بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آله الطيبين الطاهرين الحجج الهادين المهديين الصافون المسبحون وألعن أعدائهم و عجل فرجهم وسلمنا بهم يا كريم
الإخوة الطيبين في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله السلام عليكم و رحمة الله
هذا بحث مختصر سأحاول فيه أن أفرق بين لفظتي المشاهدة و الرؤية ، والتي طالما تم خلطهما ببعض كالفظ وكدلالة .
أعني بالخلط هنا ، الخلط المصداقي للدلالة ، فكثير ما نسمع و نقرأ أن فلان الفلاني رأى الإمام الحجة نفسي لتراب مقدمه الفداء و أقل الفداء ، وأن الشيخ الفلاني تشرف بلقاء الحجة و المرجع الفلاني أخذ تعليماته من الحجة و أن آية الله الفلاني لم يكن كذلك لولا فيوضات الإمام الحجة وهكذا وهلم جرا .
ولكن هل كل ما يقال يصدق ويأخذ بالتسليم ولا يناقش ، أم أن ما نسمع و نقرأ يمكن تصنيفه ضمن دائرة الأخذ و الرد و النقد الموضوعي .
حقيقة كثيرا ما ينالني العجب حينما أجد من يعرتض على من ينقد مثل هذه القصص وهذا المعترض نفسه يدعي الموضوعية و هو من جماعة من يقولون نحن أصحاب الدليل حيث ما مال نميل وتراهم يتفاخرون بأن ثلاثة أرباع كتاب الكافي لا يأخذون به لأن فيه الضعيف و المرسل و غيره ، ولكن حينما يمرون على مثل هذه القصص و الأخبار يأخذونها أخذ المسلم ، ويطبقون قول الأئمة حول التسليم لما ورد عليهم في هذه الأخبار غير المعصومة و المشكوك فيها ، ولكن حينما يقرأون الرواية يردوها لأن فيها فلان مجهول و غير موثوق أو منحرف أو .... ، وهذه مفارقة واضحة ، إذ كيف يسلمون لخبر غير المعصوم ولكن إن أتاهم عن المعصوم خبر أدعوا الموضوعية و عكفوا على نقده رجاليا فقط ذاك اللاعلم الذي لم ينزل الله به من سلطان و تركوا أمر رسول الله في عرض الحديث على السنة والقرآن و أكتفى صلى الله عليه و آله بشاهد واحد فقط ولم يكلف أمته أكثر من ذلك ولم يشرط لهم نوعية الشاهد من ضعف و توسط و قوة بل بما يستطيع المرء من قدرة النظر في أمر رسول الله صلى الله عليه و آله .
هنا يأتي مدار بحثنا الذي يدور حول لفظتي الرؤية و المشاهدة التي تم خلطهما ببعض ، حتى أدعى من أدعى أنه شاهد ولكنه رأى ولم يشاهد .
إن لفظة المشاهدة عميقة في دلالتها قصدية في لفظها ، لا يمكن لأحد أن يطلق هذه اللفظة على غير مصداقها ولهذا جاء التوقيع الشريف :
وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر .
وقد أدخل هذا التوقيع الكثير من الباحثين في وهم وخلط حتى صرح البعض أنه إن كان هذا التوقيع صحيح الصدور فيعني ذلك أن كل من ألتقى بالإمام هو كذاب مفتر ، وهذا يدخلنا في إلغاء الكثير من القصص حول ذلك مع العلم أن فيمن نقل القصص ثقة مأمون من الصعب إحاطته بالكذب كالشيخ المفيد وغيره ابن مهزيار و غيرهم .
بل ويتعارض الفهم من تواقيع أخرى يصرح فيها صلوات الله عليه أن التشرف بلقاءة يتم عبر أمور معينة إن تم العمل بها يمكن لصاحب العمل أن يلتقي به عجل الله فرجه الشريف .
هنا وجب الوقوف على هذه اللفظة لكي نعلم ما دلالتها لكي لا يتم الخلط فيما بينها و بين لفظة الرؤية .
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً [النساء : 41]
وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد : 43]
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة : 17]
كل هذه الآيات و غيرها تدل دلالة واضحة على أن المعنى من المشاهدة و الشهادة و الشهيد هو معنى مختلف عن الرؤية ولا يمكن في حال من الآحوال أن يتم الخلط بينهما و أو يقال أن الرؤية مرادفة للمشاهدة أو المشاهدة مرادفة للرؤية هذا غير أن الترادف به ما به من كلام حول تطبيقه على اللغة بشك عام و على القرآن و السنة بشكل خاص بل إن الترادف في كلام المولى و الأولياء يعني بالخصوص العبث و التناقض وهذا باب لا أود الدخول إليه الآن فإنه يحتاج إلى كتاب بحد ذاته .
إن الجذر الأولي للفظة شهد ومشتقاتها تعني على ما يقتبس من الآيات و الروايات التالي :
إنها تعني الإطلاع على حقيقة الشيء و الوقوف على كنهها و الإحاطة بتفاصيلها ومعرفة باطنها و ظاهرها و الإحتواء على مجرياتها السابقة و الآنية في حالها و أستقبالها ، بل ومعرفة ما تأول إليه هذه الحقيقة وما هي حكمتها .
وهذا المعنى ستجده شاخصا أمامك في حال رجعت إلى الآيات السابقة و قرأتها بلحاظ هذا المعنى ، بل ستتيقن أن لا شيء أقرب إلى معنى اللفظة مهذا المعنى .
فمثلاً الآية الكريمة :
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً [النساء : 41]
فالرسول الأعظم صلى الله عليه و آله يعلم علما إحاطيا و ظاهريا و باطنيا بهؤلاء وكذلك الذين تضمنتهم الآية بمركب ( من كل أمة بشهيد ) فهؤلاء هم الرسل و الأنبياء وكذلك هم أحاطو بقومهم إحاطة كلية ، فلا يمكن أن يكونوا شهداء عليهم وهم لا يعلمون من هم أو يعلمون من هم ولكن ليس لديهم الإحاطة الكلية على ما قاموا به من معصية ، ولذا تجد هذه الآية موافقة لهذه الآية :
[color="rgb(0, 100, 0)"]إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً [المزّمِّل : 15]
[/color]وكذلك إذا جئت لهذه الآية فستجدها عين ما عني بدلالة اللفظة :
[color="rgb(0, 100, 0)"]مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة : 17]
[/color]فهؤلاء المشركين شاهدين على ما يعلمون و يحطون بما في قلوبهم و حقيقتهم من الكفر والنفس أدرى بما فيها ، أليس كذلك .
ولهذا حينما تقرأ الآية الكريمة :
[color="rgb(0, 100, 0)"]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
[/color]ستعلما أن شهر رمضان يشهد ولا يرى ، حيث المسلم حينما يشهج شهر رمضان فهو يصومه وهو ملما بكل أحكامه و شروطه وكل ما ينبغي عليه معرفته حول هذا الشهر المبارك لصيامه وقيامه .
أما إذا جئنا إلى الرؤية وجذرها الأولي رأى وهو ما ذكر في الآيات التالية :
[color="rgb(0, 100, 0)"]
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام : 76]
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ [هود : 70]
وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ [النحل : 86]
إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه : 10][/color]
فأنت تجد أن إبراهيم عليه السلام لم يكن يعلم علما إحاطيا بهذا الكوكب حينما رءآه ولكن تلقاه من ربها بعد ذلك .
وكذلك هو سلام الله ليه لم يكن يعرف ضيفه حينما رأى أيديهم فرؤيته هنا رؤية سطحية ظاهرية ليست إحاطية .
وكذلك الذين أشركوا حينما راوا شركائهم فهم لم يعفوا كنههم بعد فقد أضلوهم وهم لا يشعرون .
فمما سبق نعلم أن الرؤية لا تعني الإحاطة بكنه الشيء ولا حتى معرفة التفاصيل الخارجية بدقة ، فهي لا تتعدى الرؤية الخارجية الظاهرية البسيطة التي يعرف المرء أن يفرق بينه وبين رؤية شيء آخر لا أقل ولا أكثر .
وبعد هذه المقدمة القصيرة نستطيع القول أن رؤية الحجة هي غير مشاهدته بل إن المشاهدة لا يمكن أن تتحقق إلا بعد إحقاق الحق و إزهاق الباطل و هو وقت الخروج وبعد إزالة الظلم وملئ الأرض نورا و عدلاً ، وحتى في هذه الحالة لا يتسمى للكل المشاهدة ما عدى الشيعة فقط .
حينما نقول أن فلانا رأى الإمام و ألتقى به ستعلم أن الرؤية هي عادة ما تأتي خاطفة وغير ملاحظة للرائي من حيث حيثيات الرؤية العادية ، حيث نقرأ ونسمع قصص اللقاء أن الاقي لا يعلم أن من رآه هو الإمام إلا بعد أن يذهب عنه ، بل وقد لا يعلم إلا أن يلقى إليه إلهاما أن الذي رآه هو الإمام صلوات الله عليه وهذا ما تراه شاخصا حين قراءتك لروايات اللقاء .
ولكن
حينما نقرأ و نسمع أن الشيخ الفلاني و العلامة الفلاني و المرجع الفلاني قد رأى الإمام بل وعرفه و دار بينهما حوار بل وتكرر القاء وأحيانا تقرأ و تسمع أن الإمام شكره على ما قام به من كتابة الكتاب الذي ألفه و القضية التي حلها والفتيا التي أفتاها ، وبارك له على ما قام به من أمور تخدم الدين ، وعليه فإن هذا اللقاء يعني في مقامه أن هذه الشخصية التي تباركت وتشرفت باللقاء قد ضمنت الوثوقية و الحجية بعد اللقاء أي أصبح له شأن وكان ممن تسمع كلمته بل وتعادها البعض أن كل ما يقوله يجب أن يسلم به على أنه نائباً للإمام في الأحكام الشرعية بل و يتعدى البعض هذا الحد إلى الوصول إلى أن هذا الشخص قد أصبحت له بعد ولاية عامة على المسلمين وهذا ما يسمى بولاية الفقيه ، فكيف لا وغيره لم يلتقي به وأصبحت له هذه الولاية و أصبح نائبا عاما للإمام وذلك لأنه وصل إلى مرحلة من الدراسة الأكاديمية الحوزوية التي تؤهله لأن يستلم رقاب الناس ويأمرهم و ينهاهم بما شاء بلا رادع ولا معترض ولا منتقد .
الآن نأتي إلى هذا الملتقي هل هو شاهد أم رائي .
بطبيعة الحال إذا طبقنا التعريفين السابقين للفظتين يتبين لنا أن كل هذه الأصناف التي ألتقت بالإمام صلوات الله عليه ما هي إلا من الصنف الثاني أي أنها رأت الإمام ولم تشاهده ، وذلك لسببين :
الأول : بحكم عدم تطابق اللفظة في الرائي .
الثاني : بحكم خروج التوقيع الشريف في الإستحالة المطلقة في أن يشاهد الإمام ، وهذا من ضمن القرائن التي تثبت صحة التوقيع ، وذلك لأنا عرضناها على القرآن فتبين أنها متفقة مع التوقيع في أكثر من قرينة .
إذا على ما أقتبس من الآيات وما أستنتج منها يتبين أن لا خاصية لهذا الرائي للإمام سوى أنه تشرف بالقاء وهذا شيء راجع له فقط أما الوثوقية فلا تثبت له حتى يخرج التوقيع بوثوقيته ، أما حجيته فلا حجة بعد الحجة إلا إذا دخل من ضمن رواة حديثهم فقط بشرط أن يدخل ما ليس في الدين في الدين ودعي الناس إلى قوله و قول غيره و يصدقه في كل ما قال فهذا ما يسمى بالرياسة وهي مهلكة ومبعدة عن رضا الأرباب ورب الأرباب .
أما من جهة الأخبار و القصص التي وردتنا بأن الحجة صلوات الله عليه كانت له مراسلات و لقاءات مع علماء و فقهاء وغيرهم فلا يمكن أن نصدق كل ما جاء عنها حتى معرضها على الكتاب و السنة فإن وجدنا قرائن متوافقة معها و متوازنة و متوازية نظاميا معها بحيث لا يحصل تعارض بينها قبلنا بها وإلا رددناها إلى أهلها .
هذا وصلى الله على محمد و آله الأئمة الميامين وسلم تسليما كثيرا .
اللهم صل على محمد و آله الطيبين الطاهرين الحجج الهادين المهديين الصافون المسبحون وألعن أعدائهم و عجل فرجهم وسلمنا بهم يا كريم
الرؤية و المشاهدة
الإخوة الطيبين في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله السلام عليكم و رحمة الله
هذا بحث مختصر سأحاول فيه أن أفرق بين لفظتي المشاهدة و الرؤية ، والتي طالما تم خلطهما ببعض كالفظ وكدلالة .
أعني بالخلط هنا ، الخلط المصداقي للدلالة ، فكثير ما نسمع و نقرأ أن فلان الفلاني رأى الإمام الحجة نفسي لتراب مقدمه الفداء و أقل الفداء ، وأن الشيخ الفلاني تشرف بلقاء الحجة و المرجع الفلاني أخذ تعليماته من الحجة و أن آية الله الفلاني لم يكن كذلك لولا فيوضات الإمام الحجة وهكذا وهلم جرا .
ولكن هل كل ما يقال يصدق ويأخذ بالتسليم ولا يناقش ، أم أن ما نسمع و نقرأ يمكن تصنيفه ضمن دائرة الأخذ و الرد و النقد الموضوعي .
حقيقة كثيرا ما ينالني العجب حينما أجد من يعرتض على من ينقد مثل هذه القصص وهذا المعترض نفسه يدعي الموضوعية و هو من جماعة من يقولون نحن أصحاب الدليل حيث ما مال نميل وتراهم يتفاخرون بأن ثلاثة أرباع كتاب الكافي لا يأخذون به لأن فيه الضعيف و المرسل و غيره ، ولكن حينما يمرون على مثل هذه القصص و الأخبار يأخذونها أخذ المسلم ، ويطبقون قول الأئمة حول التسليم لما ورد عليهم في هذه الأخبار غير المعصومة و المشكوك فيها ، ولكن حينما يقرأون الرواية يردوها لأن فيها فلان مجهول و غير موثوق أو منحرف أو .... ، وهذه مفارقة واضحة ، إذ كيف يسلمون لخبر غير المعصوم ولكن إن أتاهم عن المعصوم خبر أدعوا الموضوعية و عكفوا على نقده رجاليا فقط ذاك اللاعلم الذي لم ينزل الله به من سلطان و تركوا أمر رسول الله في عرض الحديث على السنة والقرآن و أكتفى صلى الله عليه و آله بشاهد واحد فقط ولم يكلف أمته أكثر من ذلك ولم يشرط لهم نوعية الشاهد من ضعف و توسط و قوة بل بما يستطيع المرء من قدرة النظر في أمر رسول الله صلى الله عليه و آله .
هنا يأتي مدار بحثنا الذي يدور حول لفظتي الرؤية و المشاهدة التي تم خلطهما ببعض ، حتى أدعى من أدعى أنه شاهد ولكنه رأى ولم يشاهد .
إن لفظة المشاهدة عميقة في دلالتها قصدية في لفظها ، لا يمكن لأحد أن يطلق هذه اللفظة على غير مصداقها ولهذا جاء التوقيع الشريف :
وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر .
وقد أدخل هذا التوقيع الكثير من الباحثين في وهم وخلط حتى صرح البعض أنه إن كان هذا التوقيع صحيح الصدور فيعني ذلك أن كل من ألتقى بالإمام هو كذاب مفتر ، وهذا يدخلنا في إلغاء الكثير من القصص حول ذلك مع العلم أن فيمن نقل القصص ثقة مأمون من الصعب إحاطته بالكذب كالشيخ المفيد وغيره ابن مهزيار و غيرهم .
بل ويتعارض الفهم من تواقيع أخرى يصرح فيها صلوات الله عليه أن التشرف بلقاءة يتم عبر أمور معينة إن تم العمل بها يمكن لصاحب العمل أن يلتقي به عجل الله فرجه الشريف .
هنا وجب الوقوف على هذه اللفظة لكي نعلم ما دلالتها لكي لا يتم الخلط فيما بينها و بين لفظة الرؤية .
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً [النساء : 41]
وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد : 43]
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة : 17]
كل هذه الآيات و غيرها تدل دلالة واضحة على أن المعنى من المشاهدة و الشهادة و الشهيد هو معنى مختلف عن الرؤية ولا يمكن في حال من الآحوال أن يتم الخلط بينهما و أو يقال أن الرؤية مرادفة للمشاهدة أو المشاهدة مرادفة للرؤية هذا غير أن الترادف به ما به من كلام حول تطبيقه على اللغة بشك عام و على القرآن و السنة بشكل خاص بل إن الترادف في كلام المولى و الأولياء يعني بالخصوص العبث و التناقض وهذا باب لا أود الدخول إليه الآن فإنه يحتاج إلى كتاب بحد ذاته .
إن الجذر الأولي للفظة شهد ومشتقاتها تعني على ما يقتبس من الآيات و الروايات التالي :
إنها تعني الإطلاع على حقيقة الشيء و الوقوف على كنهها و الإحاطة بتفاصيلها ومعرفة باطنها و ظاهرها و الإحتواء على مجرياتها السابقة و الآنية في حالها و أستقبالها ، بل ومعرفة ما تأول إليه هذه الحقيقة وما هي حكمتها .
وهذا المعنى ستجده شاخصا أمامك في حال رجعت إلى الآيات السابقة و قرأتها بلحاظ هذا المعنى ، بل ستتيقن أن لا شيء أقرب إلى معنى اللفظة مهذا المعنى .
فمثلاً الآية الكريمة :
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً [النساء : 41]
فالرسول الأعظم صلى الله عليه و آله يعلم علما إحاطيا و ظاهريا و باطنيا بهؤلاء وكذلك الذين تضمنتهم الآية بمركب ( من كل أمة بشهيد ) فهؤلاء هم الرسل و الأنبياء وكذلك هم أحاطو بقومهم إحاطة كلية ، فلا يمكن أن يكونوا شهداء عليهم وهم لا يعلمون من هم أو يعلمون من هم ولكن ليس لديهم الإحاطة الكلية على ما قاموا به من معصية ، ولذا تجد هذه الآية موافقة لهذه الآية :
[color="rgb(0, 100, 0)"]إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً [المزّمِّل : 15]
[/color]وكذلك إذا جئت لهذه الآية فستجدها عين ما عني بدلالة اللفظة :
[color="rgb(0, 100, 0)"]مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة : 17]
[/color]فهؤلاء المشركين شاهدين على ما يعلمون و يحطون بما في قلوبهم و حقيقتهم من الكفر والنفس أدرى بما فيها ، أليس كذلك .
ولهذا حينما تقرأ الآية الكريمة :
[color="rgb(0, 100, 0)"]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
[/color]ستعلما أن شهر رمضان يشهد ولا يرى ، حيث المسلم حينما يشهج شهر رمضان فهو يصومه وهو ملما بكل أحكامه و شروطه وكل ما ينبغي عليه معرفته حول هذا الشهر المبارك لصيامه وقيامه .
أما إذا جئنا إلى الرؤية وجذرها الأولي رأى وهو ما ذكر في الآيات التالية :
[color="rgb(0, 100, 0)"]
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام : 76]
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ [هود : 70]
وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ [النحل : 86]
إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه : 10][/color]
فأنت تجد أن إبراهيم عليه السلام لم يكن يعلم علما إحاطيا بهذا الكوكب حينما رءآه ولكن تلقاه من ربها بعد ذلك .
وكذلك هو سلام الله ليه لم يكن يعرف ضيفه حينما رأى أيديهم فرؤيته هنا رؤية سطحية ظاهرية ليست إحاطية .
وكذلك الذين أشركوا حينما راوا شركائهم فهم لم يعفوا كنههم بعد فقد أضلوهم وهم لا يشعرون .
فمما سبق نعلم أن الرؤية لا تعني الإحاطة بكنه الشيء ولا حتى معرفة التفاصيل الخارجية بدقة ، فهي لا تتعدى الرؤية الخارجية الظاهرية البسيطة التي يعرف المرء أن يفرق بينه وبين رؤية شيء آخر لا أقل ولا أكثر .
وبعد هذه المقدمة القصيرة نستطيع القول أن رؤية الحجة هي غير مشاهدته بل إن المشاهدة لا يمكن أن تتحقق إلا بعد إحقاق الحق و إزهاق الباطل و هو وقت الخروج وبعد إزالة الظلم وملئ الأرض نورا و عدلاً ، وحتى في هذه الحالة لا يتسمى للكل المشاهدة ما عدى الشيعة فقط .
حينما نقول أن فلانا رأى الإمام و ألتقى به ستعلم أن الرؤية هي عادة ما تأتي خاطفة وغير ملاحظة للرائي من حيث حيثيات الرؤية العادية ، حيث نقرأ ونسمع قصص اللقاء أن الاقي لا يعلم أن من رآه هو الإمام إلا بعد أن يذهب عنه ، بل وقد لا يعلم إلا أن يلقى إليه إلهاما أن الذي رآه هو الإمام صلوات الله عليه وهذا ما تراه شاخصا حين قراءتك لروايات اللقاء .
ولكن
حينما نقرأ و نسمع أن الشيخ الفلاني و العلامة الفلاني و المرجع الفلاني قد رأى الإمام بل وعرفه و دار بينهما حوار بل وتكرر القاء وأحيانا تقرأ و تسمع أن الإمام شكره على ما قام به من كتابة الكتاب الذي ألفه و القضية التي حلها والفتيا التي أفتاها ، وبارك له على ما قام به من أمور تخدم الدين ، وعليه فإن هذا اللقاء يعني في مقامه أن هذه الشخصية التي تباركت وتشرفت باللقاء قد ضمنت الوثوقية و الحجية بعد اللقاء أي أصبح له شأن وكان ممن تسمع كلمته بل وتعادها البعض أن كل ما يقوله يجب أن يسلم به على أنه نائباً للإمام في الأحكام الشرعية بل و يتعدى البعض هذا الحد إلى الوصول إلى أن هذا الشخص قد أصبحت له بعد ولاية عامة على المسلمين وهذا ما يسمى بولاية الفقيه ، فكيف لا وغيره لم يلتقي به وأصبحت له هذه الولاية و أصبح نائبا عاما للإمام وذلك لأنه وصل إلى مرحلة من الدراسة الأكاديمية الحوزوية التي تؤهله لأن يستلم رقاب الناس ويأمرهم و ينهاهم بما شاء بلا رادع ولا معترض ولا منتقد .
الآن نأتي إلى هذا الملتقي هل هو شاهد أم رائي .
بطبيعة الحال إذا طبقنا التعريفين السابقين للفظتين يتبين لنا أن كل هذه الأصناف التي ألتقت بالإمام صلوات الله عليه ما هي إلا من الصنف الثاني أي أنها رأت الإمام ولم تشاهده ، وذلك لسببين :
الأول : بحكم عدم تطابق اللفظة في الرائي .
الثاني : بحكم خروج التوقيع الشريف في الإستحالة المطلقة في أن يشاهد الإمام ، وهذا من ضمن القرائن التي تثبت صحة التوقيع ، وذلك لأنا عرضناها على القرآن فتبين أنها متفقة مع التوقيع في أكثر من قرينة .
إذا على ما أقتبس من الآيات وما أستنتج منها يتبين أن لا خاصية لهذا الرائي للإمام سوى أنه تشرف بالقاء وهذا شيء راجع له فقط أما الوثوقية فلا تثبت له حتى يخرج التوقيع بوثوقيته ، أما حجيته فلا حجة بعد الحجة إلا إذا دخل من ضمن رواة حديثهم فقط بشرط أن يدخل ما ليس في الدين في الدين ودعي الناس إلى قوله و قول غيره و يصدقه في كل ما قال فهذا ما يسمى بالرياسة وهي مهلكة ومبعدة عن رضا الأرباب ورب الأرباب .
أما من جهة الأخبار و القصص التي وردتنا بأن الحجة صلوات الله عليه كانت له مراسلات و لقاءات مع علماء و فقهاء وغيرهم فلا يمكن أن نصدق كل ما جاء عنها حتى معرضها على الكتاب و السنة فإن وجدنا قرائن متوافقة معها و متوازنة و متوازية نظاميا معها بحيث لا يحصل تعارض بينها قبلنا بها وإلا رددناها إلى أهلها .
هذا وصلى الله على محمد و آله الأئمة الميامين وسلم تسليما كثيرا .
تعليق