التقليد والاجتهاد بالصورة التي تقررهما فيها المدرسة الأصولية الشيعية من أخطر الانحرافات التي ألحقت بالشريعة، وأكثرها مرارة، فالشيعة من خلال هذا الانحراف الذي استوردوا أدواته من مدرسة أتباع الخلفاء، وضعوا قدمهم على الطريق التي سلكها أولئك في صدر الأمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
بين يدي الآن مقال كتبه السيد رسول علي تحت عنوان: فقه التقليد ... نظرة تاريخية، سطر من خلاله الحجج التي دفعت بها إلى السطح مدرسة الأصوليين لتبرير انحرافهم غير المبرر على الإطلاق. وإذا كان المظنون أن السيد رسول علي هو أحد المبتلين بداء التقليد العضال، وأنه يظن أنه يحسن صنعاً باجترار حجج الأصوليين الواهية دون تحقيق أو حتى استدلال من جهته على إثبات كونها ناهضة بمدعى الأصوليين، ولاسيما ما يتعلق بزعمهم أن أمثال هذه الحجج تسوغ لهم اجتهادهم، وتؤيد فكرتهم عن مشروعية اجتراح أحكام جديدة من خلال مقدمات عقلية ملفقة، فإن من المؤسف حقاً أن يشعر المرء أن كلامه هذا ينتظم في سياق الجهد الترميمي الذي تمارسه مرجعيات اليوم لتحسين صورتها المتصدعة على المستوى الشعبي.
الحجة الأبرز التي يكررها السيد المذكور في مقاله تتلخص بزعمهم أن التقليد فطرة إنسانية يسلم لها العقل دونما حاجة لمزيد من العناء الاستدلالي وسوق الأدلة، فالعقل حاكم بضرورة عودة الجاهل للعالم، ولا ينسى أن يذكر بأن هذا السياق المعرفي ملاحظ على مستويات العلوم المختلفة، ولكنه وهو حمئة الغفلة عن تبين مديات هذه الفكرة، يقحم في البين مقولة واضحة التهافت والبطلان، فيزعم أن الله تعالى قد حث على التقليد، وكان يكفيه الالتفات إلى آيات كثيرة في القرآن تذم التقليد وأهله، من قبيل قوله تعالى معرضاً بالكافرين: ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون ).
ويحاول تبرير هذه السقطة بقوله: ( لأنه يعتبر نوع من أنواع تناقل المعلومات )؟! والحق أن المسألة تتطلب حديثاً عن نوعية المعلومات من جهة الصحة أو عدمها وهو ما غفل عنه، وهو ما يؤكد الشرع على خطورته فيما يتعلق بمسألة الأحكام والتشريعات.
ويسوق السيد رسول علي مقولة أخرى تتعلق بالحث على السؤال الذي يؤكد عليه الخطاب القرآني، وهي في الحقيقة مقولة لا تناسب ما يذهب إليه، بل هي مناسبة أكثر لمقال يذهب إلى نقيض ما ذهب إليه، فمن المعلوم أن التساؤل والبحث والتحقيق لا يتفق أبداً مع أسس ثقافة التقليد المرتكزة على فكرة التسليم الأعمى للمرجع.
وبالعودة إلى مقولة عودة الجاهل إلى العالم، والمريض إلى الطبيب التي يكررها في مقاله، أقول إن هذه المقولة بديهية حقاً ولكنها مع هذا يتم زجها في استدلالات الأصوليين بغير قليل من الدهاء والتضليل.
فالمقولة أعلاه لا تثبت النتيجة التي يلحون على تلفيق الأدلة عليها، لأننا بعد التسليم بها نتساءل من هو العالم ؟ من هم العلماء الذين ينبغي الرجوع إليهم وتحصيل المعرفة بالأحكام الشرعية منهم ؟ فمن علوم الشريعة تكتنفها خصوصية مفقودة في الأمثلة التي ساقها السيد رسول علي من قبيل الفلسفة والنحو والطب.
فعلى مستوى تشريع الأحكام ومعرفة الحكم الشرعي لابد من الرجوع لمن هو متصل بمصدر الشرع، أي بالله تعالى، وهو من نصطلح عليه في مدرسة أهل البيت (ع) بالحجة المعصوم؛ أي بالرسول (ص) والأئمة حصراً فهم وحدهم العلماء.
يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ): " نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون ". (الكافي 1 / 34. كتاب فضل العلم).
الفطرة إذن تدلنا على ضرورة تقليد العالم، والشرع يحدد العالم بأنه المعصوم المتصل بالسماء، وليس للفقيه من الأمر شيئاً، بل هو بدوره متعلم عليه أن يقلد المعصوم ويتبع ما يصدر عنه، وهو ما لا يلتزم به الفقيه الأصولي الذي يحلو له ممارسة صلاحية رب العباد جل وعلا. يقول الله تعالى: ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )، فحتى رسول الله (ص) بحسب هذا النص القرآني لا يسعه التقول على الله، بل هو صلوات ربي عليه وآله كثيراً ما كان يُسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي.
ثم من العجيب الغريب بل من المؤلم حقاً أن يزعم السيد رسول علي أن الفقهاء هم مصداق لقوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر ) ولو كلف نفسه عناء البحث في الروايات الواردة عن آل محمد لكان جنب نفسه هذه الجناية بحقهم (ع) فعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهم السلام قال : ( إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) إنهم اليهود والنصارى . قال : إذاً يدعوكم إلى دينهم . قال: قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون ). وفي أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذكر ، والأئمة عليهم السلام أهله.
فأهل الذكر هم آل محمد (ع) دون سواهم.
أما قوله: ( بعد حياة النبي اخذ الناس يسالون الصحابة المقربين من رسول الله وقد انتبه النبي الكريم (ص) بحياته الى هذه المسالة المهمة فارسل رسلا من اصحابه المقربين والذين يعرف امكانيتهم الفقهية والعلمية لكي يكونون له سفراء في بلاد بها اناس لايستطيعون التواجد بجانب رسول الله (ص) ).
هذا القول ينطوي على مغالطة، فإذا كان مراده أن هؤلاء الذين يرسلهم النبي (ص) يمارسون التشريع من عند أنفسهم كما يفعل الأصوليون اليوم فهو وهم عريض، أما إن كان يقصد أنهم يعلمون الناس ما تعلموه من رسول الله (ص) فهو صحيح ولكنه لا يفيده بشيء، فليس هذا محل النزاع.
ما أميل إليه هو أن السيد رسول علي قليل البضاعة في الموضوع، فحديثه المكرر عن التقليد يفتقر بصورة فظيعة لمفهوم آخر صحيح هو التقليد بمعنى قبول الرواية لا الرأي وهو ما ذهب إليه الإخباريون من قبيل المحقق الكركي على سبيل المثال، وهؤلاء يقولون أن مسألة تقليد الميت لا ضير فيها طالما كان الفقيه لا يحكّم رأيه وإنما ينقل عن آل محمد (ع)، ففي هذه الحالة لا ميزة للحي على الميت، اللهم إلا التفاوت بالإحاطة بما ورد عنهم (ع).
المسألة إذن لا علاقة لها بالطبيب الناشئ والآخر العتيد كما يصورها السيد رسول علي، بل إن مقتضى تشبيهه فيه مظنة التضليل ولعله – غالباً – غير ملتفت إليه.
بين يدي الآن مقال كتبه السيد رسول علي تحت عنوان: فقه التقليد ... نظرة تاريخية، سطر من خلاله الحجج التي دفعت بها إلى السطح مدرسة الأصوليين لتبرير انحرافهم غير المبرر على الإطلاق. وإذا كان المظنون أن السيد رسول علي هو أحد المبتلين بداء التقليد العضال، وأنه يظن أنه يحسن صنعاً باجترار حجج الأصوليين الواهية دون تحقيق أو حتى استدلال من جهته على إثبات كونها ناهضة بمدعى الأصوليين، ولاسيما ما يتعلق بزعمهم أن أمثال هذه الحجج تسوغ لهم اجتهادهم، وتؤيد فكرتهم عن مشروعية اجتراح أحكام جديدة من خلال مقدمات عقلية ملفقة، فإن من المؤسف حقاً أن يشعر المرء أن كلامه هذا ينتظم في سياق الجهد الترميمي الذي تمارسه مرجعيات اليوم لتحسين صورتها المتصدعة على المستوى الشعبي.
الحجة الأبرز التي يكررها السيد المذكور في مقاله تتلخص بزعمهم أن التقليد فطرة إنسانية يسلم لها العقل دونما حاجة لمزيد من العناء الاستدلالي وسوق الأدلة، فالعقل حاكم بضرورة عودة الجاهل للعالم، ولا ينسى أن يذكر بأن هذا السياق المعرفي ملاحظ على مستويات العلوم المختلفة، ولكنه وهو حمئة الغفلة عن تبين مديات هذه الفكرة، يقحم في البين مقولة واضحة التهافت والبطلان، فيزعم أن الله تعالى قد حث على التقليد، وكان يكفيه الالتفات إلى آيات كثيرة في القرآن تذم التقليد وأهله، من قبيل قوله تعالى معرضاً بالكافرين: ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون ).
ويحاول تبرير هذه السقطة بقوله: ( لأنه يعتبر نوع من أنواع تناقل المعلومات )؟! والحق أن المسألة تتطلب حديثاً عن نوعية المعلومات من جهة الصحة أو عدمها وهو ما غفل عنه، وهو ما يؤكد الشرع على خطورته فيما يتعلق بمسألة الأحكام والتشريعات.
ويسوق السيد رسول علي مقولة أخرى تتعلق بالحث على السؤال الذي يؤكد عليه الخطاب القرآني، وهي في الحقيقة مقولة لا تناسب ما يذهب إليه، بل هي مناسبة أكثر لمقال يذهب إلى نقيض ما ذهب إليه، فمن المعلوم أن التساؤل والبحث والتحقيق لا يتفق أبداً مع أسس ثقافة التقليد المرتكزة على فكرة التسليم الأعمى للمرجع.
وبالعودة إلى مقولة عودة الجاهل إلى العالم، والمريض إلى الطبيب التي يكررها في مقاله، أقول إن هذه المقولة بديهية حقاً ولكنها مع هذا يتم زجها في استدلالات الأصوليين بغير قليل من الدهاء والتضليل.
فالمقولة أعلاه لا تثبت النتيجة التي يلحون على تلفيق الأدلة عليها، لأننا بعد التسليم بها نتساءل من هو العالم ؟ من هم العلماء الذين ينبغي الرجوع إليهم وتحصيل المعرفة بالأحكام الشرعية منهم ؟ فمن علوم الشريعة تكتنفها خصوصية مفقودة في الأمثلة التي ساقها السيد رسول علي من قبيل الفلسفة والنحو والطب.
فعلى مستوى تشريع الأحكام ومعرفة الحكم الشرعي لابد من الرجوع لمن هو متصل بمصدر الشرع، أي بالله تعالى، وهو من نصطلح عليه في مدرسة أهل البيت (ع) بالحجة المعصوم؛ أي بالرسول (ص) والأئمة حصراً فهم وحدهم العلماء.
يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ): " نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون ". (الكافي 1 / 34. كتاب فضل العلم).
الفطرة إذن تدلنا على ضرورة تقليد العالم، والشرع يحدد العالم بأنه المعصوم المتصل بالسماء، وليس للفقيه من الأمر شيئاً، بل هو بدوره متعلم عليه أن يقلد المعصوم ويتبع ما يصدر عنه، وهو ما لا يلتزم به الفقيه الأصولي الذي يحلو له ممارسة صلاحية رب العباد جل وعلا. يقول الله تعالى: ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )، فحتى رسول الله (ص) بحسب هذا النص القرآني لا يسعه التقول على الله، بل هو صلوات ربي عليه وآله كثيراً ما كان يُسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي.
ثم من العجيب الغريب بل من المؤلم حقاً أن يزعم السيد رسول علي أن الفقهاء هم مصداق لقوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر ) ولو كلف نفسه عناء البحث في الروايات الواردة عن آل محمد لكان جنب نفسه هذه الجناية بحقهم (ع) فعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهم السلام قال : ( إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) إنهم اليهود والنصارى . قال : إذاً يدعوكم إلى دينهم . قال: قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون ). وفي أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذكر ، والأئمة عليهم السلام أهله.
فأهل الذكر هم آل محمد (ع) دون سواهم.
أما قوله: ( بعد حياة النبي اخذ الناس يسالون الصحابة المقربين من رسول الله وقد انتبه النبي الكريم (ص) بحياته الى هذه المسالة المهمة فارسل رسلا من اصحابه المقربين والذين يعرف امكانيتهم الفقهية والعلمية لكي يكونون له سفراء في بلاد بها اناس لايستطيعون التواجد بجانب رسول الله (ص) ).
هذا القول ينطوي على مغالطة، فإذا كان مراده أن هؤلاء الذين يرسلهم النبي (ص) يمارسون التشريع من عند أنفسهم كما يفعل الأصوليون اليوم فهو وهم عريض، أما إن كان يقصد أنهم يعلمون الناس ما تعلموه من رسول الله (ص) فهو صحيح ولكنه لا يفيده بشيء، فليس هذا محل النزاع.
ما أميل إليه هو أن السيد رسول علي قليل البضاعة في الموضوع، فحديثه المكرر عن التقليد يفتقر بصورة فظيعة لمفهوم آخر صحيح هو التقليد بمعنى قبول الرواية لا الرأي وهو ما ذهب إليه الإخباريون من قبيل المحقق الكركي على سبيل المثال، وهؤلاء يقولون أن مسألة تقليد الميت لا ضير فيها طالما كان الفقيه لا يحكّم رأيه وإنما ينقل عن آل محمد (ع)، ففي هذه الحالة لا ميزة للحي على الميت، اللهم إلا التفاوت بالإحاطة بما ورد عنهم (ع).
المسألة إذن لا علاقة لها بالطبيب الناشئ والآخر العتيد كما يصورها السيد رسول علي، بل إن مقتضى تشبيهه فيه مظنة التضليل ولعله – غالباً – غير ملتفت إليه.
تعليق