بسم الله الرحمن الرحيم
سوف نقوم بعد التوكل على الله مناقشة جميع الأدلة القرآنية والروائية التي احتج بها جميع الأخوة الذين يوجبون التقليد بالاعتماد على القرآن والروايات المعصومة وبدون الركون إلى التعصب أو هوى النفس الأمارة بالسوء ، وليعلم الجميع إن ذلك نقاش من أجل الوصول إلى الحقيقة :
أدلة التقليد القرآنية :
1) احتج بعض الأخوة في هذه الآية بأنها دليل على وجوب التقليد وهي قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)
أقول: إن الآية المباركة ليس لها مدخلية بوجوب التقليد لا من بعيد ولا من قريب وهي من الآيات الخاصة بالنبي والإمام ، وكلمة (ليتفقهوا ) الواردة في الآية الكريمة لا تعني على الإطلاق بالفقه المتعارف لدينا ، انظر إلى قول العلامة صاحب الميزان ماذا يقول ((تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 9 - ص 404 ومعنى الآية لا يجوز لمؤمني البلاد إن يخرجوا إلى الجهاد جميعا فهلا نفر وخرج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم ولينذروا بنشر معارف الدين وذكر آثار المخالفة لأصوله وفروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلهم يحذرون ويتقون . ومن هنا يظهر أولا : إن المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول وفروع لا خصوص الأحكام العملية وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة ، والدليل عليه قوله : ( لينذروا قومهم ) فإن ذلك أمر إنما يتم بالتفقه في جميع الدين وهو ظاهر)) ،
ثم انظروا ماذا يقولون أهل بيت نبيكم في خصوص هذه الآية المباركة :
تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 1 - ص 304 - 307
حدثني أبي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام ..... وقوله ( ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) يعني إذا بلغهم وفاة الإمام يجب أن يخرج من كل بلاد فرقة من الناس ولا يخرجوا كلهم كافة ولم يفرض الله أن يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الإمام ولكن يخرج طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم ( لعلهم يحذرون ) كي يعرفوا اليقين ،
التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 2 - ص 388 - 389
. وفي الكافي : قيل للصادق عليه السلام : إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس ؟ فقال : أين قول الله عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة ) الآية ، قال : قلت : فما حالهم ؟ قال : هم في عذر ما داموا في الطلب ، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم ،
تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 - ص 540 - 541
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن بريد بن معاوية عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلحك الله بلغنا شكواك واشفقنا فلو أعلمتنا أو علمتنا من ؟ فقال : إن عليا عليه السلام كان عالما والعلم يتوارث ، فلا يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله ، قلت أفيسع الناس إذا مات العالم إن لا يعرفوا الذي بعده ؟ فقال أما أهل هذه البلدة فلا - يعنى المدينة - واما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم إن الله يقول ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) قال قلت أرأيت من مات في ذلك ؟ فقال هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله ، إذن الآية لا تعتبر دليل من أدلة وجوب التقليد .
2) احتج بعض الأخوة بهذه الآية في وجوب التقليد وهي قوله تعالى (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون)
وكما هو واضح كالشمس في رابعة النهار إن الذي يهدي إلى الحق ليس له علاقة بمرجع التقليد بل هو خاص بالإمام واجب العصمة في كل زمان ومكان وليس فيه وجه عموم ، لأن الذي يهدي إلى الحق لازمه أن يكون مهتديا بنفسه _ كما تقرر الآية المباركة _ وإلا لو كان مهتديا بغيره فكيف يكون هاديا لغيره وهذه الصفة غير موجودة إطلاقا في دائرة جائزي الخطأ بل هي موجودة فقط عند دائرة واجبي العصمة ( عليهم السلام ) ، فمرجع التقليد مهتديا بغيره فلا يكون هاديا إلى الحق البتة إلا أن يكون مهتديا بنفسه وهو غير ممكن في دائرة جائزي الخطأ فإذا كان المؤخر باطل فالمقدم مثله ، فكيف يأمر الله سبحانه وتعالى بتقليد شخص ما ليس مهتديا بنفسه فهذا تناقض صريح مع حقيقة الآية المباركة ، انظر إلى العلامة صاحب الميزان كيف قرر هذه النتيجة من هذه الآية المباركة ((تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 273 – 274 وقد قال الله تعالى : أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي ) يونس - 35 . وقد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق وبين غير المهتدي إلا بغيره ، أعني المهتدي بغيره ، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتديا بنفسه ، أن المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحق البتة )) ، ثم انظر إلى هذه الرواية بدقة :
الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 249
عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لقد قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقضية ما قضى بها أحد كان قبله وكانت أول قضية قضى بها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضي الأمر إلى أبي بكر أتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : أشربت الخمر ؟ فقال الرجل : نعم ، فقال : ولم شربتها وهي محرمة ؟ فقال : إنني لما أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ولو أعلم أنها حرام فأجتنبها قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبو الحسن لها فقال أبو بكر : يا غلام ادع لنا عليا قال عمر : بل يؤتى الحكم في منزله فأتوه ومعه سلمان الفارسي فأخبره بقصة الرجل فاقتص عليه قصته فقال علي عليه السلام لأبي بكر : ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه فإن لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه ففعل أبو بكر بالرجل ما قال علي عليه السلام فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله فقال سلمان لعلي عليه السلام : لقد أرشدتهم فقال علي عليه السلام : إنما أردت أن اجدد تأكيد هذه الآية في وفيهم " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون "
انظر عزيزي كيف احتج أمير المؤمنين (ع) بهذه الآية المباركة لسلمان وخصصها لنفسه فهو المهتدي بنفسه ولم يدخل معه حتى سلمان الفارسي وهو العالم المتبحر والفقيه .
3) احتج بعض الأخوة في هذه الآية على أساس إنها من أدلة وجوب التقليد وهي قوله تعالى ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل: من الآية43) ، إن المتصفح لروايات أهل البيت (عليهم السلام) يجد بدون أي جهد إن هذه الآية المباركة مختصة بدائرة أهل البيت بدون منازع فهي من آيات الاختصاص وليس فيها عموم ، وأكتفي برواية واحدة في الكافي وإلا هناك العشرات التي تدلل على هذه الحقيقة ((الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 210 ،الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ، عن علي بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " قال : الذكر محمد صلى الله عليه وآله ونحن أهله المسؤولون ، قال : قلت : قوله : " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " قال : إيانا عنى ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون)) ، وربما احتج البعض بقوله إن أهل الذكر مصداقه الأوضح أهل البيت ولا مانع من أن يتعدى المصداق إلى غيرهم : أقول : إن آيات الاختصاص ليس لها إلا مصداق واحد فهي منحصرة في دائرة أهل العصمة والدليل على ذلك قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(الزمر: من الآية9) ، انظر إلى هذه الآية بدقة كيف يفسرها الإمام الصادق(ع) إلى أبو بصير في هذه الرواية ((الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 35 : يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه فقال عز وجل : " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون و شيعتنا هم أولوا الألباب)) ، انظر عزيزي إن الإمام الصادق(ع) أين وضع الشيعة عموما فهم من ألوا الألباب وليس من الذين يعلمون حتى أبو بصير وهو العالم في الفقه لم يدخله الإمام إلا من ألوا الألباب .
4) وأخيرا أريد أن أغلق باب الأدلة القرآنية بهذه الآية المباركة وهي قوله تعالى(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) ، هنا توجد ضابطة مهمة وضعها القرآن الكريم وهي إن أحكام القرآن الكريم هي واحدة وليست مختلفة ، فإذا وجد الاختلاف بالأحكام تكون النتيجة هي ليست من القرآن ، أليست هذه الضابطة موجودة في هذه الآية الكريمة ؟؟؟ وهنا اسمحوا لي أن أسأل هذا السؤال ، هل إن الأحكام التي تصدر من مراجعنا الكبار واحدة أم مختلفة ؟؟؟ إذا كانت واحدة فهي من القرآن والسنة ، وإذا كانت مختلفة فهي من غير القرآن أليست هذه الحقيقة تقررها الآية المباركة ؟؟؟ ولكي أقرب المطلب أكثر أضرب هذا المثال البسيط ، الشمس من المطهرات أم من غير المطهرات ؟ قسم من الفقهاء قال إنها من المطهرات وقسم آخر لم يجعلها من المطهرات ، أقول إن الحكم القرآني الحقيقي واحد أم متعدد ؟؟ مما لا شك انه واحد وليس متعدد لأنه إذا كان متعدد تناقض مع الآية السابقة فلا بد من أن يكون واحدا وليس متعدد ، كم اختلف الفقهاء في حكم مسألة واحدة ، فلا بد أن يكون المصيب هو واحد والآخرون مخطئون ، أليس كذلك؟؟ ثم كيف يتسنى للناس معرفة الفقيه الذي ينطبق حكمه مع حكم القرآن ؟؟ فأن قلتم إن الأعلم هو الذي أصاب الحقيقة ولنفترض انه الحسني الصرخي (أدامه الله) ، معنى ذلك إن جميع الشيعة الموجودون في العراق وفي إيران وباكستان ولبنان والعالم جميعا الذين لا يقلدون الصرخي هم في ظلال وفي النار لأنهم لم يصيبوا حكم القرآن الكريم أليس كذلك ؟؟؟
أكتفي بمناقشة الأدلة القرآنية التي طرحها الأخوة الأعزاء على إنها دالة على وجوب التقليد ، وفي الحلقة الثانية سنناقش بأذن الله الأدلة الروائية التي احتج بها الأخوة على إنها دالة على وجوب التقليد ،
واعلموا والله اني أطلب الحقيقة وليس من المعاندين ، والله شاهد على ما أقول ، تقبلوا تحياتي أخوكم في الله
سوف نقوم بعد التوكل على الله مناقشة جميع الأدلة القرآنية والروائية التي احتج بها جميع الأخوة الذين يوجبون التقليد بالاعتماد على القرآن والروايات المعصومة وبدون الركون إلى التعصب أو هوى النفس الأمارة بالسوء ، وليعلم الجميع إن ذلك نقاش من أجل الوصول إلى الحقيقة :
أدلة التقليد القرآنية :
1) احتج بعض الأخوة في هذه الآية بأنها دليل على وجوب التقليد وهي قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)
أقول: إن الآية المباركة ليس لها مدخلية بوجوب التقليد لا من بعيد ولا من قريب وهي من الآيات الخاصة بالنبي والإمام ، وكلمة (ليتفقهوا ) الواردة في الآية الكريمة لا تعني على الإطلاق بالفقه المتعارف لدينا ، انظر إلى قول العلامة صاحب الميزان ماذا يقول ((تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 9 - ص 404 ومعنى الآية لا يجوز لمؤمني البلاد إن يخرجوا إلى الجهاد جميعا فهلا نفر وخرج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم ولينذروا بنشر معارف الدين وذكر آثار المخالفة لأصوله وفروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلهم يحذرون ويتقون . ومن هنا يظهر أولا : إن المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول وفروع لا خصوص الأحكام العملية وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة ، والدليل عليه قوله : ( لينذروا قومهم ) فإن ذلك أمر إنما يتم بالتفقه في جميع الدين وهو ظاهر)) ،
ثم انظروا ماذا يقولون أهل بيت نبيكم في خصوص هذه الآية المباركة :
تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 1 - ص 304 - 307
حدثني أبي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام ..... وقوله ( ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) يعني إذا بلغهم وفاة الإمام يجب أن يخرج من كل بلاد فرقة من الناس ولا يخرجوا كلهم كافة ولم يفرض الله أن يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الإمام ولكن يخرج طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم ( لعلهم يحذرون ) كي يعرفوا اليقين ،
التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 2 - ص 388 - 389
. وفي الكافي : قيل للصادق عليه السلام : إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس ؟ فقال : أين قول الله عز وجل : ( فلولا نفر من كل فرقة ) الآية ، قال : قلت : فما حالهم ؟ قال : هم في عذر ما داموا في الطلب ، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم ،
تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 1 - ص 540 - 541
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن بريد بن معاوية عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلحك الله بلغنا شكواك واشفقنا فلو أعلمتنا أو علمتنا من ؟ فقال : إن عليا عليه السلام كان عالما والعلم يتوارث ، فلا يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله ، قلت أفيسع الناس إذا مات العالم إن لا يعرفوا الذي بعده ؟ فقال أما أهل هذه البلدة فلا - يعنى المدينة - واما غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم إن الله يقول ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) قال قلت أرأيت من مات في ذلك ؟ فقال هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره على الله ، إذن الآية لا تعتبر دليل من أدلة وجوب التقليد .
2) احتج بعض الأخوة بهذه الآية في وجوب التقليد وهي قوله تعالى (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون)
وكما هو واضح كالشمس في رابعة النهار إن الذي يهدي إلى الحق ليس له علاقة بمرجع التقليد بل هو خاص بالإمام واجب العصمة في كل زمان ومكان وليس فيه وجه عموم ، لأن الذي يهدي إلى الحق لازمه أن يكون مهتديا بنفسه _ كما تقرر الآية المباركة _ وإلا لو كان مهتديا بغيره فكيف يكون هاديا لغيره وهذه الصفة غير موجودة إطلاقا في دائرة جائزي الخطأ بل هي موجودة فقط عند دائرة واجبي العصمة ( عليهم السلام ) ، فمرجع التقليد مهتديا بغيره فلا يكون هاديا إلى الحق البتة إلا أن يكون مهتديا بنفسه وهو غير ممكن في دائرة جائزي الخطأ فإذا كان المؤخر باطل فالمقدم مثله ، فكيف يأمر الله سبحانه وتعالى بتقليد شخص ما ليس مهتديا بنفسه فهذا تناقض صريح مع حقيقة الآية المباركة ، انظر إلى العلامة صاحب الميزان كيف قرر هذه النتيجة من هذه الآية المباركة ((تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 273 – 274 وقد قال الله تعالى : أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي ) يونس - 35 . وقد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق وبين غير المهتدي إلا بغيره ، أعني المهتدي بغيره ، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتديا بنفسه ، أن المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحق البتة )) ، ثم انظر إلى هذه الرواية بدقة :
الكافي - الشيخ الكليني - ج 7 - ص 249
عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لقد قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقضية ما قضى بها أحد كان قبله وكانت أول قضية قضى بها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضي الأمر إلى أبي بكر أتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : أشربت الخمر ؟ فقال الرجل : نعم ، فقال : ولم شربتها وهي محرمة ؟ فقال : إنني لما أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ولو أعلم أنها حرام فأجتنبها قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبو الحسن لها فقال أبو بكر : يا غلام ادع لنا عليا قال عمر : بل يؤتى الحكم في منزله فأتوه ومعه سلمان الفارسي فأخبره بقصة الرجل فاقتص عليه قصته فقال علي عليه السلام لأبي بكر : ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه فإن لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه ففعل أبو بكر بالرجل ما قال علي عليه السلام فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله فقال سلمان لعلي عليه السلام : لقد أرشدتهم فقال علي عليه السلام : إنما أردت أن اجدد تأكيد هذه الآية في وفيهم " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون "
انظر عزيزي كيف احتج أمير المؤمنين (ع) بهذه الآية المباركة لسلمان وخصصها لنفسه فهو المهتدي بنفسه ولم يدخل معه حتى سلمان الفارسي وهو العالم المتبحر والفقيه .
3) احتج بعض الأخوة في هذه الآية على أساس إنها من أدلة وجوب التقليد وهي قوله تعالى ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل: من الآية43) ، إن المتصفح لروايات أهل البيت (عليهم السلام) يجد بدون أي جهد إن هذه الآية المباركة مختصة بدائرة أهل البيت بدون منازع فهي من آيات الاختصاص وليس فيها عموم ، وأكتفي برواية واحدة في الكافي وإلا هناك العشرات التي تدلل على هذه الحقيقة ((الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 210 ،الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ، عن علي بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " قال : الذكر محمد صلى الله عليه وآله ونحن أهله المسؤولون ، قال : قلت : قوله : " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " قال : إيانا عنى ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون)) ، وربما احتج البعض بقوله إن أهل الذكر مصداقه الأوضح أهل البيت ولا مانع من أن يتعدى المصداق إلى غيرهم : أقول : إن آيات الاختصاص ليس لها إلا مصداق واحد فهي منحصرة في دائرة أهل العصمة والدليل على ذلك قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)(الزمر: من الآية9) ، انظر إلى هذه الآية بدقة كيف يفسرها الإمام الصادق(ع) إلى أبو بصير في هذه الرواية ((الكافي - الشيخ الكليني - ج 8 - ص 35 : يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه فقال عز وجل : " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب " فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون و شيعتنا هم أولوا الألباب)) ، انظر عزيزي إن الإمام الصادق(ع) أين وضع الشيعة عموما فهم من ألوا الألباب وليس من الذين يعلمون حتى أبو بصير وهو العالم في الفقه لم يدخله الإمام إلا من ألوا الألباب .
4) وأخيرا أريد أن أغلق باب الأدلة القرآنية بهذه الآية المباركة وهي قوله تعالى(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) ، هنا توجد ضابطة مهمة وضعها القرآن الكريم وهي إن أحكام القرآن الكريم هي واحدة وليست مختلفة ، فإذا وجد الاختلاف بالأحكام تكون النتيجة هي ليست من القرآن ، أليست هذه الضابطة موجودة في هذه الآية الكريمة ؟؟؟ وهنا اسمحوا لي أن أسأل هذا السؤال ، هل إن الأحكام التي تصدر من مراجعنا الكبار واحدة أم مختلفة ؟؟؟ إذا كانت واحدة فهي من القرآن والسنة ، وإذا كانت مختلفة فهي من غير القرآن أليست هذه الحقيقة تقررها الآية المباركة ؟؟؟ ولكي أقرب المطلب أكثر أضرب هذا المثال البسيط ، الشمس من المطهرات أم من غير المطهرات ؟ قسم من الفقهاء قال إنها من المطهرات وقسم آخر لم يجعلها من المطهرات ، أقول إن الحكم القرآني الحقيقي واحد أم متعدد ؟؟ مما لا شك انه واحد وليس متعدد لأنه إذا كان متعدد تناقض مع الآية السابقة فلا بد من أن يكون واحدا وليس متعدد ، كم اختلف الفقهاء في حكم مسألة واحدة ، فلا بد أن يكون المصيب هو واحد والآخرون مخطئون ، أليس كذلك؟؟ ثم كيف يتسنى للناس معرفة الفقيه الذي ينطبق حكمه مع حكم القرآن ؟؟ فأن قلتم إن الأعلم هو الذي أصاب الحقيقة ولنفترض انه الحسني الصرخي (أدامه الله) ، معنى ذلك إن جميع الشيعة الموجودون في العراق وفي إيران وباكستان ولبنان والعالم جميعا الذين لا يقلدون الصرخي هم في ظلال وفي النار لأنهم لم يصيبوا حكم القرآن الكريم أليس كذلك ؟؟؟
أكتفي بمناقشة الأدلة القرآنية التي طرحها الأخوة الأعزاء على إنها دالة على وجوب التقليد ، وفي الحلقة الثانية سنناقش بأذن الله الأدلة الروائية التي احتج بها الأخوة على إنها دالة على وجوب التقليد ،
واعلموا والله اني أطلب الحقيقة وليس من المعاندين ، والله شاهد على ما أقول ، تقبلوا تحياتي أخوكم في الله
تعليق