى وحوله جماعة من العلماء لم أعرف أحداً منهم ، وإذا بي أراك قد دخلت ووجهك يشرق نوراً ، فلما وصلت إلي الرسول قام الرسول إجلالاً لك وقبل بين عينيك وقال لك : يا محمد ، أنت سميى ووارث علمى والقائم مقامي في إدارة شئون الدين والدنيا ، فقلت أنت : يا رسول الله إني أخاف أن أظهر علمي علي الناس ؟ قال رسول لك : لا تخف إنك أنت الأعلى ) .
        فلما سمع محمد بالمنام كان أن يطير فرحاً ، وسألنى مكرراً هل أنت صادق في رؤياك ، وكلما سأل أجبته بالإيجاب حتى اطمأن . وأظن أنه صمم من ذلك اليوم علي إظهار أمره .
        توجه مستر همفر إلي النجف وكربلاء :
        في هذه الأيام جاءتنى الأوامر من لندن علي أن أتوجه إلي ( كربلاء ) و ( النجف ) مهوي قلوب المسلمين الشيعة ومركز علمهم وروحانيتهم ولهذين البلدين قصة طويلة .
        معلومات عن النجف :
        أما قصة النجف فإنه تبتدىء من يوم دفن فيها ( على ) رابع الخلفاء عند أهل السنة وأول الخلفاء عن أهل الشيعة ، فإن مدينة تبعد عن النجف قدر ( فرسخ ) أي مسيرة ساعة بالرجل – تسمى ب ( الكوفة ) كانت مقر خلافة علي ، فلما قتل علي دفنه ولده ( الحسن والحسين ) خارج الكوفة في هذا المكان الذي يسمى الآن ( بالنجف ) ثم أخذت نجف تزدهر بينها أخذت الكوفة في الخراب ، وأجتمع في النجف عدد من علماء الشيعة ، وصارت فيها بيوت وأسواق ومدارس ، وهي الآن مركز علماء الشيعة ، والخليفة في الآستانة يهابهم ويحترم جانبهم لعدة أمور .
        1- أن حكومة الشيعة في فارس تساندهم ، وإذا مس الخليفة كرامتهم توترت العلاقات بين الحكومتين ، وأحياناً تصل إلي حد الحرب .
        2- أن عشائر كثيرة حول ( النجف ) تساند العلماء ، وهي مسلحة ، وسلاحهم وإن كان ليس علي المستوي الرفيع ولا تنظيم لهم إلا التنظيم العشائري ، لكن يعني منازلة الخلافة للعلماء أن تدخل مع تلك العشائر في معارك دامية ، وحيث لا ضرورة قصوى تلجئ الحكومة إلي كبح جماع العلماء تذرهم وشأنهم .
        3- إن أولئك العلماء مراجع لكل المسلمين الشيعة في العالم من ( هند ) ( وأفريقيا ) وغيرهما ، فإذا مست الحكومة كرامتهم هاجت الشيعة في كل مكان .
        معلومات عن كربلاء :
        وأما قصة كربلاء ، فإنها تبتدىء منذ قتل فيها سبط رسول الله
        ( الحسين بن علي ، وأبن فاطمة بنت الرسول ) فقد دعا أهل العراق الحسين ليأتيهم من ( المدينة – الحجاز ) ليخذوه خليفة ، لكنه لما وصل هو أهل بيته إلي أرض كربلاء – التى تبتعد عن الكوفة قرابة أثني عشر فرسخاً – قلب أهل العراق عليه الأمر ، وخرجوا لقتاله بأمر من يزيد بن معاوي – الخليفة الأموى القاطن فى الشام – فقاتل الحسين بن على مع أهل بيته الجيش الأموى الكثيف العدد فتال الأبطال حتى قتل هو وأهل بيته ، وقد أبد الجيش الأموى فى هذه المعركة كل نذالة وسفالة ، ومنذ ذلك الحين أتخذ أهل الشيعة هذا المكان مركزا روحياً يأتونه من كل مكان – ويزدحمون فيه ازدحاما ليس عندناً في الروحانية المسيحية له مثيل .
        هذه المدينة – كربلاء – أيضاً مدينة شيعية وفيها علما الشيعة ومدارسهم ، وهي والنجف تسند إحداهما الأخرى .
        بداية الرحلة إلي النجف وكربلاء :
        ولما وصلتنى الأوامر للذهاب إلي هاتين المدينتين قطعت الطريق من البصرة إلي بغداد ، مركز الوالي المنصوب من قبل الخليفة في الآستانة ومن هناك ذهبت إلي ( الحلة ) وهي مدينة تقع علي شط الفرات .
        و ( الفرات ودجلة ) نهران كبيران يخترق العراق من تركيا ويصبان في البحر ، ويعود الفضل في زراعة العراق ورفاهها إلي هذين النهرين .
        وقد اقترحت – أنا - على وزارة المستعمرات بعد عودتى إلى لندن أن تخطط لوضع اليد علي مصب هذين النهرين لتتمكن من إخضاع العراق في حالة الطوارئ ، فإنه إن أنقطع الماء عن العراق لا بد وأن يخضع أهلها لمطالب الوزارة .

        تحريض شيعة العراق ضد الخلافة :
        ومن ( الحلة ) ذهبت إلي ( النجف ) في زى تاجر من تجار ( أذربيجان) وائتلفت برجال الدين وأخذت أراودهم وحضرت مجالس دروسهم ، وأعجبت بهم أيما إعجاب لصفاء روحهم ، وغزارة علمهم ، وشدة تقواهم ، لكن وجدتهم قد مر عليهم الزمن ولا يفكرون في تجديد أمرهم .
        1- فقد كانوا علي شدة عدائهم للسلطة في تركيا – لا لأنهم شيعة وأنها سنية ، بل لضغط السلطة على حرياتهم ضغطاً كبيراً – لا يفكرون فى منازلتها وفي التخلص منها .
        2-كما أنهم كانوا قد حصروا أنفسهم في علوم الدين أمثال قساوستنا في عصر الجمود ، وقد تركوا علوم الدنيا إلا بمقدار قليل لا ينفع .
        3- وكذلك وجدتهم لا يفكرون في ما يجرى حولهم فى العالم .
        وقد قلت في نفسى : مساكين هؤلاء ، فإنهم في سبات حيث الدنيا في يقظة ، وسيأتي يوم يجرفهم السيل ، وقد حاولت مكررا استنهاضم لمحاربة الخلافة فلم أجد فيهم أذناً صاغية ، وكان بعضهم يسخر مني وكأنى أقول له أهدم الكون ، فقد كانوا ينظرون إلي الخلافة كأنها مارد لا يمكن أن يقهر إلا إذا ظهر ( ولى الأمر عجل الله فرجه ) .
        وولي الأمر عندهم هو إمامهم الثانى عشر من ذرية الرسول غاب عن الأبصار عام ( 255) هجري أي بعد ظهور رسولهم ب ( 255) سنة وهي حى إلى اليوم ثم يظهر للعالم ليملأه عدلاً بعد أن ملئ جوراً .
        وإني أتعجب كيف يعتقد أناس أفاضل بهذه العقيدة الخرافية ، إنه مثل عقيدة الخرافيين من المسيحين بأنه سيعود المسيح من عليائه ليملأ الدنيا عدلاً .
        قلت لأحدهم : أليس الواجب أن تغيروا الظلم كما غير رسول الإسلام . قال : الرسول كان يسنده الله ولذا تمكن قلت : في القرآن الكريم : ( إن تنصروا الله ينصركم ) فأنتم أيضاً يسندكم الله إن قمتم بالسيف في وجه طغيان الخليفة ، قال : أنت تاجر وهذه مواضيع علمية يقصر فهمك عن ملاحقتها .
        ( أما مرقد ) الإمام أمير المؤمنين – كما يسمونه – فهو مرقد جميل مزخرف بأنواع الزخرفة الجميلة وله حرم جميل ، وعليه قبة ذهبية كبيرة ، ومنارتان ضخمتان ذهبيتان ، وأهل الشيعة يدخلونه كل يوم زرافات زرافات ويقيمون فيه الصلوات بهيئة اجتماعية ، ويقبلون ضريحه الذي ألحد فيه ، وينحني كل واحد إلي عتبته يقبلها ثم يسلم علي الإمام ، ويستأذن فى الدخول فيدخل ، ويحيط بالحرم صحن كبير فيه غرف كثيرة هي مأوي رجال الدين والزوار .
        وفي كربلاء حرمان علي طراز حرم ( علي ) الأول : حرم ( الحسين) والثانى حرم ( العباس ) وهو أخ للحسين قتل معه في كربلاء ، وتفعل الشيعة في كربلاء مثل ما تفعل في النجف ،وكربلاء أحسن مناخاً من النجف ، حيث يحيط بالبلد طوق كبير وكثيف من البساتين ، وفيها أنهار جارية .
        تقرير شامل عن حالة العراق :
        في سفرتى إلي ( العراق ) وجدت ما يثلج الصدر ، فقد كانت الأوضاع العامة والخاصة تنذر بنهاية الحكم فالوالى من قبل الآستانة رجل مستبد جاهل يحكم بما يشاء وكأن الناس عبيد وإماء له ، والشعب بصورة عامة غير راض عنه ، أما أه الشيعة فلأن الحكومة تضغط علي حرياتهم ولا تعير لهم أهمية وأما أهل السنة فلأنهم يأنفون أن يحكمهم رجل تركى وفيهم الأشراف والسادة من آل الرسول الذين يرون أنهم أحق بالحكم من الوالى التركي
        والبلاد خراب يعيش الناس فيها في قذارة ووساخة وخرائب .
        والطرق غير مأمونة ، فعصابات اللصوص يترصدون القوافل فينقضوا عليهم إذا لم تكن معهم مفرزة من الشرطة ، ولذا فإن القوافل لا تتحرك إلا بعد أن تصحبهم الحكومة بالشرطة المدججين بالسلاح .
        والمخاصمات بين العشائر قائمة على قدم وساق ، فلا يمر يوم إلا وعشيرة تنقض علي عشيرة أخري ويكون بينهما القتل والسلب .
        والجهل والأمية متفشية بصورة مدهشة تذكرنى بأيام استيلاء الكنيسة علي بدلاناً ، فباستثناء طبقة رجال الدين في النجف وكربلاء وقلة مرتبطة بهم لا تجد قارئاً ولا كاتباً واحداً في كل ألف إنسان .
        والاقتصاد منهار ، فعيش الناس في فاقة شديدة وفقر مدقع ، والنظام غير مستتب فالفوضى هو التى تسود كل شئ .
        وتنظر الحكومة والناس كل إلي الآخر بنظر الريبة والشك ولذا لا تعاون بينهما .
        ورجال الدين عارفون في الأمور الدينية عازفون عن الحياة الدنيا .
        والصحاري أغلبها يبان لا زراعة فيها ، ويمر النهران – دجلة والفرات – عبر أراضيهم وكأنهما ضيف عليهم حتى يصبان في البحر .
        وإلي غير ذلك من الأوضاع المتردية الفاسدة التى تنظر الإنقاذ .
        إقامة مستر همفر بكربلاء :
        بقيت في كربلاء والنجف مدة أربعة أشهر وقد تمرضت في النجف مرضاً حاداً حتى يئست من نفسى ، ودام معى المرض مدة ثلاثة أسابيع ، وراجعت طبيباً كان هناك ، ووصف لي بعض الأدوية ، فلما شربتها أحسست بتحسن صحتى ، وكان الفصل صيفاً شديد الحر ، فكنت أعتكف أيام مرضي في مكان تحت الأرض يسمى ب ( السرداب ) وكان صاحب البيت الذي استأجرت منه غرفة يباشر في هذه المدة مهمة صنع الطعام والدواء لي لقاء أجر بسيط ، وكان يعتبر خدمتى أفضل قربة إلى الله حيث إنه يخدم زائراً لأمير المؤمنين -;- ، وكان أكلى فقط ، في الأيام الأولي – ماء طير يسمونه ( الدجاجة ) ثم منح لي الطبيب السماح بأكل لحمه أيضاً ، وفي الأسبوع الثالث أباح لي أن آكل ( الأرز ) بالدجاج .
        وبعد أن أبليت من المرض ذهبت إلي بغداد ، وهناك كتبت تقريراً مفصلاً عن مشاهداتي فى النجف وكربلاء والحلة وبغداد والطريق في تقرير مسهب استوعب مائة صفحة ، وسلمت التقرير إلي ممثل الوزارة فى بغداد ، وبقيت بانتظار أوامر الوزارة هل أبقي في العراق أو أعواد إلي لندن .
        وقد كنت شديد الشوق للعودة إلي لندن لأن الغربة طالت والحنين إلي البلد والأهل قد أشتد ، خصوصاً وقد كنت مشتاقاً كثيراً إلي لقاء ولدي ( رسبوتين ) الذي فتح العين على الفور في غيابي ، ولذا فإنى قد طلبت من الوزارة مع التقرير الذي بعثته إليها أن يسمحوا لى بالعودة – ولو لأجل محدود – لأروي لهم انطباعاتى شفوياً ، ولكي أخذ قسما من الراحة والاستجمام فقد طال سفري إلى العراق مدة ثلاث سنوات .
        قال ل ممثل الوزارة في بغداد أن لا أتردد عليه وأن استأجر غرفة في أحد الخانات المطلة علي نهر ( دجلة ) لكى لا تثار حولي شبهة ، وقال : إنه – أي الممثل – سوف يخبرني بالجواب حينما يأتى البريد من لندن – وكنت في أيام إقامتى فى بغداد رأيت البون الشاسع بين عاصمة الخلافة وبين بغداد ، وكيف أن الأتراك يتعمدون إذلال أهالى العراق لأنهم عرب لا يؤمن مكرهم .
        ابن عبد الوهاب يوجه إلي بلاد فارس :
        وقد كنت ايام مغادرتى البصرة إلى كربلاء والنجف قلقا أشد القلق علي مصير ( الشيخ محمد عبد الوهاب ) حيث كنت لا آمن الأنحراف عن الطريقة التي رسمتها له ، فإنه كان شديد التلون ، عصبى المزاج ، فكنت أخشى أن تنهار كل آمالي التي بنيتها عليه .
        إنه حين أردت أن أفارقه كان يروم الذهاب إلي الآستانة للتطلع عليها ، لكنى منعته عن ذلك أشد المنع وقلت له : أخاف أن تقول هناك شيئا ما يوجب أن يكفروك ومصيرك حيذاك القتل ، قلت له هكذا ، لكن كان في نفسي شئ أخر وهو أن يلتقى ببعض العلماء هناك فيقوم معوجه ، ويرجعه إلي طريق أهل السنة فينهار كل آمالى .
        ولما كان الشيخ محمد لا يريد الإقامة في البصرة أشرت عليه بأن يذهب إلي( أصفهان وشيراز ) فإن هاتين المدينتين جميلتين ، وأهاليها من أهل الشيعة ومن المستبعد أن تؤثر الشيعة في الشيخ ، وقد كنت بذلك أمنت انحرافه .
        وعند مفارقتى للشيخ قلت له : هل تؤمن بالتقية ، قال : نعم ،فقد أتقي أحد أصحاب الرسول ( وأظنه قال إنه مقداد ) حين أضطهده المشركون ، وقتلوا أباه وأمه فأظهر الشرك ، وأقره على ذلك رسول الله
        ﴿-;- -;- وآله﴾-;- .
        قلت له : إذن أتق من الشيع ولا تظهر لهم أنك من أهل السنة لئلاً تقع عليك كارثة ، وتمتع ببلادهم وعلمائهم ، وتعرف على عاداتهم وتقاليدهم فإنه ينفعك أشد النفع في مستقبل حياتك .
        وقد زودت الشيخ حين أردت مفارقته بكمية من المال بعنوان ( الزكاة) وهي ضريبة إسلامية تؤخذ لصرفها في مصالح المسلمين ، كما وقد اشتريت له ( دابة ) للركوب بعنوان الهدية ، وفارقته .
        ومنذ مفارقتي له لم أعلم مصيره ، وكنت قلقاً لذلك أشد القلق ، وقد تبانينا أن نرجع – كلانا – إلي البصرة ، وإذا رجع أحدناً ولم يجد صاحبة يدع مكتوبا عند ( عبد الرضا ) يخبر فيه صديقة عن حالة .
        عودة مستر همفر إلي لندن :
        بعد مدة من مكوثي في ( بغداد ) أتتني الأوامر بضرورة التوجه إلي (لندن ) فوراً ، فتوجهت إليها ، وهناك اجتمع بى السكرتير وبعض أعضاء الوزارة وأخبرتهم بمشاهداتي وما عملته في سفرتى الطويلة ، ففرجوا بمعلوماتى عن ( العراق ) أشد الفرح ، وأبدوا ارتياحهم لها ، وكان قد سبق إليهم تقريري عن تفاصيل الرحلة ، وظهر لى فيما بعد أن ( صفية ) قرينة ( الشيخ محمد عبد الوهاب ) في البصرة أيضاً كانت قد كتبت إليهم بما يطابق تقاريرى ، كما تبين أيضاً أن الوزارة كانت تراقبنى في كل السفرة ، وأن المراقبين كتبوا عن تقارير مرضية ، ومصدقة لما كتبت في تقريرى ولما قلت عند مقابلة السكرتير .
        ضرب السكرتير لي موعداً للإجتماع بنفس الوزير ، ولما زرته في مكتبه رحب بي ترحيباً حاراً يختلف عن ترحيبه السابق عندما عدت من
        ( الآستانة ) إلي لندن ، وظهر لي أنني أشغلت من قلبه مكانا لائقاً .

        تعليق


        • #5
          ابن عبد الوهاب عميل المخططات الإنجليزية :
          وقد أبدى الوزير ارتياحه الكبير من السيطرة علي أبن عبد الوهاب وقال : إنه ضالة الوزارة وأكد علي مكرراً بأن أعاهدة بكل أنواع المعاهدة ، وقال : إنك لو لم تحصل في كل أتعابك إلا علي ( الشيخ ) كان جديراً بكل تلكم الأتعاب .
          وحيث أبديت قلقي علي مصيره بعدي قال الوزير : اطمئن بأن
          ( الشيخ ) لا يزال علي ما فارقته أنت من الآراء والأفكار ، وقال الوزير : إن عملاء الوزارة اتصلوا به في ( اصفهان) وأنهم أخبروا الوزارة بأن الشيخ علي ما كان .
          لكن أسررت في نفسي : كيف أباح الشيخ بدخيله سره إليهم . وتهيبت أن أسأل الوزير عن ذلك ، ثم تبين لى – فيما بعد – حين التقيت
          ( بالشيخ ) أن إنساناً يدعي ( عبد الكريم ) اتصل به في ( أصفهان ) وأنه أخ ( للشيخ محمد : يقصد أنا ) قال له عن تفاصيل أسراره عن الشيخ محمد ، وبذلك استطاع من النفوذ إلي دخائل قلبه .
          وقال أبن عبد الوهاب إن ( صفية ) لحقته فى ( أصفهان ) وتنعم
          ( بمتعة ) أخرى لمدة شهرين ، وأن عبد الكريم صاحبه إلي شيراز حيث هيا ( لأبن عبد الوهاب ) متعة أخري إامها ( آسية ) أجمل وأكثر أنوثة وعاطفة من ( صفية ) وأنه قضى معها أسعد ساعات العمر .
          وتبين لي فيما بعد – أيضا : أن ( عبد الكريم ) أسم مستعار لأحد المسيحيين فى ( جلفاء ) من نواحي ( أصفهان ) كان من عملاء الوزارة ، أن ( آسيه ) من يهود ( شيراز ) وكانت أيضاً هى الأخرى من عملاء الوزارة ، وكان نتيجة سيطرتنا – نحن الأربعة – على ( ابن عبد الوهاب ) أنه طبخ كأفضل ما يمكن لما يرجى منه في المستقبل
          مستر همفر يحصل علي أعلي وسام :
          بعد شرح الأحوال للوزير بحضور السكرتير ، ونفرين آخرين من أعضاء الوزارة لم أعرفها من ذى قبل ، قال لي الوزير : لقد استحققت أعلي أوسمه الوزارة حيث بلغت الدرجة الأول في سلم العملاء المخلصين ، ثم أردف : إن السكرتير سوف يطلعك على بعض أسرار الدولة تنفعك في مهمتك .
          ثم منحوا لي أجازة عشرة أيام لكي أنصرف إلي أهلى ، وخرجت من الوزارة ميمماً نحو أهلى وعشت مع أبني الصغير الذي كان يشبهني ، وينطق ببعض الكلمات ويمشي وكأنه قطعة روحي تمشي علي الأرض فى أسعد اللحظات ، وقد غمرنى الفرح فوق حد الوصف ، وكاد أن يطير روح حباً ، وتمتعت بالأهل والوطن أيما استمتاع ، كما زرت عمتى العجوز الطاعنة في السن التى كانت دائما تغمرنى بعطف ولطف ، ومن حسن الحظ اجتماعى بها هنا ، حيث أنها فارقت الحياة عندما كنت أنا في السفرة الثالثة ، وقد ترك وفاتها فى نفسى ألما ولوعة وحسرة .
          انقضت الأيام وكأنها ساعة – وهكذا تنقضي الأيام السعيدة كالساعات بينما الأيام البائسة تنقضى وكأنها قرون – وتذكرت حينذاك الأيام التي كنت فيها مريضاً فى العراق والنجف ، وكان اليوم الواحد منها يمر على وكأنه سنة ، ولا تزال مرارة تلك الأيام تحت أسنانى ، حتى أن مجموع أيام سعادتى لم يترك عندي من السعادة ما تركنه عندى أيام الشفاء من المرارة .

          الباب الرابع
          اللجنة الخاصة لشئون المستعمرات
          من أسرار اللجنة الخاصة :
          راجعت الوزارة لأتخذ الأوامر بشأن المستقبل ، وكان في استقبالى السكرتير بطلعته الوسيمة ، وثغره الباسم ، وطوله الفارع ، وصافحني مصافحة حارة لمست منها كل معاني الأخوة .
          قالي لي : لقد أمرنى الوزير شخصياً ، كما خولتنى اللجنة الخاصة بشئون المستعمرات أن أطلعت على سرين هامين جداً وذلك لكي تستفيد منهما في المستقبل ، ولا يطلع علي هذين السرين إلا قلائل من الذين يعتمد عليهم .
          السر الأول
          ثم أخذ بيدي وأدخلني إحدى غرف الوزارة ، ورأيت فيها عجباً ، فهناك مائدة مستديرة حولها عشرة رجال ( أحدهم ) في زى السلطان العثماني وهو يتكلم التركية والإنكليزية ، ( والثانى ) في زى شيخ الإسلام في الآستانة( والثالث ) في زى الملك الفارسى ،( والرابع ) في زى عالم البلاط الشيعى ( والخامس ) في زى مرجع التقليد لأهل الشيعة فى النجف ، وهؤلاء الثلاثة يتكلمون باللغتين الفارسية والإنكليزية .
          وعند كل واحد من هؤلاء الخمسة كاتب من الكتاب ليكتب ما يقول ، كما أنه هو بنفسه الطريق إلي أحد الخمسة ليزوده بالمعلومات التى تجمعها العملاء حول هؤلاء الخمسة من ( الآستانة ، وفارس ، والنجف ) .
          بنك معلومات عن المسلمين :
          قال السكرتير : إن هؤلاء الخمسة يمثلون أولئك الأصليين ، صنعناهم علي أمثلتهم لنزى كيف يفكر أولئك الخمسة ، فإنا نزود هؤلاء بالمعلومات التي تصلنا من الآستانة وطهران والنجف ، وهؤلاء يجعلون من أنفسهم بمنزلة أولئك الخمسة الأصلاء ، ثم يجيبوننا عن كل ما نسألهم ، وقد لا حظنا أن نتائج تفكير هؤلاء الخمسة تطابق سبعين فى المائة تفكير أولئك الأصليين .
          حول بين بنك المعلومات ورجال المستعمرات :
          1- مع شيعة النجف :
          قال السكرتير : وإن شئت جرب الأمر فإنك قابلت عالم النجف ، قلت ، : حسناً ، حيث كنت قد سألت بعض المسائل عن مرجع التقليد في النجف .
          تقدمت إلي ( البدل ) وقلت له : مولاناً ، هل يجوز لنا نحن الشيعة أن نحارب الحكومة لأنها حكومة سنية شديدة التعصب ؟
          تروى ( البدل ) قليلاً وقال : لا يجوز لنا محاربتهم لأنهم سنة ، فإن المسلمين أخوه ، وإنما يجوز لنا محاربتهم لأنهم يضطهدون الأمر . وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى يرفعوا أيديهم عن اضطهادنا وحينذاك نتركهم وشأنهم .
          قلت : مولاناً ، ما رأيكم في نجاسة اليهودى والنصرانى فهل هم أنجاس أم لاً ؟
          قال البدل : نعم إنهم أنجاس يجب الاجتناب عنهم ، قلت : ولم ؟ قال : هذا من باب المقابلة بالمثل فإنهم يروننا كفاراً ، وإنهم يكذبون نبيناً محمداً صلي الله عليه وآله وسلم ، وكذلك نحن نقابلهم بالمثل .
          قلت له : مولانا ، أليست النظافة من الإيمان ، فلماذا رأيت أنا قذارة الصحن الشريف ، والشوارع والأزقة حتى أني رأيت القذارة في المدارس العلمية أيضا ؟
          قال : النظافة لا شك أنها من الإيمان ، ولكن ماذا نصنع بقلة المياه وعدم اهتمام الحكومة بالنظافة .
          كانت المفاجآت في أجويبة ( البدل ) أنها كلها كانت مطابقة لأجوبة العالم المرجع في النجف بدون زيادة أو نقيصة ، لكن كانت إضافة جملة ( وعدم اهتمام الحكومة بالنظافة) في الجواب الثالث زيادة من ( البدل )حيث لم يذكرها الأصيل ، وقد دهشت أيما دهشة لهذه البدلية المطابقة للأصل ، فقد أجابني المرجع في النجف حيث سألته عن هذه الأسئلة بنفس هذه الأجوبة ، وكان (البدل ) يتكلم باللغة الفارسية كما كان المرجع في النجف يتكلم باللغة الفارسية أيضاً .
          2- مع الشيخ الإسلام بالآستانة
          قال لي السكرتير : ولو كنت واجهت الأربعة الأصلاء الآخرين وتكلمت معهم لكان لك أن تتلكم مع هؤلاء الإبدال لتري كيف أن هؤلاء الأبدال مثل أولئك الأصلاء ( قلت ) إني أعرف كيفية تفكير شيخ الإسلام لأن أستاذي ( الشيخ أحمد أفندم ) نقل لي جملة وافيه عنه ، قال لي السكرتير : تفضل وتكلم مع ( البدل ) عنه .
          فتقدمت إلي البدل وقلت له : أفندم هل تجب طاعة الخليفة ؟
          قال : نعم يا ولدى مثل وجوب طاعة الله ورسوله ،
          قلت له : أفندم بأي دليل ؟
          قال :ألم تسمع قول الله تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )
          قلت : أفندم إذا كان الخليفة أولي الأمر فكيف يأمرنا الله . بطاعة
          ( يزيد ) الذي أباح المدينة المنورة لجيشه وقتل الحسين سبط رسول الله ، وكيف يأمرنا الله بطاعة ( يزيد ) الذي كان يشرب الخمر .
          قال البدل : يا ولدي إن ( يزيد ) كان أمير المؤمنين من قبل الله تعالي وقد أخطأ في قتله الحسين وتاب ، وأما إباحته المدينة المنورة فقد كانت صحيحة لأنهم طغوا وبغوا وخلعوا الطاعة ، وأما يزيد فكان يشرب الخمر الممزوجة بالماء والتى لا توجب له السكر وذلك جائز في شريعة الإسلام .
          لقد كنت سألت هذه الأسئلة من ( شيخى أحمد أفندم ) وكان جوابه نفس الأجوبة باختلاف يسير .
          قلت السكرتير بعد هذه المقابلة : وما فائدة هذه التمثيلية ؟ قال : إنا نعرف كيف تفكير سلاطين وعلماء المسلمين – سنة وشيعة – ونضع الحلول المناسبة لمعاكستهم في القضايا السياسية والدينية .
          مثلاً : إذا عرفت أن عدوك يأتي من طرف المشرق كنت وضعت جنودك في ذلك الطرف لصده ، أما إذا لم تكن تعرف من أين يأتي العدو فقد تبعثر جنودك في كل اتجاه ، وكذلك إذا عرفت وجه استدلال المسلم علي مذهبه ودينه تمكنت أن تضع الأجوبة الجاهزة لردة ، فتكون تلك الأجوبة كافية لخلخلة عقيدة المسلمين .
          كتاب : كيف نحطم الإسلام ؟
          ثم ناولني السكرتير كتاباً ضخماً من ألف صفحة فيه نتائج المناقشات والخطط التي جرت بين هؤلاء الخمسة الأصليين والخمسة الأبدال في الشئون العسكرية والمالية والثقافية والدينية .
          وحلمت الكتاب معي إلي الدار وقرأنه من أوله إلي آخرة في ثلاثة أسابيع – مدة إجازتي – وأمرني بإرجاع الكتاب بعد المطالعة ، وعند قراءتي للكتاب دهشت لما حواه من الرد ودقة المناقشات وكأنها واقعية فكانت مطابقة الأجويبة – حسب معلوماتى – أكثر من سبعين بالمائة ، وإن كان السكرتير سبق وأن قال لى: إن الأجوبة الصائبة من التمثيلية زهاء سبعين بالمائة .
          وقد ازددت وثوقاً بمقدره حكومتى ، وعلمت يقيناً أن الإمبراطورية العثمانية مشرفة علي الزوال في أقل من قرن حسب ما قدره الكتاب .
          بدائل لكل الشخصيات بالوطن الإسلامي :
          قال السكرتير لي : وهناك غرف أخرى فيها نظير هذه التمثيلية بالنسبة لسائر البلاد التى هى مستعمرة بأيدينا ، أو ما تقصد الحكومة استعمارها فيما بعد .
          قلت للسكرتير : من أين تحصلون علي هؤلاء الأبدال بهذه الدقة والمقداه ؟ قال : إن عملاءنا في كافة البلاد يزودوننا بالمعلومات الكافية بصورة مستمرة ، وهؤلاء الإبدال أخصائيون في هذه الناحية ، ومن الطبيعي أنك إذا حصلت علي معلومات كافية خاصة كما يعلمها ( فلان ) يكون نوع تفكيرك واستنتاجاتك مثل تفكيره ، واستنتاجاته إذ تكون حينذاك نسخة طبق الأصل منه .
          قال السكرتير : وهذا هو السر الأول الذي أمرني الوزير إيقافك عليه.
          وأما السر الثاني فسوف أطلعك عليه بعد شهر حيث أتممت هذا الكتاب ( ويقصد الكتاب ذا ألألف صفحة الذي تقدمت الإشارة إليه ) .

          تعليق


          • #6
            مواطن الضعف والقوة في البلاد الإسلامية
            لقد طالعت الكتاب بدقه وإمعان من الجلد وإلي الجلد ، وظهرت لى آفاق جديدة من المعرفة بأوضاع المسلمين ، كما ظهرت لى كيفية تفكيرهم ، وأنهم كيف متأخرون ؟ وأن نقاط الضعف فيهم ما هي ؟ كما ظهرت لي نقاط القوة في المسلمين وأنه كيف يلزم العمل لهدمها وتبديلها بنقاط الضعف .
            مواطن الضعف التى يجب استثمارها :
            1-فمن نقاط الضعف فيهم : الاختلاف بين السنة والشيعة ، والاختلاف بين الحكام والشعوب ، والاختلاف بين حكومتي ( الأتراك والفرس ) والاختلاف بين العشائر ، والاختلاف بين العلماء والحكومة .
            2-ومن نقاط الضعف فيهم : الجهل والأمية التي تكاد تستوعب كل المسلمين إلا نادراً .
            3-ومن نقاط الضعف فيهم : خمول الروح وذبول المعرفة وفقدان الوعي .
            4-ومن نقاط الضعف فيهم : ترك الدنيا كلية والتعلق بالآخرة والعمل لها وحدها .
            5-ومن نقاط الضعف فهيم : دكتاتورية الحكام والاستبداد الشامل .
            6-ومن نقاط الضعف فيهم : عدم أمن الطرق وانقطاع المواصلات إلا بقدر قليل .
            7-ومن نقاط الضعف فيهم : تدهور الصحة العامة حتى أن ( الطاعون ) ( والوباء ) يجتاحان البلاد بصورة مستمرة تقريباً يجرفان عشرات الألوف في كل وجبة .
            8-ومن نقاط الضعف فيهم : خراب البلاد ويبان الصحاري وانسداد الأنهر وقلة المزارع .
            9-ومن نقاط الضعف فيهم : الفوضى في كل شئون الإدارة فلا نظام ولا مقاييس ولا موازين ولا قوانين ، فإنهم – وإن كانوا كثيرى الاعتزاز بالقرآن – إلا أن العمل بقوانينه يكاد يكون معدوماً .
            10- ومن نقاط الضعف فيه تدهور الاقتصاد تدهوراً مشيناً فالفقر ضارب بجذوره في كل مكان .
            11- ومن نقاط الضعف فيهم : عدم وجود جيوش نظامية – بمعني الكلمة – وعدم السلاح الكافي ، ورداءة الموجود منه .
            12- ومن نقاط الضعف فيهم : احتقار المرآة وهضم حقها .
            13- ومن نقاط الضعف فيهم : الوساخة والقذارة في الأسواق والشوارع والأجسام وكل مكان .
            أين المسلمون من أوامر الإسلام ؟
            وقد كان الكتاب يذكر بعد كل نقطة ضعف أن قانون الإسلام بالعكس ، فاللازم إبقاء المسلمين في جهلهم حتى لا ينتبهوا إلي حقيقة دينهم ، فقد ذكر الكتاب أن الإسلام :
            1-يأمرهم بالاتحاد والألف ونبذ الفوارق ، ففي القرآن ، ( واعتصموا بحبل الله جميعاً )
            2-ويأمره بطلب العلم ففي الحديث : ( طلب العلم فريضة علي مسلم ومسلمة )
            3-ويأمرهم بالوعي ، ففي القرآن ، ( سيروا في الأرض )
            4-ويأمرهم بطلب الدنيا ، ففي القرآن ، ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة )
            5-ويأمرهم بالمشورة ، ففي القرآن : وأمرهم شوري بينهم ) .
            6-ويأمرهم بتأمين السبل ، ففي القرآن : ( فامشوا في مناكبها )
            7-ويأمرهم بمعاهدة أبدانهم وصحتهم ، ففي الحديث : (إنما العلوم أربعة : علم الفقه لحفظ الأديان ، وعلم الطب لحفظ الأبدان ، وعلم النحو لحفظ اللسان ، وعلم النجوم لحفظ الأزمان .
            8-ويأمرهم بالعمران ، ففي القرآن ، ( وخلق لكم ما في الأرض جميعاً )
            9-ويأمرهم بالنظام ، ففي القرآن : ( من كل شئ موزون ) وفي الحديث : ونظم أمركم .
            10-ويأمرهم بقوة الاقتصاد ، ففي الحديث : ( من لا معاش له لا معاد له)
            11-ويأمرهم بقوة الجيش والسلاح ، ففي القرآن وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)
            12-ويأمر باحترام المرأة ، ففى القرآن : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)
            13- ويأمرهم بالنظافة ، ففي الحديث ، ( النظافة من الإيمان )
            مواطن القوة التي يجب هدمها :
            1-لا يعيرون الاهتمام بالقوميات ، والإقليميات واللغات والألوان ، وسوابق البلاد .
            2-وتحرم عندهم الربا ، والاحتكار ، والبغاء ، والخمر ، والخنزير .
            3-ويتعلقون بعلمائهم أشد التعلق .
            4-ويحترم طائفة كبيرة من السنة ( الخليفة ) ويعتبرونه مثالاً للرسول تجب طاعته كما تجب طاعة الله والرسول .
            5-ويوجبون الجهاد .
            6-ويري أهل الشيعة نجاسة غير المسلم مهما كانت عقيدته .
            7-ويعتقدون بأن الإسلام يعلو ولا يعلي عليه .
            8-ويري أهل الشيعة حرمة بناء الكنائس في بلاد الإسلام .
            9-ويري أكثر المسلمين وجوب إخراج اليهود والنصاري من جزيرة العرب .
            10- ويمارسون العبادات ( الصلاة – الصوم – الحج ) ونحوها ممارسة شديدة .
            11- ويري أهل الشيعة وجوب عطاء الخمس ، بدفعه إلي علمائهم .
            12- ويتمسكون بالعقيدة الإسلامية تمسكاً شديداً .
            13- ويربون أولادهم تربية دقيقة علي طريقة الآباء والأجداد حتى ليستحيل الفصل للأبناء عن الآباء .
            14- والمرأة عندهم في حجاب شديد حتى لا يمكن تسريب الفساد إليها .
            15- وعندهم لا الجماعة التى تجمعهم في كل يوم مرات
            16-وعندهم المقابر للنبى وآله والصالحين فتكون مركز تجمعهم وانطلاقهم .
            17- وفي أوساطهم كثرة من المنتسبين إلي الرسول ( أولاده ) فتذكر بالرسول ، ويجعل الرسول حياً في أعينهم .
            18- وعند أهل الشيعة ( الحسينيات ) التي تجمعهم في مواسم خاصة فيقوي الواعظ الإيمان في نفوسهم ويحرضهم علي العمل الصالح .
            19- وعندهم يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
            20- وعندهم استحبا الزواج وكثرة النسل وتعدد الأزواج .
            21- وعندهم أن من هدي إنساناً إلي الإسلام كان له خير من أن يملك كل الدنيا .
            22- وعندهم أن ( من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها )
            23 – وعندهم تقيم كبير للقرآن والحديث ، وإتباعهما يوجب الجنة والثواب .
            المخططات الاستعمارية لنقاط الضعف والقوة
            ثم أوصي الكتاب بتوسيع نقاط الضعف وطمس نقاط القوة ، وذكر الأدلة الكافية لكيفية ذلك .
            أولاً : أدلة توسيع نقاط الضعف :
            يقول الكتاب في ما يمكن أن يعمل من أجل توسيع نقاط الضعف .
            إن الاختلافات يمكن تركيزها بتكثير سوء الظن بين الفئات المتنازعة ونشر الكتب التي تطعن في هذه الفئة ، وتلك الفئة ، واللازم بذل المال الكافي في سبيل التخريب والتفرقة .
            والجهل يمكن إبقاؤهم عليه بالمنع عن فتح المدارس ونشر الكتب ، وإحراق ما يمكن إحراقه من الكتب ، وصرف الناس عن إدخال أولادهم في المدارس الدينية بتلفيق الاتهامات ضد رجال الدين .
            3-4- ويمكن إبقاؤهم في حالة اللاوعى بتزين الجنة إمامهم وأنهم غير مكلفين بالحياة الدنيا ، وتوسيع حلقات أدعياء التصوف ، وترويج كتب الخوارج وأبن تيمية وأبن القيم وغيرهم من دعاة السلفية .
            5- ويمكن تقوية دكتاتورية الحكام ببيان ( أنهم ظل الله في الأرض ) وأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وبنى أميه وبنى العباس كلهم جاءوا إلي الحكم بطريق القوة والسيف وحكموا فردياً فأبو بكر جاء إلي الحكم بسيف عمر وإرهابه ، وإحراقه للبيوت التي لم ترضخ للطاعة كبيت فاطمة بنت محمد ، وعمر جاء إلي الحكم بوصية أبى بكر ، وعثمان جاء إلي الحكم بأمر عمر ، وعلي جاء إلي الحكم بانتخاب الثوار له ، ومعاوية جاء إلي الحكم بالسيف ، ثم توارث بنو أمية الحكم ، والسفاح جاء إلي الحكم بالسيف ، ثم توارث بنو العباس الحكم .. كل ذلك دليل علي أن الحكم فى الإسلام دكتاتوري .
            6- ويمكن الإبقاء على عدم أمن السبل بإلهاء الحكام عن معاقبة اللصوص ، وتقوية جانب اللصوص وإعطائهم السلاح وإغرائهم بالعمل المستمر في طريق اللصوصية والأغتشاش .
            7- ويمكن الإبقاء علي حالتهم اللاصحية بنشر مذهب ( القدر ) فيهم وأن كل ذلك من الله ، فلا فائدة في العلاج ألم يقل الله في القرآن : ( والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشقين ) أو لم يقل : ( والذي يميتني ثم يحيين ) فالشفاء بيد الله ، والموت بيد الله ، فلا سبيل للشفاء بدون إرادته ، ولا مهرب من الموت الذي هو قضاء الله وقدره .
            8- والإبقاء علي الخراب واليباب يمكن بما ذكرناه في الحلقة الثالثة والرابعة .
            9- ويمكن الإبقاء علي الفوضي ببيان أن الإسلام دين العبادة ولا نظام فيه ، ولذا لم يكن لمحمد ولا لخلفائه وزراء ولا أنظمة ولا إدارات ولا قوانين .
            10- أما تدهور الاقتصاد فهو نتيجة طبيعية لما تقدم من التدهورات ، ويمكن زيادته بإحراق المحاصيل ، وإغراق البواخر التجارية ، وإحراق الأسواق ، وكسر السدود باستيلاء الماء علي المزارع وعلي البلاد ، وإلقاء السم في المشارب العامة .
            11- ويمكن إلهاء الحكام في الفساد والخمر والقمار ، وبتبذير الأموال في الأمور الشخصية لكي لا يبقى لكى لا يبقى المال الكافي للسلاح والأرزاق الجيش .
            12- ويمكن إشاعة أن الإسلام احتقر المرأة ، أليس في القرآن : ( الرجال قوامون علي النساء ) وأليس في السنة ( المرأة شر كلها )
            13- أما الوساخة والقذارة فهي نتيجة طبيعية لشح الماء ، فاللازم الحيلولة دون زيادة الماء فى البلاد بأى أسم كان .
            ثانياً : أدلة طمس نقاط القوة :
            أما ما أوصاه الكتاب عن طمس نقاط القوة فقد أوصى الكتاب .
            بلزوم أحياء النعرات القومية والإقليمية واللغوية واللونية وغير ذلك في المسلمين ، كما أوصى بلزوم جلب اهتمام المسلمين إلي سوابق حضارات بلادهم ، وإبطال شخصياتهم قبل الإسلام ، كإحياء الفرعونية في مصر ، وإحياء الثنويه في فارس ، وإحياء البابلية فى العراق ( إلي آخر القائمة الطويلة التي وضعها الكتاب بهذا الشأن .
            3-كما يلزم إشاعة الأمور الأربعة التالية : الخمر والقمار والبغاء ولحم الخنزير إن جهراً وإن سراً .
            ثم أوصى الكتاب بلزوم التعاون الوثيق مع اليهود والنصاري والمجوس والصابئة الذين يقطنون في بلاد الإسلام في سبيل إحياء هذه الأمور ، وجعل مرتب من خزينة ( وزارة المستعمرات ) لأجل الموظفين الذي ينشرون هذه الأمور بين المسلمين ، وجعل جوائز وإغراءات لكل من تمكن من أن يوسع دوائر هذه الأمور الأربعة أكثر فأكثر ..
            وأوصي الكتاب بلزوم حماية ممثلي حكومة بريطانياً العظمي لهذه الأمور علناً وسراً ، وضرورة بذل ما يمكن في سبيل إنقاذ كل من يقع تحت وطأة عقاب المسلمين من الذين ينشرون هذه الأمور الأربعة .
            كما أوصي الكتاب بنشر ( الربا ) بكل صورة ، فإنه بالإضافة إلي أنه هدم للإقتصاد الوطني يوجب تجرؤ المسلمين علي خرق قوانين القرآن ، ومن خرق قانوناً سهل عليه خرق سائر القوانين .
            وقد أوصي الكتاب أنه من اللازم أن يبين للمسلمين أن الحرام ( هو الربا المضاعف ) حيث يقول القرآن : ( لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) وليس الربا بكل صورة حراماً 3و
            4- كما يجب تضعيف صلة المسلمين بعمائهم بإلصاق التهم بالعلماء ، وإدخال بعض العملاء في زى العلماء ، ثم يرتكبون الجرائم ليشتبه كل رجل دين عندهم هل أنه عالم أو عميل ؟ ومن المؤكد إدخال أمثال هؤلاء العملاء في الأزهر ، والآستانة ، والنجف ، وكلابلاء ، ومن طرق تضعيف صلة المسلمين بعلمائهم فتح المدارس لدارسة أطفال المسلمين بواسطة عملاء الوزارة ليربوا الأطفال علي كره العلماء وعلي كره الخليفة وذكر مساوئه وأنه منشغل بالملذات ، وبصرف وأموال الشعب في الفساد والترف ، فهو ليس مثل الرسول في أي شأن من الشئون .
            5-ويلزم التشكيك في أمر الجهاد ، وأنه كان أمراً وقتياً أنقضي بانقضاء زمانه .
            6- ويلزم إخراج فكرة نجاسية ( الكفار ) عن نفوس أهل الشيعة ، وبيان أن الله قال في القرآن : ( طعامكم حل لهم وطعامهم حل لكم ) وأن الرسول كان له زوجة يهودية وهي صفية : وزوجة نصرانية وهي مارية ، ولا يمكن أن تكون زوجه الرسول نجسة .
            7- ويلز أن يعتقد المسلون أن مقصود الرسول بالإسلام ( الدين ) سواء كانت يهودية أو نصرانية لا ( المسلمة ) بدليل أن القرآن يسمي كل أهل دين مسلماً ، ففي القرآن أن (يوسف ) النبي قال ( توفني مسلماً ) وقال إبراهيم وإسماعيل ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) وقال ( يعقوب ) النبي لبنيه : ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
            8- وكيف تحرم الكنائس والرسول وخلفاؤه لم يهدموها بل احترموها ، وفي القرآن : ( ولولاً دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ) والصوامع للنصاري ، والبيع لليهود والصلوات للمجوس ، والإسلام يحترم محلات العبادة لا أنه يهدمها ويمنع عنها .
            9- ويجب التشكيك في حديث ( أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ) وحديث ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) فإنه لو كان الحديث صحيحاً ، لم تكن زوجة الرسول يهودية ونصرانية وزوجة الصحابي ( طلحة ) يهودية ، ولم يفاوض الرسول نصارى نجران .
            10- ويلزم صرف المسلمين عبد العبادات والتشكيك في جدواها فإن الله غنى طاعة الناس ، ويلزم المنع أشد المنع أشد المنع عن الحج ، وعن كل إجماع بين المسلمين مثل ( صلاة الجماعة ) وحضور مجال الحسين والمسيرات الحزينة له ، كما يلزم المنع أشد المنع عن بناء المساجد والمشاهد ، والكعبة والحسينيات والمدارس .
            11- ويجب التشكيك في الخمس ، وأنه خاص بالغنائم المستحصله من دار الحرب لا في أرباح المكاسب ، ثم الواجب إعطاء الخمس للنبي أو الإمام لا إلي العالم ، بالإضافة إلي أن العلماء يشترون بأموال الناس الدور والقصور والدواب والبساتين ، فلا يجوز شرعا دفع الخمس إليهم .
            12- واللازم توهين صلة المسلمين بالإسلام بالتشكيك في العقيدة ، واتهام الإسلام بأنه دين التخلف والفوضى ، ولذا تخلفت بلاد الإسلام وكثر فيهم الاضطراب والسرقة .
            13- والواجب الفصل بين الآباء والأبناء حتى يخرج الأبناء من تحت تربية الآباء ، وعند ذلك تكون التربية بأيدينا نحن ، وإذا خرجوا عن تربية الآباء لا بد وأن ينفصلوا عن العقيدة وعن التوجيه الديني ، وعن الصلة بالعلماء .
            14- ويلزم إغراء ( المرآة ) بإخراجها عن العبادة بحجة أن الحجاب عادة خلفاء نبي العباس وليست عادة إسلامية أصيلة ، ولذا كان الناس يشاهدون نساء الرسول ، وكانت المرأة تشترك في كل الشئون وبعد إخراج المرأة عن العبادة لا بد من إغراء الشباب بهن ليقع الفساد بينهما ، واللازم أن نخرج النساء غير المسلمات من العباءة أولاً حتى تقتدي بهن المرأة المسلمة .
            15- ويجب تحطيم صلاة الجماعة بحجة فسق الإمام وإظهار مساوئه ، وبإثارة البغضاء بين الإمام وبين الذين يصلون معه بكل الوسائل والسبل .
            16- أما المقابر فاللازم هدمها بحجة أنها لم تكن في عصر النبي وأنها بدعة ، كما أن اللازم صرف الناس عن الزيارات بالتشكيك في كون هذه المقابر الموجودة للنبي والأئمة والصالحين ، فالنبى دفن عند قبر أمه ، وأبو بكر وعمر دفناً في البقيع ، وعثمان مجهول قبره ،وعلي دفن في البصرة ، أما في النجف فهو قبر المغيرة بن شعبة ، والحسين دفن رأسه في ( حنانه ) وجسده مجهول القبر ، وفي الكاظمية قبر الخليفتين لا قبر الكاظم والجواد من آل الرسول ، وفي طوس قبر هارون لا قبر الرضا من أهل البيت ، وفي سامراء قبور بني العباس لا قبور الهادي والعسكري والمهدي من أهل البيت ، والبقيع يجب تسويتها مع الأرض ، كما يجب هدم كل القباب والأضرحة الموجودة للمسلمين فى كل بلادهم .
            17- أما آل الرسول ، فاللازم الطعن في نسبهم والتشكيك في انتسابهم إلي الرسول ، واللازم تلبيس غير آل الرسول بالعمة السوداء والخضراء ليختلط الأمر علي الناس ويسيئوا الظن بآل الرسول ، ويشكوا في نسبهم ، كما أن اللازم نزع العمائم عن رؤوس رجال الدين والسادة ليضيع نسب آل الرسول ، ولكي لا يتلقى رجال الدين الاحترام عن الناس.
            18- والحسينيات يجب هدمها واتهامها بأنها بدعة وضلال وأنها لم تكن في عهد الرسول وخلفائه ، كما يجب منع الناس عن ارتيادها بكل الوسائل ، ويجب تقليل الخطباء وجعل ضرائب خاصة على الخطابة يدفعها الخطيب وصاحب الحسينية .
            19- واللازم أشراب الحرية في نفوس المسلمين ، فلكل إنسان ما يريد من الأعمال ، فلا يجب الأمر بالمعروف ، ولا النهي عن المنكر ، ولا تعليم الأحكام ويلزم الإلقاء إليهم بأن( عيسي علي ديني وموسي على دينه)( وأن أحداً لا ينام في قبر وأحد ) وأن الأمر والنهي خاص بالسلطان لا يعم الناس.
            20- يجب تحديد النسل ، وأنا لا يتزوج الرجل أكثر من زوجة واحدة ووضع القيود علي الزواج مثل أنه لا يحق العربى أن يتزوج فارسية ، وبالعكس ، ولا لتركى أن يتزوج عربية وبالعكس .
            21 – ويجب أن يمنع منعاً باتاً التبشير بالإسلام والهداية إليه ، وإشاعة أن الإسلام دين قومى ولذا قال القرآن : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) .
            22- والسنن الحسنة يجب تضييق نطاقها ، وجعل أمرها بيد الدولة ، وحتى أنه لا يحق لأحد أن يبني مسجداً أو مدرسة أو ميتماً ، أو غير ذلك من السنن الحسنة والصدقات الجارية .
            23- كما أن اللازم التشكيك فى القرآن ونشر قوانين مزيفة فيها زيادات ونقائص بحجة أن القرآن زيد فيه ونقص منه ، ويلزم إسقاط الآيات التي تسب اليهود والنصارى والكفار ، وإسقاط آيات الجهاد والأمر بالمعروف ، وترجمة القرآن إلي اللغات المحلية كالتركية والفارسية والهندية ، والمنع عن تلاوة القرآن العربي في غير بلاد العرب ، كما يجب منع الأذان والصلاة والدعاء باللغة العربية في غير بلاد العرب ، وكذلك من الضروري التشكيك في الأحاديث المروية ، وأن يعمل بها كما يعمل بالقرآن من التحريف والترجمة والطعن .
            بريطانيا تجند رجال المخابرات لنسف الإسلام :
            لقد كان رائعا جداً ما وجدته في هذا الكتاب واسمه ( كيف نحطم الإسلام ) وكان أفضل برنامج لعملي فى المستقبل ، وقد قال لي السكرتير - حين أرجعت الكتاب إليه وأبديت إعجابى الشديد به – أعلم أنك لست في الميدان وحدك ، بل هنا جنود مخلصون يعملون نفس عملك ، والذين جندتهم الوزارة إلي الآن لهذه المهمة أكثر من خمسة آلاف شخص ، وتفكر الوزارة فى أن تزيد عددهم إلي مائة ألف ، ويوم وصلنا إلي تجنيد هذا العدد ، فأنه هو اليوم الذي نستولي فيه علي المسلمين كافة ونكون قد نسفنا الإسلام وبلاده نسفاً كاملاً .
            البلاد

            تعليق


            • #7
              ثم أردف السكرتير قائلاً : وإني أبشرك أن أقصي مدة تحتاجها الوزارة لتكميل هذه الخطة هى قرن من الزمان ، ولو لم نصل نحن إلي ذلك الزمان فإن أبناءنا سوف يرون ذلك بأم أعينهم وما أروع لمثل القائل ( غيري زرع فأكلت وأنا أزرع حتى يأكل غيرى ) .
              وإذ تمكنت ( سيدة البحار ) من نسف الإسلام والاستيلاء على بدلاه فقد ثأر العالم المسيحي من أتعاب أثني ِعشر قرناً كان المسلون يطاردون ويهاجمون المسيحيين .
              وقال السكرتير : إن الحروب الصليبية لم تكن ذات جدوى ، كما أن ( المغول ) لم ينفعوا في قلع جذور الإسلام لأن عملهم كان ارتجالاً بدون حكمة وتخطيط وكانوا يعملون أعمالا عسكرية ظاهرة العدوان ، ولذا فإنهم انحسروا بسرعة .
              أما الآن فقد أتجه تفكير القادة من حكومتنا العظمي إلي هدم الإسلام من داخله تحت خطة مدروسه دقيقه ، وبصبر طويل ونهائي .
              صحيح أنا نحتاج إلي الحسم العسكري أخيراً ، لكن الحسم العسكري سيأتي في المرحلة الأخيرة ، حيث نكون أنهكنا بلاد الإسلام وضربنا الإسلام بالمعاول في كل جوانبه حتى صار لا يقوى على تجميع قواه ورد الحرب بالمثل .
              ثم أردف السكرتير أيضاً أن عملائنا بالآستانة عملوا بنفس الخطة التي قررناها نحن ، فقد تغلغلوا في أوساط المسلمين ففتحوا المدارس لتربية أولادهم ، وأسسوا الكنائس في اوساطهم ، ونشروا بينهم الخمر والقمار والدعاوة ، وشككو شبابهم في دينهم ، وأثاروا بين حكوماتهم النزاعات ، وأشعلوا هنا وهناك بينهم الفتن وملأوا بيوت كبارهم بالحسناوات المسيحيات ، حتي ضعفت شكوكتهم ، وق تمسكهم بدينهم ، ووهنت وحدتهم وألفتهم ، وإذا بالعظماء يشنون عليهم حروبا عسكرية خاطفة فيقتلع الإسلام عن جذوره في تلك
              السر الثاني
              وثيقة أخري لتحطيم الإسلام والمسلمين
              أطلعنى السكرتير علي السر الثانى الذى وعدنى به ، وكنت متلفهاً له خصوصاً بعد أن ذفت طعم السر الأول ، ولم يكن السر الثاني إلا وثيقة في خمسين صفحة ، تتعرض للخطط الرامية إلى تحطيم الإسلام والمسلمين خلال قرن واحد ، حتى يكون الإسلام خبرا ، بعد حقيقة ، والوثيقة كانت موجهة إلى الرؤساء العاملين العاملين في حقل الوزارة لأجل هذا الشأن ، وهى كانت مركبة من بنود أربعة عشر ، وقد حذرت الوثيقة من إفشائها وأمرت بكتمانها أشد الكتمان لكي لا يطلع عليها المسلمون فيأخذون الخطط المضادة ، وحاصل الوثيقة هو :
              1- التعاون الأكيد مع قياصرة روسيا للاستيلاء علي المنطقة الإسلامية من بخاري ، وتاجكستان ، وأرمينيا ، وخراسان وما والاها ، وهكذا التعاون الأكيد معهم في الاستيلاء علي أطراف بلاد الترك المحاددة لروسيا .
              2- التعاون الأكيد مع فرنسا وروسيا في وضع خطة شاملة لتحطيم العالم الإسلامي من الداخل والخارج .
              3- إثارة النزاعات والخلافات الشديدة بين الدولتين التركية والفارسية ، وإذكاء الطائفة والعرقية بين الجانبين ، وإشعال النزاعات بين كل متجاورين من القبائل والشعوب الإسلامية ، وكذلك بين البلاد الإسلامية وأحياء المذاهب الدينية ، حتى البائدة منها – وإثارة النزاعات بينها .
              4- أعطاء قطع من البلاد الإسلامية بيد غير المسلمين ( فأولاً ) يثرب لليهود ( وثانياً ) الإسكندرية للمسيحيين ( وثالثاً ) يزد للزرادشت البارسيين ( ورابعاً ) عمارة للصابئة ( وخامساً ) كرمانشاه للذين يؤلهون علي بي ابي طالب ( وسادساً ) الموصل لليزيدية ( وسابعاً ) خليج فارس للهندوك بعد أن يستوردوا كميات كبيرة من الهند ( وثامناً ) طرابلس للدروز ( وتاسعا) قارض للعلويين ( وعاشراً ) مسقط للخوارج .
              ( ثم ) اللازم تقوية هؤلاء بالمال والسلاح والخطط والخبرة لتكون هذه الفئات أشواكاً في جسم الإسلام ، تم توسيع بلادها حتى تحطم كل البلاد الإسلامية .
              5- التخطيط لتبضيع حكومتى الإسلام التركية والفارسية إلي أكبر عدد ممكن من الحكومات المحلية الصغيرة المتنازعة – كما هو الحال ألان في الهند من قاعدة ( فرق تسد ) ( وفرق تحطم ) .
              6- زرع الأديان والمذاهب المزيفة في جسم بلاد الإسلام ، واللازم لذلك تخطيط دقيق يلائم كل دين من تلك الأديان مع هوى جمع من أهل البلاد ( مثلاً ) اللازم زرع أربعة أديان فى جسم بلاد الشيعة ، دين يؤله الحسين بن علي ، ودين يعبد جعفر الصادق ، ودين يعبد المهدي الموعود، ودين يعبد علي الرضا ، والمكان المناسب للأول ( كربلاء) والثاني ( أصفهان ) وللثالث ( سامراء ) وللرابع ( خراسان ) .
              كما أن اللازم جعل المذاهب الأربعة السنية أدياناً مستقلة لا ارتباط بعضها ببعض ، وإعادة الخلافات الدموية بينها ، والدس في كتبها حتى يري كل فئة منهم أنهم المسلمون فقط ، وأن ما عداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم .
              7- نشر الفساد بين المسلمين بالزنا ، واللواط ، والخمر ، والقمار ، وأفضل وسيلة لذلك هم أصحاب الأديان السابقة الباقية فى هذه البلاد ، فاللازم أن يكون منهم جيش كثيف لهذه الغاية .
              8- الاهتمام لزرع الحكام الفاسدين في البلاد بحيث يكونون آلة بيد الوزارة يأتمرون بأوامرها وينتهون عن زواجرها ، والضروري تسريب مآربنا عبرهم إلي البلاد , والي المسلمين ، وأن أمكن أن يكون الحاكم غير مسلم واقعاً فهو المفضل ، وعليه فمن الضروري أدخال أفراد في الإسلام صورة ثم إيصالهم إلي مراكز الحكم لتطبيق المآرب بواسطتهم .
              9- منع اللغة العربية حسب الإمكان ، وتوسيع اللغات غير العربية مثل ( السنسكريتية ) و ( البارسية ) ( والكردية ) و ( البشتو ) وإحياء اللغات الأصلية الدائرة في البلاد العربية ، وتوسيع نطاق اللهجات المحلية المتفرعة عن العربية ، والتي توجب قطع العرب عن اللغة الفصح التى هى لغة القرآن والسنة .
              10- زرع العملاء حول الحكام وإيصالهم إلي رتبه المستشارين لهم ، حتى يتسني للوزارة النفوذ فيهم عبر المستشارين ، ومن أفضل السبل لذلك العبيد والجواري ذووا الكفاءات العالية ، فاللازم تربية أولئك فى الوزارة ثم بيعهم في أسواق النخاسة إلي المقربين من الحكام ، كأولاد الحكام ، وزوجاتهم ، وذوي الرأى لديهم ، حتى يتقربوا إلي الحكام تدريجاً ، ويكونوا بعد ذلك أمهات الحكام ومستشاريهم فيحيطوا بهم كالسوار بالمعصم .
              11- توسيع نطاق التبشير بإدخال المبشرين في كل صنف خصوصاً المحاسبين والأطباء والمهندسين ومن إليهم ، وزرع الكنائس والمدارس ، والمصحات ودور الكتب ، والجمعيات الخيرية في عرض بلاد الإسلام وطولها ، ونشر ملايين الكتب المسيحية في أوساط المسلمين مجاناً وبلا عوض ، والاهتمام لوضع التاريخ المسيحى إلى جنب التاريخ الإسلامى ، وزرع الجواسيس والعملاء في الأديرة والصوامع باسم الرهبان والراهبات ، مهمتهم تسهيل الاتصالات والتحركات المسيحية واستطلاع حركات المسلمين وأوضاعهم وشئونهم كما أن اللازم تكوين جيش كثيف من العلماء من أجل تشويه تاريخ المسلمين والدس فى كتبهم ، بعد الإطلاع الكامل علي أحوالهم وأوضاعهم .
              12- تمييع شباب المسلمين بناتا وأولاداً وتشكيكهم في دينهم وتفسيد أخلاقهم عن طريق المدارس والكتب والنوادى والنشرات والأصدقاء من غير المسلمين يهيئون لهذا الشأن ، فمن الضرورى تكوين جميعات سرية من شباب اليهود والنصارى وغيرهما من أجل أن يكونوا مصائد لصيد شباب المسلمين بكل الطرق .
              13- إشعال الحروب والثورات الداخلي والحدودية بين المسلمين وغير المسلمين ، وبين المسلمين أنفسهم علي طول الزمان لتستنفد قوي المسلمين وتشغلهم عن التفكير في التقدم ، وتوحيد الصف ، ولتستنزف طاقاتهم الفكرية ومواردهم المالية ، وتفنى شبابهم وذوي النشاط منهم ، وتنشر الفوضى الإرباك والشغب فيهم .
              14- تحطيم كل أنواع اقتصادياتهم من مزارع ومعاش وتهديهم السدود ، وطمس الأنهر والسعي لتفشى البطالة فيهم بتنفيرهم عن العمل ، وفتح محلات للبطالة ، وتكثير مستعملى ( الأفيون ) وسائر المواد المخدرة .
              وقد كانت هذه البنود مشرحة شرحا وافياً ، ومزودة بالخرائط والصور والأشكال .




              الباب الخامس
              ابن عبد الوهاب ينفذ أوامر بريطانيا
              مستر همفر مع ابن عبد الوهاب :
              شكرت السكرتير علي تزويده لى بصورة من هذه الوثيقة وبقيت في لندن مدة شهر آ حتى أتتنا أوامر الوزارة بالتوجه إلي العراق مرة أخري ، لتكميل الشوط مع ( ابن عبد الوهاب ) وقد أمرنى السكرتير بأن لا أفرط في حقه مقدار ذره حيث قال : ( أنه حصل من مختلف التقارير الواردة إليه من العملاء أن الشيخ أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطيه لمآرب الوزارة ) .
              ثم قال السكرتير : تكلم مع الشيخ بصراحة ، وقال إن عميلنا في أصفهان تكلم معه بصراحة وقبل الشيخ العرض علي شرط أن نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لا بد وأن يهاجموه بكافة السبل حينما يبدي آراءه وأفكاره ، وأن نزوده بالمال الكافى والسلاح إذا أقتضى الأمر ذلك ، وأن نجعل له إمارة ولو صغيرة في أطراف بلاده ( نجد ) وقد قبلت الوزارة كل ذلك .

              المخطط البريطاني لابن عبد الوهاب
              لقد كر أخرج عن جلدى من شدة الفرح بهذا النبأ ، ثم قلت للسكرتير ؟ إذن فما هو العمل الآن ؟ وبماذا أكلف الشيخ ؟ ومن أين أبدأ قال السكرتير : لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لان ينفذها الشيخ وهي :
              1- تفكير كل المسلمين وإباحة قتلهم ، وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة ، وحلية جعلهم عبيداً ونسائهم جواري .
              2- هدم الكعبة باسم أنها آثار وثينة إن أمكن ، ومنع الناس عن الحج ، وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم .
              3- السعي لخلع طاعة الخليفة ، والإغراء لمحاربته وتجهيز جيوش لذلك ، ومن اللازم أيضاً محاربة ( أشراف الحجاز ) بكل الوسائل الممكنة ، والتقليل من نفوذهم .
              4- هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التى يمكن ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك ، والاستهانة بشخصية النبي ( محمد ) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسر .
              5- نشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه ذلك .
              6- نشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيضه.
              قال السكرتير لي بعدما بين البرنامج المذكور : لا يهولنك هذا البرنامج الضخم ،فإن الواجب علينا أن نبذر البذرة وستأتي الأجيال الآتية ليكملو المسيرة ، وقد أعتادت حكومة ببريطانيا العظمى علي النفس الطويل ، والسير خطوة خطوة ، وهل ( محمد ) النبى إلا رجل واحد تمكن من ذلك الانقلاب المذهل ؟ فليكن ( أبن عبد الوهاب ) مثل نبيه
              ( محمد ) ليتمكن من هذا الانقلاب المنشود .
              بعد أيام أستاذنت الوزير والسكرتير ، وودعت الأهل والأصدقاء ، وحين أردت الخروج قال ولدي الصغير : بابا أرجع بسرعة فانهمرت عيناي ، ولم أتمكن إخفاء ذلك عن زوجتي ، وقبلتنى قبلات حارة .
              مستر همفر يلتقى بابن عبد الوهاب فى نجد :
              غادرت لندن بعد أن أخذت التعليمات قاصداً نحو البصرة ، وبعد سفرة مضنية وصلت إليها ليلاً وذهبت إلي دار ( عبد الرضا ) وكان نائماً ، ولما رآني رجب بي واستقبلنى استقبالاً حاراً ونمت هناك حتى الصباح ، وقالي لي : أن الشيخ محمد رجع إلي البصرة ثم سافر وأودع عنده كتابا موجهاً إليك ، وفي الصباح قرأت الكتاب وإذا به يخبرنى فيه أنه سافر إلي نجد وقد ذكر عنوان محله فى ( نجد ) .
              فسافرت في الصباح ميمماً وجهة نجد ، ووصلتها بعد مشقة بالغة .
              وجدت الشيخ محمد فى داره ، وقد ظهرت عليه آثار الضعف ، فلم أبح له بشئ ثم تبين لى فيما بعد أنه تزوج ، وأنه ينهك قواه مع زوجته ، فنصحته بالإقلاع ، فسمع كلامي ، وقد صار القرار أن أجعل نفسي عبداً له قد اشتراه من السوق ، وأن العبد الآن جاء من السفر ، وهكذا كان ، فشهر عند أصدقائه أنى عبده اشتراه من البصرة وأنه كان في سفر أمره به وأنه جاء الآن ، وتلقانى الناس بهذا الاسم وبقيت عنده سنتين ، وهيأناً الترتيب اللازم لإظهار الدعوة .
              وفي سنة ( 1143) هجرتيه قويت عزيمته وقد جمع أنصاراً لا بأس بها ، فأظهر الدعوة بكلمات مبهمة وألفاظ مجملة لأخص خواصه .
              ثم جعل يوسع رقعة الدعوة ، وألففت أنا حوله عصابة شديدة المراس زودناهم بالمال ، وكنت أشد عزيمتهم كلما أصابهم خور من أجل مهاجمة أعدائه له ، وكلما أظهر الدعوة أكثر صار أعدؤه أكثر ، وأحياناً كان يريد التراجع من ضغط بعض الإشاعات ضده ، لكني كنت أشد من عزيمته ، وأقول له : وإن ( محمد النبي ) رأي أكثر من ذلك ، وإن هذا هو طريق المجد ، وإن كل مصلح لابد وأن يتلقى العنت والإرهاق .
              وهكذا كنا مع الأعداد بين الكر والفر ، وقد وضعت علي أعداء الشيخ جواسيس شريتهم بالمال ، فكلما أرادوا إثارة فتنه أخبرناً الجواسيس بقصدهم ، فنتمكن من قلب الخطة ، وذات مرة أخبرت أن أبعد أعدائه أرادوا اغتياله ، فوضعت الترتيبات اللازمة لإفشال الخطة ، ولما ظهر قصد أعدائه بإرادتهم اغتيال الشيخ انقلبت الخطة عليهم ، وأخذ الناس ينفرون منهم .

              ابن عبد الوهاب ينفذ أربعة بنود من المخطط :
              لقد وعدني ( الشيخ ) بتنفيذ كل الخطة السداسية ، إلا أنه قال : إنه لا يتمكن في الحال الحاضر إلا على الإجهار ببعضها، وهكذا كان ، وقد استبعد الشيخ أن يقدر علي (هدم الكعبة) عند الاستيلاء عليها ، كما يبح عند الناس بأنها وثنية ، وكذلك استبعد قدرته علي صياغة قرآن جديد وكان أشد خوفه من السلطة في ( مكة ) وفي ( الاستانة ) وكان يقول إذا اظهرنا هذين الأمرين لابد وأن يجهز إلينا جيوش لا قبل لنا بها ، وقبلت منه العذر لأن الأجواء لم تكن مهيئة كما قال الشيخ .
              بعد سنوات من العمل تمكنت الوزارة من جلب ( محمد بن سعود ) إلي جانبنا فارسلوا إلي رسولاً يبين لي ذلك ويظهر وجوب التعاون بين ( المسلمين ) فمن محمد بن عبد الوهاب الدين ومن محمد بن سعود السلطة ، ليستولوا علي قلوب الناس وأجسادهم فإن التاريخ قد أثب أن الحكومات الدينية أكثر دواماً وأشد نفوذاً وأرهب جانباً
              وهكذا كان ، وبذلك قو جانبناً قوة كبيرة وقد اتخذنا ( الدرعية ) عاصمة للحكم (والدين الجديد ) وكانت الوزارة تزود الحكومة الجديدة سراً بالمال الكافي ، كما اشترت الحكومة الجديدة في الظاهر عدة من العبيد كانوا من خيرة ضباط الوزارة الذين دربوا على اللغة العربية والحروب والصحراوية ، فكنت أنا وإياهم – وعددهم أحد عشر – نتعاون بوضع الخطط اللازمة ، كان ( المحمدان ) (1) يسيران علي ما نضع لهما من المخطط ، وكثيراً ما نتناقش الأمر مناقشة موضوعية إذا لم يكن أمر خاص من الوزارة .
              وقد تزوجنا جميعا من بنات العشائر ، وقد أعجبنا بإخلاص المرأة المسلمة لزوجها وبذلك اشتبكت أواصر الصلة بيننا وبين العشائر أكثر فأكثر ، والأمر الآن يسير من حسن إلي أحسن ، والمركزية تتقوى يوماً بعد يوم وإذا لم تقع كارثة مفاجئة فقد بذرت البذرة الصالحة لأن تنمو وتنمو حتى تؤتى الثمار المطلوبة .

              انتهى

              منقول
              التعديل الأخير تم بواسطة حاج عمران; الساعة 17-05-14, 11:56 PM.

              تعليق

              يعمل...
              X